تصميم: يوسف أيمن- المنصة

إعمار نموذجًا: المطورون العقاريون يشعلون فصل الصيف

منشور الاثنين 12 سبتمبر 2022

زحام من المواطنين يرتدي أغلبهم ملابس بيضاء لتخفيف وطأة حرارة الصيف، يتجمعون حول نموذج مصغر لمشروع سكني، يناقشون ويدخنون بترقب، ويظهر في خلفية المشهد شاطئ الساحل الشمالي بزرقته المميزة.

 كانت هذه واحدة من أكثر الصور انتشارًا على منصات التواصل الاجتماعي خلال صيف 2022، أما الحدث فكان مثيرًا للدهشة نظرًا لأن التزاحم كان على حجز وحدات باهظة الثمن تبدأ من 10 ملايين جنيه، في مشروع شركة إعمار.

تأسست إعمار مصر للتنمية عام 2005، وأدرجت في البورصة عام 2015 وتعمل في التخطيط وإقامة المناطق العمرانية والوحدات السكنية والقرى السياحية والأنشطة المكملة والمرتبطة بذلك "خدمية – ترفيهية – رياضية – تجارية وثقافية".

ملايين بعدد موج البحر

تبدو أسعار وحدات الساحل الشمالي التي أنشأتها شركات التطوير العقاري الكبيرة كأنها تخاطب نخبة ضيقة للغاية تقع على قمة الهرم الاجتماعي، خاصة أننا نتحدث عن أماكن للاصطياف لن تستخدم لأكثر من ثلاثة أشهر طوال السنة.

على سبيل المثال، تذكر المواقع العقارية أن أسعار شاليهات هاسيندا بالم هيلز، تتراوح بين 3.4 إلى 11.9 مليون جنيه، ويصل السعر إلى 26 مليونًا في فيلات المشروع، ويتنافس معها في مستويات اﻷسعار مقاربة منتجع جون التابع لسوديك، أو ماونتن فيو الساحل الشمالي، وغيرهم.

وتبدو إعمار من أكبر المتنافسين على تطوير شواطئ الساحل بأسعار فائقة الارتفاع، وتصل أسعار الوحدات العادية في مشروعها الرئيسي هناك، مراسي، إلى أكثر من 12 مليون جنيه بينما يصل سعر الفيلا إلى ما يقرب من 50 مليونًا.

هذه المستويات من الأسعار التي تبدو صادمة لشرائح واسعة من مجتمع يصل فيه عدد الفقراء إلى ما يقرب من الثلث، غذتها إعمار بطرح جديد الشهر الماضي لإحدى مراحل مشروع يحمل اسم سول، ويَعدُ برفاهية التمتع بالمساحات الخضراء والبحيرة الصناعية بجانب الشاطئ الطبيعي.

وفي المقابل يتراوح سعر الفيلا بين 48 و80 مليونًا، وبحسب مواقع صحفية كسرت بعض فيلات المشروع حاجز الـ 100 مليون جنيه.

وعن أسعار البيع في الطرح الأخير، قال مصدر مطلع على عملية البيع للمنصة إن إعمار باعت في سول نحو 5 فيلات بمتوسط سعري 75 مليون جنيه، فيما باعت باقي الوحدات الثلاثمائة بمتوسط سعري 20 مليونًا بأقل أو أكثر 5 ملايين جنيه حسب الموقع والمساحة.

فيما باعت قليلًا من الوحدات بسعر يتراوح ما بين 11 إلى 15 مليون جنيه، لكن الغالبية كان بين 17 إلى 25 مليون جنيه للوحدة.

كيف تشعل أسعار السوق؟

تطرح هذه المستويات السعرية تساؤلات عدة، حول طبيعة الطبقة المستهدفة بهذا المستوى من الرفاهية، وهل ترتفع أسعار الوحدات بسبب الطلب القوي عليها أم أنها حيل التسويق الماهرة لها دور في إشعال حمى الأسعار في السوق؟

يقول محلل القطاع العقاري بشركة العربي الإفريقي الدولي لتداول الأوراق المالية محمود جاد، إن هناك قاعدة لا بأس بها من العملاء تبحث عن وحدات بعشرات الملايين، وهي شريحة يتصارع عليها المطورون في الوقت الحالي، لكنَّ إعمار تُعدُّ واحدةً من أهم الشركات التي لديها مهارة خاصة في اجتذاب هذه الفئة.

"أولًا هذا النوع من العملاء لا يعتبر التسعير العامل الأساسي في الشراء عند اتخاذ القرار، ولديه سقف مرتفع من التوقعات بشأن المبلغ الذي سيدفعه، يعني إذا ارتفع السعر من 40 مليون جنيه إلى 50 أو 60 مليون جنيه فلن يكون ذلك سببًا لرفض عرض الشراء" وفقًا لحديث جاد إلى المنصة.

ويُقدِّر محللو القطاع العقاري مستوى الدخل السنوي للعملاء الذين تستهدفهم إعمار في هذا النوع من المشروعات، بما لا يقل عن مليوني جنيه في السنة، حوالي 167 ألف جنيه في الشهر.

وتساهم الأقساط طويلة المدى في إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من العملاء في شراء هذه الوحدات، و تعرض مواقع عقارية وحدات في مشروع سول على أقساط لمدة 8 سنوات.

الشريحة المستهدفة لا تقتصر على المصريين، إذ يشير استشاري العقارات أحمد عز الدين، إلى كون إعمار شركة إماراتية، فهي تستطيع أن تسوق منتجاتها في مصر بكفاءة عالية في أسواق الخليج، وفي ظلِّ ارتفاع مستوى الدخل في هذه البلدان فإن ثقافتهم الخاصة في الرفاهية تنتقل إلى السوق المصري "إعمار نافذة على الخليج ولديها حضور قوي هناك لذلك، ففرعها في مصر يتمتع بمزايا تسويق ليست متاحة بنفس القدر لمنافسيها".

مشتريات الأجانب دعمها أيضًا انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار خلال السنوات الماضية، من نحو 9 جنيهات حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2016 ليصل إلى 19.18 جنيه للبيع هذا الشهر، ما يعني أن تكلفة شراء وحدة بقيمة 20 مليون جنيه مصري بالدولار انخفضت لأقل من النصف خلال نحو ست سنوات.

الغرض من الشراء أيضًا لا يشترط أن يكون لقضاء وقت سعيد على الشاطئ، لكن قد يكون أيضًا بهدف الاستثمار، فهناك مصريون يقيمون في الخليج ويراهنون على زيادة الأسعار المستمرة في العقارات والاستفادة منها كمستثمر، كما يضيف جاد.

بجانب العوامل المتعلقة بالطلب، هناك أيضًا ما يتعلق بمهارة إعمار في تسويق الوحدات، إذ قامت الشركة بطرح عدد محدود جدًا من الوحدات في سول، ما ساهم في خلق المشهد الذي تداولته وسائل التواصل الاجتماعي لمواطنين يتكالبون على الشراء، ما ساعد على تقبل الأسعار المرتفعة.

 كان عدد الوحدات المطروحة في أغسطس/ آب الماضي 300 فقط من مشروع مخطط له أن يبلغ إجمالي وحداته 2500 وحدة، أي أننا نتحدث عن طرح 12% من المشروع "المطور درس السوق ويعرف حجم الطلب، بالتالي يطرح عددًا محدودًا من الوحدات في كل مرحلة، ولا يطرح مرحلة جديدة إلا بعد وجود طلب" بحسب جاد.

بناء على كل العوامل السابق، يقدر مدير شركة صقر للتطوير و الاستشارات SDC أحمد صقر، أن إعمار استطاعت في مشروع سول أن تبيع الوحدات  بأعلى سعر في الساحل الشمالي، وبضعف القيمة المعتادة لها في السوق المصري، بفضل "البروباجندا".

 

الكومباوند كمكان للتميز

هناك أيضًا من يرى أن إعمار كانت من أبرز المطورين العقاريين الذين نجحوا في استثمار ثقافة الكومباوند. ويقول صقر إن بعض شركات التطوير في الساحل الشمالي التي عرضت وحداتها بأسعار معتدلة، في محاولة لجذب المشترين والحفاظ على تدفقات نقدية، لم تحصل في النهاية على اهتمام العملاء الذين يفضلون على ما يبدو الأسعار المرتفعة التي لا يستطيع دفعها سوى قلة، وذلك حتى يضمنوا أن جيرانهم في المنتجع سيكونون من الصفوة.

وبدأت مدينة الرحاب فكرة الكومباوند في التسعينيات، لكن مطورها طلعت مصطفى لم يكن مهتمًا بمن سيسكن هناك، فيما بعد اتجه المطورون للتركيز على مستوى الرفاهية الذي لا تقدر عليه إلا نخبة مجتمعية، كما يقول عز الدين مضيفًا "هذا هو السبب في أن الدعاية التسويقية أصبحت تستخدم بكثافة تعبيرات مثل أفضل وأكبر".

تلك النخبة التي يشير إليها عز الدين، هي الجمهور المستهدف لشركة إعمار، الذي مكنها من بيع وحداتها في الساحل الشمالي بأسعار مرتفعة، وما زالت تمثل قوة شرائية تعزز من عمل شركات التطوير العقاري.