في مكان ما، يوجد أرشيف رقمي لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، تحتفظ فيه المجموعة القتالية بسِيَرِ مقاتليها منذ انضمامهم إليها، ويكشف عن تاريخهم الدموي "الجهادي"، بعد قيامهم بتنفيذ الهجمات الكبرى التي صار التنظيم يقوم بها خارج مناطق نفوذه في العراق وسوريا منذ أشهر.
في العدد الأحدث من مجلة دابق الإلكترونية قليلة الصفحات التي يصدرها تنظيم الدولة الإسلامية على الإنترنت، نُشرت صورة لنجيم العشراوي، الطالب السابق بمدرسة كاثوليكية، والبالغ من العمر 24 عامًا، والذي شوهد آخر مرة، وهو يسحب حقيبة مفخخة إلى داخل مطار بروكسل. في الصورة المنشورة، يرتدي العشراوي زيًا عسكريًا، وهو يغمز بسادية لعدسة الكاميرا، وإلى جواره رجل يحمل سكينا مخضبًا بالدماء، مما يوحي بأنهما قد انتهيا لتوهما من ذبح أحد الأسرى.
ومن الجدير بالذكر أن زييّ الرجلين يطابقان الأزياء التي كان منفذو هجمات باريس يرتدونها العام الماضي، كما يظهر في مجموعة أخرى من الصور والمقاطع المصورة المصاحبة لها، تم سحبها من الأرشيف نفسه في وقت سابق. جري تصوير هذه الصور والمقاطع في مكان ما بسوريا أو العراق قبل الهجمات، وتم نشرها جماهيريًا بعد وقت قصير من تنفيذ الهجمات بالفعل. الصور تظهر نفس الأساليب المموهة للقتال في الصحراء، نفس السترة وغطاء الرأس، نفس قفازات اليد المقصوصة ونفس المشهد القبيح للدماء المسفوكة.
قبل عودتهم إلى أوروبا لتنفيذ هجماتهم، خضع الانتحاري المنفذ لهجمة بروكسل، ومخططي هجمات باريس إلى جلسة تصوير جرى تصميمها بعناية، لتظهر الفظائع التى ارتكبوها في سوريا والعراق. ولغرض واضح: أن تظهر للغرب أن هؤلاء المهاجمين أرسلوا إلى أوروبا من قلب آلة التنظيم الإرهابية.
وتكشف السيرة الذاتية القصيرة التي أفصح عنها تنظيم الدولة الإسلامية لشعرواي، المعروف أيضًا بالاسم الحركي: أبو إدريس البلجيكي، عن أنه المسؤول عن صناعة القنابل المستخدمة في هجمات باريس وبروكسل. وتقول السيرة الذاتية أيضًا أن اتصاله الاول بالتنظيم جاء عبر تجنيده في كتيبة عمرو العبسي، رئيس مجلس شورى المجاهدين. في تقرير لبين تاوب نشرته صحيفة النيويوركر عام 2012، أصبح مجلس شورى المجاهدين مصدر جاذبية للجهاديين الأوروبيين، وخاصة البلجيكيين منهم، الذين توافدوا على فيلا ذات أسوار عالية في منطقة كفر الحمرا إلى تلك لمجموعة نقطة جذب للجهاديين الأوروبي، خصوصا البلجيكيين، الذين توافدوا على مقر محصن بكفر حمرا، على أطراف حلب السورية.
لاحقًا أعلنت مجموعة العبسي ولاءها للدولة الإسلامية، التي عرفت وقتها باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وداعش. تقول السيرة الذاتية إن شعراوي كان من أوائل عناصر الكتيبة الذين أعلنوا ولاءهم للدولة الإسلامية.
تقول مجلة دابق، إن شعراوي أمضى شهورًا في التعافي فيها من إصابة بعيار ناري في الساق، قبل البدء في التدريب "من أجل تحقيق حلمه في العودة إلى أوروبا للانتقام للمسلمين". وبعد الانتهاء من تدريبه، "قطع طريقا طويلا إلى فرنسا لتنفيذ مهمته".
حتى الصور التي لم ينشرها التنظيم قد تساعد مستقبلاً على الإجابة عن بضعة أسئلة.
إبراهيم البكراوي الذي فجر نفسه في السابعة و58 دقيقة صباح يوم 22 مارس/ أذار في مطار بروكسل، وشقيقه خالد البكراوي الذي نسف متفجراته في التاسعة واحد عشر دقيقة من صباح اليوم نفسه في عربة قطار الأنفاق في العاصمة البلجيكية، لا يظهر أيهما في الصور التي نشرتها دابق للمقاتلين في سوريا. وسيرهما الذاتية في "دابق" لا تذكر شيئًا عن ترحالهما لسوريا، وبدلا من ذلك تقول إن الشقيقين اعتنقا أفكارهما المتشددة في فترة سجنهما بأوروبا.
وهذا يرجح أن الشقيقين بكراوي لم يسافرا إلى سوريا، وهو أمر كان مشكوك فيه منذ يونيو/ حزيران، عندما اعتقلت السلطات التركية إبراهيم البكرواي في مدينة غازي عنتاب، الواقعة بالقرب من الحدود السورية. وتعرف هذه البلدة بأنها محطة انتقال المقاتلين الأجانب، الراغبين في الانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية، ويعني هذا منطقيًا الشك في أنه قابل "الدولة الإسلامية" في سوريا. ولكن المقال المنشور في مجلة التنظيم، بالإضافة لحقيقة أن الشقيقين تموضعا لصورة دعائية واضحة، تجعل تلك الشكوك أكثر قوة.
تقول سيرة إبراهيم البكراوي المنشورة بالمجلة خلال فترة قضائه عقوية السجن لارتكابه سرقات مسلحة، بدأ ي وخلال سجنه "استغرق في القراءة حول الفظاعات التي طالت المسلمين في سوريا". وعندها "انفلت شيء من عقاله" على حد وصف المجلة، وبعد إطلاق سراحه، انخرط مع شقيقه خالد في شراء الأسلحة، والبحث عن سكن وضع خطة للهجمات.
وفي العدد الأخير من مجلتها، أرجعت الدولة الاسلامية الفضل في هجمات باريس التي وقعت في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني، إلى الأخوين بكراوي "بعد الله عز وجل، فان الفضل يعود إلى إبراهيم واخيه في تنفيذ الغزوة علي باريس".
على الرغم من أن الشقيقين لم يسافرا إلى سوريا؛ فان مجلة دابق ربطتهما بالتنظيم، من خلال زعمها أن خالد راودته سلسلة معقدة من الأحلام داخل زنزانته في أوروبا.
قبل أن تضحك، علك ان تعلم أن الأحلام تلعب دورًا مهمًا في الفكر الجهادي. حيث ترى بوصفها رؤى يوحي به الإله.
في الحلم الأول، يفترض أن البكراوي رأى النبي محمد على فرس في قلب معركة، ثم وجد نفسه رامٍ يصوب سهامه نحو العدو. وينتقل الكاتب في مجلة دابق إلى رواية الحلم الثاني فالثالث للبكراوي، وصولا إلى الحلم الذي راوده بعد هجمات باريس.
في حلمه الأخير، يفجر نفسه الشاب نفسه بالحزام الناسف، وتسقط رأسه على الارض فيلتقطها أبو محمد العدناني، المتحدث الرسمي باسم تنظيم الدولة الاسلامية.
نحن نعرف الآن بأن العدناني إلى جانب كونه المسؤول الدعائي للتنظيم، فهو أيضًا قائد لفرع خاص داخل التنظيم مكرَّس لشن الهجمات في أوروبا.
الدلالة المرتبطة بذلك الآن باتت واضحة: تنظيم الدولة الإسلامية يريد للعالم ان يعرف، أن فرع العمليات الذي يقوده العدناني هو المسؤول بشكل مباشر عن العمليات التي وقعت في بروكسل.
"باريس كانت إنذارًا" بحسب افتتاحية المجلة، "وبروكسل كانت تذكيرًا". وما هو آت سيكون أكثر تدميرًا ومرارا.
نشر التقرير بمجلة نيويورك تايمز الامريكية تحت عنوان: " بالصور.. داعش تظهر كيف انطلقت هجمات بروكسل من سوريا".