عندما "اختفى" عمر الديب قرابة يوليو/تموز 2016 كان شابًا معارضًا لجماعة الإخوان، ثم عاد وظهر في الثاني عشر من فبراير/شباط 2018 كمقاتل في مجلّة حماة الشريعة التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ"داعش". أما زبيدة، فعندما "اختفت" في أبريل/نيسان 2017 كانت شابة تشارك في مسيرات إخوانية معارضة، إلى أن عادت وظهرت في فبراير/شباط 2018 كفتاة متمردة على أهلها في لقاء تليفزيوني من إعداد وزارة الداخلية.
عمر وزبيدة، كليهما، ساد اعتقاد بأن قوات الأمن المصرية "أخفتهما قسريًا"، وبين اختفاء وظهور خسرت قضية الاختفاء القسري كثيرًا. جدل وموضوعات صحفية، وتصريحات إعلامية تغذت على قصة الديب ومن بعده زبيدة لنفي وجود الاختفاء القسري برمته وصك مصطلح "أكاذيب الاختفاء القسري" في مصر.
ولكن في واقع موازٍ، هناك حالات أخرى لأشخاص اختفوا أيضا ولكن عندما ظهروا كانوا في حوزة الأمن الوطني بما يرجح تورط الدولة في حالات اختفاء قسري فعلية. من ضمن هؤلاء مصطفى الأعصر وحسن البنّا، والمحامي الحقوقي عزّت غنيم الذي عرض قبل أيام على نيابة أمن الدولة دون حضور محاميه، بحسب مختار منير، المحامي الحقوقي، بعد اختفائه لثمان وأربعين ساعة دون استدلال على مكانه، ومنهم كذلك حسن حسين الذي أخذته قوة أمنية من منزله ولم يستدل على مكانه حتى الآن، بحسب ابنته.
https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fmokhtarz.mounir%2Fposts%2F2101272026768569&width=500
https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fnoha.hassan1%2Fposts%2F10155982364165140&width=500إنكار وجود اختفاء قسري في مصر جاء أيضًا على ألسنة رسمية، كعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان صلاح سالم الذي قال في حوار على قناة الحياة، الأسبوع الماضي، إن المجلس فنّد "ادعاءات" الاختفاء القسري خلال تقريره الصادر في يوليو/تموز 2016، على الرغم من أن التقرير يشير إلى أنه من بين 266 حالة وصلت مكتب شكاوى المجلس عام 2015 لم تنفِ الداخلية مسؤوليتها سوى عن 44 منهم فقط، و27 حالة قالت الداخلية إنها أفرجت عنهم بعد تأكدها من عدم تورّطهم في أعمال مخالفة للقانون، بينما بقي الآخرون قيد الحبس الاحتياطي.
كما أن تقرير لاحق صدر قرير عن نفس المجلس في يوليو/تموز 2017، ذكر أن قوات الأمن احتجزت أكثر من 100 حالة ولم تبلغ عن مكانهم، وقطعت الاتصال بينهم وبين ذويهم أو محاميهم لفترات تتراوح ما بين 10 إلى 50 يومًا، بحسب التقرير.
التحقق مسؤولية من؟
استخدام الإعلام لحالات كزبيدة والديب للتشكيك في وجود اختفاء قسري في مصر وتحميل المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية مسؤولية التحقق وتفنيد الحالات أمر يرفضه محمد الباقر، المحامي الحقوقي بمركز عدالة للحقوق والحريات "الأمر مسؤولية وزارة الداخلية التي لا تعلن عن وجود المحتجزين لديها، والنيابة التي لاتحقق في بلاغات الاختفاء القسري".
يشرح الباقر خطوات عملهم عند ورود ادعاء باختفاء شخص ما قسريًا، تبدأ إجراءات التحقق بسؤال الشهود على عملية القبض، وتحليل الواقعة "اتاخد منين؟ والساعة كام؟ وإتاخد إزاي ومين خده؟ هل كانوا لابسين لبس قوات أمن أو كانوا في عربات تابعة لقوات الأمن"، بعدها يقوم المحامون بسؤال القسم التابع له موقع اختفاء الشخص، فإذا أنكر القسم وجوده ومضى أربع وعشرون ساعة على الواقعة، يقوم المحامون بتحرير محضر بواقعة الاختفاء "عادة القسم بيرفض يحرر المحضر"، يقول باقر.
يلجأ المحامون في المرحلة التالية إلى إرسال تلغرافات للنائب العام بحدوث الواقعة، يعقبها تحرير بلاغ للنائب العام، وهنا تأتي مسؤولية النيابة للتحقيق، وهو ما يؤكد الباقر أنها خطوة نادرا ما تتخذها النيابة، ويتفق معه في ذلك حليم حنيش، المحامي بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات.
تقاعس النيابة عن التحقيق في البلاغات يضع على عاتق المنظمات والمحامين اجتهاد التحقق من الحالات التي تردهم، ورغم أنها ليست مسؤوليتهم لكنهم يسعون للتحقق خوفًا من تكرار فقاعات غير دقيقة أو غير حقيقية قد تؤثر على ضحايا حقيقيين. يقول حنيش "بنحاول نجتهد قد ما نقدر في التحقق من الحالات عن طريق التحقيق في رواية الأهل، واستبعاد الروايات المتناقضة، وتأخير التقارير اللي بنصدرها قد ما نقدر عشان نتأكد من صحة كل واقعة، وإن كل الحالات لم تظهر بعد في النيابة مثلاً".
يوضح حنيش "هناك قرائن تزيد من مصداقية ادعاء باختفاء قسري ما، مثل أن يختفي شخص ومن ثم يختفي أصدقاء له".
لم يتورط حنيش في حالتي زبيدة وعمر بأي شكل "هذه القضايا عملنا عليها وحققنا فيها ووجدنا أن بها ما يثير الشك فلم نتحدث عنها"، ويضيف "لم تتحدث أي منظمة حقوقية عن زبيدة وعن قصّتها مثلاً"، لكنه لا ينكر أن مثل هذه الحالات تؤثر سلبا على عملهم بشكل عام حتى وان لم تصدر منهم.
يختلف كل من الباقر وحنيش في تقدير التأثير السلبي، فبينما يصفه الأول بالوقتي، يرى الثاني أن له تأثيرا أبعد خاصة فيما يتعلّق بالتعاطف الإعلامي مع القضية وحماس الأفراد المشاركين في حملات الضغط. هذا الأثر كان مضاعفًا في حالة إضراب محتجزين عن الطعام إثر تعرضهم لمعاملة سيئة وقبض عشوائي، كما يحكي أحد أعضاء حملة الحرية للجدعان، والذي رفض ذكر اسمه.
يقول العضو إنهم تبنوا هذه القضية في وقت كان الرأي العام لا يصدق وجود انتهاكات في السجون أو عمليات قبض عشوائي "إحنا كنّا في 2014 والناس كان صعب تصدّق، فما بيصدّقوا يمسكوا في حاجة أو موضوع (كاذب) عشان يرفضوا تصديق وجود الانتهاكات".
يقول العضو إن الحملة واجهت صعوبة في التحقق من ادعاءات الإضراب عن الطعام "بنعتمد على كلام المحامين أو الأهل، لأن المُضرب عن الطعام عادة السجن بيرفض يحرر محضر يثبت إضرابه"، يؤكد العضو أن أكثر المشاكل التي تواجههم هي تأخر الإبلاغ عن تطورات حالة السجناء "أحيانًا بيكونوا فكّوا إضرابهم واحنا ما بيوصلناش الخبر غير متأخر".
حمّل الباقر وحنيش وعضو حملة الحرية للجدعان جميعهم المسؤولية الأكبر للنيابة والداخلية في وجود حالات غير صحيحة، وذلك لعدم اضطلاع النيابة بالتحقيق في البلاغات وعدم الإبلاغ بحالات الاختفاء. يضرب حنيش مثلًا بأحد الحالات التي وصفها بالنادرة، حققت فيها النيابة في واقعة اختفاء قسري لأب، هو عاطف فرج، وابنه يحيى، تم اقتيادهما عام 2015 من قبل قوات الأمن من منزلهم بمنشأة ناصر ولم يستدل على مكانهما "النيابة لما حققت، قسم الشرطة بعت جواب رسمي مختوم وأعلن احتجازهم من قبل قوّات الأمن الوطني"، لكن النيابة، بحسب حنيش، لم تقم بمحاسبة الجهة المسؤولة عن إخفاء الاثنين، وفقًا لبيان مباحث منشأة ناصر.