رغم أن تنظيم الدولة الإسلامية ينسب الكثير من الأحداث الإرهابية الأخيرة لنفسه، فإن وجود الشبكات الإرهابية في بلجيكا يسبق الحرب السورية
بن توب
عن النيويوركر
بعد الساعة الثامنة من صباح يوم الثلاثاء بفترة قصيرة، بدأ المئات من المسافرين بالركض في الممر المؤدي إلى خارج مطار بروكسل، وهم يجرَون ورائهم حقائبهم. البعض ألقى بالنظر خلفه نحو الحائط الزجاجي المحطم، الذي يتسلل منه الدخان وهو غير مصدق. لقد فجر انتحاريان اثنان أنفسهما في صالة المغادرة.
وبالداخل، وبين بِرَك الدماء وبين الحطام، كانت هناك أعضاء بشرية ملقاة على الأرض. وبسبب الانفجارين سقطت ألواح السقف، وغطت الموتى وملأت الصالة بالغبار. صرخ الناجون، والعديد منهم كانوا ملطخين بالدماء – سواء كانت دماءهم هم أنفسهم أو دماء من حولهم. توقف البعض ليصوّر الكارثة، وكان هناك سلاح كلاشنيكوف بالقرب من مكان انفجار إحدى القنبلتين. وبجانب نقاط التفتيش، أخلى المسافرون صالات المطار ولجأوا إلى مدرج الطائرات الأسفلتي، وغطوا أنفسهم بأغطية المطار بسبب البرد.
وبعد ذلك بأقل من ساعة، وبالقرب من مقر المفوضية الأوروبية، حدث انفجار بداخل عربة بالمترو أثناء تحركه بين محطتي ميلبيك وشومان. توقف القطار بداخل النفق. فتح الركاب الأبواب عنوة، ولخوفهم من أن تكون هذه أول الهجمات وليس آخرها، بدأ الذين لم يُقتلوا أو الذين أصيبوا بالجري على القضبان. في الساعات التي تلت ذلك بدأ جنود يرتدون سترات عسكرية في حراسة الوحدات الطبية التي تعالج الجرحى على جانبي شارع "رو دي لا لوا". وضعت فرق الطواريء النقالات في وسط الطريق السريع، الذي توقف فيه المرور. قدّر المسؤولون البلجيكيون أن هناك حوالي 34 شخصًا على الأقل قُتلوا بالإضافة إلى إصابة أكثر من مائتي شخص.
للمرة الثانية في أربعة شهور، أوقف الإرهاب الحركة في العاصمة البلجيكية. في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، انتقل التحقيق في هجمات باريس إلى بروكسل، توقف النقل العام وانتشر الجنود في الشوارع بسبب "التهديد العام الخطير والوشيك". اليوم تحولت وجهة كل رحلات الطيران والقطارات الدولية من بروكسل، وأرسل الجيش 225 كتيبة لمراقبة المدينة. وحثت الحكومة البلجيكية السكان على الاتصال بأحبائهم عن طريق خطوط التليفون الأرضية والمواقع الاجتماعية والرسائل، بسبب الحمولة الزائدة على شبكات المحمول. وصرّح رئيس الوزراء شارل ميشيل: "لقد حدث ما كنا نخشاه، لقد ضربتنا هجمات عمياء". وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته على الفور.
رغم أن تنظيم الدولة الإسلامية ينسب الكثير من الأحداث الإرهابية الأخيرة لنفسه، فإن وجود الشبكات الإرهابية في بلجيكا يسبق الحرب السورية؛ وبعدما بدأت هذه الحرب، ساعدت هذه الشبكات في صعود أكثر الجماعات تطرفًا. في مارس/آذار عام 2010، سافر داعية متشدد طموح يدعى فؤاد بلقاسم ليأخذ النصيحة من آنجم شودري، المتحدث باسم جماعة راديكالية تدعى "المهاجرون"، والتي تورط أعضاؤها في العديد من الهجمات العنيفة، ومن ضمنها مقتل الجندي البريطاني لي ريجبي في شوارع لندن. في الشهر التالي أسس بلقاسم تنظيم "الشريعة في بلجيكا – Sharia4Belgium" وبدأ في تجنيد الشباب ليتعلموا مباديء الجهاد. مر أتباعه ببرنامج تدريب أيدولوجي صارم، إلى جانب محاضرات يومية، وتعليمات منتظمة، وذلك عن طريق الفيديو مع داعية متشدد في لبنان. في نهاية نصف العام، أجروا الامتحان النهائي، الذي سُئلوا فيه أسئلة بدائية عن الإسلام والسياسة. وشاهدوا أيضًا صورًا من المعارك في حروب اشترك فيها المسلمون في أفغانستان والشيشان، ونظروا للمقاتلين باعتبارهم أبطالًا يدافعون عن الدين في مواجهة الصليبيين الفاسدين. في بداية عام 2012، اُعتقل القليل منهم في اليمن بعد الاشتباه في محاولتهم الانضمام إلى القاعدة. في وقت تال لهذا العام، سافر أول عضو من "الشريعة في بلجيكا" إلى سوريا، ثم تبعه العشرات.
مقر "الشريعة في بلجيكا" كان في مدينة آنتويرب، ولكن العديد من أعضائه عاشوا في بروكسل، وكوّنوا علاقات مع الشباب الساخط الآخر هناك. اعتاد بلقاسم الدعوى في الميادين العامة في المدينتين، إلى جانب المدن الموجودة على خط القطار بينهما. في العام الماضي، كتبت للنيويوركر عن أن إحدى المحاكم قضت بأن منظمة "الشريعة بلجيكا" منظمة إرهابية، وأن ستة وأربعين عضوًا اُتهموا بالانتماء إليها، معظمهم كانوا لا يزالون في سوريا، وبعضهم كان ميتًا بالفعل. عندما سافر عبد الحميد أبو داود، الذي قاد في النهاية تسعة قتلة آخرين على الأقل في هجمات باريس في نوفمبر/تشرين الثاني، انضم إلى مجموعة من المقاتلين البلجيك والهولنديين والفرنسيين في فرقة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في شمال غرب حلب. العديد من رفاقه كانوا أعضاء سابقين في "الشريعة في بلجيكا".
اليوم، ومن بين خمسة أو ستة آلاف أوروبي سافروا للقتال في سوريا والعراق، هناك على الأقل ألف منهم عادوا، ومعظمهم لم يُتهموا بشيء، ولم يتعرضوا لملاحقة قضائية ناجحة. ينبغي على حكوماتهم أن تثبت أنهم انضموا لتنظيم الدولة الإسلامية أو القاعدة أو أي جماعة إرهابية أخرى. في العام الماضي قالت لي آنيا دالجارد نلسون، المديرة التنفيذية السابقة لجهاز الأمن والمخابرات الدنماركي أن الحد المتاح "للمخابرات" المتعلقة بالخدمات الأمنية، هو "لسبب جيد، أقل من الحد الذي يجب أن تمر عليه عندما تُحاكم في ساحة القضاء". والمنشورات التي يصدرها الشخص في المواقع الاجتماعية – حتى تلك التي تعلن انضمامه لجماعات إرهابية – ليست كافية.
العديد من المقاتلين تركوا أرض المعارك وهم مصدومين مما رأوه. ولكن هؤلاء الذين أصروا على الاستمرار في الهجمات أظهروا أنهم تلقوا تدريبًا معقدًا. وكما نقلت مجلة التايمز، فالفريق الذي هاجم باريس أظهر تنظيمًا غير معتاد، وحتى بعد مرور أربعة أشهر من التحقيقات، لم تجد الشرطة الأوروبية آثار للتواصل بينهم.
تقييم الدوافع والحالة النفسية للعائدين مكلف وصعب. ليس لدى القوات الأمنية حاليًا الكثير من الأدوات لاكتشاف الإرهابيين المشتبه بهم الذين يسافرون عبر حدود أوروبا المفتوحة، بعضهم يضم نفسه بداخل تيار اللاجئين. في العام الماضي، أخبرني ضابط في وحدة مكافحة الإرهاب ببلجيكا أن الأمر يتطلب فريق مراقبة مكون من عشرين شخصًا ليراقب بشكل كامل مشتبه به واحد – وهذا بشرط أن يكون مكان المشتبه به معروفًا مسبقًا.
اليوم، عزّى السياسيون في أنحاء أوروبا أسر ضحايا بروكسل، وأعلنوا زيادة المعايير الأمنية في بلادهم. نشرت فرنسا ألف وستمائة شرطي في محطات المواصلات وعلى الحدود. ولكن من غير المرجح أن تُطمئن هذه المعايير الناس الخائفين. عاشت بلجيكا في حالة حذر كبيرة في الشهور الأربعة الماضية، وقامت الشرطة بمئات الحملات المواجهة للإرهاب في الأماكن المضطربة، هذا الذي أدى إلى القبض على صلاح عبد السلام، المشتبه به الرئيسي الأخر في هجمات باريس. وسوف تمثل الحملة العسكرية المتزايدة لقطع جذور التطرف بعض العزاء لأسر الضحايا.