صفحة الحوار الوطني على فيسبوك
المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان

لمصر لا للمنصة

عن ضياء رشوان وحجب المواقع المستقلة

منشور الأربعاء 20 يوليو 2022 - آخر تحديث الخميس 21 يوليو 2022

لا تخفى على صحفي أو متابع للشأن السياسي المصري، القدرةُ الهائلةُ التي يتمتع بها نقيب الصحفيين ضياء رشوان في عدم التصريح بخلاف ما يقرر هو، مهما كانت قدرة المحاور ومهما كان السؤال المطروح.

المعلومة السابقة "مستندٌ" يتكئ عليه بعض الصحفيين في إيمانهم بعدم جدوى توجيه أي أسئلة لرشوان الذي لا يمنح إجابات قاطعة، طبقًا لصورته الذهنية لدى أغلب الصحفيين، رغم أنه يتسم بمهارة إدارة المؤتمرات الصحفية، في بلد عانى خلال السنوات اﻷخيرة من غياب هذه المؤتمرات الجادة وندرة المتحدثين القادرين على التجاوب المباشر مع الإعلاميين، أو الراغبين.

التقدير الذي أكنّه لرشوان ومشواره المهني وذكائه في إدارة الحوارات، صحفية كانت أو غيرها، لم يمنعني من توجيه سؤال محدد ومرتين خلال أسبوعين تقريبًا، لكنّني وفي كلّ مرة، ألحظ محاولات التنصل من الإدلاء بإجابة واضحة، وإرجاء إعلان موقف محدد.

"الحجب يا ريس"

مساء الثلاثاء، كنتُ وبصفتي محررًا في موقع المنصة، أتابع فعاليات الاجتماع الثاني لمجلس أمناء الحوار الوطني الذي عقد في الأكاديمية الوطنية للتدريب، وأعقبه مؤتمر صحفي واجه في بدايته رشوان سؤالًا من مراسل سكاي نيوز عربية الزميل محمد صلاح الزهار، بشأن إطلاق الحريات الإعلامية والسماح بالرأي والرأي اﻷخر، ليدعوه رشوان إلى استضافة من يراهم يمثلون هذا الصوت اﻵخر، وسط "عدم وجود حظر بظهور أيّ شخصية في أي وسيلة إعلامية"، على حد قوله.

طلبُ رشوان، الذي يتولى أيضًا منصب نقيب الصحفيين، من الإعلاميين بممارسة دورهم حمَلَ في طياته اتهامًا مبطنًا لزملائه بالتقصير، أو بقوله "المسؤولية علينا احنا"، هنا التقطتُ طرف الخيط عن كيفية الحديث عن الحريات الإعلامية بينما سياسات الحجب والمنع ما زالت مستمرة، آخرها تعرض المنصة لسلسلة من عمليات الحجب المتواصلة خلال اﻷيام القليلة الماضية.

أوضح رشوان، أنه "لا مصلحة لأحد” في الحجب “غير القانوني” للمواقع الصحفية، نافيًا علمه بالموقف القانوني للموقع، لكنه استدرك أن حجب المنصة لا يتصل بجلسات الحوار الوطني، وأشار إلى تواصله مع رئيسة التحرير نورا يونس بعد الحجب.

وبصرف النظر عن معرفة رشوان بوضع المنصة القانوني من عدمه، فإن حديثه عن وجود حجب "غير قانوني"، يعد اعترافًا وربما للمرة اﻷولى من مسؤول رسمي، على اﻷقل بصفته رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، بأن هناك حجبًا في مصر، واعتراف أيضًا بكونه "غير قانوني" للصحف المستقلة، خاصة مع اعتياد الجهات التنفيذية نفي مسؤوليتها عن الحجب.

ويتيح القانون للسلطات ممارسة الحجب، مثل قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات وقانون تنظيم الصحافة والإعلام. ورغم تزايد الممارسات المتعلقة بحجب مواقع الويب، فإن عدم إعلان أي جهة رسمية مسؤوليتها، دفع رشوان لاستعمال توصيف "غير قانوني".

بالتالي يصبح أي كلام عن عدم اختصاص الحوار الوطني بالموضوع، هروبًا من التزامه بكف يد الأجهزة الأمنية عن المواقع وإصلاح العوار الإعلامي، وهو هدف يتماشى مع الدعوة لانعقاد الحوار؛ تحديد أولويات العمل الوطني، وبالطبع على رأسها حريات التعبير والنشر وحق تداول المعلومات.

أمّا دعوة الإعلاميين والصحفيين إلى استضافة ومناقشة أيّ صوت بلا خوف أو قيود، دون ضمانات بعدم ملاحقتهم، فتحيلنا إلى بعض الزملاء الذين جرّبوا ذلك وأجروا حوارات مع بعض اﻷصوات المختلفة مع نظام الحكم. وهنا نذكِّر النقيب بالصحفي الزميل معتز ودنان الذي قضى أكثر من ثلاث سنوات محبوسًا بعد حواره مع الرئيس اﻷسبق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة، ومن بعده مذيع قناة الجزيرة أحمد طه الذي قُضي بسجنه 15 عامًا عقاباً له على إجراء حديث تلفزيوني مع المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح.

مجرد شوائب

ورغم محاولات التهرب من إدانة حجب موقع المنصة، فإن إجابة رشوان اﻷخيرة بدت أوضح من إجابته عن السؤال ذاته في الخامس من يوليو/ تموز الجاري، خلال المؤتمر الصحفي اﻷول لمجلس اﻷمناء.

وقتها اكتفى رشوان بالإشارة إلى وجود "شوائب إجرائية وتشريعية" تجري ضد اﻷوساط الإعلامية والصحفية، وأنه ليس بمقدور أحد أن يخالف دستور البلاد الذي يحتوي على ست مواد شديدة الوضح فيما يتعلق بحرية الصحافة، وتحظر الحبس في قضايا النشر عمومًا، سواء للصحفيين أو غيرهم.

في الوقت الذي حملت فيه الإجابة اعترافًا ضمنيًا بممارسة إجراءات غير قانونية وغير دستورية ضد المؤسسات الصحفية، وصفها رشوان بـ"الشوائب"، ورغم عدم تقديمه أيّ وعدٍ بالتخلص منها، فإنّه أيضًا حمّل الصحفيين مسؤولية "تقديم المقترحات واﻷفكار الإصلاحية الخاصة بالملف".

"سايب البلد"؟!

في حديثه مساء أمس، أوضح رشوان أهمية المنصة كـ"موقع مهم كلنا حريصين عليه زيه زي المواقع الأخرى“، منوهًا إلى استعداده للمساءلة بعد أن تنتهي الجلسات إلى قوانين ولا يتم إعمالها، وحين سألته عن احتمالية استمرار الحجب حتّى الانتهاء من التشريعات المشار إليها، مازحني "إنت مركز ع المنصة وسايب البلد؟ ابقى ركز معايا".

https://www.facebook.com/almanassanews/videos/1695864014145660/

وبطبيعة السياقات التي تجري فيها المؤتمرات الصحفية لم يتح لي أن أناقش العبارة التي بدت مزحًا، ولا أن استوضح منه التعارض بين البحث عن حرية وسائل الإعلام والصحافة، والسعي إلى تحقيق مصلحة البلد!

مؤكدٌ أنه لا يخفى على نقيب الصحفيين أن إطلاق الحريات الإعلامية ليس ترفًا يمكن التنازل عنه، بل أداة رئيسية وأساسية في تحقيق "مصلحة البلد"، إذ لا استقرار سياسيًا أو مجتمعيًا، دون شفافية وإطار يحترم حرية الرأي، ويسمح بالنقد والتعبير الحر الكامل الذي لا "شائبة" فيه، كما أنه يعلم يقينًا بالضرورة، المآل الذي آلت إليه المهنة في ظل التعليمات والأسقف المنخفضة لسياسات التحرير.

نقيب الصحفيين ومنسق الحوار الذي سبق وأن خاض في سبيل حرية المهنة معارك عدّة رأى أهميتها من أجل "مصر أخرى" وقت جولاته الانتخابية اﻷخيرة على منصب النقيب، ربيع 2021، يدرك خطورة وضع المهنة حاليًا، وأهمية إنقاذ حريتها، أو بقوله على فيسبوك في  2019 "لا جدال أن الحرية أصل المهنة، والحرية ترتبط ارتباطًا وثيقا بالمهنية والمسؤولية"، ما جعلنا نندهش من تنصله كمنسق للحوار الوطني من قضية خطيرة كحجب المواقع المستقلة، التي تراجع عددها إلى اﻵحاد وجميعها بلا استثناء "محجوب".

لا أعلم كيف ينأى الحوار الوطني بنفسه عن أي ارتباط بحجب المواقع الصحفية، والمحور اﻷول يشمل فرعًا رئيسيًا عن حرية الرأي والتعبير، ولا أعتقد أن جميع أعضاء مجلس اﻷمناء لديهم نفس توجه رشوان في هذا الأمر! وإنّما داخل المجلس عدد وافر من اﻷعضاء الذين يرون ضرورة رفع الحجب غير القانوني، ووصل اﻷمر إلى دعوة رئيس تحرير جريدة الشروق وعضو مجلس اﻷمناء عماد الدين حسين إلى ضرورة إطلاق الحريات الإعلامية، وتوفير سياقات تحريرية تتناسب مع الدعوة إلى الحوار الوطني، مشددًا على ضرورة رفع أسقف الحريات!

الإيمان بحرية المهنة هو الذي دفع رشوان باﻷمس إلى التحفظ على حديث صحفية بإصدار روزاليوسف حول الإعلام الأجنبي والتشكيك في "الحوار الوطني"، مشددًا على أنه لا خصومة مع الإعلام الأجنبي في إطار قابلية الاختلاف مع الجميع.

تعلمتُ من المهنة وشيوخها، ورشوان واحد منهم لا جدال، أن المصالح العليا للبلاد لا تتحقق إلا عبر الوسائل الدستورية والقانونية، ولا يمكن الوصول إليها على نحو أسهل إلا ضمن سياق ديمقراطي يرتبط طرديًا بحريات الصحافة والنشر، ومن ثمّ فإن السؤال عن أي انتهاك لهذه الحريات، أو ما رآه نقيبنا "تركيزًا مع المنصة"، في اﻷصل عمل وطني يضع "البلد" ومصلحة مواطنيها فوق كل اعتبار.

وضع الانتظار

أمّا ردًا على تساؤل الأستاذ ضياء رشوان عن الوضع القانوني للمنصة، فقد تقدمت اﻷخيرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 مع تأسيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وإسناد مهمة ترخيص المواقع له، بطلب الترخيص وفق القانون، وسددت الرسوم، ولم تتلقَّ ردًا.

ثم استجابت في أغسطس/ آب 2020 لدعوة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لكل المواقع التي سبق وأن تقدمت لنيل التراخيص أن تعيد التقديم مرة أخرى باستخدام الاستمارات الجديدة بعد صدور اللائحة التنفيذية للقانون، وأيضًا لم تتلقَّ ردًا حتى الآن.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.