تصمبم أحمد بلال - المنصة

كيف يتم عزل رئيس الجمهورية ومحاكمته؟

منشور الخميس 14 يوليو 2022 - آخر تحديث الخميس 14 يوليو 2022

في واحدة من المحاولات التشريعية العديدة التي لم يُكتب لي النجاح فيها وقتما تشرفت بالعمل نائبًا عن الشعب المصري العظيم، أعددت مشروع قانون ينظم إجراءات التحقيق، وتوجيه الاتهام، ومحاكمة كبار المسؤولين في الدولة وبينهم السيد رئيس الجمهورية عند انتهاك الدستور أو مخالفة أحكام القانون. 

المشروع الذي كنت جمعت عليه بالفعل التوقيعات اللازمة لتقديمه (عُشر عدد أعضاء المجلس) ليأخذ مساره في الدورة الإجرائية التي تنظمها اللائحة الداخلية لمجلس النواب، وضعت له عنوانًا عامًا، وفي المتن جاء توصيف الجرائم وتحديد العقوبات المقررة لها، ولم أستغرب حينها عدم قراءة الغالبية العظمى من النواب الذين وقعوا لي للنصوص التي اقترحتها ولا للمذكرة التفسيرية للمشروع، كما لم أندهش أيضًا من تسارعهم في سحب توقيعاتهم بعدما علموا لاحقًا مضمون القانون المقدم.

تستلزم مصلحة الوطن  تقييد ممارسة الرئيس  لسلطاته بحيث لا يأمن من المساءلة خلال وجوده في موقعه، أو بعد مغادرته السلطة طوعًا أو كرهًا

ومن الجيد والمفيد أن الدستور الحالي يتضمن مادتين واضحتين لم تطالهما يد التغيير أثناء التعديلات التي أُدخلت عليه عام 2019 يضعان آليتين محددتين لسحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة (مادة 161*)، أو لإيقافه عن العمل وإحالته للمحاكمة أمام محكمة خاصة (مادة 159**)، والتي تنص الجملة الأخيرة منها "وينظم القانون إجراءات التحقيق، والمحاكمة، وإذا حُكم بإدانة رئيس الجمهورية أُعفى من منصبه، مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى".

من هنا جاء اجتهادي وقتها بتقديم هذا القانون الذي مازلت أرى أهمية قصوى لإصداره، وأطالب مجلس النواب بذلك، ليس بهدف عقاب أي رئيس أو وزير في حد ذاته، وإنما لإقرار قاعدة تُقرن السلطة بالمسؤولية كأحد أُسس بناء الدولة الوطنية الحديثة التي تتعامل مع كل من يشغل موقعًا رسميًا فيها على أنه وكيل عن الشعب لا وصيًا أو قيمًا عليه.

فكل مسؤول مُلزم عند ممارسة عمله باحترام الدستور والتقيد بالقانون، والخضوع للحساب والتعرض للعقاب إذا ما خرج عن شيءٍ من ذلك. بل إن القسم الدستوري، الذي ينص على احترام الدستور والقانون، هو أحد الشروط التي لا يكتسب كبار المسؤولين في الدولة صفاتهم الرسمية إلا بعد أدائه علنًا، بحيث يراه بأعينهم ويسمعه بآذانهم المواطنون المصريون الذين أقر الدستور بحقهم دون غيرهم في السيادة، حينما نص في مقدمته على "نحن الشعب المصري، السيد في الوطن السيد، هذه إرادتنا، وهذا دستور ثورتنا".

ومع عدم خلو الرأي الذي سوف يشكك في جدوى وجود مثل هذا القانون من وجاهة، وذلك في ظل حال مجلس النواب الذي لايخفى على أحد، وبعد التعديلات التي أُدخلت على الدستور وعلى قوانين الجهات والهيئات القضائية، ومن قبل كل ذلك الواقع السياسي الذي نعيشه، وتركيبة السلطة الحالية ونمط ممارستها عملها، إلا أن البديل -رغم كل ذلك- لا يجب أن يكون التخلي عن النضال في كل المسارات الدستورية على درب الإصلاحات الشاملة والكلية، وفي مقدمتها القانونية والمؤسسية بهدف بناء دولة القانون والمؤسسات.

إن مصلحة الوطن العليا تستلزم تقييد ممارسة رئيس الجمهورية لسلطاته الواسعة بحيث لا يمارس مهام عمله في مأمن من المساءلة خلال وجوده في موقعه، أو يواجه مساءلة غير جادة أو مجدية بعد مغادرته السلطة طوعًا أو انتزاعه منها كرهًا.

بمعنى أنه لا يجب أن يُترك أي رئيس ليمارس مهامه كيفما يشاء تحت فهمٍ بأنه لا يُسأل عما يفعل بينما يدفع الوطن والمواطنون ثمن ذلك عاجلًا وآجلًا، وإنما يجب أن نضع قواعد محددة وواضحة تمنعه من الأخطاء العفوية وتردعه عن المقصودة، ولنا في محاكمة آخر رئيسين سابقين للجمهورية الكثير من الدروس والعبر، رغم ما بين الحالتين من اختلافات وما جرى فيهما من تناقضات، وهذا موضوع آخر يحتاج لوقفة أخرى.


*مادة ١٦١ من الدستور المصري:

يجوز لمجلس النواب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وإجراء إنتخابات رئاسية مبكرة، بناءً على طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، وموافقة ثلثي أعضائه. ولايجوز تقديم هذا الطلب لذات السبب خلال المدة الرئاسية إلا مرة واحدة.

وبمجرد الموافقة علي اقتراح سحب الثقة، يطرح أمر سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في استفتاء عام، بدعوة من رئيس مجلس الوزراء، فإذا وافقت الأغلبية علي قرار سحب الثقة، يُعفى رئيس الجمهورية من منصبه ويُعد منصب رئيس الجمهورية خاليًا، وتجري الانتخابات الرئاسية المبكرة خلال ستين يومًا من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء. 

وإذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض، عُد مجلس النواب منحلًا، ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس جديد للنواب خلال ثلاثين يومًا من تاريخ الحل.

**مادة ١٥٩ من الدستور المصري:

يكون اتهام رئيس الجمهورية بإنتهاك أحكام الدستور، أو بالخيانة العظمى، أو أية جناية أخرى، بناء على طلب موقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس، وبعد تحقيق يجريه معه النائب العام. وإذا كان به مانع يحل محله أحد مساعديه. وبمجرد صدور هذا القرار، يوقف رئيس الجمهورية عن عمله، ويعتبر ذلك مانعًا موقتًا يحول دون مباشرته لاختصاصاته حتى صدور حكم فى الدعوى. 

ويحاكم رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى، وعضوية أقدم نائب لرئيس المحكمة الدستورية العليا، وأقدم نائب لرئيس مجلس الدولة، وأقدم رئيسين بمحاكم الاستئناف، ويتولى الإدعاء أمامها النائب العام، وإذا قام بأحدهم مانع، حل محله من يليه فى الأقدمية، وأحكام المحكمة نهائية غير قابلة للطعن.

وينظم القانون إجراءات التحقيق، والمحاكمة، وإذا حكم بإدانة رئيس الجمهورية أعفى من منصبه، مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.