يضع مجلس الوزراء اللمسات الأخيرة على مشروع قانون لإنشاء ما يعرف بـ "المجلس الوطني للتعليم"، بحيث يضم تحت مظلته كل أنواع التعليم في مصر؛ الجامعي وما قبله (عام وفني) والأزهري، وكل ما من شأنه الارتباط بالتعليم، حكومي وخاص، بحسب مصدر قيادي بوزارة التربية والتعليم، تحدث للمنصة. وهو ما اعتبره الخبير التعليمي الدكتور سامي نصار توجهًا محمودًا، لكن يبقى معيار النجاح هم التنفيذ العملي للاستراتيجية، وألا يكون الكيان الجديد مجرد جهة حكومية بلا هدف.
ووفق المصدر الحكومي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، فإن المجلس الوطني للتعليم سيتولى ضمن مهامه، التنسيق بين المؤسسات التعليمية المختلفة، ورسم خطة استراتيجية موحدة تتحرك فيها كل الجهات؛ الأزهر، التربية والتعليم، المجلس الأعلى للجامعات، وحتى المعاهد التعليمية التابعة لوزارة التجارة والصناعة، ليكون للتعليم المصري هوية وهدف، بدلًا من عمل كل جهة في جزيرة منعزلة عن الأخرى.
وقال القيادي بوزارة التعليم "الدولة لقت اللي بيحصل محتاج تعديل مسار، لأن كل جهة ليها خطة واستراتيجية وسياسة مختلفة عن الجهة التانية.. يعني التربية والتعليم بتطبق نظام تعليم معاصر، بمناهج جديدة، وعندها نظام جديد للتقييم في الثانوية العامة، لكن ده مش مطبق على التعليم الأزهري الموازي لنفس سنوات الدراسة في التعليم العام، وبقى عندك نوعية طلاب مختلفة، رغم إنهم في نفس المرحلة العمرية، والدولة مش عايزه كده، إحنا عايزين ما قبل الجامعي يكون شبه بعضه في الرؤى والأهداف".
وهذا لا يعني، وفق كلام المصدر، أن "الدولة لديها نية لإلغاء التعليم الأزهري، أو ما يعرف بالمعاهد الأزهرية، ولكنها تريد أن يشملها التطوير وفق متطلبات العصر، بالتعاون بين المؤسسة الدينية، والخبراء والمختصين، وتحت مظلة حكومية توفر الدعم المطلوب لتحقيق هذه الرؤية، بحيث يسير التعليم الأزهري، مع العام، ليصب كل ذلك في صالح تصدير خريجين مواكبين لما تريده الدولة من عناصر فاعلة، وليست عاطلة".
من وجهة نظر العميد السابق لمعهد البحوث التربوية بجامعة القاهرة، الدكتور سامي نصار فإن "الفكرة في حد ذاتها متميزة، لأن التعليم المصري يحتاج لجهة عليا مسؤولة عن وضع سياسات فعلية، تلتزم بها كل الجهات، والتنسيق فيما بينها، بدلًا من ثقافة العمل بمنطق الجزر المنعزلة".
وأضاف للمنصة "أنا ضد التعليم الأزهري من الأساس، لو عايزين تعليم حقيقي يبقى مفيش حاجة اسمها تعليم مدني وتعليم ديني، لأن ده هيكون نتيجته عقول متفاوتة، وأفكار مختلفة، وشخصيات عكس بعض في كل حاجة، مفيش حاجة اسمها نطور التعليم الديني، ولو عايزين في مصر تعليم حقيقي، يبقى يكون عندما نظام تعليم واحد للتعليم قبل الجامعي".
تساؤلات مهمة
وقال القيادي الحكومي "الكلام في الأول كان على إنشاء مفوضية للتعليم المصري، ولكن تم توسيع الهدف وأصبح المسمى، المجلس الوطني للتعليم.. ده هيكون برئاسة رئيس الوزراء، وعضوية وزراء التربية والتعليم، والتعليم العالي، والتجارة والصناعة، وقيادات أزهرية، ومسؤولين عن التعليم الفني، ومسؤولين عن التعليم التقني، ومؤسسات شريكة في تطوير التعليم، وبينهم مستثمرون في هذا القطاع، ما قبل الجامعي، والجامعي أيضًا".
لكن سامي نصار، طرح تساؤلات مهمة، منها: ماذا عن مصير مجالس التعليم قبل الجامعي، والمجلس الأعلى للجامعات، والمجلس الأعلى للجامعات الخاصة والأهلية؟ ثم ماذا عن ميزانية التعليم التي ما زالت منخفضة وتتعارض مع نص عليه الدستور المستفتي عليه في عام 2014، وإذا كانت السلطات كاملة في المجلس الوطني للتعليم، فهذا خطأ، لأن نجاحه مرتبط بتوسيع قاعدة اللامركزية، بحيث لا يكون الوزراء مكبلين الأيدي في اتخاذ القرارات.
وشرح ذلك بالقول، إن المجلس الوطني للتعليم، يفترض أن يكون أقرب إلى "مركز تخطيط قومي للسياسات التعليمية"، لكن المعضلة الأكبر، ستكون مرتبطة بمدى الإمكانيات المالية المتاحة، والخبرات والكوادر الإدارية القادرة على تنفيذ هذه السياسات، فلا نتحدث عن تحسين البيئة التعليمية، وهناك تكدس بالفصول، ونقص حاد في المعلمين، وهناك نتحدث عن قدرات بشرية لا غنى عنها.
وحول أسباب عضوية وزارة التجارة والصناعة بالمجلس الوطني للتعليم، قال القيادي الحكومي "لأن للأسف فيه مراكز تعليمية تابعة ليها، بتدي شهادات تعليم فني، من غير لا وزارة التعليم تشرف عليها، ولا تشوف المراكز دي بتدرّس إيه ولا الطلبة بتاعتها بتمتحن ازاي.. والطلبة اللي في المراكز دي بتتخرج بشهادة دبلوم، زيها زي طلبة الدبلومات الفنية".
"الكفاءة الإنتاجية"
وزاد بالقول "المراكز التعليمية التابعة لوزارة التجارة والصناعة، اسمها الكفاءة الإنتاجية، ودي من أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، يعني بقالها حوالي 55 سنة، وعددها يتجاوز الألف مركز، وبتديرها شخصيات بتستثمر فيها بطريقة خفية.. يعني ممكن تلاقي مركز من المراكز دي معمول جوه شقة في عمارة، واسمه تابع للكفاءة الإنتاجية، ومنها مراكز متخصصة في البترول وغيرها، وبتجذب الناس باسم كلمة البترول، وبتاخد منهم فلوس كتيرة، ودي اللي وزارة التعليم تبرأت منها قبل أيام قليلة، لما لقت الموضوع انتشر بين الناس".
خطورة هذه المراكز، وفق القيادي الحكومي، أنها إما تُخرج عاطلين، أو أنها تكون بابًا خلفيًا للالتحاق بالجامعات التكنولوجية التي يفترض أن يدخلها المتميزون في التعليم الفني وحدهم، مضيفًا "فيه طلبة بتتخرج من مراكز وزارة التجارة بدبلوم فني، وتعمل معادلة، وتدخل بيها جامعة تكنولوجية.. ده في حد ذاته لا يمكن يستمر، ولازم وقفة مع النوعية دي من التعليم، والمخطط إنها تبقى جزء من التعليم الفني، برقابة صارمة من وزارة التعليم، من حيث الشروط والمعايير والتنسيق والمناهج والاختبارات ومنح الشهادات، وده في خطة المجلس الوطني".
لكن نصار لفت في حديثه للمنصة، إلى أن مراكز الكفاءة الإنتاجية التابعة لوزارة التجارة والصناعة كان الهدف منها تخريج كفاءات تستوعبهم شركات القطاع العام، ومن أجل ذلك أنشأها عبد الناصر، معلقًا "علشان شركات القطاع العام أصلًا اختفت تقريبًا، فانت بتتكلم عن عشرات الآلاف من الخريجين بيكونوا عاطلين عن العمل، وده في حد ذاته كارثة".
وبخصوص التعليم الفني، فإن المخطط له أن تكون جميع تخصصاته مرتبطة بخطط الدولة التنموية، بحيث لا يوجد أي تخصص لا مستقبل له، سواء صناعي أو زراعي أو تجاري وفندقي، مع إعادة النظر في بعض نظم التعليم الفنية، فمثلًا، وفق القيادي الحكومي، سيتغير التعليم التجاري إلى مدارس اقتصاد وإدارة أعمال، إضافة لإعادة النظر في نظم قبول حملة الدبلومات الفنية ببعض الكليات النظرية، التي لم يعد سوق العمل المعاصر في حاجة لمزيد من خريجيها، لكن القيادي الحكومي لم يحدد هوية هذه الكليات.
العميد السابق لمعهد البحوث التربوية يرى أن أغلب الكليات في مصر "مفتوحة على البحري"، وتستوعب أعدادًا من الطلاب بأكثر مما يحتاج سوق العمل، وبالتالي فإن نظم الالتحاق بالجامعات مطلوب تغييرها على وجه السرعة، لتقنين دخول التخصصات التي لم تعد مطلوبة، معلقا "كليات التجارة بقت زي الجراج، كله بيدخل فيها، علشان كده لازم يتعمل لكل كلية كوتة، يتحدد لها عدد من الطلاب في ضوء احتياجات المجتمع وسوق العمل".
وقال "علشان تعمل كده، لازم تنسف مكتب تنسيق القبول بالجامعات، وتبقى درجات الثانوية العامة ملهاش أي علاقة بدخول كلية من عدمه، هي بس دورها تأهلك لكليات معينة تدخل بيها اختبارات قبول، وتتحط بنوك أسئلة لجان القطاعات المتخصصة في المجلس الأعلى للجامعات، لأن فيه القطاع الطبي، والقطاع الهندسي، وغيره، ودي فيها متخصصين هم اللي يحطوا بنوك الأسئلة والطالب يمتحن فيها ومن خلال يتأهل لدخول الكلية دي ولا لأ، بس ده لا يمنع وجود متخصصين في المجلس الوطني للتعليم".
ووفق المصدر الحكومي، فإنه سيكون من مهام المجلس، التنسيق بين كل الجهات التعليمية، مضيفًا "طبعًا هيبقى ضمن عضوية المجلس الوطني للتعليم، خبراء ومتخصصين في مجالات مختلفة، المناهج وطرق التقييم والتطوير والتعلم الرقمي، للتعليم الجامعي وقبل الجامعي.. هيكون من ضمن مهام الشخصيات دي، وضع الخطط التعليمية، واقتراح السياسات التعليمية، ومراقبة تنفيذ ما يتم الاستقرار على تطبيقه.. يعني كل حاجة هتكون مدروسة بعناية، ومن جميع الاتجاهات، من خلال المسؤولين، والخبراء والمتخصصين، ويتم الاتفاق على قرار أو سياسة، ويبدأ تطبيقها بالطريقة اللي تم التوافق عليها".
مثال ذلك، حسب كلام المصدر، أن وزارة التربية والتعليم بعد تطبيقها نظام التعليم المطوّر، بحاجة إلى خريجين بمواصفات محددة من الكليات الجامعية للعمل بمهنة التدريس، وهذا يتطلب تنسيقًا بين الوزارتين، وبين الجامعات المختلفة، لأن الحاصل حاليًا، وجود فجوة بين متطلبات وزارة التعليم وخريجي الجامعات، من حيث المهارات والإمكانيات المطلوبة للتخديم على مشروع تطوير التعليم، مضيفًا "الجامعات نفسها ستشهد تطويرًا مقابلًا في كل شيء".
وحسب المخطط له، أن يكون ضمن مهام المجلس الوطني للتعليم "ضمان استمرارية السياسات والاستراتيجيات التعليمية التي يتم الاستقرار على تطبيقها، بمعنى أن يكتمل أي مشروع خاص بالتعليم، كالتطوير، والمناهج، ونظم التقييم، بغض النظر عن استمرار وجود نفس المسؤولين في مناصبهم أو تغييرهم مستقبلًا، بحيث لا يتم نسف كل ما تحقق مع الاستعانة بعناصر جديدة في المنظومة، طالما أنه تم الاتفاق على التطبيق، وفق دراسات ورؤى شارك فيها متخصصون وخبراء ومؤسسات، وتم رصد الاعتمادات المالية لذلك.
لكن نصار، أنهى كلامه بالقول "الكلام حلو، لكن التنفيذ على الأرض هو معيار النجاح أو أن يكون المجلس الجديد مجرد جهة حكومية، أو كيان بلا هدف"، مضيفًا أن الحكومة إذا أرادت وضع النقاط فوق الحروف فيما يخص مستقبل التعليم المصري، فعليها أن تضع رؤية محددة، ثابتة، يراقب تنفيذها خبراء ومتخصصون لأن لن تستطيع وحدها فعل ذلك "لأن اللي بيحصل من تخبط محتاج وقفة ونظام محاسبة صارم، والأهم وجود اعتمادات مالية تتعامل مع التعليم باعتباره أساس نهضة المجتمع".