سادت حالة من التفاؤل في أوساط المعارضة، بعد تشكيل مجلس أمناء الحوار الوطني، رغم الغموض الذي يحيط بمهامه واختصاصاته التي لم تعلن رسميًا بعد، حتى لأعضائه الذين توقع بعضهم أن تقتصر على التنسيق بين المتحاورين، ومناقشة المقترحات وصياغتها في محاور وطلبات واضحة.
وفيما كانت أسماء 19 عضوًا في مجلس الأمناء تنزل على مسامع المواطنين، فإن الأعضاء أنفسهم لا زالوا غير متيقنين تمامًا من الدور الذي يجب أن يلعبوه، أو شكل الحوار، متى سيشارك الرئيس؟ ومن سيشارك؟ وأين؟ أما المواطنون فيذهبون في تساؤلاتهم أبعد، مثلًا: مدى جدية الحوار، وسقفه، وإلى أي مدى سيقبل الرئيس نقدًا يوجه مباشرة إليه فيما ضاق من قبل بمداخلة النائب السابق ورئيس حزب الكرامة أحمد طنطاوي، حين جلس واضعًا قدمًا على أخرى، في معرض انتقاده لسياسة السلطة.
ورغم كل تلك التساؤلات غير المجابة حتى اللحظة، فإن ما تحقق إلى الآن ينال رضا المعارضة، التي تعتبر الحراك إيجابيًا وقفزة للأمام، وتنتظر الإفراج عن مزيد من المعتقلين، بل وحصلت على وعود بذلك، بحسب تصريحات للمنصة.
تفاؤل المعارضة
وينبع تفاؤل المعارضة أيضًا من عدم تجاهل الآلية التي سبق واقترحتها الحركة المدنية الديمقراطية، في بيان أصدرته بتاريخ 8 مايو لتشكيل لجنة تضم 10 أعضاء، يمثل 5 منها المعارضة و5 السلطة أو الموالاة، وذلك ردًا على دعوة الرئيس للحوار خلال إفطار الأسرة المصرية في أبريل/ نيسان الماضي.
ورغم أن القرار سمى 19 عضوًا وليس 10، غير أن الآلية تحققت وهذا المهم، فيؤكد القيادي في الحركة المدنية والمرشح لرئاسة حزب الدستور خالد داود للمنصة رضاهم عن التشكيل قائلًا إن "موقفنا إيجابي من تشكيلها، وساهمنا في تشكيل الأمانة بمقدار النصف تقريبًا".
وحول آلية تشكيل الأمانة قال داود إن حمدين صباحي هو من تولى التنسيق بين الحركة المدنية والجهة الداعية للحوار وهي رئاسة الجمهورية، فيما كانت أحزاب وشخصيات الحركة يزودونه بالأسماء والمقترحات.
ومن جانبه قال صباحي، عبر صفحته على فيسبوك، إن الإعلان عن تشكيل الأمانة العامة للحوار الوطنى (مجلس الأمناء) هو خطوة إيجابية جادة على طريق بدء الحوار، بما يشمله هذا التشكيل من تنوع فى الشخصيات وما تعبر عنه من اتجاهات وآراء وقدرتهم على إدارة حوار جاد مثمر.
ويضم تشكيل الأمانة العامة عددًا من الشخصيات المحسوبة على المعارضة مثل المحامي الحقوقي نجاد البرعي، وعضوة مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي أميرة صابر، ووزير التضامن الاجتماعي السابق الدكتور جودة عبد الخالق، والنائب أحمد الشرقاوي، فيما ضم من مؤيدي السلطة جمال الكشكي رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي، والكاتبة الصحفية فاطمة السيد أحمد، وطلعت عبد القوي، عضو مجلس النواب عن حزب مستقبل وطن رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، والدكتور هاني سري الدين، القيادي بحزب الوفد، أستاذ القانون التجاري والبحري بجامعة القاهرة، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات المستقلة والأكاديمية.
المحبوسون
حين قدمت المعارضة رؤيتها الخاصة بتشكيل الأمانة العامة كان الهدف هو ضمان "جدية الحوار" كما سبق وأكد عدد منهم في مناسبات مختلفة، أي أن يبدأ الحوار ويخلص إلى مكاسب واضحة، لا يكونوا أي المعارضة، مجرد ديكور أو أدوات تجميل.
وإلى جانب تلك الآلية أو قبلها، ثمة ملف لا يقل أهمية من وجهة نظرهم، بل وضعوه في مرحلة سابقة للحوار، على اعتباره ممهدًا له، وهو المطلب الخاص بالإفراج عن كافة السجناء الذين أوقفوا في قضايا رأي. وأحد هؤلاء هو زياد العليمي، المسجون في قضية الأمل، وأحد الوكلاء المؤسسين للحزب المصري الديمقراطي المعارض، والذي سماه رئيس الحزب فريد زهران، خلال مؤتمر صحفي قبل أسابيع حول الحوار الوطني، وقتها قال زهران إنه لا يتصور أن يجلس على طاولة حوار فيما زميله في الحزب لا زال في السجن.
وحتى صدور قرار تشكيل الأمانة العامة للحوار، والتي يفترض أن تجتمع في غضون أيام، لا زال العليمي في سجنه، ومعه الكثيرين.
سألنا عضوة الأمانة العامة للحوار الوطني النائبة عن الحزب المصري الديمقراطي أميرة صابر عن العليمي وغيره من المحبوسين، وذكرناها بحديث رئيس الحزب فقالت "الحزب لم يربط مشاركته في الحوار بالإفراج عن المعتقلين" واعتبرت حديث زهران السابق "مجرد طلب"، وتابعت "هو ملف سنذهب به إلى طاولة الحوار، لكن الحزب من البداية كان من أول المرحبين بالحوار".
لكن على العكس، يؤكد خالد داود للمنصة أنهم حصلوا على "وعد" بإخراج المحبوسين قبل بدء الحوار رسميًا. وبشر داود أنه "هناك وعود أن يتم إطلاق سراح مجموعة معتبرة بحلول نهاية الأسبوع بمناسبة 30 يونيو"، في مؤشر إضافي على توجه السلطة للاستجابة إلى مطالب المعارضة قبل المشاركة في الحوار.
تشكلت الأمانة.. فماذا بعد؟
توجهنا بالسؤال لأكثر من عضو في الأمانة، وغلبت الضبابية على الجميع، البعض اعتبرنا نستبق الأحداث، على اعتبار أن الأمانة العامة هي المنوط بها وضع ذلك الجدول من الأساس.
لكن النقطة نفسها وقف عندها صباحي، الذي قال خلال تعليقه على تشكيل اللجنة "أدعو لسرعة إعلان اختصاصات الأمانة بصفتها المسؤولة بشكل كامل عن إدارة الحوار الوطنى وتحديد جدول أعماله والقضايا المطروحة للنقاش ودعوة المتحاورين من السلطة والمعارضة والمستقلين وصياغة وإقرار نتائج وتوصيات الحوار".
وأضاف "آمل أن تشهد الأيام المقبلة بنفس روح التوافق والانفتاح اتفاقًا على اسم أمين عام (أو عدد من الأمناء) استكمالا للمشاورات الجارية ، وتفعيل ما اتفق عليه من إفراج عن دفعات كبيرة من سجناء الرأى كمقدمة حقيقية وضرورية لانطلاق الحوار الوطنى".
وكانت الحركة المدنية اقترحت اسم الدكتور محمد غنيم، لتولي الأمانة العامة للحوار الوطني.
وفيما يقر أعضاء الأمانة العامة أنهم ليسوا سوى حلقة في الحوار، لا زالت آلية الحوار نفسها غائبة، تدور حول توقعات تذهب نحو مشاركة الرئيس في جزء من الجلسات، وليس الكل، فيما يغيب عن الجانب الآخر المشاركين من المعارضة لكنها تبدو منفتحة الآن أكثر من أي وقت مضى.
يقول داود "لقد طالبنا بتشكيل الأمانة والمنوط بها تحديد جدول الأعمال، واللجان المختلفة، وكافة التفاصيل الأخرى، ولذلك استغرقنا نحو شهر لتحديد الأسماء". وتابع "ما أعلمه حتى الآن، أننا حققنا خطوة مهمة بتشكيل الأمانة، وبعدما تحدد الأمانة جدول الأعمال واللجان المختلفة، سينطلق الحوار، وما فهمته أن الرئيس سيشارك في بعض الجلسات، لكن التفاصيل الأكثر ستتضح لاحقًا".