أخرج الرجل الخمسيني هاتفه وفتح تطبيق InDrive ليطلب سيارة أجرة، وبينما يتجاذب الحديث مع السائق أثناء الرحلة لتمضية الوقت، فوجئ بالأخير يطالبه بالتنازل عن القضية التي رفعها ضد كريم الهواري الذي صدم أربعة بينهم ابنه، وقتلهم جميعًا.
لم يكن ذلك السائق وحده من طالب الأب بالتنازل عن القضية الشهيرة، التي يتهم فيها نجل رجل الأعمال محمد الهواري، صاحب سلسلة محلات هايبر وان، لـصدمه أربعة بينهم ثلاثة أطفال، وهو يقود تحت تأثير المخدر، وهي القضية التي يبدو أنها في السبيل لانعطاف قد يكون في صالح المتهم، بعد أن تنازلت أسر الضحايا الأربعة عن حقهم المدني في القضية، يوم السبت الماضي، في خطوة أثارت استهجان الكثيرين الذين اتهموهم بالتفريط في حق أبنائهم.
لكن ذلك الأب، الذي تحدث للمنصة رافضًا الكشف عن اسمه، نفى أن يكون في التنازل الذي أقدم عليه تفريط في حق ابنه "لما أسر الضحايا يقفوا أمام رجل أعمال كبير بحجم محمد الهواري مدة طويلة، ويحبسوا له ابنه أكثر من 5 شهور يبقى الناس كانت مصرة تجيب حقها"، لكنه في النهاية اضطر إلى التصالح رضوخًا لـ "ضغوطات نفسية" مورست عليه، حسب قوله، على مدار الأشهر الخمسة الماضية، لم يستطع تحملها، يقول "ماحدش عاش اللي احنا عشناه، ولا اتعرض للضغوط ووجع القلب اللي اتعرضنا له".
منذ الحادث وعلى مدار الأسابيع التالية، حتى توقيع الصلح، تعرضت الأسر لمحاولات كثيرة للقبول به، وخاضت جلسات عرفية وصلت إلى جلستين في اليوم، بحسب الأب الذي يؤكد أنه لم يتعرض لأي "تهديد مادي"، وإن لم ينفِ وقوعه تحت ضغط عصبي كبير "لدرجة إن باب شقتي كان لا يغلق"، ويؤكد "كان موقفي واضحًا من بداية القضية برفض التنازل والإصرار على أن ينال الجاني عقابه، لكنني فوجئت منذ بدء محاكمة المتهم بزيارات ومقابلات يومية من أشخاص قريبين مني وآخرين وسطاء يطالبوني بالتصالح والتنازل لوجه الله".
ويضيف للمنصة "كانت كل يوم جلسة أو جلستين بخلاف المكالمات الهاتفية، أنا ماكنتش بنام، وفي الآخر لقيت كل اللي حواليا يبلغني بأنه مش باقي من أسر الضحايا غيري رافض التصالح، وأبلغوني كمان بأنه في كل الأحوال ما دامت الأسر الثلاث الأخرى تنازلت فإن موقف القضية سيصبح ضعيفًا لأن الاتهام سيكون قتل خطأ لشخص واحد، ولن يتعدى الحكم فيها الحبس 6 أشهر و20 ألف جنيه غرامة، وطالبوني بألا أصنع عداوة بين الناس"، مؤكدًا "عندما أحسست بأنني سأقف وحيدًا في وجه عائلة المتهم ذات السطوة والمال، قررت عمل توكيل التنازل لوجه الله، وعملته وأن عارف بأن جنحة القتل الخطأ بحق أبنائنا لا تنطبق عليها شروط التصالح الواردة بقانون العقوبات".
عُرض على الأب في أكثر من مرة مقابل مادي، لكنه رفض، غير أنه قبل بتعويض آخر "روحي" وهو أن تبني أسرة المتهم مسجدًا باسم ابنه في إحدى قرى الصعيد، موقفًا قبوله النهائي بـ"الرضاء" على بناءه.
لكن غيره قبل بـ"الدية الشرعية"، وهو مقابل مادي تحدده فتوى أزهرية بما يوازي 35.7 كيلو جرام من الفضة للرجل ونصفهم للمرأة.وتقول والدة عمر حمدي، أحد الضحايا الذين قبلت أسرهم بالدية، إن كل التفاصيل المتعلقة بالصلح والتنازل تمت من خلال محاميهم، نافية في الوقت نفسه أن يكون ذلك قد تم تحت تأثير ضغوط أو مساومات، مؤكدة للمنصة "تطبيق شرع ربنا لا يكون بالضغط، ولا يحتاج لضغط"، لافتة إلى أن قبول الدية حصل على إجماع أسر الضحايا الأربعة وجميعهم قرروا التنازل بتحرير توكيلات في الشهر العقاري، دون أن تفصح عن قيمة تلك الدية.
هل يعني الصلح إطلاق سراح المتهم؟
يقول المحامي عصام الإسلامبولي، للمنصة، إن أثر التنازل يمتد للدعوى المدنية فقط، التي ترتبط بتعويض المتضرر عما لحق به من آثار مادية جراء الحادث، لكنه لا يسقط في الوقت نفسه "الضرر المجتمعي" الذي يتيح للمحكمة إصدار أي حكم ترتضيه.
ويوضح أنه بتنازل الأسر عن حقها المادي، فإن ذلك يعني فقط أنهم لا يستطيعون العودة على الجاني بالتعويض، وبناءً عليه لم تعد دعوى التعويض مطروحة أمام المحكمة، لكن "الضرر المجتمعي المتمثل في الدعوى الجنائية يظل منظورًا أمام المحكمة".
ويحاكم كريم الهواري على ذمة هذه القضية بتهم "إحراز مخدر الكوكايين في غير الأحوال المصرح بها قانونًا، والتسبب خطأً في موت كل من يوسف محمد العباسي، وعبد الله درويش محمد، وعمر حمدي خليل، وسعيد حسن حسن"، الذي نشأ "عن إهمال ورعونة وعدم احتراز وعدم مراعاة للقوانين واللوائح والأنظمة"، حيث "قاد السيارة (...) بسرعة جنونية هائلة تجاوزت المقررة قانونًا، وذلك تحت وطأة مخدر الكوكايين ومواد مسكرة أخرى".
ووفقًا لأوراق النيابة العامة في القضية لم يراع الهواري المسافة بينه وبين السيارة التي كان يستقلها الضحايا الأربعة فصدمها من الخلف مطيحًا بها على النحو الذي أحدث بهم إصابات أودت بحياتهم.
في الوقت نفسه لم ينف الإسلامبولي أن يكون للتنازل أثر على الحكم الجنائي المنتظر صدوره في القضية، قائلًا إن "المحكمة يدخل في اعتبارها، وهي تحدد العقوبة الجنائية الواجبة، أن أهالي الضحايا تنازلوا، وهذا الأمر في كل الأحوال لا يرتب البراءة بالطبع، وإنما من شأنه أن يساهم في تخفيف الحكم الذي قد يصبح سنة مع إيقاف التنفيذ عن جنحة القتل الخطأ، علمًا بأنه يمكن للمحكمة ألا تلتفت للتنازل وتحكم بالعقوبة المناسبة كجزاء على ما اقترفه، خاصة أن الجريمة نتج عنها وفاة أربعة أشخاص، و هي مسألة تقديرية للمحكمة".
وأوضح الإسلامبولي أنه في حالة لم تعتبر المحكمة بالتنازل فإنها قد توقع عقوبة السجن من 3 إلى 5 سنوات على المتهم "نظرًا لأن حق المجتمع في هذه الجريمة لا يزال قائمًا، وتنطوي الجريمة على ظرف مشدد مرتبط بثبوت حيازة المتهم وتعاطيه للمخدرات".
تجدر هنا الإشارة إلى أن المستشار محمد عوض الله، رئيس المحكمة أكد خلال جلسة المحاكمة الأخيرة، التي انعقدت يوم السبت الماضي، لمحمد حمودة محامي المتهم، أن أثر التنازل يمتد إلى الدعوى المدنية فقط، وذلك قبيل أن يصدر قراره بتحديد جلسة النطق بالحكم في القضية في 4 يونيو/ حزيران المقبل.
وفي السياق ذاته يتفق مصدر قضائي بدرجة رئيس محكمة بوزارة العدل، مع رأي الإسلامبولي، في أن ما تم في القضية هو مجرد تنازل عن حق أسر الضحايا فيما ستقضي المحكمة به من تعويض، قائلًا "خاصة وأن هذه القضية بتكييفها القانوني لا تنطبق عليها الشروط التي أقرها قانون العقوبات للتصالح في جنح القتل الخطأ".
وأوضح المصدر للمنصة أن بعض حالات القتل الخطأ يجوز فيها التصالح بالفعل، لكن هذه الحالات ليس من بينها "حالة كريم الهواري، نظرًا لأن الواقعة أدت إلى وفاة أكثر من ثلاث أشخاص، وذلك وفقًا لنص المادة 18 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية، وبالتالي فلا يجوز قانونًا تسمية التوكيلات المحررة من أسر الضحايا في القضية تصالح".
وأشار المصدر إلى أن نطاق العقوبة المتوقع الحكم بها على الهواري ينظمها نصان واردان في قانونين مختلفين، قد تأخذ المحكمة بأي منهما "أحدهما قانون العقوبات، الذي يعاقب على جنحة القتل الخطأ لأكثر من ثلاثة أشخاص في ظل توافر ظرف تعاطي المخدرات والمسكرات بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنين".
أما النص الثاني فهو بحسب القاضي "نص 76 من قانون المرور رقم 121 لسنة 2008، الذي تعاقب سائق المركبة متعاطي المخدرات إذا أسفر الحادث عن عجز كلي أو وقوع وفيات بالسجن من 3 سنوات إلى 7 سنوات، والغرامة 20 ألف جنيه، مع إلغاء رخصة القيادة ولا يجوز إعادة منح رخصة قيادة جديدة إلا بعد رد الاعتبار".
ورغم ما سبق لم يستبعد المصدر أن تؤثر توكيلات التنازل المحررة من قبل أسر الضحايا على اتجاه المحكمة في تقرير العقوبة وينال المتهم حكمًا مخففًا، مؤكدًا أنه "رغم أن المفترض في الدعوى الجنائية أن صاحب الحق هو المجتمع، لكن المحكمة بالتأكيد غير منفصلة عن الواقع، وتعلم أن المتضرر الرئيسي من الجريمة هم أسر الضحايا، وبالتالي فعندما تجد المحكمة وليّ الدم جاء وتنازل فإن ذلك يجعلها متخففة للغاية مع المتهم للحد الذي قد يصل بها إلى إصدار حكم بالحبس مع إيقاف التنفيذ".
وأكد المصدر أن الهواري بعيدًا عما ستقرره المحكمة بشأن جنحة القتل الخطأ سيواجه حكمًا بالسجن في جناية حيازة وإحراز مخدر الكوكايين بقصد التعاطي في غير الأحوال المصرح بها قانونا، مشيرًا إلى أنها جناية لا يجوز فيها التصالح.
خلال جلسة المحاكمة الأخيرة دفع محمد حمودة، محامي الهواري، بأن نسبة المخدرات التي أثبتتها التقارير الطبية في العينة المسحوبة من موكله، كانت نتيجة خضوعه لعمليات جراحية قبل الواقعة وتعرضه للتخدير فيها، لكن المصدر القضائي قال للمنصة "إن مدى اقتناع المحكمة بهذا الدفع يتوقف على نوع المخدر الذي ثبت تعاطيه من قبل الهواري، ومن ثم فلو كان المخدر من عينات المورفين الذي يجري استخدامه في التخدير الجراحي، فإن هذا الدفع سيلقى اقتناعًا من قبل المحكمة، أما إذا لم يثبت للمحكمة أن المتهم أجرى عمليات جراحية في ذلك التوقيت، فإن المحكمة ستلتفت عن ذلك الدفع، وهذا الاتجاه هو المرجح حدوثه بالنظر لاتهام الهواري بإحراز وتعاطي مخدر الكوكايين".
ويشتق المورفين من نبات الأفيون، ويتشابه مع أشباه الأفيونيات أو الأفيونانيات opioid، والأخيرة مادة كيميائية ذات خصائص شبيهة بخصائص المخدر الأفيوني ولكنها غير مشتقة من الأفيون. أما الكوكايين فيستخلص من أوراق نبات الكوكا الذي ينمو في أمريكا الجنوبية، ويبقى أثره في الجسم مدة تتراوح بين يومين إلى 90 يومًا بحسب الاختبار الذي يتم إجراءه على المتعاطي، حيث يبقى في الدم مدة يومين ويستمر في الشعر حتى 90 يومًا.
وحول العقوبة المتوقع الحكم بها على الهواري في جناية المخدارت، أوضح المصدر أنها تتراوح ما بين السجن المشدد من 3 سنوات إلى 15 سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تقل عن 50 ألف جنيه، غير أنه يجوز للمحكمة، إن أرادت، أن تنزل بالعقوبة الموقعة عليه في هذه الجناية درجة أو درجتين تطبيقًا للمادة 17 من قانون العقوبات، بحيث يصبح الحكم الحبس 6 أشهر أو الحبس 6 أشهر مع إيقاف تنفيذ الحكم، وإيقاف التنفيذ هنا لا يعني البراءة وإنما السريان في حالة عاد المتهم إلى ارتكاب نفس الجريمة، فتنفذ فيه العقوبة السابقة واللاحقة التي تخص ما ارتكبه مجددًا.