فاجأ الرئيس عبدالفتاح السيسي حضور الاحتفالية التي أقامتها وزارة التخطيط صباح أمس الأربعاء بكلمة امتدت حوالي ساعة ونصف الساعة، تناول خلالها ما يراه من مؤامرات "لا تزال مستمرة" تحاك ضد مصر، وتفكيك الإجماع الشعبي والمؤسسي الذي حدث عقب تظاهرات الثلاثين من يوليو التي انتهت بإزاحة الإخوان المسلمين عن الحكم ببيان قرأه السيسي نفسه في الثالث من يوليو 2013.
لم يذكر السيسي في كلمته وزارة الداخلية وجهاز الشرطة اسمًا في معرض حديثه عن تفكك الاتحاد الشعبي والمؤسسي ضد الأخطار التي تواجه البلاد، كذلك ابتعد الرئيس تماما في كلمته عن توجيه أية انتقادات لجهاز الداخلية، أو الإعلان عن أية خطط لإصلاح الجهاز أو تحسين أدائه الامني وتعامله مع الجمهور. واكتفى السيسي بتصريحاته التي أعقبت حادث الدرب الأحمر، الذي قتل فيه رقيب شرطة أحد المواطنين بسلاحه الرسمي، والتي طالب فيها وزير الداخلية خلال اجتماع جمعهما بضرورة "محاسبة المتجاوزين".
قبلها بأسبوعين وقف آلاف الأطباء في بهو نقابتهم وعلى سلالمها الخارجية مرددين هتاف:"الداخلية بلطجية" بعد أسابيع من المطالبة بإحالة تسعة أمناء شرطة اعتدوا على أطباء مستشفى المطرية للتحقيق، ومحاسبتهم قانونًا على ما ارتكبوه من اعتداءات. هتافات أطباء دار الحكمة لم تفرق بين ضابط وأمين شرطة. وفي الوقت نفسه بادرت وسائل الإعلام المصرية وعدد من المسؤولين لمهاجمة ما رأوه تصعيدًا من الأطباء ضد "الداخلية"، بعد قيام طاقم أطباء المستشفى بإغلاقها لحين التحقيق مع المتورطين في الواقعة، وفي الوقت الذي ارتفعت فيه وتيرة الهجوم على الأطباء؛ كان يتم الإشارة إلي جرائم العاملين بالجهاز الأمنى باعتبارها "حوادث فردية".
غضبة أهالي الدرب الأحمر ضد مقتل أحد أبناء حيهم على يد رقيب شرطة مساء الخميس 18 فبراير/ شباط الجاري. بين ليلة وضحاها، دفعت الموقف الرسمي لمؤسسة الرئاسة وأجهزة الإعلام في اتجاه معاكس، فبدأت الانتقاد توجه لأمناء الشرطة تحديدًا باعتبارهم "مسؤولين عبر تجاوزاتهم الفردية عن تشويه صورة الشرطة وإفساد العلاقة بين الشعب وشرطته"و "عدم تشويه صورة الداخلية وتضحيات الشهداء" بحسب لغة البيانات الرسمية التي أصدرتها وزارة الداخلية.
اهتمام رئيس الدولة بالحدث بعد شهور طالت من تجاوزات الداخلية، جاء بعد أسابيع من تفجر أزمة أمناء الشرطة مع الأطباء، ومثل اهتمامه ضوءً أخضر للبرلمان والإعلام، كي يهتما بقضية التجاوزات، لتتحول "الحوادث الفردية" إلي "ظاهرة" تهدد الأمن القومي، بما يستوجب عقد محاكمات عسكرية لتقويم سلوك أمناء الشرطة.
شمل التبدل في المواقف وزارة الداخلية نفسها، فالوزارة التي لم تقبض على المتورطين في الاعتداء على أطباء المطرية حتى ساعات سبقت انعقاد الجميعة العمومية، قبل أن تفرج عنهم النيابة العامة عشية الانعقاد؛ سارعت للقبض على أمين الشرطة الذي ارتكب واقعة القتل في الدرب الأحمر. وبعدها بيوم، اعتقلت 7 من أعضاء ائتلاف أمناء شرطة الشرقية قبل مشاركتهم في أحد البرامج التلفزيونية. وجهت إليهم تهمة التحريض ضد وزارة الداخلية. بينما انتفض أمناء الشرطة ضد وزارتهم مهددين بفضح "الفساد والانتهاكات التي يرتكبها الضباط والقيادات في الوزارة" مؤكدين أنهم "لن يكونوا كبش فداء لتجاوزات الشرطة في حق المواطنين".
أجهزة الدولة
في أزمة الأطباء، كان وزير الصحة والنقابة خصمين في مواجهة بعضهما البعض. فالوزير اتهم النقابة بأنها لم تظهر في الصورة عندما جرى الاعتداء على أطباء أُثناء توليه عمادة طب عين شمس. فالطبيب أحمد عماد الدين الذي يشغل أعلى منصب تنفيذي في الدولة في مجال الصحة؛ دافع عن الحكومة ووزارة الصحة قائلا: "لم نقصر في أزمة أطباء المطرية، ولا أعرف سبب التصعيد". وردت النقابة بإصدار قرار بتحويل الوزير إلى لجنة التأديب لـ"عدم دفاعه عن الأطباء"، مطالبين بالإجماع بأن يُقَال من منصبه الوزاري.
https://www.facebook.com/AlSisiofficial/posts/1344870768872592
أما الرئيس المصري الذي اتصل بأحد البرامج التلفزيونية معلقا على القبض على الرسام إسلام جاويش؛ فلم يصدر منه أي بيان رسمي تجاه أزمة الأطباء، رغم تصعيدهم بوقفات احتجاجية أمام المستشفيات في 20 فبراير الماضي.
لم يخرج رئيس الحكومة المصرية شريف إسماعيل أيضا عن صمته، إلا بعد الحضور الكثيف للأطباء في الجمعية العمومية الطارئة. حينها نشرت وكالة الأنباء الرسمية تأكيده على أهمية استكمال التحقيقات الجارية في الواقعة ومعاقبة المخالفين والمدانين فيها. فيما علق على إغلاق مستشفي المطرية، قائلا "لا يصح".
أما في واقعة قتيل الدرب الأحمر، لم تمر ساعات حتى طلب السيسي وزير داخليته لاجتماع عاجل أثناء حضورهما أعمال منتدى "إفريقيا 2016" بمدينة شرم الشيخ. بعدها خرج المتحدث باسم الرئاسة يقول إن السيسي طالب بـ"إدخال بعض التعديلات التشريعية أو سن قوانين جديدة، وعرضها على مجلس النواب خلال ١٥ يوما، لضبط الأداء الأمني في الشارع المصري، بما يضمن محاسبة كل من يتجاوز في حق المواطنين دون وجه حق".
جاء وقع اجتماع السيسي بعبد الغفار فوريا. فبمجرد وصول الوزير إلى القاهرة قادمًا من شرم الشيخ؛ دعا -في سابقة هي الأولى من نوعها في التعامل مع ضحايا تعذيب أو قتل على يد أفراد الشرطة- أهل قتيل الدرب الأحمر إلي مبنى وزارة الداخلية. وقدم التعازي إليهم، قائلا إن لولا تواجده في شرم الشيخ "لحضر واجب العزاء بنفسه"، معربًا عن استنكاره لـ"هذا العمل المشين والتصرف غير المسؤول الذى أتى به أحد أفراد الشرطة".
الوزارة التي كانت بياناتها الرسمية دائما ما تصف الحوادث التي تتعلق بتعذيب أو قتل أو اعتداء المواطنين، إذا اعترفت بها، بأنها "حوادث فردية"؛ حرص القائمون على صفحتها على موقع فيسبوك على تثبيت صورة وزير الداخلية مقبلا رأس والد قتيل الدرب الأحمر في أعلى الصفحة نحو ثلاث أيام.
https://www.facebook.com/AlSisiofficial/posts/1344905315535804
بيان عن اجتماع السيسي بوزير الداخلية إثر واقعة قتيل الدرب الأحمر
البرلمان
رغم تدخل البرلمان في أزمة أطباء المطرية بعقد جلسة صلح بين النقابة وممثلين من وزارة الداخلية بتاريخ 2 فبراير الماضي، إلا أن النواب انقسموا حول قرار نقابة الأطباء بغلق المستشفى حتى محاسبة المتورطين في الاعتداء عليه. فهدد نواب ممن حضروا الجلسة بتصعيد الأمر إلى رئيس الوزارء إذا لم تعد المستشفى إلى العمل، وهو ما تبدل قبل أيام قليلة من انعقاد الجمعية العمومية إلي تأييد عدد من أحزاب البرلمان لموقف نقابة الأطباء.
امتد تأثير تصريحات السيسي المطالبة بتشريعات جديدة لعودة الانضباط الأمني ليشمل البرلمان. في الوقت الذي استمر فيه انقسام النواب حول أزمة مستشفى المطرية بعد انعقاد الجمعية العمومية. وتوحد هجومهم ضد أمناء الشرطة، مؤكدين أن "تدخل السيسي جاء في الوقت المناسب". وطالب بعضهم بعقد محاكمات عسكرية للأمناء، وآخرون طالبوا بسحب أسلحتهم وإلغاء معهد أمناء الشرطة.
الإعلام
وجُهت للإعلام المصري الرسمي والخاص انتقادات شديدة بشأن تغطيته لأزمة الأطباء مع وزارة الداخلية، وصولا إلي ذروة الأزمة بانعقاد الجمعية العمومية. فقالت الطبيبة منى مينا، وكيل نقابة الأطباء، إن ماسبيرو لم يعرض الحشود التي وقفت أمام دار الحكمة. وسخر المذيع باسم يوسف من تغطية القنوات الخاصة، قائلا: "بعد خمس سنين الإعلام المصري ما زال مثبت كاميرا على الكوبري اللي فاضي".
بدل الإعلام موقفه المناصر لأفراد الشرطة في أزمتهم مع الأطباء، بعد ساعات من تصريحات السيسي. فوظف الإعلام الخاص المكتوب والإلكتروني والمذاع، المواد الإخبارية والرأي لتسليط الضوء على التجاوزات التي كانت حتى أسبوع مضى تنشر تحت "أخطاء فردية".
https://www.youtube.com/embed/OJ2r4RB04Qw
لم تكتف المواقع الإخبارية بنشر الأخبار؛ بل اتجهت إلى إصدار تقارير وتحليلات تحمل نفس العنوان عن كيفية تفكيك "دولة أمناء الشرطة"، وعن خطورتهم على السيسي. بينما قام المسؤولون على العملية التحريرية في جرائد مثل اليوم السابع والوطن بكتابة مقالات رأي في نفس الاتجاه. وكان لبرامج التوك شو، نصيب في الهجوم على أمناء الشرطة. فاتهمهم الصحفي محمد الغيطي بأنهم "يفشلون دولة السيسي". فيما قال المذيع جابر القرموطي: "أقسم بالله أعرف بلاوي متلتلة عن أمناء وضباط شرطة"، حتى أن الصحفية والمذيعة لميس الحديدي اشتبكت المذيعة مع أحد أمناء الشرطة في اتصال هاتفي.
أمناء الشرطة في خانة اليك
بدوره، تراجع ائتلاف أمناء الشرطة عن حالة العصيان التي بادر إليها أمناء الشرطة في محافظة الشرقية بعد تغير اتجاه الإعلام ومؤسسات الدولة من تجاوزاتهم، فالهجوم الذي قاده البرلمان والإعلام إثر تصريحات السيسي أثمر عن اعتذار النادي العام لأفراد وأمناء الشرطة للسيسي والشعب في بيان رسمى "عما وقع من تجاوزات من بعض أفراد وأمناء الشرطة في حق المواطنين، خاصة جريمة قتل المواطن محمد علي السيد، على يد رقيب شرطة بالدرب الأحمر".
وأخيرا، أخذت صفحة ائتلاف أمناء الشرطة على موقع فيسبوك في نشر أخبار عن تضحيات أفرادها والاعتداء عليهم أثناء أداء مهام عملهم، في المقابل تراجعت أخبار القبض على زملائهم.