18 مكالمة أجرتها المنصة مع عالقين في مدن مختلفة بأوكرانيا، كان الطرف الآخر فيها دائمًا ما يطلب المساعدة، خاصة مع صعوبة التعايش على الحياة في الملاجئ تحت القصف وسبل عيش ضيقة.
"أنا خايف ومش عارف أعمل إيه".. رسالة صوتية أرسلها مصطفى فراج، أحد الطلاب العالقين، عبر واتساب بعد فشل المنصة في الوصول له عبر الاتصالات الهاتفية. بقي مصطفى رفقة 33 طالبًا آخر بينهم أوكراني وآخر من بيلاروسيا، تحت الحصار داخل أحد المخابئ الخاصة بالجامعة منذ 24 فبراير/ شباط الماضي، في مدينة تشرنيغوف شمالي أوكرانيا على بعد 50 كيلومترًا من بيلاروسيا، التي تشهد معارك ضارية.
"إحنا محاصرين واحتمالية نجاتنا قليلة، الوضع خطر جدًا، والمدينة تُقصف بالطيران"، يقول فراج الذي نفدت أمواله ولم يتبق معه سوى 20 دولارًا، أما عن الطعام والمؤن الغذائية، فيقول "إحنا بنستخدم الأكل الخاص بالطلبة اللي قدرت تمشي، ولكنه قرب يخلص".
لا يعرف فراج وسيلة للخروج من هناك، حاله كحال سيد إبراهيم العالق في المدينة نفسها، ولكن في مكان آخر "لا أحد يدخل ولا أحد يخرج من تشرنيغوف، كنت أعيش في العاصمة كييف وهربت إلى هنا في الشمال، ولم أكن أتخيل أن الوضع سيكون هكذا؛ لا وجود لمحلات ولا مياه ساخنة أو تدفئة، فقط الكهرباء تعمل بشكل جيد، ونقف طوابير طويلة لا تنتهي حتى نستلم بعض الأطعمة من قوات الجيش الأوكراني".
لم يتوقف سيد منذ حصار المدينة عن البحث عن وسيلة للخروج منها، ولكن لا يوجد "كنت بكتب كل يوم، لو حد عنده عربية فيها مكان فاضي ممكن ياخذني معاه؟ كان بيجيلي ردود من ناس تانية إنهم معهم عربيات لكن مافيش بنزين في المدينة بالكامل".
خطورة الوضع في تشرنيغوف لم تقتصر على سبل مغادرتها فحسب، ولكن التنقل داخل المدينة يعد خطرًا قد يكلفك حياتك، بحسب وصفه.
حاول سيد طوال الأيام الماضية أن يجد طريقة كي يلتقط بها شابًا مصريًا حدثنّا عنه، كي يظلا سويًا، ولكن المحاولات فشلت، وبالمصادفة اكتشفت المنصة أن هذا الشاب هو مصطفى فراج الذي ختم رسالته الصوتية مع المنصة "أنا أقل تماسكًا بين الطلاب، عشان خايف أموت برة بلدي، أنا أضعفهم لأني غريب".
عالقون في خيرسون
ومن شمالي أوكرانيا إلى الجنوب حيث تقع مدينة خيرسون وتعتبر ميناء مهمًا على البحر الأسود وعلى نهر دنييبر ويعيش بها نحو 300 ألف نسمة، وبسبب قربها من جزيرة القِرم الواقعة تحت سيطرة روسيا منذ 2015، كانت مسرحًا لعمليات الجيش الروسي منذ بدية الحرب، وكانت أول خسائر المدينة تدمير خطوط السكك الحديدية التي تربطها بالعاصمة كييف وكذلك مدينة خاركيف.
حاولت المنصة التواصل مع أكبر عدد من المصريين العالقين هناك، الأولى كانت عن طريق أحد مجموعات الدردشة على واتساب التي تضم بعض العالقين هناك لبحث سبل النجاة وكان أول جواب نحصل عليه "نحن في حالة نفسية لا تسمح بالتواصل أو التعامل مع الصحف".
خريطة لمدن أوكرانيا الرئيسية التي بها مصريون عالقون- المنصة
استقبلنا بعد ذلك رسالة من سيدة طلبت عدم ذكر اسمها، طلبت منّا الحديث عن كافة العالقين في خيرسون وليس المصريين فقط، حيث يواجه الجميع نفس المصير "فيه جنسيات تانية غير المصريين، مغاربة وتوانسة ومن الجزائر والأردن، وجميعنا نعيش نواجه نفس المصير ونعيش سويًا في نفس المخابئ، وفيه عائلات عندها أطفال ومافيش أي أكل عندنا والقصف لا يتوقف، نحن محاصرون من الروس، لا أكل ولا نوم ولا حليب للأطفال". وشاركت السيدة معنا فيديو لأحد المحلات في خيرسون يظهر فارغًا من أي أطعمة.
وفي محاولات عديدة أخرى للاتصال هاتفيًا بآخرين عالقين هناك، من بين عشرة أرقام كانت خارج نطاق التغطية، نجحنا في الوصول لأحد الطلبة، ورغم تقطع الصوت نجحنا في إتمام المكالمة. وقال محمد سيد، طالب بـ كلية خيرسون البحرية "إحنا عددنا بين الـ 50 أو 60 شخصًا، ومتوزعين بين أطراف ووسط المدينة، كان في محاولة إجلاء بس عرفنا قبلها بوقت بسيط، واللي لحق خرج، بس ميعدوش الـ10 بالنسبة للمصريين".
طالب محمد بتكرار محاولات الإجلاء والإبلاغ قبلها بوقت كافٍ "هنا فيه أسر معاها أطفال مثلًا، لما نعرف قبلها بوقت قليل ومش كلنا في مكان واحد، نلحق نرتب نفسنا ازاي؟ أنا اللي طالب وبطولي يعني بني آدم واحد، ملحقتش أخرج".
وعن الأوضاع الحياتية في خيرسون قال إن "الوضع في خيرسون سيئ جدًا، لأنها أول مدينة وقعت في أيد الجيش الروسي بسبب قربها من جزيرة القرم، الكهرباء تنقطع، وكذلك شبكات الاتصال دائمة الانقطاع، ومنذ أيام تم قصف شركة فودافون".
يتحدث محمد هنا عن الأوضاع في وسط خيرسون، مشيرًا إلى أن أطراف المدينة حالها أسوأ، "إحنا بنخرج الصبح بدري في شفتات بيني وبين زملائي، حتى نحاول تأمين غذائنا، ورغم ذلك لا نجد سلعًا وفيرة لسد حاجتنا الغذائية، وهو ماركت واحد الذي يعمل في وسط المدينة". من جهة أخرى، تواصلت المنصة مع أحد المصريين الذين كانوا على متن القطار الروسي المدرّع الذي تحرك من خيرسون وأكد على وصولهم روسيا ونزولهم في أحد الفنادق، مشيرًا إلى أن معاملة الجيش الروسي لهم كمدنين كانت جيدة، وختم حديثه: نحن في انتظار العودة إلى مصر.
وبالتزامن مع محاولة الإجلاء غير المكتملة في خيرسون، نجح الصليب الأحمر في إجلاء كافة الجاليات العالقة في مدينة سومي الأوكرانية التي تقع شمالي شرق البلاد، ووقعت تحت سيطرة الجيش الروسي بالفعل، وارتبط اسم سومي بخيرسون لصعوبة الأوضاع بهما.
وضمت قائمة المصريين الذين كانوا عالقين في سومي 47 مصريًا، وبحسب أحد الطلاب الذي تحدث إلى المنصة وطلب عدم نشر اسمه. وأخبرنا طالب آخر أنه "تم إجلاء كافة الجاليات عبر ممر آمن بالتنسيق بين السفارة والصليب الأحمر من جهة وبين الجانب الروسي من جهة أخرى"، ولفت الطالب المصري إلى أنهم تحركوا إلى لفيف، ثم إلى سلوفاكيا.
البحث عن طوق نجاة
أما أمير عزت وزوجته العالقين في مدينة كوبنسك على بعد 50 كيلومترًا من الحدود الروسية و120 كيلومترًا من مدينة خاركيف، فلا تنقطع محاولات بحثهم عن وسيلة مواصلات لإخراجهم من هناك، وشهدت المنصة رحلته للبحث عن النجاة هناك عن قرب، حيث لم تتوقف أسئلة أمير لنا عن كيفية الخروج، وإذا ما كانت آمنة أم لا.
كانت خطته الأولى البحث عن تاكسي في مدينة خاركيف ليقلهما مقابل أي مبلغ مالي من كوبنسك، ورغم توافر المال وقائمة اتصال تصل إلى 50 سائقًا، لم يجد أمير من يقبل العرض.
هنا، لجأ أمير إلى المجموعات الأوكرانية عبر تليجرام وأرسل طالبًا يد المساعدة في الخروج من المدينة، ولكنه لم يتلق ردًا، فبسبب سيطرة الروس على المدينة وقطع الطرق المؤدية لها، لم يكن يستطع أحدًا الاقتراب.
فيما أوضح أنه تواصل مع غرفة عمليات السفارة المصرية في كييف، التي نصحته بالانتظار حتى يبحثوا له طريق خروج عن طريق الحدود الروسية، حيث قُطعت جميع الطرق المؤدية له.
كل الخيارات تحمل الموت، البقاء تحت القصف أو محاولة عبور الحدود الروسية هو وزوجته من تلقاء نفسه، لذلك حسم أمير قراره وهذه خطته الثالثة، وهي التحرك غدَا لعبور الحدود الروسية كما أخبرنا، وأرسل لنا صورًا من هويته في حالة اختفائه أو تعذر الوصول له، لإبلاغ السفارة والجهات المنوطة.
خوف أمير ليس فقط من الفشل في العبور أو تعرضه للقتل، ولكن أيضًا من أن ينجح في العبور من أوكرانيا إلى روسيا ويظل عالقًا هناك، لذلك حاول مرارًا وتكرارًا التواصل مع السفارة في موسكو دون استجابة.
على أطراف العاصمة
ورغم خروج أعداد هائلة من العاصمة كييف، فهناك عالقون في القرى على أطراف المدينة لا يجدون المساعدة، مثل ثلاث سيدات عالقات في قرية كيناجي، دون مال ومؤن غذائية ورغم توافر أكثر من أتوبيس في الأيام الماضية من كييف؛ "لا نستطيع الوصول إلى الأوتوبيس ولا سيارة تنقلنا إليه".
الأمر مختلف بعض الشيء لدى عائلة مصرية عالقة، ولكنها الآن قررت الانتظار والبحث فقط عن نجاة طفلهم المنتظر، "مراتي حامل في الأسبوع الأخير من الشهر التاسع، لا نستطيع أبدًا الحركة، ماذا نفعل إذا حدث ميلاد أثناء رحلة الهروب"، يقول الزوج. كانت أولوية الأسرة هنا عدم الخروج الآن من أوكرانيا والبحث عن مستشفى مازال يعمل للسكن بقربه، فانتقلت الأسرة من كييف إلى مدينة كيرفوهراد حيث إن الوضع بها مستقر نوعًا ما، ينتظرون هناك فقط من أجل نجاة طفلهم الأول ومن ثم كما قال الأب "نبحث عن نجاة جماعية لنا نحن الثلاثة".
وعن تقدير الأعداد المصرية التي خرجت من أوكرانيا منذ بداية الحرب، يقول مصدر من الطاقم الإداري في السفارة المصرية في كييف، طلب عدم ذكر اسمه "حصر الأعداد في هذه المرحلة صعب جدًا، كل يوم فيه مصريين بتخرج من مدن مختلفة ومن خلال معابر حدودية مختلفة، ولكن التقديرات أنهم النصف، حيث إن الجالية المصرية في أوكرانيا تقدر بـ5500 إلى 6000 مواطن مصري، أغلبهم طلاب".
أما عن مدينتي سومي وخيرسون، قال المصدر أن بنسبة 99% تم إجلاء كافة المصريين من مدينة سومي بعد التنسيق مع الجانب الأوكراني والروسي والصليب الأحمر لعمل ممرات آمنة، وفيما يخص خيرسون، لم يتمكن كل المصريين المتواجدين هناك من الخروج بسبب الإبلاغ بشكل متأخر عن الممر الآمن للإجلاء، والمجموعة المصرية التي تمكنت من الخروج، وصلت بالفعل إلى روسيا وليس هناك أي معلومات حتى الآن لكيفية إجلائهم من هناك، وغرفة العمليات مازالت تبحث الطرق الآمنة لعودة من وصلوا روسيا بالفعل إلى مصر.
وقال المصدر إنه على مدار الأيام الماضية كان هناك تعاون بين السفارة في كييف ووزارة الهجرة في مصر لمحاولة حصر العالقين، والتواصل والتنسيق مع الجانبين الأوكراني والروسي لضرورة عمل ممرات آمنة لخروج المصريين المتواجدين في مدن شرق أوكرانيا الواقعة تحت القصف، لافتًا إلى أن الجانب الأوكراني ساعد في ترتيب هذه الممرات وكذلك تأمين طريق الأتوبيسات التي تنقل الجالية المصرية التي تتحرك من هذه المدن حيث قد تستغرق الرحلة 24 ساعة، وربما تمر هذه الأتوبيسات على طرق مشتعلة بالمعارك.
ولفت المصدر إلى أن السفارة بذلت جهدًا لتسهيل دخول المصريين من خلال المعابر الأوكرانية بالتواصل مع حرس الحدود الأوكراني لتسهيل الإجراءات، ولكن الأعداد على المعابر كانت بمئات الآلاف وهذا لا يستطيع أحد فعل شيء تجاهه سوى إبلاغ حرس الحدود بتسهيل حركة الجالية المصرية، والتواصل مع الدول المجاورة لأوكرانيا مثل رومانيا وبولندا وسلوفاكيا والمجر لتسهيل دخول المصريين لها دون فيزا، وتوفير ختم دخول لمدة 15 يومًا، مختتمًا بأن السفارة استخرجت وثائق سفر لكل من فقد جواز سفره المصري أثناء النزوح.