لم تيأس ابتسام نصر من البحث عن شخص يملك سيارة، يستطيع إخراج ابنها الأكبر إبراهيم وزملائه الأربعة العالقين في خاركوف (شرقي أوكرانيا) إلى لڤيڤ القريبة من بولندا، كي يتمكنوا من عبور الحدود والنجاة من نيران الحرب.
كان من المفترض أن يعود إبراهيم إلى القاهرة، يوم الخميس الماضي، لكن إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شن عملية عسكرية على أوكرانيا فجر ذلك اليوم، تسبب في إغلاق كل المطارات هناك، فظل الشاب المصري، الذي يدرس الطب في أوكرانيا، حبيس المنزل وزملائه، حتى أخبرتهم الشرطة، أنه لم يعد بإمكانهم البقاء في البيت لخطورة الموقف، وطلبت منهم التوجه فورًا إلى أنفاق القطار للاختباء، في مشهد لم يتكرر، تقريبًا، منذ الحرب العالمية الثانية.
يوم الجمعة، تمكن إبراهيم وزملاؤه من الوصول إلى لڤيڤ، كما تؤكد أمه ابتسام للمنصة، لكنهم مازالوا عالقين هناك بحثًا عن وسيلة مواصلات إلى الحدود، فيما قضوا ليلتهم أيضًا في محطة القطار.
على الحدود قرب النار
على بعد آلاف الكيلومترات من الأحداث المشتعلة في أوكرانيا، تجلس عائلات كثير من المصريين العالقين هناك، في قلق لا يختلف كثيرًا عما يعانونه تحت خط النار، وربما يضيف ذلك عبئًا زائدًا على الذين يحاولون النجاة بأنفسهم، تقول سهيلة التي تحتمي وزميلاتها داخل منزل في مدينة خاركوف "بلا طعام"، إن "وجودنا تحت القصف خطر، ومخلي أهالينا مرعوبين علينا أكتر، احنا هنحاول نتحرك، أول ما يكون في فرصة، نموت من البرد على الحدود ولا نموت متفرتكين هنا".
وتضيف سهيلة، عبر رسائل صوتية متقطعة بسبب شبكة الإنترنت، "مش عارفة نعمل إيه ولا نروح فين؟ بندور على مواصلات تنقلنا على رومانيا أو بولندا ومش عارفين نتصرف، الطريق خطر ومش عارفين ممكن نواجه إيه".
علمت سهيلة أن قطار إجلاء سوف يتحرك من مدينة خاركيف صباح الجمعة، فذهبت ومن معها، وظلوا ينتظرون لساعات طويلة، دون أن يعرفوا إن كان القطار سيتحرك أم لا "الزحمة غير عادية على الرصيف والكل خايف، القطر لما بدأ يفتح أبوابه، كان في خناقات مين هيركب ومين لا".
أخبرتنا سهيلة أن بطارية هاتفها سوف تنفد في أي لحظة وقررت مشاركة أرقام اثنين من أصدقائها مع المنصة، كي يكون هناك وسيلة اتصال لديهما بالعالم الخارجي في حال حدوث شيء ما بالقطار، فيما أخبرنا صديق سهيلة أن عددهم 18 شابًا و10 فتيات كمجموعة.
في السابعة من مساء الجمعة، انطلق القطار، في رحلة قد تستغرق 20 ساعة حتى يصل إلى نقطة قريبة من الحدود الرومانية، وعندما وصل كييف فجر السبت، سادت لحظات من الرعب بتوقفه، خاصة بعد إعلان حظر التجوال في العاصمة الأوكرانية لمدة 48 ساعة، لكنه عاد للتحرك مرة أخرى في السابعة صباحًا.
في عربة مجاورة لسهيلة، يجلس عادل أسامة البالغ من العمر 21 سنة، الطالب بالسنة الأخيرة من هندسة البترول، واصفًا رحلته لاستقلال ذلك القطار بـ"المعجزة"، "لأن في خناقات والأولوية للأوكرانيين".
أرسل لنا عادل فيديوهات توثيقية تظهر التكدس الشديد داخل القطار، وحالة الانتظار التي مروا بها جميعًا حتى تحرك. سألنا عادل عن أفكاره في تلك اللحظة، قال "بفكر في الاتنين اللي معايا اللي أنا لسه متعرف عليهم من أسبوعين بس في الجامعة، ولما عرفت إن احتمال القطر ده يبقى للإجلاء، رحت خدتهم وصعب عليا أمشي من غيرهم، بس دلوقتي خايف لأني حاسس إنها مسؤولية، بفكر كمان في مستقبلي اللي اتدمر، وأمي اللي منهارة".
كان عادل يجيب أسئلة المنصة بأسئلة أخرى، ربما لأنه لم يجد من يتواصل معه من الجهات المنوط بها ذلك، أو من السلطات المصرية في كييف، كان يسألنا، وكأننا في موقف متخذي القرار "طيب بعد كدا نعمل إيه؟ إيه اللي بيحصل على الحدود؟ هو صحيح الناس بتمشى بالساعات وممكن متعديش؟ طيب أنهي حدود أسهل"؟
إلى من نوجه الأسئلة
أكثر من 96 ساعة حتى هذه اللحظة، وأبناء الجالية المصرية الذين يزيدون عن ستة آلاف شخص، بينهم ثلاثة آلاف و964 طالبًا، محاصرين بين سندان الحرب ورحى نقص المؤونة، تعلو أصواتهم في المخابئ تحت الأرض للاستغاثة بالرئيس عبد الفتاح السيسي للتدخل لإنقاذهم، عبر مقاطع حية يبثونها على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهرون خلالها نائمين على أرصفة محطات القطار، أو فارين إلى معابر الدول الحدودية في رحلة شاقة، خاضوا نصفها سيرًا على الأقدام، داخل خريطة رسمت طريقها إلى أربعة دول هم رومانيا وبولندا و بولودفيا وسلوفاكيا، قبل أن تتحرك السلطات المصرية أخيرًا بعد انقضاء 5 أيام من الأزمة.
"في الوقت اللي كل السفارات في أوكرانيا كانت بتطلب من رعاياها المغادرة، بسبب خطورة الوضع، السفارة المصرية مكنتش هنا، وكنا لما بنتواصل مع السفير كان بيقولنا الوضع مستتب ولا يوجد هناك داعي للقلق"، كانت هذه أحد الأسباب التي دفعت طلاب مصر إلى البقاء في أوكرانيا، بحسب الطالب بكلية الطب البشري محمد أبو العلا، الذي قال للمنصة "ادونا معلومات مضللة وهما مسؤولين عن اللي إحنا فيه".
في 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، نشرت السفارة المصرية بالعاصمة كييف تعميمًا تطلب فيه من المصريين، إرسال بياناتهم من اسم ورقم هاتف وعنوان وبريد إلكتروني على إيميل خصصته للتواصل مع أبناء الجالية المصرية في حال حدوث أي أزمة أمنية، وخلال 35 يومًا قبل اندلاع الحرب، خلت الصفحة الرسمية للسفارة، من أي متابعة تتعلق بالصراع الدائر بين روسيا وأكرانيا، أو تطالب، مثل كثيرون غيرها، رعاياها بالرحيل، أو تعلمهم بأي خطط واضحة في حالة نشوب حرب.
وفي 12 فبراير/ شباط الجاري، أي قبل نحو أسبوعين من انطلاق العملية العسكرية الروسية، طالبت دول عديدة، بينها أمريكا وألمانيا وبريطانيا والنرويج وكندا والإمارات والكويت، مواطنيها بمغادرة أوكرانيا فورًا لدواعٍ أمنية.
صباح الخميس الماضي، نشرت السفارة المصرية تدوينة مقتضبة كأول تعليق رسمي بعد ساعات من اندلاع الحرب، طالبت فيه المصريين بعدم الخروج من المنازل والاحتفاظ بالمستندات الشخصية ومتابعة التعليمات من السلطات الأوكرانية لحين استقرار الوضع، دون أي تعليمات أخرى واضحة. وفي اليوم نفسه، نشرت السفارة بيانات للتواصل مع السفير وأعضاء مكتبه، أعقبه تحذير للمصريين بعدم استقاء أي معلومات سوى من الصفحة الرسمية للسفارة.
تواصل محمد أبو العلا، مع سفير مصر بأوكرانيا، أيمن الجمال عبر الهاتف، فأخبره الأخير "مافيش إجلاء جوي هيحصل من داخل أوكرانيا، الحرب قامت، اللي يقدر يروح الحدود يعمل كدا، اللي مش قادر يفضل في بيته".
اندهش طالب الطب من المعلومات التي قالها له السفير، قائلًا للمنصة "هو احنا مش عارفين إننا نقدر نخرج عن طريق الحدود؟ بس إزاي أقدر أوصل الحدود وأنا على بعد 900 كيلو متر، بعد تعطل حركة القطارات وأي مواصلات، السفير لسه بيكتشف دلوقتي إن الحرب قامت؟ طيب يبعتوا لينا أتوبيسات تودينا الحدود زي ما السفارة الهندية عملت".
في 21 فبراير/ شباط الجاري، أي قبل ثلاثة أيام من العملية العسكرية الروسية، أعلنت السفارة الهندية في كييف، أنها ستوفر رحلات جوية بين الهند وأوكرانيا لإجلاء الطلاب الهنود على خلفية التوتر المتصاعد بين الرئيسيين الروسي والأوكراني، وفي 22 فبراير، طالبت الهند رعاياها بمغادرة أوكرانيا بشكل إلزامي حفاظًا على سلامتهم، مؤكدة أنها ستبذل قصارى جهدها للتواصل مع الجامعات الأوكرانية لتبسيط العملية التعليمية على الطلاب الهنود.
ويوم انطلاق العملية العسكرية، نشرت صفحة الفيسبوك الخاصة بالسفارة سبعة بيانات، جاء أولهم الساعة الساعة 7:27 صباحًا، طالبت فيه رعاياها بالتزام أماكنهم، ثم توالت البيانات التي تنشر خططًا واضحة للإجلاء وإنشاء مراكز مساعدة على الحدود في انتظار الطلاب العالقين وتوفير أتوبيسات لإجلائهم إلى المناطق الحدودية، وكان من المميز ضمن هذه البيانات رسالة مصورة للسفير الهندي للطلاب، وكذلك بيان صحفي لمكالمة أجراها رئيس الوزراء الهندي والرئيس بوتين، الذي أكد فيها الأول أن سلام وأمان الجالية الهندية وعودتهم إلى الهند أولوية قصوى. وفي اليوم التالي نشرت السفارة الهندية صورًا لعمليات إجلاء الطلاب إلى المناطق الحدودية.
https://www.facebook.com/watch/?v=958911344999253السفير الهندي يتحدث للطلاب في كييف
أما خطة الحكومة المصرية، فكانت الاكتفاء بمطالبة المصريين المتواجدين فقط في مدينتي خاركوف وكييف ومناطق الشرق بالتزام المنزل و المخابئ، ثم طالبت المصريين المتواجدين في الغرب بالتوجه إلى الحدود البولندية والرومانية ومنها إلى أراضي الوطن، دون أي معلومات عن كيفية وصولهم إلى الحدود من داخل أوكرانيًا.
"صحينا من النوم على صوت القصف"، يقول مصطفى عطالله، الطالب بكلية الهندسة بمدينة أوديسا (تبعد 750 كيلو مترًا عن كييف)، الذي تحدث فور استيقاظه إلى السفير المصري هاتفيًا، ليخبره الأخير بشكل متخبط "خلال 48 ساعة أو 72 ساعة، هيتم الإعلان عن خطة الإجلاء"، يضيف مصطفى للمنصة "في هذه اللحظة شعرت إنهم استغنوا عننا".
ويرى أحمد السنوسي، وهو طالب عالق في مدينة خاركوف، أن "كل مصري في مدن الشرق في انتظار ملك الموت"، مضيفًا للمنصة "كل الجاليات اتحركت مع أولادها، ماعدا أحنا المصريين مافيش حد يوجهنا نعمل إيه، حتى لما طلبوا مننا نروح على الحدود، محدش قالنا نوصل للحدود إزاى، وفي نفس الوقت اللي بيطلبوا فيه مننا نتحرك على الحدود، بيقولوا لنا الزموا البيوت".
يوم الجمعة تواصلت المنصة مع السفير أيمن الجمال، للسؤال عن الوضع الراهن وخطة السفارة لإجلاء العالقين ولكن الإجابة كانت "تواصلوا مع وزارة الخارجية"، أما المسؤول الإعلامي للجالية المصرية في كييف، أحمد فرحات، الذي يبقى على اتصال بالسفارة المصرية في كييف وكذلك وزارة الهجرة، والذي حضر اجتماعًا رسميًا مع وزيرة الهجرة، فقال للمنصة "لن يكون هناك عمليات إجلاء من داخل أوكرانيا، ومن يستطيع التوجه للحدود الرومانية أو البولندية، عليه القيام بذلك وأن هذا هو الموقف الرسمي".
حالة الصمت الحكومي، دفعت أم كلثوم محمد إلى إرسال شكوى إلى الخط الساخن لرئاسة الوزراء تطالبهم بالتحرك لإجلاء شقيقتها في أوكرانيا، تقول للمنصة "أختي عندها 21 سنة وتدرس طب بشري وليس لديها أي خبرة للتعامل مع مثل هذه المواقف"، مؤكدة "شقيقتي تعيش في ملجأ تحت الأرض منذ اللحظة الأولى للحرب وهذا كان طلب الجامعة، ولا يستطيع أحد الحركة منه، خاصة وأنها في العاصمة كييف".
وفي متابعة للحدث من جانبها، خرجت وزيرة الهجرة في اجتماع عن طريق تطبيق Zoom وبثته مباشر على صفحتها الرسمية، حضره الطلاب العالقين، كان من بينهم من خرجوا في فيديوهات حية عبر صفحات بعض المواقع الصحفية يطالبوا الدولة بإجلائهم.
يقول الطالب محمود حربي، الذي حضر الاجتماع، أن الوزيرة أخبرتهم أن "الإجلاء قرار دولة، وأنا لست المسؤولة هنا، وأنا فقط أنقل الصورة كاملة من خلالكم إلى متخذي القرار".
يضيف للمنصة "ظهرت في الاجتماع وصورة علم بلدي على حائط غرفتي الذي احتفظ به معي في أوكرانيا، وعندما سمعت حديث الوزيرة شعرت بالأسف وعلمت أنه لن يكون هناك خطة".
لم يتنظر محمود والمجموعة التي كانت معه وعددهم 23 شخصًا، قرار الدولة، وحاولوا إيجاد وسيلة مواصلات تنقلهم إلى رومانيا، من أوديسا "دفعنا الفلوس من معانا، وصلنا عند نقطة قرب الحدود وكملنا مشي على رجلينا، حتى وصلنا حدود رومانيا".
كان محمود وزملاؤه هم الفوج الأول الذي يصل إلى حدود رومانيا، وأرسل إلى المنصة صورة لهم وفيديو صغير يقول فيه "نحن في رومانيا".
لكن محمود وجد نفسه وحيدًا مجددًا، لا وجود لأي مسؤوول رسمي في استقباله في رومانيا، وكذا أرقام الطوارئ التي خصصتها السفارة برومانيا لا يجيب عليها أحد، وبعد عدة ساعات من وصولهم، وصل أيضًا مصطفى عطا الله مع مجموعة من زملائه من أوديسا. أخبرنا مصطفى أن عدد المصريين الذين عبروا معه يقارب الـ28 ويعد هذا الفوج الثاني، شارك مصطفى المنصة صور وفيديوهات لحظية عندما سمحت لهم السلطات الرومانية بالعبور.
لكن يبدو أن السماء استمعت أخيرًا لاستغاثات المصريين، وتحركت السلطات وإن كانت متأخرة نحو أربعة أيام عن بدء العملية العسكرية الروسية، ومحاولة كثير من المصريين منفردين، التصرف دون دعم، للفرار من أوكرانيا، حيث أعلنت سفارة مصر ببوخارست، مساء أمس الأحد، أنها تتواصل مع الجهات الرومانية المعنية لتسهيل دخول المصريين القادمين إلى رومانيا من أوكرانيا، في حين أعلن السفير المصري في أوكرانيا صباح اليوم الإثنين عن مفاوضات تجريها السلطات المصرية مع نظيرتها الروسية، بهدف تأمين خروج المصريين من مدن شرق أوكرانيا، تتضمن تنظيم ممر آمن لخروج المصريين من مدن خاركيف ودنبرو وخارسون إلى حدود الدول المجاورة والتواصل مع تلك الدول لتأمين دخول المصريين إليها.
لا نجاة من دون الكاش
يبدو أن ملامح الحياة داخل أوكرانيًا تلاشت، أيا كان موقعك الجغرافي من الدولة، شرقًا أو غربًا، فإن "شبح الحرب خيم على كافة المدن"، يقول محمد أبو العلا الذي يعيش بمدينة كيروفوجراد، التي تبعد 250 كيلو متر عن العاصمة كييف، "مافيش حياة، مافيش محلات، مافيش مواد غذائية، الكهرباء تنقطع وتعود، وصاحب الشقة عاوزني أخرج منها".
حتى كتابة هذه القصة لم يجد أبو العلا أي وسيلة آمنة تنقله للحدود، ورغم محاولات الطلاب الارتجال والبحث عن وسائل مواصلات على نفقتهم الخاصة، فإن هناك كثيرون لا يستطيعون دفع ثمن المواصلة التي أصبحت تكلفتها بأرقام جنونية تبدأ من 150 دولارًا حتى ألف دولار للفرد، كما رصدتها المنصة. يضيف أبو العلا "استغلال للأزمة، حتى اللي معاه فلوس، فـ ATM مافيهوش فلوس".
وتابعت المنصة مجموعة تضم 130 طالبًا، استأجروا عددًا من الأوتوبيسات، أمس الأحد، على نفقتهم الخاصة، سوف تتحرك بهم من دنيبرو (تبعد 493 كم عن كييف) إلى الحدود الرومانية، لكن طالبَين منهم لم يتمكنا من الركوب معهم إلا بعد أن جمع زملائهم المال المطلوب، رغم أنهما يملكان المال، لكن في حساباتهما البنكية، دون أن يتمكنا من الحصول على الكاش عبر ماكينات ATM، فيما يتحرك اليوم مجموعة أخرى من 80 شخصًا بالاتجاه نفسه، فيما وصل 5 إلى سلوفاكيا و15 آخرين إلى حدود مولدوفا.
.. ولكن هناك من ينتظر
وعلى عكس كل التجارب السابقة للهروب من أوكرانيا، فإن هناك من يحاول بشتى الطرق العودة إليها، حيث إن أمير نصير، الذي كان متوجدًا في بولندا قبل أن تنطلق العملية العسكرية، لا يكف عن البحث عن وسيلة تعيده إلى هناك كي يلتقط زوجته وابنه ذو السنوات العشر.
فيما يظل "البقاء تحت القصف أو السير نحو الحدود"، خياران فقط للمصريين في أوكرانيًا، الموت قد يكون نتيجة إحداهما، تعرض منزل محمد فؤاد في مدينة خاركوف إلى القصف، في أول ساعات الحرب، الأمر الذي دفعه وعائلته للفرار فورًا، استقلوا سيارتهم وتوجهوا ناحية مدن الغرب، ولكنهم وصلوا كييف مع بداية قصفها أيضًا، وهناك قرروا التوجه ناحية الحدود، وفي لحظة ما قرر محمد وزوجته ترك سيارتهم واستكمال الطريق سيرًا "العربية كان سهل رصدها من القوات العسكرية، وكنّا خايفين نتعرض للهجوم من أي حد على الطريق، اللي ماشيين على رجليهم ضعف اللي معاهم عربيات، مشينا ما يقارب الـ10 ساعات، في جو شديد البرودة".
وصل محمد وأسرته بولندا بعد 72 ساعة، يقول للمنصة "انتظرنا في طابور لا نعرف له نهاية أمام الحدود البولندية، فضلنا واقفين على رجلينا 24 ساعة لغاية ما عدينا".
الأدرينالين يدفع الجميع لمحاولة النجاة من تحت القصف، وعلى الضفة الأخرى من الحرب، ينتظر "جنود الحدود المجهولة" في محاولة لاستقبال الفارين من ومساعدتهم.
رصدت المنصة تدوينات لمصريين على الحدود البولندية، وكذلك الرومانية، رافعين شعار "نحن هنا في انتظاركم ولا أحد وحده". كانت من بينهم الشابة المصرية يارا خربوش، التي تعمل في بولندا كطبيبة أطفال، سرعان ما شكلت غرف عمليات تضم عدد من المتطوعين الذين يعيشون بالقرب من المناطق الحدودية.
استقبلت يارا حتى الآن 356 ناجٍ وناجية من خلال الحدود البولندية، لم يتوقف دور يارا وزملائها فقط على الاستقبال، ولكنهم أيضًا يوفرون سكنًا وأطعمة ومياه وعصائر.
والسكن هو من الصعوبات التي تواجه المتطوعين، بعد أن امتلأت كافة منازلهم الشخصية، التي كانوا يعتمدون عليها في الاستقبال، أصبح الوضع ضروري لإيجاد حل، بحسب يارا "حاليًا احنا بنلم فلوس من معانا وبنأجر شقق وبالتزامن مع دا بندور على متطوعين يكون عندهم مساحة يستقبلوا أي شخص من الحدود، فيما أشارت إلى قيام سيدة بولندية بالتبرع لهم بـ13 غرفة مجهزة".
أصبح صندوق الرسائل لدى يارا، نقطة تجمع في بولندا، الجميع يرسل اسم ورقم ذويه إلى يارا، كي تنتظرهم. وعن اللحظات الأولى بين الفارين ويارا، تقول للمنصة "الجميع يبكي، محدش قادر ينطق"، وعن أبرز المشاهد، تضيف "شاب مصري هو وزوجته الأوكرانية وابنه، وصل المعبر ممعهوش أي فلوس ولا أكل، أول ما شافنا ماسكين علم مصر، جري علينا بيقول مش مهم أنا، المهم الطفل وأمه واحنا قلنا له أنه كلكم في عنينا وانهرنا جمعيًا في البكاء".
أشارت يارا إلى غياب أي تمثيل حكومي مصري لاستقبال الفارين المصريين عبر الحدود البولندية، فيما أكدت أن الأرقام التي نشرتها السفارة المصرية في كييف كغرفة عمليات لاستقبال المصريين في بولندا مغلقة "الشباب المصري أكثر جالية متبهدلة، في سكوت تام من السفارة في أوكرانيا، وكذلك السفارات في الدول المجاورة، بنوصل للحدود بنلاقي الجهات الرسمية لكل دولة محضرة نفسها لاستقبال ذويها، فيما عدا المصريين، محدش منتظرهم".
وأوضحت الطبيبة أن جميع من عبر الحدود بالفعل كانوا في حالة إعياء شديدة وحالة نفسية سيئة واحتياجاتهم بشكل أساسي، كهرباء لشحن هواتفهن للتحدث إلى ذويهن في مصر، وطعام وشراب ونوم، مشيرة إلى أن الجميع يصل لنقطة قريبة من الحدود ولكنهم يسيرون على الأقدام لعدة ساعات حتى يصلوا الحدود بالفعل، وشاركت معنا صورة لأقدام أحد الشباب الذي وصل غرفة العمليات، تظهر مدى المعاناة التي تعرض لها الفارين عبر الحدود.
فيما تم تنظيم غرفة عمليات كانت مهمتها جمع أرقام الذين وصلوا لطمأنة أهلهم في حال انقطع شحن هواتفهم، وكذلك تسهيل الاتصال بذويهم في مصر، وتخصيص جروب للواتس آب يضم الأسر لتمرير رسائل صوتية إليهم لطمأنتهم على سلامة أبنائهم.
وعبرت يارا عن مخاوف لديها من الجانب الأوكراني أن يبدأ سياسة تعنت في السماح لعبور الجنسيات الأخرى كنوع من الضغط الدولي واستخدام الفارين كورقة ضغط سياسي في الحرب، حيث إن هناك العديد من الشكاوى بالسماح للأوكرانيين فقط بالعبور، باستنثاء معبر كراكوفيتش الذي يسمح للجميع دون النظر للجنسية.
وعن المشاكل التي تواجه المصريين على الحدود البولندية، وجدت المنصة هذا الفيديو، الذي يقول أبطاله "إحنا على حدود بولندا في نقطة التفتيش الأوكرانية، بيعاملونا زي الحيوانات، اللي جاي على حدود بولندا يبقى عارف هو جاي فين قبل ما يجي، الأوكران بيجي لهم أكل، هما بني آدمين واحنا حيوانات".
وقالت سمر أحمد* للمنصة، شقيقة طالبة أسنان عبرت الحدود فجر اليوم، بعدما قطعت هي وزملائها 30 كيلو متر سيرًا على الأقدام "أختي كانت بتقولي إحنا لو ممتناش من القصف هنموت دلوقتي من التلج".
ولفتت سمر"أختي بعد ما وصلوا على الحدود، القوات الأوكرانية رفضت تعديهم، وأختي بعتت لي رسالة صوتية تستغيث وبتقول أنهم ممكن يرجعوا كييف تاني". وبعد عدد ساعات طويلة من الانتظار، سمحت القوات للفتيات بالعبور. وأخبروا الشباب "أنتوا هتفضلوا تحاربوا معانا"، وحتى الآن مازالت القوات الاوكرانية ترفض عبورهم بحسب سمر.
وعن الأوضاع التي مرت بها شقيقتها، تقول "أختي قعدت 48 ساعة ما أكلتش غير خيارتين وكوباية مياه، عشان الاحتياج للحمام".
لكن أخت سمر نجت في النهاية، وربما تكون في طريقها الآن إلى القاهرة، لكن المئات غيرها لا يزالوا عالقين في وضع مأساوي داخل أوكرانيا أو على الحدود مع ما يجاورها من دول، دون دعم، يتحدثون لغة وسيطة يتكلمها اللاجئون كلهم، تبتغي مفرداتها عفو وتفهم سلطات البلاد الغريبة، في انتظار دعم بلدهم الأم مصر الذي تأخر أكثر من 5 أيام.
* اسم مستعار.