ألفونسو ديفيز. الصورة: صفحته الرسمية- فيسبوك

ألفونسو ديفيز: صرخة اللاجئين في وجه العالم

منشور الاثنين 24 يناير 2022

 

في الرابع والعشرين من مارس/ آذار 2021 أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تعيين ألفونسو ديفيز، الظهير الأيسر لنادي بايرن ميونخ ولاعب منتخب كندا لكرة القدم للرجال، كأحدث سفير عالمي للنوايا الحسنة. وبذلك أصبح أول لاعب كرة قدم في العالم يتقلد منصب سفير النوايا الحسنة، وأول كندي على الإطلاق.

علَّق ديفيز ديفيز في حينه قائلًا "أفتخر بانضمامي إلى مفوضية اللاجئين بصفتي سفيرًا للنوايا الحسنة. تجاربي الشخصية تدفعني لأن أمنح صوتي للاجئين وأشارك قصصهم وأساعد في إحداث أثر (في حياتهم)".

ديفيز الآن في الواحدة والعشرين، ويُعد من أفضل لاعبي العالم، ورغم حداثة سنه حقق كل البطولات الممكنة رفقة نادي بايرن ميونخ الألماني، بل كان مساهمًا رئيسيًا في تلك التتويجات. ولكن وراء قصة ديفيز الناجحة سطور كثيرة من المعاناة يجب أن تُحكى من بدايتها.

قبل البداية: من مونروفيا إلى بودوبورام

أواخر عام 1999 فرَّ ديبيه ديفيز وزوجته فيكتوريا من مدينتهما مونروفيا في ليبيريا إلى بودوبورام في غانا، حيثُ مخيم اللاجئين الذي كان موطنًا لأكثر من 12 ألف لاجئ فروا من ليبيريا خلال الحربين الأهليتين الأولى والثانية.

قصة معتادة نقرأ مثلها كثيرًا عن النزوح بسبب الحروب، فبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كان هناك 80 مليون شخص نزحوا قسرًا في جميع أنحاء العالم في نهاية عام 2019. وكان من بينهم 26 مليون لاجئ، نصفهم تحت سن الثامنة عشر.

ولد ألفونسو في بودوبورام في الثاني عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2000، أي بعد مجئ أسرته إلى المخيم بقرابة العام، بيد أن الحياة في بودوبورام لم تكن وردية، إذ عانت الأسرة المهاجرة الأمّرين؛ كانت الحياة مملؤة بالصعوبات، حيث البحث عن الأساسيات ما كان يشغلهم؛ كل ساعة مرت عليهم كانت انتصارًا للبقاء.

لخصت فيكتوريا الوضع "الحياة في مخيم اللاجئين تشبه وضع شخص داخل حاوية ثم يُغلق عليه بلا أمل في الخروج مرة أخرى، لا توجد طريقة للخروج. لا يمكنك الذهاب بعيدًا عن المخيم، يمكن أن يحدث أي شيء سيء لك".

https://www.youtube.com/embed/Zqt5u1jtvGw

عن ألفونسو ديفيز. القناة الرسمية لنادي فانكوفر وايتكابس


يشبه ذلك ما قاله ديبيه والد ألفونسو للموقع الرسمي للدوري الألماني، "كان من الصعب أن تعيش لأن الطريقة الوحيدة للنجاة أحيانًا هي حمل السلاح. لم يكن لدينا أي اهتمام بإطلاق النار. لذلك، قررنا الهروب من هناك. سمعنا ببرنامج يسمى إعادة التوطين، وقالوا لنا حسنًا، عليكك ملء استمارة خاصة بكندا. مررنا بالمقابلة وكل شيء، وأتينا إلى كندا".

في كندا: خارج قارة الصراعات أخيرًا

كان ديفيز في الخامسة من عمره حينما وصلت عائلته كندا. أولًا تورنتو، ثم وندسور، فأونتاريو، وأخيرًا إلى إدمونتون. ربما كانت عائلة ديفيز محظوظة بسفرها إلى كندا عن طريق برنامج إعادة التوطين، المدعوم في الأساس من الحكومة الكندية بالاشتراك مع منظمة الأمم المتحدة، وهو برنامج تسعى فيه كندا لاستقطاب طاقات بشرية للنهوض باقتصاد البلد. ما يعني أن ألفونسو وأسرته لم يمروا بتلك التجارب القاسية التي يعانيها ملايين اللاجئين على حدود الدول الأوروبية أو دول الأمريكتين، وغالبًا ما ينتهي بهم المطاف إما برجوعهم بخفي حنين، أو في سجون هذه الدول.

لكن طريق ديفيز في كندا لم يكن مفروشًا بالورود كذلك، فإن كانت عائلته تخطت أزمة الهجرة، فإنها بلا شك احتاجت إلى جهد كبير من أجل الانخراط في المجتمع الجديد. وهي قضية أخرى تحملها الدول والمنظمات على عاتقها، فدمج اللاجئين في المجتمع الجديد يحتاج جهدًا عظيمًا، كذلك التخلص من ندوب الحرب التي أجبرتهم على النزوح من بلدانهم. وهنا يأتي دور الرياضة، وهو الدور الذي اختير له ديفيز لاحقًا سفيرًا للنوايا الحسنة في الأمم المتحدة، ألا وهو التوعية بقضايا اللاجئين، والعمل على إعادة خرطهم مجتمعيًا.

الطريق إلى كرة القدم

بدأ ديفيز بلعب كرة القدم المنظمة في برنامج كرة القدم المجانية، وهي مبادرة تُقام بعد المدرسة للأطفال من ذوي الدخل المنخفض في وسط المدينة. في إدمونتون التحق ديفيز بمدرسة الأم تيريزا الابتدائية ثم مدرسة سانت نيكولاس الإعدادية حيث كان عضوًا في أكاديمية كرة القدم. وسريعًا ما سطعت موهبته، وأنبأت بأن كرة القدم على موعد مع نجم واعد سيسطع في سمائها عما قريب.

"تحمسنا لانضمامه إلى برنامجنا، لأنه بمجرد وصوله إلى مدرستنا، كان متحمسًا للغاية وفهم كل ما لدينا في البرنامج. كان يطلب باستمرار البقاء بعد المدرسة وممارسة التمارين في المنشأة. عندما يكون لديك شخص مثل ألفونسو، وهو رياضي وسريع وقوي ورائع بالتأكيد ستحب العمل معه"، قال مدير أكاديمية سانت نيكولاس لكرة القدم، ماركو بوسيو.

التحق ديفيز ببرنامج فريق Whitecaps للناشئين في سن الرابعة عشر ودعي ليكون جزءًا من أكاديمية الشباب الخاصة بهم. في غضون عامين صعد إلى الفريق الأول ليصبح واحدًا من أصغر اللاعبين الذين يلعبون في الدوري الكندي الرئيسي MLS على الإطلاق.

لم يكن قرار الالتحاق بـ Whitecaps سهلًا على ديفيز وأسرته، حيث استلزم ذلك ترك عائلته للمرة الأولى في حياته. والإقامة مع أسرة أخرى، والموازنة بين كرة القدم والدراسة.

عاش ديفيز مع عائلة بليت في فانكوفر. وكانت تجربة صعبة للغاية عليه، قال عنها "كان الأمر مختلفًا أن تكون في منزل مصنوع من الخشب والعيش مع عائلات أخرى. في البداية، كنت خجولًا حقًا، وكنت أشعر ببعض الحنين إلى بيتي. بعد شهر شعرت بالحنين، كنت أفتقد أمي وأبي وإخوتي".

 

ألفونسو ديفيز بقميص كندا. الصورة: صفحته الرسمية على فيسبوك

سمح النجاح السريع لديفيز بالتأقلم مع ما يؤرقه من مشكلات مثل الخجل والحنين المفرط إلى أسرته، وهو ما قاله عنه رئيس Whitecaps بوب ليناردوزي عن ديفيز "عندما جاء، علمنا أنه مختلفًا بالتأكيد. عندما جاء، كان جزءًا من فريق تحت 16 سنة وانتقل في غضون أشهر إلى فريق تحت 18 سنة، ثم إلى الفريق الرديف ومنه إلى الفريق الأول. هذا نادر جدًا، ومن النادر جدًا أن يحدث هذا كثيرًا في المستقبل".

"على الرغم من صعوده الصاروخي، كان شديد التواضع، منتسبًا لأصله دائمًا، لم ينس أبدًا حياته في ظل الحرب الأهلية ثم في مخيم للاجئين، إذ غرس فيه والداه القيم الأساسية. كان محترمًا للغاية وقام بعمله. كان الجانب الأكاديمي من حياته مهمًا لأمه وأبيه، لذلك فهو يتأكد من أنه يفعل كل الأشياء التي يحتاج إلى القيام بها... في وقت مبكر جدًا من حياته، كان من الواضح أن كونه شخصًا صالحًا أمرًا مهمًا للغاية بالنسبة له ولعائلته، ويمكنك أن ترى أنهم لم يتحدثوا عن ذلك فحسب، بل قاموا بتطبيقه". قال ليناردوزي.

سرعان ما كان ديفيز على رادار المنتخب الوطني الكندي، ومثَّل كندا في مستويي أقل من 17 وتحت 20 سنة قبل أن يشارك مع الفريق الأول في أوائل يونيو/ حزيران 2017، وذلك بعد أسبوع واحد فقط من حصوله على الجنسية الكندية.

شاهدت أسرة ديفيز في رهبة صعود ألفونسو الصاروخي وهو لايزال ابن الستة عشر ربيعًا، ثم أصبح لاحقًا أصغر هداف لكندا على الإطلاق، وأصغر لاعب يسجل في الكأس الذهبية بفضل ثنائيته ضد غويانا الفرنسية، وكذلك أول لاعب ولد في القرن الحادي والعشرين يسجل في بطولة دولية كبرى.

بايرن ميونخ أكثر من الخيال: إلى القارة العجوز

في 25 يوليو/ تموز 2018، انضم ألفونسو ديفيز إلى نادي بايرن ميونيخ الألماني في صفقة انتقال قياسية من فريق وايتكابس، وصلت إلى أكثر من 28 مليون دولار كندي، وهي أكبر نسبة تلقاها نادٍ في تاريخ الدوري الكندي MLS الذي بدأ 23 عامًا.

خلال مسيرته مع نادي بايرن ميونخ، سرعان ما أثبت ديفيز نفسه كواحد من أفضل اللاعبين الشباب في كرة القدم. في 17 مارس/ أذار 2019، سجل هدفه الأول لفريق بايرن ميونخ، مما جعله أول لاعب دولي كندي يسجل للنادي. وفاز ديفيز بأول لقب له مع النادي في 18 مايو/ أيار 2019، عندما احتل بايرن المركز الأول في الدوري الألماني. في أبريل/ نيسان من ذلك العام، وافق بايرن وديفيز على تمديد العقد حتى عام 2025.

خلال موسم 2020 مع بايرن ميونخ، حطم ديفيز الرقم القياسي لسرعة الجري في الدوري الألماني بمعدل 36.51 كم في الساعة. كما حصل على لقب أفضل لاعب في الدوري الألماني لموسم 2019-2020. ثم أصبح أول لاعب كندي دولي يفوز بدوري أبطال أوروبا عندما اقتنص البايرن البطولة من باريس سان جيرمان في نهائي 2020.

أبرز لقطات ديفيز خلال 2019-2020


ديفيز الآن وهو في الواحدة والعشرين من عمره واحد من أهم لاعبي كرة القدم في العالم، كذلك يتقلد منصبًا رفيعًا كونه سفيرًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهو أول لاعب كرة قدم في العالم يتقلد هذا المنصب. تلك قصة حياة لأسرة لاجئة تنتهي نهاية سعيدة، بالطبع تحمل من الدراما والتشويق ما يصلح لفيلم سينمائي. ولكنها دليل على الدور الذي يمكن أن تلعبه الرياضة والرياضيين في قضايا الأقليات، وهو السبب الذي نصبت له الأمم المتحدة ديفيز سفيرًا لشؤون اللاجئين.

الأولمبياد من أجل اللاجئين

تُجسد قصة حياة ديفيز الدور الذي يمكن أن تلعبه الرياضة في التوعية بقضايا اللاجئين، وإلى جانب المبادرات التي تنظمها أندية كرة القدم، فالرياضات الأخرى لها دور بالتأكيد.

وشهد أولمبياد ريو دي جانيرو 2016 بالبرازيل مشاركة فريق للاجئين للمرة الأولى في تاريخ الأولمبياد، كما شهدت الألعاب البارلمبية في العام نفسه أول مشاركة بارلمبية لفريق للاجئين، بالإضافة إلى الاعتراف بإدراج اللاجئين في الألعاب الأولمبية والبارالمبية، وفي العام التالي حصل الفريق الأولمبي للاجئين على جائزة Laureus Sport for Good.

هذا الفريق الأولمبي قالت عنه المغربية نوال المتوكل، عضوة أكاديمية لوريوس ورئيسة لجنة تنسيق اللجنة الأولمبية الدولية لدورة الألعاب الأولمبية ريو 2016، وأول بطلة عربية وإفريقية تتوج بالذهب الأولمبي بعد فوزها بذهبية سباق 400 متر حواجز في لوس آنجلوس عام 1984 "مثَّل الفريق الأولمبي للاجئين واحدة من أفضل القصص الرياضية عن 2016. نتحدث عن القدرة على التكيُّف والعزيمة باعتبارهما من السمات الرئيسية للرياضيين الناجحين، وهذا الفريق يتمتع بذلك على نحوٍ هائل. إنهم يجسدون رسالة نيلسون مانديلا بأن بوسع الرياضة أن تغرس الأمل حيث كان اليأس في أحد الأيام".

في النهاية، هناك ملايين الشباب والأطفال الذين جعلهم ديفيز وغيره من أمثلة اللاجئين الناجحين يحلقون عاليًا بطموحاتهم وأمانيهم بمستقبل أفضل، لكن لكي تتحسن الأوضاع بشكل أكبر، هناك احتياج لتكاتف الجميع ونبذ خطابات الكراهية ضد الأقليات أينما وجدوا.