تزوجت بسمة أحمد صغيرة، كانت في التاسعة عشر من عمرها، وفي تلك السن أيضًا حملت بطفلها الأول، لكن الحظ كان يخبئ لها شيئًا آخر غير السعادة فيما يبدو.
عندما التقت بسمة، التي تعيش في محافظة الشرقية، بزوجها كانت ما تزال ابنة خمس عشرة سنة، وخلال أربع سنوات لاحقة عاشا معًا قصة حب يافعة كللاها بالزواج، غير أن الحب في تلك القصة كان أضعف كثيرًا من الصمود أمام المرض، فبعد حملها بفترة قصيرة، بدأت تشعر بوهن شديد، فسّرته في البداية كتداعيات للحمل، لكن التعب تحول سريعًا إلى صعوبة شديدة في الحركة وفي ممارسة أي نشاط جسدي عمومًا، حتى اكتشفت إصابتها بمرض ضمور العضلات، لتتحول حياتها بعده إلى النقيض.
يصيب ذلك المرض عضلات الجسم والخلايا العصبية بالنخاع الشوكي وجذع المخ ويؤثر على الأطراف ويضعف قدرتها على الحركة، لذلك اضطرت بسمة للاستعانة بكرسي متحرك، لكن الشلل الذي أصابها فجأة ودون سابق إنذار كان وقعه أرحم من معاملة زوجها التي تغيرت تمامًا، حد توجيه الإهانة لها صبحًا ومساءً.
14 سنة من القهر
تقول بسمة للمنصة "فجأة وبدون مقدمات وجدت نفسي غير قادرة على الحركة وصعود الدرج، وبت بحاجة للاستناد على أي شخص لكي أتحرك وأمارس حياتي، وبعد 6 شهور من ظهور تلك الأعراض، صرت أتحرك على كرسي، وكان زوجي في الوسط من ذلك كله لا يمل من معايرتي، كان يقول إن زوجات إخوته يعملون وأنا عالة غير قادرة على إفادته، وأنه لن يتحملني، وأنه لن يكون مسؤولًا عن علاجي".
لم تطلب بسمة الطلاق رغم تغير معاملة زوجها وإصراره على إهانتها، ربما لأنها كانت تتمسك بذكرى حب السنوات الأربع السابقين على الزواج، وسعت وأهلها للعلاج، حيث خضعت لثلاث عمليات لزراعة الخلايا الجذعية بعد أن تبرع لها والدها في كل مرة بجزء من خلاياه، لكنها باءت جميعًا بالفشل، كذلك سعت للبحث عن عمل رغم إعاقتها، واستطاعت مستفيدة من نسبة الـ5% المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة من الالتحاق كموظفة بمدرسة في محافظة القاهرة، تبعد نحو أكثر من ساعتين عن مقر سكنها، لكن ذلك كله فيما يبدو لم يكن كافيًا لزوجها الذي قرر بعد 14 سنة من الزواج أن "كل واحد يروح لحاله أنا مش هكمل معاكي، أنا عايز واحدة سليمة تساعدني وتشتغل مش واحدة مريضة عايزة اللي يعالجها".
خرجت بسمة أحمد من زواجها، غير القصير، بطفلين الأكبر في المرحلة الإعدادية والأصغر في الابتدائية، ليواجه ثلاثتهم ظروفًا معيشية قاسية، لن يقدر راتبها الشهري البالغ قدره 1060 جنيهًا على تحسينها أبدًا، حيث لا يكفي من الأساس مصاريفها العلاجية وجلسات العلاج الطبيعي التي تحتاجها شهريًا.
ويلزم القانون الجهات الحكومية وغير الحكومية وكل صاحب عمل ممن يستخدم عشرين عاملًا فأكثر، بتعيين نسبة 5٪ من عدد العاملين على الأقل من الأشخاص ذوي الإعاقة.
أطماع الشريك
ثمة ظاهرة تواجهها المعاقات من المتزوجات، حيث يصلن إلى الطلاق بسبب العنف الزوجي الناتج في الغالب عن طمع الشريك في دخل زوجته، بحسب رئيس الاتحاد الوطني لذوي الإعاقة، إيهاب فتحي، وهي مؤسسة حكومية غير أهلية، الذي يقول للمنصة إن نسبة الطلاق بين المعاقات تبلغ 5%، وهي نسبة كبيرة علمًا بأن نسبة غير المتزوجات من المعاقات تقدر بـ80% من مجمل 6 مليون معاقة مصرية، أي أن عدد المطلقات يبلغ حوالي 20 ألف امرأة تقريبًا، تعرضن جميعهن، وفقًا لما رصده الاتحاد، للإهانة من قبل أزواجهن، وهي إهانات يدور أغلبها حول أسباب ضعف الفائدة المادية العائدة منها.
وتشير داليا عاطف، خبير واستشاري في ملف ذوي الإعاقة، إلى تزايد معدلات الطلاق في النجوع والقرى ومحافظات الصعيد، مرجعة أسبابه أيضًا إلى رغبة الأزواج في الاستفادة ماديًا من زوجاتهم، مؤكدة رصدها حالات كثيرة لنساء تعرضن لمحاولات الاستغلال المادي من قبل أزواجهن.
لا تختلف قصة رضوى، ابنة محافظة دمياط، البالغة من العمر 41 سنة، كثيرًا عن بسمة، حيث تزوجت وهي دون العشرين، ورغم أنها تعاني الإعاقة منذ ما قبل الزواج، لكن زوجها لم يكف عن معايرتها طوال زواج استمر 19 سنة، انتهوا بتطليقها بعدما علمت بزواجه من أخرى.
ولدت رضوى مصابة بشلل أطفال وضمور في عضلات القدم اليسرى، رغم ذلك حاولت التغلب على إعاقتها والدخول إلى سوق العمل مستفيدة من نسبة الـ5% المخصصة للعمالة من ذوي الإعاقة، وشغلت وظيفة أمينة معمل بإحدى مدارس المحافظة، لكن ذلك لم يشفع لها أمام زوجها الذي دأب على معايرتها "أنتِ مش عارفة تعملي حاجة وزهقت منك"، إلى أن تزوج بأخرى لسنوات قبل أن تكتشف رضوى التي طلبت الانفصال عنه، لتخرج من تجربتها أمًا لفتاة في الصف الثالث الإعدادي، وشابًا يبلغ 18 سنة أنهى لتوه تعليمه المتوسط، ودخل لا يتخطى الـ 3200 جنيه شهريًا.
ثلاث محاولات فاشلة
تقول هبة عادل، رئيس مجلس أمناء محاميات مصريات لحقوق المرأة، إنه كلما كانت النساء لديهن ظروف خاصة كانت أكثر عرضة للعنف المجتمعي، وبالتالي ذوي الإعاقة سيكونون عرضة أكثر للانفصال والتفكك الأسري والتعرض بشكل أكبر للعنف، مشيرة إلى أن نسبة النساء المعاقات ممن يتعرضن للعنف الأسري هو الأكبر، لكنهم في الوقت نفسه لا يجدون العوض في اللجوء للقضاء للحصول على حقوقهن.
وتعكس قصة رشا العربي، ثبات تلك الشكوى في حالات الطلاق بين المعاقات، من حيث إهانة الشريك واعتماده على قدرة المرأة على توفير عائد مادي "يساعد" في المعيشة، حيث لم تواجه شيئًا آخر في ثلاث تجارب زواج قصيرة جدًا انتهت بالطلاق.
تروى رشا، البالغة من العمر 39 سنة، تفاصيل قصتها للمنصة، قائلة "حلمت بتكوين أسرة صغيرة كأى فتاة، فتزوجت 3 مرات من أزواج تقدموا للارتباط بي بطريقة "الصالونات"، أوهموني جميعهم بمشاركتهم حلمي لكن سرعان ما كانت تنكشف حقيقتهم عقب الزواج بأيام معدودة ليطلبوا منى الإنفاق عليهم أو أخذ قرض بضمان راتبي لينفقوا على ملذاتهم وهو ما رفضته في الثلاث زيجات ليكون جزائي الضرب والتعذيب و المعايرة بإعاقتي".
تعاني رشا من ضمور في العصب البصري و انفصال بالشبكية، وضمور العصب البصري هو ضمور خلايا العصب المسؤول عن نقل الإحساس بالرؤية من العين للدماغ مما يؤدي لتدهور الرؤية و قد ينتهي الأمر بالعمى، أما انفصال الشبكية يؤدى لفصل خلايا الشبكية عن طبقة الأوعية الدموية التي تغذي تلك الخلايا بالأكسجين و يؤدى انفصال الشبكية لظل ساتر يغطي مجال الرؤية.
تزوجت رشا للمرة الأولى في سن الـ 23 لشهرين فقط "كان يعايرني بإعاقتي رغم فشل زيجاته السابقة التي لم أعلم بها إلا بعد الزواج مرددًا بين الحين و الآخر: ياشيخة روحي أنتِ شايفة؟ دي حاجة قرف"، وبعد 9 سنوات احتاجتهم لتجاوز الآثار النفسية للتجربة، قررت رشا تجريب حظها للمرة الثانية، لكن زيجتها الجديدة لم تدم لأكثر من أربعة أشهر. تقول للمنصة "خلال تلك الفترة اعتاد طليقي ضربي لرفضي الحصول على قرض بضمان عملي لأمنحه إياه".
أما الزيجة الأخيرة فلم تختلف كثيرًا عما سبقها، وإن دامت لسنة كاملة "تلقيت خلالها ضربًا مبرحًا، ورفض هو الآخر الإنفاق على علاجي، لتزداد حالتي الصحية سوءً، وأصبت بانسداد في الشرايين، فطلبت منه الطلاق بعد أن فاض بي الكيل"، حسب قولها للمنصة.
لم تنجب رشا من زيجاتها الثلاث، وتعيش على دخلها من عملها كموظفة في التأمينات الاجتماعية، فيما تقيم بمفردها بعيدًا عن أشقائها المنشغلين عنها بحياتهم الخاصة، لكنها تواجه معاناة يومية خلال محاولاتها نزول الدرج بسبب إعاقتها البصرية، خاصة وأنها تقيم بغرفة بسيطة في الدور الخامس.
تخصص مبادرة حياة كريمة التي ترعاها الدولة، معاشًا بقيمة 500 جنيه لذوي الاحتياجات الخاصة، ضمن معاش تكافل وكرامة، وهو مخصص لمن لا عمل لهم، كما تكفل مظلة العلاج على نفقة الدولة صرف العلاج مجانًا لمن ليس لهم مظلة تأمينية أخرى، لكن ذلك غير كاف في ظل غلاء المعيشة الذي يعاني منه المواطنون جميعًا، فيما يواجه المعاقون في مصر أعباءً مادية ضخمة، حيث يحتاجون إلى إجراء جلسات علاج طبيعي بالإضافة إلى تكلفة الدواء.
وتقول داليا عاطف الخبير والاستشاري في ملف ذوي الإعاقة، للمنصة، إن الشخص ذو الإعاقة يتكلف خمسة أضعاف الشخص السليم في حياته اليومية، وتقدر قيمة جلسة العلاج الطبيعي بين 180 إلى 250 جنيهًا، أما في حالات العلاج المائي للمريض فتصل تكلفة الجلسة الواحدة، حسبها، إلى 500 جنيه، فضلًا عن تكلفة شراء الأدوية التي تتخطى ألف جنيه شهريًا وذلك وفقًا لأحمد عجاج منسق حملة مرضي ضمور العضلات في مصر.
ووفقًا لهيئة الأمم المتحدة يعيش 80 % من ذوي الإعاقة في البلدان النامية، بينما لا يستطيع 50% منهم تحمل تكاليف الرعاية الصحية.
وفي الوسط من تلك المعاناة كلها تملك بسمة التي تعاني السفر يوميًا من الشرقية إلى القاهرة نظير دخل ضئيل لا يتخطى 1060 جنيهًا، حلمًا بشقة صغيرة تأويها وأطفالها، وماكينة خياطة تساعد في زيادة دخلها الشهري، أما رشا صاحبة النصيب الأكبر من الزيجات غير الموفقة، فتشاركها الحلم نفسه بالحصول على مسكن أفضل يقيها من الإصابات التي تتعرض لها يوميًا عند صعود السلم ونزوله، وربما لا تبحثن النساء الثلاثة رغم شبابهن عن الزواج مرة أخرى.