المنصة تحرت دقة ما نسب لوزير الصحة والمتحدث الرسمي باسم وزارته؛ عن كون الظروف البيئية للمياه المصرية تعوق تكاثر البعوضة الناقلة لـ"زيكا"، وذلك من خلال العودة للأبحاث العلمية المنشورة حول الفيروس والبعوضة الناقلة له، وكذلك من خلال الأبحاث المتعلقة بالمياه المصرية وعلاقتها بالبيئة المناسبة لتكاثر تلك البعوضة.
مع انتصاف يناير/ كانون الثاني الماضي، تصاعدت التحذيرات العالمية من انتشار فيروس "زيكا" في بلدان أمريكا الجنوبية وبعض الدول الإفريقية. ومع بداية فبراير/ شباط الجاري، أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ على الصعيد العالمي، بعد تحول الفيروس إلى الصفة الوبائية، وظهوره في بعض دول أوروبا الباردة.
وُجِّهت أصابع الاتهام فورًا إلى بعوضة تحمل اسم الزاعجة المصرية، تحمل الفيروس وتقوم بنقله إلى من يتعرضون للدغاتها، وتبدو كبعوضة منزلية عادية، وتنتشر في المناطق الحارة، وتستوطن البرازيل والكونغو وعدة دول إفريقية ولاتينية أخرى. واكتشفت علاقتها بالفيروس مع اكتشافه للمرة الأولى في أوغندا عام 1947.
وبينما لم تتردد حتى الدول الأوروبية في الإعلان عن استعداداتها لمواجهة الفيروس؛ وبادرت بالإعلان بشفافية عن ظهور أولى حالاته بها؛ استمرت مصر في تجاهل التقارير الدولية التي تحذر من كونها دولة مرشحة لانتشار الفيروس بشكل وبائي. وعندما اتخذت السلطات موقفًا معلنًا من الفيروس والبعوضة الناقلة له؛ كان الموقف المبدئي الذي تلقته وسائل الإعلام هو تصريحات منسوبة لدكتور خالد مجاهد المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، والتي نفى فيها تمامًا إمكانية تكاثر البعوضة الحاملة للفيروس في مصر لكون المياه أكثر تلوثًا من أن تسمح للبعوضة بالتكاثر.
عاد المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة لنفي تلك الأخبار، وتراجع عما فيها، لكنه قال في مداخلة هاتفية جرت في الثالث من فبراير/ شباط الجاري على قناة CBC extra: إن البعوضة لا تستوطن مصر نهائيًا، وأن مصر خالية تماما من هذا الفيروس. بعدها بخمسة أيام فقط قال مجاهد إن البعوضة الناقلة للفيروس موجودة في مصر ويتم مكافحتها وأعدادها تقل تدريجيًا، لكنه نفى تمامًا أن يكون للفيروس وجود في محافظتي المنيا وأسيوط بعدما نسبت له تصريحات تقول إن البعوضة الناقلة للفيروس موجودة فعلاً بهاتين المحافظتين.
أعلنت وزارة الصحة في العاشر من الشهر الجاري عن اتخاذها عدة إجراءات لضمان عدم دخول الفيروس للبلاد. كما قال المتحدث باسم الوزارة في تصريحات إعلامية إن الفيروس لا علاج له، بينما أكدت خدمة راديو مونت كارلو عبر موقعها العربي إن الهند وجدت علاجًا للفيروس بالفعل.
المنصة تحرت دقة ما نسب لوزير الصحة والمتحدث الرسمي باسم وزارته؛ عن كون الظروف البيئية للمياه المصرية تعوق تكاثر البعوضة الناقلة لـ"زيكا"، وذلك من خلال العودة للأبحاث العلمية المنشورة حول الفيروس والبعوضة الناقلة له، وكذلك من خلال الأبحاث المتعلقة بالمياه المصرية وعلاقتها بالبيئة المناسبة لتكاثر تلك البعوضة.
من بين الأبحاث المتعلقة ببعوضة الزاعجة المصرية؛ بحث صادر عام 2013 في البرازيل، وهي الدولة التي انطلقت منها العدوى الوبائية في موجتها الحالية، وبحث آخر صادر عن منظمة الصحة العالمية ، يتفقان على أن البعوضة الناقلة لفيروس الزيكا، وهي نفسها الحشرة الناقلة لحمى الضنك، تعيش وتتكاثر في بيئات المياه الراكدة عالية التلوث بالفضلات العضوية والسائلة، الغنية بنيترات الأمونيم. وهي المادة المتوفرة بكثرة في الصرف الصحي الذي تنتشر مصارفه غير المغطاة حول القاهرة وفي المحافظات ويعرفها العامة باسم "الرشاح".
في الدراسة المعنونة خدمة مياه الشرب العامة وعلاقتها بتبويض بعوضة الزاعجة المصرية public drinking water supply and egg laying by Aedes Aegypti الصادرة في البرازيل عام 2013، شرح للظروف البيئية المناسبة لتكاثر البعوضة الناقلة للفيروس.
توضح الدراسة أن أنثى "الزاعجة المصرية" تُفضل وضع بيضها في المياة الراكدة، أو المياة الحاملة للميكروبات، أو ذات الروائح النفاذة، أو المحتوية على درجة عالية من "نيترات الأمونيوم"، طبقًا للموسوعة العلمية الإلكترونية البرازيلية.
الدراسة التي أجريت بأخذ عينات من خزانات مياة الشرب من مناطق متنوعة في البرازيل التي تشهد انتشارًا واسعا للبعوضة. توصلت إلى أن جودة المياه تؤثر في عملية تبويض "الزاعجة المصرية"، حيث أن التركيز العالي لنيترات الأمونيوم في المياه، يجذب إناث البعوضة الحاملة للبويضات المخصبة لكي تضع بيضها في هذه المياه، وينتقل البعوض بعد اكتماله وميلاده إلى التجمعات السكنية التي يحيا فيها وينشر الفيروس بين سكانها، ثم يعود للمياه الراكدة لوضع البويضات والتكاثر من جديد.
إلا أن المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية قال في التصريحات المنسوبة إليه: "تلك البعوضة لا تعيش أو تنمو في مياه المجاري والمصارف والترع المكشوفة، بل تحتاج إلى مياه نظيفة تمامًا غير موجودة عندنا في الشوارع المصرية"، على حد قوله في جريدة التحرير المصرية. وهو ما يتناقض كليًا مع ما جاء بنشرات منظمة الصحة العالمية وفي الأبحاث العلمية المتعددة حول أطوار حياة وتكاثر بعوضة الزاعجة المصرية.
حيث تُؤكد منظمة الصحة العالمية في معلوماتها حول حمى الضنك "الدنج" أن بعوضة الزاعجة المصرية تُفضل المياة الراكدة كمياه الأمطار أو المياة المخزنة في الجرارات الزراعية وإطارات السيارات التالفة. وبحسب موقع "الهندسة البيئية" تحوي مياه الصرف الصحي على تركيزات عالية من مادة نيترات الأمونيوم، إحدى المواد الكيميائية الجاذبة لبعوضة "الزاعجة المصرية" لوضع يرقات البيض. كما أن مركز مكافحة الأمراض والعدوى الأمريكي أصدر خريطة بالدول الحاوية بالفعل للبعوضة الناقلة للفيروس والمرشحة لأن تشهد عدوى وبائية لفيروس الزيكا، نشرها موقع vox المتخصص في الصحافة الاستقصائية في الحاي والعشرين من يناير الماضي، وكانت مصر من بين تلك الدول.
بحسب تصريحات الرئيس السابق لشركة مياه الشرب والصرف الصحي، التي أدلى بها في ديسمبر 2014، فإن مصر تعاني من مشكلة كبيرة في الصرف الصحي، حيث لم تتمكن الدولة من تقديم خدمات الصرف الصحي الآمن "المغطى" سوى لنسبة 12% فقط من القرى. وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن 57.3% من سكان مصر يعيشون في الريف، وهذا يعني أن 86% من هؤلاء السكان يعيشون قرب مصارف مناسبة لتكاثر البعوضة الحاملة لفيروس زيكا. كما أن 20% من مساحات المدن المصرية بما فيها أطراف القاهرة؛ تعتمد على المصارف المكشوفة المناسبة لتكاثر البعوضة، نظرًا لغياب خدمات الصرف الصحي الآمن.
وحسب تصريحات المهندس ممدوح رسلان الرئيس السابق لشركة مياه الشرب والصرف الصحي، فإن مصر بحاجة إلى 100 مليار جنيه (بأسعار 2014) لتقديم خدمات الصرف الصحي الآمن لكافة المواطنين.
ويثبت تحقيق استقصائي نشرته هيئة الإذاعة الكندية أن الأسمدة المستخدمة في زيادة كفاءة المحاصيل الزراعية والتي تدخل مادة نيترات الأمونيوم في تصنيعها، تقدم بيئة خصبة لتكاثر بعوضة "الزاعجة المصرية"، بعد ري الأراضي المشبعة بالأسمدة الحاوية لتلك المادة. وتعد مصر من أكبر الدول المستخدمة للمخصبات الزراعية بحسب بيانات موقع اندكس موندي وهو من أهم بوابات البيانات الرقمية في العالم.
وتكمن خطورة فيروس زيكا في تسببه في تشوهات للأجنة إذا ما تعرضت النساء الحوامل للإصابة بالفيروس. كما أن الموجة الحالية من الفيروس ثبت انتقالها بين البشر من خلال الممارسات الجنسية، ويجري البحث حاليًا إن كان الفيروس يمكنه الانتقال بين البشر بطرق أخرى، مما دفع منظمة الصحة العالمية لإصدار تحذير عالمي من العدوى الوبائية لأول مرة منذ اكتشاف الفيروس عام 1947.