أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي الشهر الماضي، طرح شركة العاصمة الإدارية الجديدة في البورصة، وهو خبر قد يلفت أنظار المستثمرين فقط للوهلة الأولى، ولكن بينما قد يعتقد من لا يهتمون بتشغيل أموالهم في أسواق المال أن الأمر لا يعنيهم، فإن لهذه الخطوة آثار قد تنعكس على حياة الملايين ممن يبحثون عن حقهم في السكن، فدخول أكبر مشروع إسكان تديره الدولة في الوقت الراهن سيجعل إدارته راغبة طوال الوقت في تحقيق أكبر ربح ممكن لإرضاء المساهمين، ما يضفي طابع "السوق" على سياسات الدولة في الإسكان.
يأتي ذلك في الوقت الذي تقدم فيه الدولة إنتاجًا محدودًا من الإسكان الاجتماعي، ما يجعل تركيزها الأساسي على خدمة السوق وليس المواطنين.
نسعى في هذا التقرير لشرح ما هي شركة العاصمة وماذا يعني طرحها في البورصة؟ وما هو تأثير هذا الطرح على كل من المستثمرين والباحثين عن الحق في السكن؟
ماهي شركة العاصمة وما الدور المنتظر منها؟
في يونيو/ حزيران الماضي، سألت صحيفة المصري اليوم المتحدث بإسم شركة العاصمة الإدارية الجديدة خالد الحسيني عما إذا كانت إدارة الشركة قلقة من منافسة شركة طلعت مصطفى من خلال مشروع "نور" الذي يمتد على خمسة آلاف فدان في منطقة قريبة من العاصمة الإدارية الجديدة، وكان رد المتحدث أن "العاصمة" كبيرة بما يكفي، ولا تخشى المنافسة فهي تستحوذ على 40% من مبيعات السوق العقاري.
ثقة المتحدث في ضخامة حجم المشروع لا تأتي من فراغ، فالمرحلة الأولى منه والتي أوشكت على الانتهاء تصل إلى 40 ألف فدان، والثانية ستصل إلى 50 ألفًا، ما يجعل المشروع هو الأضخم على مستوى مصر.
تدخل الدولة في هذا المشروع بدورين؛ الأول كمطور يبني على أراضي العاصمة، مثل بناء وزارة الإسكان وحدات سكنية في حي كابيتال ريزدانس وتسويقها للمواطنين على أساس أسعار السوق مثل الشركات الخاصة.
أما الدور الثاني، وهو الأكثر ضخامة، يتمثل في أجهزة الدولة التي تمتلك أراضي العاصمة وتقوم بترفيقها وبيعها للمطورين، وهذا تحديدا هو دور شركة "العاصمة" التي سيتم طرحها في البورصة.
تأسست شركة العاصمة بناء على قرار لرئيس الجمهورية سنة 2016، وقد نص هذا القرار بداية على تخصيص جزء من أراضي جهاز مشروعات القوات المسلحة لتأسيس العاصمة الجديدة، وأن تصبح تلك الأراضي بمثابة مساهمة من الجهاز في رأس مال شركة تقوم بتخطيط وتنمية هذه العاصمة، على أن تشارك في تأسيس الشركة أيضا كل من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، التابعة لوزارة الاسكان، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، التابع لوزارة الدفاع.
تقوم الشركة إذن بوضع المخططات العامة للعاصمة، ثم تهيئة الأراضي وبيعها للمستثمرين، ولأن عملية البيع تتم على أساس استثماري خالص بدون تقديم أي دعم لتحفيز المطورين على تقديم مساكن لمحدودي الدخل، اكتسبت العاصمة بالتدريج طابع الإسكان الفاخر، وأصبحت طاردة للفقراء.
يؤكد مسؤولو الشركة في تصريحاتهم الإعلامية على أن أراضي العاصمة يتم تخصيصها على أساس معايير السوق ولا مجال لتدخل الدولة في أسعار بيع الشقق هناك، ويقول المتحدث باسم العاصمة في حوار "لا توجد رفاهية بناء أحياء بالمجان لفئات معينة من المواطنين أو مدعمة".
ماذا عن الإسكان الاجتماعي؟
تحاول الدولة أن تبرر دورها كتاجر أراضٍ لصالح المستثمرين، بأنها تستغل الإيرادات المحققة لدعم الإسكان الاجتماعي.
هذا ما أكد عليه هاني يونس المتحدث باسم مجلس الوزراء، هو يقول إن "الدولة تبيع الوحدات الفاخرة لبناء وحدات لمحدودي الدخل وتطوير العشوائيات وبناء مساكن لأهلها".
لكن يحيى شوكت، خبير سياسات الإسكان، يقول إن البيانات الفعلية تكشف وجود فجوة كبيرة بين ما تتيحه الدولة من مساكن منخفضة التكلفة والاحتياج الحقيقي للمواطنين "نحتاج حوالي 200 ألف وحدة إسكان اجتماعي سنويًا، وهو عدد الأسر الجديدة التي تدخل سنويًا تحت خط الفقر. ولكن متوسط البناء السنوي منذ 2014 كان حوالي 70 ألف وحدة، ومتوسط التسليم من صندوق الإسكان أقل من هذا العدد بقليل، وهو ما يعني أن هناك عجزًا كميًا بحوالي 120 ألف وحدة في السنة"، حسبما أخبر المنصة.
يتضح من المقارنة التي يعرضها شوكت كيف يؤثر تركيز الدولة على بيع أراضٍ لمطوري الإسكان الفاخر في توجيه السوق نحو هذا النمط من السكن، وهو ما تعززه البيانات الخاصة بأسعار المتر في وحدات القطاع الخاص في العاصمة والتي تتراوح بين تسعة آلاف إلى 25 ألف جنيه، ما يعني أن الشقة المتواضعة لن يقل ثمنها عن مليون جنيه.
نائب وزير الإسكان، خالد عباس، حاول أن يبرر غياب المشروعات الاجتماعية عن العاصمة، عندما قال في يونيو الماضي إن الوزارة كانت مشغولة بتوفير مساكن لمحدودي الدخل في مدن مثل "بدر" وأنها بدءًا من العام المقبل ستبدأ في مشروعات للإسكان الاجتماعي داخل العاصمة نفسها.
لكن مصدرين في وزارة الإسكان أكدا للمنصة عدم وجود أية أفكار تتعلق ببناء وحدات إسكان اجتماعي ولمحدودي الدخل داخل العاصمة الإدارية.
وقال مصدر، طلب عدم ذكر اسمه، "كانت هناك نوايا من قبل البدء في إنشاء العاصمة أن يتم تخصيص جزء للإسكان الاجتماعي، لكن هذا الكلام اختفى تماما".
هذا الواقع الاجتماعي الضاغط على ملايين من الأسر الفقيرة قد لا يبدو ظاهرًا في الدعاية البراقة للطرح المرتقب لشركة العاصمة، والذي تقدمه الدولة على أنه إنجاز جديد في هذا المشروع.
وعلى عكس محدودي الدخل، يترقب المستثمرون الاستفادة من هذا الطرح، والذي تصفه وكالة بلومبرج بأنه أكبر طرح من نوعه في تاريخ البورصة المصرية.
الدولة تنقذ البورصة
عندما يتعلق الأمر بالبورصة، تبدو الدولة شديدة الاهتمام بإنعاش هذا السوق الذي يعاني من ضعف في إقبال المستثمرين على البيع والشراء فيه.
في هذا السياق كان رئيس الجمهورية يروج لطرح "العاصمة" بوصفها شركة ذات أصول تصل قيمتها إلى 3 أو 4 تريليونات جنيه، وهذا الرقم الضخم يعزى إلى مساحات الأفدنة الهائلة التي تم تخصيصها للشركة بموجب القرار الرئاسي الذي أشرنا له.
ويعني طرح العاصمة في البورصة أنها ستتحول من شركة مغلقة، تساهم فيها الكيانات الحكومية الثلاثة، إلى شركة مفتوحة يتم طرح جزء من أسهمها على المستثمرين في البورصة.
وبموجب دخول مستثمرين جدد في الشركة، سيصبح لزامًا عليها تحقيق أرباح جيدة في كل سنة، حتى لا ينفر منها المساهمون ويبيعون أسهمهم في السوق الثانوي للبورصة، ما يؤدي بمرور الوقت لانخفاض سعر سهم الشركة، ويحد من قدرتها على إدارة طروحات جديدة.
السيسي يتحدث عن طرح شركة العاصمة الإدارية في البورصة
في هذا السياق يساهم طرح "العاصمة" في جعل أكبر مشروع عقاري للدولة أكثر قربًا من السوق وابتعادًا عن الطابع الاجتماعي.
"هناك علاقة مباشرة بين قيمة الأسهم وسعر المتر في العقارات، وهو أنه كلما زاد سعر المتر تحقق الشركات أرباحًا وبالتالي تزيد استثماراتها ما يؤدي ارتفاع قيمة أسهمها في البورصة" كما يقول عمرو الألفي، المحلل الاقتصادي للمنصة.
ويمثل دخول شركة كبيرة مثل العاصمة في البورصة، فرصة لإحياء سوق المال بأكمله، فهذا الكيان الضخم من المرجح أن يجذب أعدادًا كبيرة من أصحاب الأموال إلى البورصة المصرية، وعندما يقومون بتكويد أنفسهم كمستثمرين جدد في السوق سينظرون للأسهم الأخرى المطروحة ويفكرون في تشغيل أموالهم بالاستثمار فيها.
يقول محمد عمران، القائم بأعمال رئيس هيئة الرقابة المالية، في هذا السياق، إن طرح العاصمة فى البورصة سوف "يضاعف قيمة رأس المال السوقي، ويسهم في جذب مستثمرين جدد، ويخلق حالة من الانتعاشة الكبيرة في البورصة المصرية".
لكن يظل هناك تحد كبير أمام الدولة بشأن إنجاح هذا الطرح، فشركة العاصمة التي ظلت لسنوات محاطة بقدر كبير من السرية مضطرة للإفصاح عن بياناتها أمام الجمهور، وكلما كانت الدولة أكثر استعدادا لتغيير سياستها من التكتم إلى الإفصاح، كلما ساهم ذلك في إنجاح الطرح.
يقول شريف سامي، الرئيس السابق لهيئة الرقابة المالية، إن ما هو أهم من حجم أصول الشركة مدى الإفصاح عن أحوالها الداخلية "يمكن أن تكون هناك شركة ضخمة بالفعل لكنها تفتقر إلى الحوكمة وخاسرة".
ورغم ذلك يؤكد سامي للمنصة إن هناك عوامل تشير إلى نجاح طرح العاصمة، وأن يكون للشركة آفاق جيدة، منها "الموقع ومساندة الدولة وتخطيط الدولة للانتقال إلى العاصمة الإدارية والتفكير الذكي ووسائل النقل، وغيرها". وأكمل "إجمالا هناك بشائر جيدة، بالتأكيد، لكن ما يحسم الرأي هو ما سيطرح ونسبته وحوكمته وتمثيله وحفظ حقوق صغار المستثمرين والأداء".
ورغم غياب الكثير من المعلومات التفصيلية عن شركة "العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية"، كما أشار سامي، تشير بعض التقارير الإعلامية إلى أن معدلات بيع أراضي العاصمة تسير بوتيرة توحي بقدرة الشركة على الربح. إذ قال مصدر بوزارة الإسكان، للمنصة، إن شركة العاصمة باعت بالفعل حتى شهر يونيو الماضي حوالي 18.5 ألف فدان من أصل 24 ألف فدان صالحة للبيع ضمن المرحلة الأولى من المشروع.
ربما تكون الشفافية، هي الفائدة الوحيدة لمحدودي الدخل من طرح "العاصمة" في البورصة، فهي ستتيح لهم صورة أوضح عن طريقة إدارة موارد الدولة في الوقت الراهن، وكيف تنحاز سياسات الدولة لغير صالحهم.