المضحك المبكي خلال هذه الكارثة؛ هو البيان الذي أصدرته جماعة الإخوان المسلمين حول المجزرة، إذ ربطت بين ما حدث في ستاد النادي المصري وما حدث في مظاهرة تسليم السلطة لمجلس الشعب.
كان واقف بينا طول اليوم سعيد
راح يومها وخد معاه أغلى الشباب.. في الجنة نشوفكوا من جديد
دمك هيكون .. شرارة ثوره تاني من جديد
ثورة ترجعنا تاني الإيد في الإيد .. ونعيش أحرار مش عبيد*
الزمان: مساء الأربعاء الأول من فبراير 2012
المكان: مقهى "علي بابا" بميدان التحرير.
اجتمعت وثلاثة من صديقاتي مع إحدى الشخصيات العامة التي كانت على علاقة طيبة بجماعة الإخوان المسلمين، لمناقشة اقتراح منها بترتيب لقاء مع أحد قيادات الجماعة؛ كي يقدم الاعتذار عمّا بدر من كوادرهم نحوي ونحو بنات وسيدات أخريات، ممن ضُرِبن بالأحزمة والأيدي من جموعهم المحتشدة لحماية مجلس الشعب من تهديد وهمي ظنوا أننا نمثله؛ خلال مظاهرة جرت بالقرب من المجلس للمطالبة بتسليم السلطة من المجلس العسكري - الذي كانت بيده مقاليد الأمور في تلك الفترة- إلى المؤسسة المنتخبة حديثًا.
كان النقاش على أشده وفي الخلفية صوت مذيع لكرة القدم؛ إذ تدور أحداث إحدى مبارايات الدوري العام بين النادي الأهلي، وغريمه اللدود: النادي المصري البورسعيدي.
لم نعر المبارة اهتماما كبيرا، ما أثار انتباهنا كان أصوات الهرج التي سادت في المدرجات، كأن شيئا غريبا على وشك الوقوع. اعتقدنا أنها مناوشات معتادة بين جماهير الفريقين، فالمعروف لي ولغيري؛ أن غريميّ الأهلي خارج القاهرة هما فريقان لا ثالث لهما الإسماعيلي والمصري البورسعيدي.
اعتقدنا أن "شغبًا ما" حدث، وستعود الأمور إلى طبيعتها في أرض الاستاد. أو على أسوأ الفروض سيتم إلغاء المباراة وإعلان هزيمة الفريق الذي تسببت جماهيره في الشغب. هذا السيناريو المتفائل، لم يكن حتى قريبًا من واقع ما عرفناه بعد دقائق. وحين أذاع المعلق نبأ وفاة أول ضحية من جماهير النادي الأهلي، نظرنا للشاشات غير مصدقين ونحن نستمع إلى عدد الضحايا المتزايد باضطراد، فكانت نصيحة الشخصية العامة: أن نغادر التحرير؛ لأن احتمالات نزول مشجعي الأهلي للاعتراض على مايحدث في بورسعيد، بات مؤكدًا.
بينما أتوجه لبيتي كان عدد الضحايا سبعة. لم نكن قد اعتدنا -وقتها- على سماع أعداد القتلى. فرغم مرورنا بثورة راح ضحيتها المئات؛ كانت لا تزال هناك رهبة وإجلال للدم والموت والضحايا.
أصل للبيت لأجد كل من فيه ساهمين أمام الشاشات، لايصدقون مايحدث؛ ارتفع العدد إلى أربعين ضحية. أدخل بسرعة إلى تويتر في محاولة لفهم ما يجري، عقلي لم يكن مستعدا حتى تلك اللحظة لقبول فكرة موت 72 شخصًا بسبب لعبة كرة القدم بهذه السهولة.
المضحك المبكي خلال هذه الكارثة؛ هو البيان الذي أصدرته جماعة الإخوان المسلمين حول المجزرة، إذ ربطت بين ما حدث في ستاد النادي المصري، وما حدث في مظاهرة المطالبة بتسليم السلطة لمجلس الشعب بقولهم: ".. وتجرُّؤ البعض على التهديد بالعدوان على البرلمان والتعدي على شباب الإخوان المسلمين الذين سعوا إلى تأمينه؛ الأمور التي نخشى معها أن يكون بعض ضباط الشرطة يقومون بمعاقبة الشعب على قيامه بالثورة".
لتنهال التعليقات الغاضبة من ربط البيان بين ما حدث من اعتداءات على المتظاهرين، أسماها الإخوان في بيانهم: "اعتداء على شباب الإخوان الذين كانوا يحمون البرلمان"، وبين ما حدث في بورسعيد.
في تلك الأثناء؛ تحدث المشير حسين طنطاوي، وزير الدفاع الأسبق ورئيس المجلس العسكري وقتها، وعبّر على الهواء مباشرة عن استيائه بكلمات لم تكن مفهومة كثيرا لي ولكثيرين غيري، حينما أعرب عن غضبه موجهًا كلامه للمذيع ومن التفوا حول قائلاً: "مش حاجة زي دي اللي هاتوقع مصر، إن شاء الله الشعب.. بس إحنا عايزين الشعب كله يشترك فااا حاجات زي دي..الشعب مايقعدش ماهو مين اللي عمل كدة؟ ماهو أفراد من اللل الشعب المصري.. الشعب المصري ساكت عليهم ليه؟". ولم أفهم حتى وقتنا هذا ما أراد المشير ان يقوله.
غضب، حزن، ذهول، يأس، إحباط، شعور بالظلم، كانت تلك هي الأحاسيس السائدة بين الجميع دون اتفاق مسبق. المصاب كان أكبر من جميع التوقعات، وارتباط ما حدث بذكرى موقعة الجمل؛ كان سببًا آخر يضيف قتامة إلى مأساوية ورهبة المشهد.
من الأمانة أن أذكر أيضا نجاح الشخصية العامة في تحديد لقاء لي أنا وثلاث أخريات؛ لمقابلة ممثلين للإخوان في ذلك الوقت، هما الدكتور خالد حنفي، أمين عام حزب الحرية والعدالة بالقاهرة في ذلك الوقت، والدكتورة أميمة كامل عضوة مجلس الشعب، وزوجة حنفي، ليقدما لنا الاعتذار نيابة عن الجماعة. تخلفت أنا عن الميعاد لظروف سفري وذهبت صديقتي "هبة" لمقابلتهما، لتجلس زهاء ساعتين استمعت فيهما لقصص وحوارات مملة، ولم يحدث أبدا خلال الحديث المطول، أن جاء على لسان أيا منهما كلمة "نعتذر" أو إحدى مشتقّاتها.
* مقطع من أغنية "دم الشهيد" التي ألفها التراس الأهلي رثاء لشهداء ما يعرف إعلاميا بـ "مجزرة بورسعيد"، التي قتل فيها 72 من مشجعي النادي الأهلي باستاد بورسعيد الرياضي، مساء الأربعاء، الأول من فبراير عام 2012.