"يلا نضحك كتير انهاردة علشان بكرة النكتة هتخلص وهتقلب بغم....واعتقد لما تقلب بغم كله هيعمل مش واخد باله".
يكتب شادي أبو زيد، مراسل برنامج "أبلة فاهيتا"، مساء أمس على صفحته بـ "فيسبوك" بعد أن ينشر فيديو يسخر فيه هو والممثل الشاب أحمد مالك من رجال الشرطة، تتحقق نبوءة شادي بعد ساعات قليلة من هذا المنشور. إذ يتعرض لهجوم من الصفحات المنسوبة للشرطة المصرية، وفي الصباح يُقَدَّم بلاغ من اثنين محامين يعتمدان فيه على قانون العقوبات قد تصل فيه العقوبة لشادي ومالك إلى حبس سنة وغرامة قد تصل إلى عشرة آلاف جنيه.
القصة تبدأ في ذكرى 25 يناير. لا تستقر الدولة على دعوة المواطنين للاحتفال بذكرى الثورة التي اندلعت في هذا اليوم عام 2011، أم عيد الشرطة المعتمد على موقعة الإسماعيلية في 25 يناير عام 1952، أم عدم الدعوة إلى الاحتفال من الأصل.
قبل أن يكون شادي أبو زيد صانع فيديوات ساخرة فهو شارك في الثورة، وتعرض لأكثر من مائة طلقة خرطوش في أحداث الاتحادية عام 2012، أحمد مالك أيضا شارك في الثورة وقُبِض عليه خلالها، وتمتليء صفحته على "فيسبوك" بآراء ثورية.
لم يجعل شادي ومالك اليوم يمر من دون أن يحتفلا في حدود المتاح لديهما، أن يحتفلا بالسخرية، أو "بالتحفيل" على رجال الشرطة.
يظهرهما الفيديو وهما ينفخان واقيات ذكرية، باعتبارها بلالين، ثم ينزلان إلى الميدان لإهدائها لرجال الشرطة. اختار الرفيقان مستوى قاس من السخرية من رجال الشرطة، بالنسبة لهما هم ممثلون للدولة، وتوجه شادي ومالك إلى أفراد الأمن المركزي، فهم من يستطيعان الوصول إليهم.
هذا هو أسلوب شادي بشكل خاص، في فيديواته، حتى في عمله كمراسل في برنامج "أبلة فاهيتا"، شادي كان يصنع فيديوات ساخرة قبل عمله في "أبلة فاهيتا"، فيديوات كانت في سلسلة بعنوان "المحتوى الغني"، تبدو سخريته في فيديواته فيها قدر من القسوة، كمحاولة رش المراهقين المزعجين المحتفلين بالأعياد بمبيد حشري، أو السخرية بشكل مباشر من الفنانات كبيرات السن في مهرجان القاهرة السينمائي بأن يقول لهن "يا ماما" أو "يا خالتي" هذا الذي يحتوي على سخرية ضمنية من التناقض بين الألق الذي يحاولن الظهور به وبين كبر سنهن.
السخرية كانت هي اختيار شادي ومالك هنا، الاحتفال الوحيد الذي تسمح به الدولة في عيد الثورة/الشرطة (بحدود) هو الاحتفال مع الجنود وتقدير جهودهم، يتحرك شادي ومالك في حدود المتاح، يقدمان لأفراد الشرطة "واقيا ذكريا"، يستعينان بالأسلوب الشعبي في التعامل باستهانة مع الحكومة الذي يتمثل في جملة تقول في ما معناه "ضاجع الحكومة بدون أن تريها عضوك الذَكَري".
ربما لو لم يُظهِر شادي بنفسه في الفيديو على أنه قام بنفخ واقيات ذكرية وليس بلالين لما لاحظت الحكومة، (الحكومة هنا تتضمن ما يحيطها من مدافعين عنها كالمحامين مثلا أو الرموز المنتقدة لتصرف شادي، أو حتى الآباء، ينشر والد أحمد انتقادا مباشرا لابنه بسبب الفيديو)، ولكن شادي ومالك من أبناء عالم الاستعراض، لا يكتفيان بالسخرية الضمنية، هما بحاجة لعرضها أمام الجميع.
مستقبل مهدد
شادي ومالك كانا في لحظة صعود في تاريخهما المهني، مالك يمثّل في ثلاثة أفلام تحت الإنتاج بعد نجاحه في دور حسن البنا صغيرا في مسلسل "الجماعة" ودور علي الحفني في فيلم "الجزيرة 2"، وهي خطوات جيدة لممثل في العشرين من عمره.
وشادي تجاوز الانتشار على الإنترنت بسلسلة "المحتوى الغني" وصار مراسلا لبرنامج "أبلة فاهيتا" بقناة CBC هذا الذي يحقق له انتشارا أوسع.
الآن يصير كل ذلك مهددا، ما فعلاه شادي ومالك "هزار" و"لعب عيال"، ولكنه "هزار" ولعب ثقيل، وحتى لو كان خفيفا فـ "الحكومة" لا تسمح بذلك.
مع انتقادات الأب والمنتجين والزملاء لأحمد مالك، تعرض الممثل الشاب للإيقاف من قبل نقابة المهن التمثيلية، نعرف أن مالك ليس عضوا أصلا في نقابة الممثلين، ولكنه رغم ذلك مضطر لأن يأخذ تصريحات منها للتمثيل في الأعمال الفنية، ومستقبله المهني يعتمد على موافقتها. الحكومة تستطيع أن تتحكم في عملك حتى لو لم تكن منتسبا إليها.
من جهة شادي تملّص برنامج "أبلة فاهيتا" من أي فعل يقوم به شادي أبو زيد خارج البرنامج، هنا يبدو البرنامج الذي يقدم مستوى جديدا من السخرية، فيه كسر "محدود" لبعض الأعراف، محافظا عند التعامل مع أحد العاملين به.
غامر شادي ومالك لأنهما رغم انتقالهما إلى التلفزيون (والسينما) ظلا يتصرفان بحس "يوتيوب".
من جهته اعتذر أحمد مالك عن الفيديو بعد الهجوم الذي تعرض له، متحججا بسنه الصغيرة، في المقابل تمسك شادي أبو زيد بحقه في حرية الإبداع وأنه لم يتجاوز القانون في الفيديو.
أزمة أخلاقية
لا يستطيع فرد الأمن المركزي التفرقة بين البالونة والواقي الذكري، فرد الأمن المركزي فقير ومستواه التعليمي قليل، في المقابل شادي ومالك مستواهما المادي أفضل وكذلك مستواهما التعليمي.
هنا نجد أنفسنا في علاقات متشابكة متكررة، هل يتعامل شادي ومالك بفوقية مع أفراد الأمن المركزي الفقراء والجهلاء؟ أم يحاولان، بلا جدوى، الرد على فوقية أفراد الأمن المركزي، المُمَثّلين للسلطة محتكرة العنف؟
الوصول إلى الإجابة ليس سهلا، لأن كل طرف مُحَمّل بأفكار أخرى غير السخرية الصرف أو التعبير عن السلطة الصرف.
شادي ومالك ثوريان وليسا ساخرين فحسب، وبالإضافة إلى هذا وذاك لديهما الإمكانيات التي تجعلهما قادرين على إظهار أفراد الأمن في صورة غبية، والمقصود بالإمكانيات هو القدرات الذهنية وسرعة البديهة لديهما.
في المقابل فأفراد الأمن المركزي الذين يعبرون عن السلطة هم أيضا من وجهة نظر البعض يعبرون عن هيبة الدولة، وهم في الواقع مواطنون يتعرضون لقمع، ولكن الفارق أنهم قادرون على تصدير ذلك القمع على حساب مواطنين آخرين.
ليس من السهل الوصول إلى حُكم أخلاقي قبل فض هذه الاشتباكات، ولا يبدو أن هذه الاشتباكات ستُفَض بسهولة، ليس في ما يتعلق بمشكلة هذا الفيديو فحسب، ولكن في العديد من الأحداث في مصر.