مع بدء موسم الصيف الثاني في وباء كورونا، يبدو قطاع السياحة في مصر أكثر تكيفًا مع الأزمة، بالرغم من أن أعداد السائحين المتوقعة لهذا العام لا تزال أقل من المعدلات الطبيعية، لكن الفنادق تحاول طمأنة السائحين من خلال تلقيح أكبر عدد ممكن من العاملين بها، كما تخطط وزارة السياحة لجعل اللقاح بمثابة جواز سفر لدخول مناطق سياحية محددة.
يأتي هذا في الوقت الذي أقرت فيه الوزارة استراتيجية تعتمد على الفتح البطيء للسياحة الشاطئية خوفًا من رصد حالات انتشار لفيروس كورونا تؤدي إلى وصم المقصد السياحي المصري، بحسب مصدران واسعا الإطلاع على تنفيذ هذا القرار.
لم تنقطع حركة وفود الأجانب إلى مصر خلال عام 2020، فمع عودة حركة الطيران في يوليو/تموز الماضي تدفقت جنسيات مختلفة إلى المقاصد السياحية في البلاد، لكن مجمل عدد الوافدين في السنة الماضية بلغ 3.7 مليونًا، ونسبة كبيرة من هذا العدد تمثل زيارات قبل تفشي الوباء في مارس/ آذار.
قال مسؤولون بوزارة السياحة للمنصة إن التوقعات العام الجاري تذهب إلى ارتفاع نسبة السائحين الأجانب من 60 إلى 70% من أعداد السائحين في 2019، الذين بلغ عددهم آنذاك نحو 13.6 مليونًا.
اللافت هو أن وزارة السياحة لا تطمح في العودة بسرعة إلى معدلات ما قبل الوباء، فهي لا تزال تفرض على الفنادق شرطًا بعدم رفع معدلات التشغيل فوق 50% من طاقة كل فندق، وذلك لأن الوزارة ترى أن الأهم في صيف 2021 هو نشر سمعة طيبة عن المنتجعات المصرية بصفتها آمنة من فيروس كورونا، وهو ما سيضمن للبلاد تحقيق التعافي على المدى الطويل، كما قال مسؤولون للمنصة.
يقول مسؤول من دائرة متخذي القرار في وزارة السياحة للمنصة "لا نفكر في زيادة نسب التشغيل رغم توقعات نمو الإشغالات. الأمر يتعلق بالصحة وهذا أهم أداة ترويج لمصر خلال هذه الفترة الحرجة التي يواجهها القطاع عالميًا". مضيفًا أن "الوزارة تدرس قصر الانتقال إلى المناطق السياحية في البحر الأحمر وجنوب سيناء علي الحاصلين علي لقاح كورونا سواء من خارج مصر أو داخلها، لجعل تلك المناطق بمثابة مناطق آمنة من الوباء".
يفسر المصدر الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته الاهتمام بهاتين البقعتين على وجه التحديد بالقول "يعود إلى ثقل وزنهما في النشاط السياحي بمصر، حيث تبلغ الطاقة الفندقية العاملة في مصر نحو 205 آلاف غرفة يتواجد ثلثيها في محافظتي البحر الأحمر وجنوب سيناء".
تأتي تلك المخططات في الوقت الذي تسارع فيه الفنادق بتلقيح العاملين فيها، حيث يقول عاملون في القطاع إن الفنادق ستروج لنفسها خلال الفترة المقبلة من خلال الإعلان عن أن جميع العاملين بها لديهم مناعة تجاه عدوى كورونا.
يقول مسؤول ثان في وزارة السياحة على إطلاع بملف توفير اللقاحات للعاملين في القطاع للمنصة "انتهينا من توفير اللقاح لنحو 100 ألف عامل في منتجعات الغردقة وشرم الشيخ ومرسي علم بالتعاون مع وزارة الصحة.. كنا نستهدف تطعيم نحو 130 ألف عامل لكننا سنرفع الاستهداف لنحو 150ألفًا".
ولا تتوفر لدينا بيانات عن ما تمثله تلك الأعداد من مجمل عدد العاملين في قطاع السياحة في الوقت الراهن، حيث تعرض الكثير منهم للتسريح خلال أزمة كورونا، لكن مصادر في القطاع تشير إلى أن عدة فنادق ومطاعم في المناطق السياحية بدأت خلال الشهور الأخيرة في التواصل مجددًا مع العمالة التي استغنت عنها في بداية تفشي الوباء، وذلك مع الآمال بأن يساهم اللقاح في تأمين المناطق السياحية من مخاطر تحولها لبؤر لتفشي هذا المرض.
وبحسب المسؤول، فإن أعمال التفتيش التي تجريها الوزارة للتأكد من تطبيق الفنادق لإجراءات الوقاية من تفشي الوباء أثمرت عن حصول "نحو 722 فندقًا ومنتجعًا من إجمالي 1200منشاة فندقية على تراخيص العمل في ظل جائحة كورونا".
في انتظار المدد الروسي
يبدو صيف 2021 أكثر حيوية من الصيف الماضي الذي هيمنت عليه صدمة تفشي الوباء، ويقول عضو مجلس إدارة غرفة الفنادق المصرية، هشام الشاعر، في تصريحات إلى المنصة "الإشغالات تشهد تحسنًا مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية التي توقف فيها النشاط كلية، لكنها ليست كإشغالات نفس الفترة من 2019".
واحدة من أهم الجنسيات التي يراهن قطاع السياحة على أن تُعيد الحياة إلى شواطيء مصر هذا الصيف هم الروس، مع عودة حركة الطيران بين البلدين إلى معدلاتها الطبيعية هذه السنة، الأمر الذي يرجح التوقعات بأن يتدفق إلى مصر نحو مليون سائح روسي في 2021.
وبلغت ذروة الحركة السياحية الروسية لمصر خلال عام 2014 عندما تجاوزت 3 ملايين سائح، لكنها عادت للانخفاض في 2015 لتصل إلي 2.3 مليون سائح، ثم توقفت نهائيًا في أول نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه عقب تحطم الطائرة متروجيت في طريق عودتها من منتجع شرم الشيخ إلى مدينة سان بطرسبرج، الذي دفع روسيا لفرض قيود على حركة السفر إلى مصر.
وخلال السنوات الخمس الأخيرة كان أعلى معدل لتدفق السياحة الروسية في 2018، عندما بلغ عدد الروس 150 ألفًا، ثم تراجع العدد مجددًا إلى 120 ألفًا خلال 2019 ، بحسب مصدر في وزارة السياحة، الذي لم يفصح عن بيانات حول عدد الروس خلال العام الماضي.
ويتوقع المصدر الثاني في الوزارة أن ترفع السياحة الروسية نسب الإشغالات في فنادق البحر الأحمر وجنوب سيناء بنسب تتراوح بين 15 إلى 20%علي الأقل لأن "الروس يعشقون منتجعات البحر الأحمر في سيناء والغردقة "، على حد قوله. مضيفًا "بصفة عامة، فإن قطاع السياحة يراهن على شرق أوروبا، بالنظر إلى ما أبداه سائحو تلك المنطقة خلال العام الماضي من استعداد للسفر إلى مصر في ظل مخاطر الوباء، خاصة من بلدان مثل أوكرانيا وكرواتيا ويوغوسلافيا".
في السياق ذاته؛ يقول رئيس جمعية المستثمرين السياحيين في مرسي علم، طارق شلبي، في تصريحات للمنصة، إن حركة الطيران لمطاري المدينة والغردقة شهدت نشاطًا مؤخرًا خلال الأسبوع الماضي خاصة من أوكرانيا وبعض دول شرق أوروبا، ومن غرب أوروبا أيضًا. وتكشف مصادر المنصة في الوزارة أن السياح الألمان مثلوا ثقلًا مهمًا في السياحة الوافدة إلى مصر خلال العام الماضي، متوقعين أن تزيد أعدادهم هذا العام.
المنافسة بالأسعار تحسن الإشغالات وتضاعف من قدرة الفنادق على تحمل الخسائر التي منيت بها بسبب جائحة كورونا، في هذا السياق يقول شلبي "نأمل الوصول إلي نسب تشغيل معقولة على الاقل تبقى أبواب الفنادق مفتوحة حتى لا تخرج من حملات التسويق ".
القلق من إغلاق الفنادق بسبب الوباء، دفع بعض الفنادق لطرح أسعار الغرف على الأجانب بمعدلات متدنية، لكن وزارة السياحة تدخلت للحد من عملية حرق الأسعار، بالإعلان عن وضع حد أدنى لأسعار الغرف الفندقية فئة 5 نجوم بـ 40 دولارًا في الليلة، وفئة 4 نجوم بـ 28 دولارا في الليلة، على أن يطبق بدءًا من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
ويعد هذا التوجه أمرًا نادر الحدوث في تاريخ السياحة بمصر، كما صرح الشاعر للمنصة، قائلًا إنه "لأول مرة يتم تطبيق قرار كهذا بعد عقود من المناشدات بتطبيقه"، لكن العاملون في القطاع يؤكدون أن الفنادق لا تزال تتنافس على ترويج غرفها عند أقل مستويات ممكنة، حيث يقول محمد حمدي، مدير أحد الفنادق في شرم الشيخ، إن "أسعار الغرف التي تتجاوز 80 دولارا قليلة جدا والأغلبية أسعارها بين 20 إلي 50 دولارا في الليلة".
.. والمصريون أحيانا
سعت وزارة السياحة منذ العام الماضي إلى تحفيز السياحة الداخلية، على أمل تعويض تراجع السياحة الخارجية، وذلك من خلال ترويج مقاصد تقديم عروض للطيران منخفض التكلفة إلى مناطق مثل جنوب مصر والغردقة وشرم الشيخ خلال شهر فبراير/شباط الماضي بالتعاون مع وزارة الطيران المدنى. ويمثل الصيف فترة ذهبية لسياحة المصريين في الإسكندرية والساحل الشمالي، كما يقول المدير لإحدى سلاسل الفنادق وسيم محيي الدين، لكن محي الدين لا يبدو متفائلًا بالموسم الصيفي، قائلًا للمنصة"لا تزال نسبة كبيرة من المصريين تتخوف من كورونا، رغم العروض الكبيرة التي توفرها الفنادق".
واحد من العوامل التي تساهم في زيادة تكلفة السياحة على المصريين، هو ما يلاحظه العاملون بالقطاع من اتجاه النسبة الأكبر من السياح المحليين لحجز الغرف في اللحظات الأخيرة والتركيز على الإجازات والمواسم، عكس السياح الأجانب الذين يرتبون الحجز منذ فترة طويلة قبل السفر. لذا يرى الخبراء في هذا المجال أنه يمكن تشجيع السائح المصري على العودة للشواطئ بشكل أكبر من خلال الترويج لفكرة السياحة على مدار العام وليس خلال الأعياد والمواسم فقط، ويقول رئيس جمعية المستثمرين السياحيين في مرسي علم في هذا السياق "مصر بها 104مليون نسمة ويوجد بها تنوع كبير للدخو، والفئة القادرة على الإنفاق تستطيع مساندة القطاع في الأزمة الحالية".