تفاقمت أزمة كورونا في سوهاج مع بداية الموجة الثالثة للفيروس، إلى درجة دفعت عددًا من الأطباء والمواطنين إلى المطالبة بفرض حظر تجول وإجراءات استثنائية لوقف الانتشار الوبائي لكوفيد-19، فيما انتقد نقيب أطباء المحافظة الدكتور محمود فهمي، عدم إعلان الأعداد الرسمية للإصابات، التي يقدرها بـ250 حالة يوميًا، لا يمكن لمستشفيات العزل التسع بالمحافظة استيعابها، بعد وصولها للسعة القصوى، فيما قال رئيس جامعة سوهاج، الدكتور أحمد عزيز، إنه يجري تجهيز مستشفى الأورام لاستقبال مرضى الفيروس، ومن جهة أخرى دُشنت عدة مبادرات أهلية لتوفير أنابيب الأكسجين والأدوية للمصابين.
كانت وزيرة الصحة، الدكتورة هالة زايد، أعلنت في مؤتمر صحفي، 8 أبريل/ نيسان الجاري، أن سوهاج تحتل المرتبة الثانية على مستوى محافظات الجمهورية في عدد الإصابات بالفيروس، وأجرت زيارة للمحافظة في 11 من الشهر ذاته، تفقدت خلالها عدة مستشفيات، بعد تصاعد الأزمة، فيما طالب نقيب الأطباء بالمحافظة، الدكتور محمود فهمي، بإعلان حظر التجول، محذرًا من انتشار الوباء على نحوٍ أكبر، قائلًا في بوست على فيسبوك "بعد الانتشار الكبير لفيروس كورونا اللعين في محافظة سوهاج، وبعد ازدياد أعداد الوفيات وبينهم الشباب، وبعد أن تأكدنا من عدم التزام الكثيرين من المواطنين بالإجراءات الوقائية والاحترازية، وبعد امتلاء المستشفيات بالحالات، وعدم توفر الآسِرة للحالات الجديدة، وبعد أن رأينا كيف ينتشر المرض والوباء بسرعة، فإنني أطلب من المسؤولين عن سوهاج وأخص بالذكر المحافظ أن يعلنوا حظر التجوال".
وهي المطالبة نفسها التي شدد عليها رئيس جامعة سوهاج، الدكتور أحمد عزيز، على فيسبوك، مؤكدًا أنه "ليس عيبًا ولا جريمة أن نعترف بزيادة الحالات المصابة بفيروس كورونا في سوهاج، فالاعتراف بالوضع الحقيقي بالمحافظة يدعونا إلى ضرورة اتخاذ المزيد من الإجراءات الاحترازية"، مطالبًا الأطباء بالتكاتف حتى تمر الأزمة.
الأطباء يتساقطون
ودعت المحافظة في الأيام القليلة الماضية ستة من الأطباء، متأثرين بإصابتهم بفيروس كورونا المستجد، وهم الدكتور هاني عادل عاشور مدرس النساء والتوليد بكلية طب سوهاج، والدكتور هاني الديب أخصائي النساء والتوليد بمستشفى البلينا المركزي، والدكتور عاطف رشدي أخصائي الجراحة بمستشفى طهطا العام، والدكتور شنودة جرجس أخصائي طب الأطفال بمستشفى البلينا المركزي، والدكتور السيد عثمان أخصائي النساء والتوليد بمستشفى أخميم المركزي، والدكتورة رجوى عبد التواب صقر الأستاذة بكلية طب سوهاج.
وتعليقًا على وقوع ضحايا من الأطباء قال عضو مجلس النقابة العامة للأطباء السابق، الدكتور أحمد حسين، للمنصة، إن ذلك لن يثني الأطباء عن مواجهة كورونا في مستشفيات العزل، مضيفًا أنه من الطبيعي تزايد وفيات وإصابات الأطباء بفيروس كورونا، لارتفاع أعداد المصابين من المواطنين بالفيروس المستجد، موضحًا أنه منذ بداية ظهور فيروس كورونا في شهر مارس/ أذار 2020 حتى الآن فقدت مصر 469 طبيبًا متأثرين بالوباء.
في حين اعتبر المدير السابق لمستشفى الصدر والتدرن بجزيرة شندويل والمخصصة لعزل مرضى كورونا، الدكتور محمد الوكيل، في حديثه للمنصة، أن فقد زملاء بسبب الجائحة يجعل بعض الأطباء يرفضون العمل في المستشفيات، مشيرًا إلى أن وفاة الأطباء بالفيروس يجعلهم على مقربة من الموت جراء ذلك الكابوس، نظرًا لأنهم خط الدفاع الأول أمام المرض.
أما أستاذ المخ والأعصاب بكلية طب جامعة سوهاج، الدكتور غريب فاوي، فعلَّق عبر فيسبوك "أي حد من المسؤولين في البلد يفسر لنا ما يحدث من تفشي كورونا في سوهاج بصورة مفزعة، ستة أطباء شهداء في أقل من أسبوع غير عشرات الوفيات يوميًا، أين لجان العدوى وأساتذة الأوبئة من كل هذا؟ وأين الحزم في تطبيق الإجراءات الاحترازية؟".
فيما قال نائب مدير مستشفى سوهاج العام، الدكتور هيثم محيي رشوان، إن بعض الأطباء يرفضون المشاركة في علاج حالات كورونا، "بحجج أنا فوق الخمسين مينفعش أشتغل، مع إنه فاتح عيادته الخاصة وبيستقبل فيها حالات كورونا، حجة تانية طيب أنا آخد نوبتجية بالتبادل مع أخصائي العظام والنساء والجراحة".
قوائم انتظار
"جميع مستشفيات العزل في سوهاج مملوؤة عن آخرها بمرضى كورونا"، بحسب الدكتور محمد فراج، مدير مستشفى طهطا العام والمخصصة عزل كلي لعلاج مصابي فيروس كورونا المستجد، موضحًا المستشفى به 40 حالة، منها واحدة توفت الأحد، أثناء تلقيها برتوكول العلاج بقسم الرعاية المركزة.
وأوضح فراج، للمنصة، أنه يصل المستشفى يصله يوميًا حوالي 30 إلى 40 إصابة بفيروس كورونا، يدخل منهم من خمسة إلى عشرة أشخاص فقط، وباقي العدد يُفضِّل العزل المنزلي عن الحجز بالمستشفى، مشيرًا إلى وجود قوائم انتظار بجميع مستشفيات المحافظة، نظرًا لقلة عددها مقارنة بأعداد المصابين اليومية.
هناك طاقة استيعابية لكل مستشفى من المرضى وفي حال اكتمالها يجرى التنسيق مع غرفة عمليات إدارة أزمة كورونا بالمحافظة لتحويل المصابين الجدد إلى مستشفيات أخرى سواء، داخل المحافظة أو خارجها، لإنقاذ حالتهم الصحية خاصة إذا كانوا بحاجة إلى أجهزة تنفس صناعي، تابع فراج، مشيرًا إلى أن تزايد أعداد المصابين في الموجة الثالثة لكوفيد-19 مقارنة بالموجتين الأولى والثانية كان غير متوقع نهائيًا، خاصة في أعداد الوفيات.
تلك الموجة تختلف تمامًا عن سابقتيها، من حيث زيادة إصابة الأطفال، وسرعة انتقال المريض إلى المرحلة الخطيرة خلال ساعات رغم استقرار حالته الصحية في بداية الإصابة، حيث تنخفض نسبة الأكسجين في الدم بسرعة لدى غالبية المصابين، وكذلك ترتفع نسبة الوفيات بين المصابين مقارنة بالموجتين الأولى والثانية، بحسب فراج، الذي طالب المواطنين بالالتزام بالإجراءات الاحترازية للسيطرة على الوضع الوبائي.
مبادرات ومقترحات
لمواجهة ضعف إمكانيات المستشفيات في مواجهة تزايد أعداد المصابين أطلِقت عدة مبادرات مجتمعية تحت مسمى "مبادرات الخير"، و"مبادرات مصابي كورونا" لمساعدة المصابين بالفيروس المستجد وتقديم العلاج اللازم لهم، وتوفير أسطوانات الأكسجين للحالات التي تحتاج لتنفس صناعي، وذلك بالمجان، للمساعدة في التغلب على تزايد الأعداد، ونقص إمكانيات المستشفيات وعدم توافر أماكن لمصابين جدد بها.
من جانبه قال نقيب الأطباء بسوهاج، الدكتور محمود فهمي، إن أعداد المصابين في تزايد مستمر يفوق إمكانيات المستشفيات المخصصة لعزل المصابين، مضيفًا أنه سيحدد موعدًا للقاء اللواء طارق الفقي، محافظ الإقليم لبحث تداعيات فيروس كورونا المستجد، وعرض عددًا من المقترحات عليه لإمكانية اتخاذها لحماية أبناء المحافظة من خطر انتشار الفيروس المستجد، وتوضيع الرؤية الصحيحة للوضع الوبائي للفيروس بالمحافظة وانتشاره بصورة كبيرة بين المواطنين.
عن الأعداد الرسمية لوفيات ومصابي فيروس كورونا بسوهاج قال فهمي إنها لا توجد إلا بحوزة وكيلة وزارة الصحة بالمحافظة، الدكتورة كريمة حامد، ولم تعلنها حتى الآن في أي اجتماعات أو لقاءات رسمية، مُعللة ذلك بأن لديها تعليمات بعدم الإدلاء بأي أرقام عن وفيات وإصابات فيروس كورونا، مشيرًا إلى أن تقديره لمتوسط الإصابات اليومية بسوهاج حوالي 250 حالة.
بعض الحلول التي يقترحها فهمي في حديثه للمنصة، هي التوسع في مستشفيات العزل بإضافة المستشفيات القروية والتكاملية، وتحويل المدن الجامعية للطلاب إلى مستشفيات عزل، وعمل مستشفيات ميدانية لاستيعاب تزايد أعداد المصابين، وفرض حظر التجول، وتزويد المستشفيات بأجهزة التنفس الصناعي وغيرها مما يحتاجه مريض كورونا، لحماية المصابين من الوفاة بسبب عدم توافر تلك الأجهزة على نطاق واسع.
نقيب أطباء سوهاج أوضح أن هنا تسع مستشفيات لعزل مرضى كورونا بالمحافظة، أربع منها عزل كلي؛ مستشفى الصدر بجزيرة شندويل، وحميات سوهاج، وحميات جرجا، وطهطا العام، وخمسة مستشفيات عزل جزئي؛ مستشفى سوهاج العام، وسوهاج التعليمي، والهلال للتأمين الصحي، وسوهاج الجامعي، والقلب والجهاز الهضمي.
وأكد فهمي أن حميات جرجا وطهطا العام، غير مؤهلين تمامًا لاستقبال مرضى كورونا، سواء من حيث أجهزة التنفس الصناعي أو العناية المركزة، أو الأطقم الطبية والتمريضية، فيما تتوفر أدوية برتوكول علاج كورونا بمستشفيات العزل بالمحافظة، ولا يوجد عجز بمستلزمات الوقاية للأطباء والأطقم لتمريضية، بل هناك مخزون استراتيجي منها ثلاثة أشهر مُقبلة.
جلسة طارئة
من جهته قال رئيس جامعة سوهاج، الدكتور أحمد عزيز، إن مجلس إدارة المستشفى الجامعي عقد، الأسبوع الماضي، جلسة طارئة، لاتخاذ عدد من القرارات لمواجهة زيادة الإصابات، منها التنسيق الكامل مع مديرية الصحة في الإجراءات التي ستتخذ لمواجهة الجائحة، وتعيين منسقين من الجامعة لإبداء الرأي الفني في الحالات وتشخيصها، وتحديد الحالات التي ستحتاج إلى رعاية مركزة طبقًا للبروتوكول المعتمد من الوزارة.
وأضاف عزيز، للمنصة، أنه جرى بحث استعداد المستشفى الجامعي للتعامل مع الأزمة الراهنة، بتخصيص مبنى مستشفى الأورام للعزل، وهو يشمل بصفة مبدئية عشرة أسرة رعاية مركزة مجهزة، بالإضافة إلى 87 سريرًا داخليًا، وأنه سيجرى البدء في تشغيل العزل واستقبال الحالات المصابة بالتنسيق مع الغرفة المركزية لإدارة الأزمة.
وتابع عزيز أن قرارات الجلسة الطارئة شملت أيضًا إعطاء الأولوية للدخول بالأقسام الجراحية لحالات الأورام والحالات الطارئة، ويتولى أقسام التخدير والرعاية المركزة وقسم الأمراض الصدرية مسؤولية الرعاية المركزة للعزل، والتأكيد على جميع المترددين على المستشفى بمراعاة التباعد الاجتماعي والالتزام بالإجراءات الاحترازية، وعدم التكدس والزحام داخل العيادات، حرصًا على سلامتهم.
على النقيض، قلَّل رئيس مجلس إدارة المستشفيات الجامعية، الدكتور حسان النعماني، من حجم الأزمة، وقال إن أعداد المصابين بفيروس كورونا بالمحافظة ليست متزايدة، معتبرًا أنها "طبيعية كغيرها من أعداد المصابين في محافظات أخرى مجاورة، ولا تستدعي للقلق"، مشيرًا إلى أن تزايد أعداد الإصابات على مستوى الجمهورية مرصود من قِبل وزارتي التعليم العالي والصحة، مؤكدًا أن سوهاج من أقل المحافظات إصابة بكوفيد- 19، وهو ما يخالف تصريحات وزيرة الصحة.
واعتبر النعماني، في تصريحات إلى المنصة، أن نقيب أطباء سوهاج يبالغ في ردة فعله نظرًا لإصابته بالفيروس وحرصه وخوفه على الأطباء من الإصابة، وأن تلك التصريحات لا تمثل إلا رأيه الشخصي، مؤكدًا قدرة المستشفيات على استقبال مصابين جدد، بسبب تحسن حالات مصابة وخروجها، مرجعًا قلق أهالي سوهاج إلى "التزايد النسبي في أعداد الإصابات".
من جانبهما، لم يرد محافظ سوهاج، اللواء طارق الفقي، ووكيلة وزارة الصحة، الدكتورة كريمة حامد، على اتصالات المنصة الهاتفية للتعليق على تفاقم أزمة فيروس كورونا بالمحافظة، والإجراءات التي ستتخذها الجهات المعنية لمواجهة ذلك.