أقل قليلًا من سنة مضت على تحور فيروس كورونا وانتقاله إلى الإنسان مسببًا أحد أكثر الأوبئة قدرة على الانتشار خلال قرن مضى، حيث أصاب كوفيد-19 أكثر من 70 مليون شخص حول العالم، مات منهم 1.6 مليون، مما أجبر الحكومات على اتخاذ إجراءات احترازية منها فرض قيود على الحركة والسفر، وبالتوازي، سابق العلماء والباحثون الزمن من أجل الوصول إلى لقاح فعَّال، ربما يكون هو المخلِّص من قبضة الجائحة.
وأخيرا ظهر النور في آخر النفق، كما وصفته منظمة الصحة العالمية، في صورة لقاحات بدأت بعض الدول بالفعل في إعطائها للمواطنين بتصاريح الاستخدام الطارئ، من بينها الصين التي أعطت اللقاح لما يقرب من مليون شخص من بينهم طلاب وعمال بناء ودبلوماسيون.
اللقاحات التي وصلت نهاية السباق حتى الآن من بين مئات المحاولات هي خمسة؛ واحد من شركة فايزر الأمريكية بالتعاون مع بيونتك الألمانية، وآخر من جامعة أوكسفورد مع شركة أسترازينيكا، وهناك لقاح شركة مودرنا، بالإضافة للقاح سبوتنيك V الروسي، ولقاح سينوفاك الصيني، ويتسابق لقاحا فايزر ومودرنا للحصول على تراخيص الاستخدام في أوروبا وأمريكا وبريطانيا، فيما بدأ بالفعل استخدام سبوتنيك في روسيا، واللقاح الصيني في موطنه وبعض الدول العربية.
فما هي الفروق بين هذه اللقاحات؟
لقاح فايزر- بيونتك
لقاح BNT162b2 هو من تطوير شركة بيونتك الألمانية بالتعاون مع فايزر الأمريكية، وثبتت فاعليته بنسبة 95%، ويقدَّر سعره بـ 20 دولارًا للجرعة الواحدة، ويحتاج الشخص الواحد منه إلى جرعتين تفصل بينهما أسابيع، وعيبه الأبرز هو احتياجه لدرجة برودة عالية للتخزين تصل إلى 70 درجة مئوية تحت الصفر.
الموقع الرسمي لشركة فايزر نشر ملخصًا للأبحاث التي أجريت على اللقاح، أوضح فيها أن اللقاح يحقِّق فعالية بنسبة 95% ابتداء من اليوم الثامن والعشرين بعد تلقي الجرعة الأول، وكانت الفعالية الملحوظة المشاركين فوق سن 65 عامًا أكثر من 94%.
وتظهر البيانات أن اللقاح لم يسبِّب آثارًا جانبية كبيرة لدى أكثر من 43000 مشارك، ولم تُلاحظ أية مخاوف خطيرة تتعلق بالسلامة، عدا شعور 3.8% بالتعب، و2% بالصداع. وتتوقع الشركة إنتاج ما يصل إلى 50 مليون جرعة لقاح عالميًا قبل نهاية العام الجاري، وما يصل إلى 1.3 مليار جرعة بحلول نهاية عام 2021.
حتى اﻵن، وافقت سبع دول على استخدام لقاح فايزر- بيونتك، وهي بريطانيا والولايات المتحدة وكندا والمكسيك والبحرين والسعودية والكويت.
لقاح مودرنا
من إنتاج شركة مودرنا الأمريكية، وتقترب نسبة فعاليته كثيرًا من فعالية لقاح فايزر- بيونتك إذ تبلغ 94.5 % ويتراوح سعره بين 25 و37 دولارًا، ويحتاج الشخص الواحد إلى جرعتين كذلك، ويجب تخزينه في درجة حرارة تبلغ 20 درجة مئوية تحت الصفر.
تقدمت شركة مودرنا بطلب لهيئة الغذاء والدواء الأمريكية لمنحه ترخيص طارئ يتيح استخدامه في الولايات المتحدة، وقد تعاقدت الحكومة الأمريكية على 100 مليون جرعة من اللقاح، سيكتمل إنتاجها أوائل 2021.
كما طلبت دول أخرى كميات من اللقاح، مثل كندا التي طلبت 40 مليون جرعة، وإسرائيل ستة ملايين جرعة، والكويت 700 ألف جرعة، والمفوضية الأوروبية 160 مليون جرعة، وكانت الشركة من بين الشركات التي أعلنت حكومة قطر التعاقد معها.
وبحسب موقع الشركة شملت الدراسة 30 ألف متطوع، تلقى نصفهم اللقاح والنصف اﻵخر تلقوا لقاحًا وهميًا، وهو ما يُعرف في البحث العلمي بالمجموعة الضابطة، كما شملت متطوعين من أعراق مختلفة أغلبهم كانوا من البيض، بنسبة 63% واللاتينيين بنسبة 20% والـ 17% الباقية كانت من السود واﻵسيويين وأعراق أخرى. واشتملت أيضًا على فئات عمرية بين 18 و65 سنة، ومتطوعين يعانون من أمراض مزمنة كالسكري والسمنة المفرطة وأمراض الرئة والقلب والكبد.
يعمل اللقاح على إعداد جهاز المناعة لمكافحة العدوى والوقاية من الأمراض، حيث تنتِج خلايا معينة في الجهاز المناعي أجسامًا مضادة (بروتينات خاصة) تتعرف على الفيروسات ومسببات الأمراض الأخرى وتجعلها غير ضارة.
الاسم العلمي للقاح هو mRNA-127 وهو مصنوع من الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA)، وهو رمز جيني يخبر الخلايا بكيفية صنع البروتين، مما يساعد جهاز المناعة في الجسم على صنع أجسام مضادة لمحاربة الفيروس، ولم يذكر الموقع أن آثارًا جانبية عانى منها المتطوعون.
لقاح أسترازينيكا
وهو من تطوير جامعة أوكسفورد وشركة أسترازينيكا البريطانيتين، وقالت الشركة إن فعاليته المعلنة مؤقتًا بناء على التجارب تصل إلى 70% وهي نتيجة مخيبة للآمال نسبيًا، خاصة مع مقارنتها بلقاحي فايزر ومودرنا.
أجريت تجربتان على اللقاح، اﻷولى أظهرت نجاحًا بنسبة 90% عندما تناول المشاركون نصف جرعة في المرة اﻷولى تبعها جرعة كاملة بعد مرور شهر، فيما كانت نتيجة الثانية 62% عندما تناول المشاركون جرعتين كاملتين يفصل بينهما شهر، وأكدت الشركة أنها ستواصل مراكمة المزيد من البيانات، وسيتم إجراء تحليلات إضافية لتحسين قراءة الفعالية وتحديد مدة الحماية.
وقامت التجربة على تقييم أكثر من 23 ألف مشارك، بلغت أعمارهم 18 عامًا أو أكثر من مجموعات عرقية وجغرافية متنوعة، يتمتعون بصحة جيدة أو يعانون من حالات طبية مستقرة. وتقول الشركة إنها تجري تجارب سريرية كذلك في الولايات المتحدة واليابان وروسيا وجنوب إفريقيا وكينيا وأمريكا اللاتينية، مع تجارب مخطَّطة في دول أوروبية وآسيوية أخرى. في المجموع، تتوقع الشركة تسجيل ما يصل إلى 60 ألف مشارك على مستوى العالم.
الشركة التي تؤكد أنه لم تظهر أي أحداث سلامة خطيرة تتعلق باللقاح، تسعى للحصول على قائمة استخدامات الطوارئ من منظمة الصحة العالمية، للحصول على مسار سريع لتوافر اللقاح في البلدان منخفضة الدخل، وأبدت استعدادها توفير مئات الملايين من الجرعات عند الموافقة.
وتتوقع الشركة تصنيع ثلاثة مليارات جرعة من اللقاح في عام 2021، كما تواصل العمل مع الحكومات والمنظمات متعددة الأطراف والمتعاونين في جميع أنحاء العالم لضمان الوصول الواسع والعادل إلى اللقاح دون ربح طوال مدة الجائحة، بحسب الموقع الرسمي للشركة.
يتراوح سعر اللقاح بين ثلاثة وأربعة دولارات، ويعتبر أكثر اللقاحات مناسبة للدول النامية من حيث السعر وظروف التخزين، فيمكن حفظه في ثلاجة المنزل العادية.
من الدول التي أعلنت شراء اللقاح، الكويت وكندا كما قال المغرب إنه سيعتمد عليه مع لقاحي فايزر وسينوفارم، كذلك مصر تتفاوض مع الشركة للحصول على حصتها من اللقاحات.
لقاح سبوتنيك V
سبوتنيك V هو اللقاح الروسي الذي بدأ استخدامه في روسيا ولكن لم تُتح معلومات كافية بشأنه، إلا أن مجلة ذي لانسيت الطبية أشارت إلى أنه آمن ويمكن حفظه في درجة 18 تحت الصفر ويبلغ سعره نحو 10 دولارات، وبدأت روسيا بالفعل في استخدامه، وتسعى إلى إنتاج مليار جرعة منه خلال العام المقبل.
يقول الموقع الرسمي للقاح إن سبوتنيك V هو أول لقاح مسجَّل في العالم قائم على منصة الفيروسات الغدية للإنسان المدروسة بشكل جيد. وهو مصنف حاليًا ضمن قائمة منظمة الصحة العالمية لأفضل عشرة لقاحات مرشحة تقترب من نهاية الاختبارات السريرية، وبدء الانتاج الموسع.
المركز المطوّر للقاح هو جاماليا الوطني لأبحاث علوم الأوبئة والأحياء الدقيقة، الذي تأسس في عام 1891، ويحمل اعتبارًا من عام 1949 اسم نيكولاي جاماليا، رائد الأبحاث الروسية للأحياء الدقيقة. ويقول المركز إن اللقاح مرَّ بجميع مراحل التجارب قبل السريرية مع تجارب على أنواع مختلفة من الحيوانات، بما في ذلك نوعان من الرئيسيات.
اكتملت المرحلة الأولى والثانية من التجارب السريرية على اللقاح في 1 أغسطس/ آب 2020، كما يقول المركز إن جميع المتطوعين البالغ عددهم 40 ألفًا يشعرون بصحة جيدة، ولم تلاحظ أية آثار جانبية غير متوقعة أو غير مرغوب فيها، وأن دراسات سريرية للقاح أجريت في الإمارات والهند وفنزويلا وبيلاروسيا.
ينتج اللقاح أجسامًا مضادة قوية واستجابة مناعية خلوية حسب الشركة، التي أوضحت أن أيًا من المشاركين لم يصب خلال التجارب السريرية بفيروس كورونا بعد إعطائه اللقاح. ويؤكد الموقع أنه تم تأكيد الفعالية العالية للقاح، من خلال اختبارات عالية الدقة للأجسام المضادة في مصل دم المتطوعين.
وحصل اللقاح على شهادة تسجيل من وزارة الصحة الروسية في 11 أغسطس، وبموجب قواعد الطوارئ المعتمدة خلال جائحة كوفيد-19 أمكن استخدامه لتطعيم السكان في روسيا، ووقتها دعت منظمة الصحة العالمية "للتريث"، مذكّرةً بأن المرحلة التي تسبق الترخيص لأي لقاح تمرّ عبر آليات صارمة".
كما أشارت بعض الانتقادات (التي وصفها مؤيدو اللقاح بأنها ذات صبغة سياسية) إلى أن روسيا سعت إلى إثبات تفوقها العلمي على حساب معايير السلامة، وأنها تسرعت في اعتماد اللقاح قبل أن تجري تجارب كافية، كونها أول دولة في العالم تسجل لقاحًا ضد كوفيد-19.
ووجهت اتهامات إلى مركز جاماليا؛ بانتهاك البروتوكولات الاعتيادية بهدف تسريع الآلية العلمية إلى أقصى حدّ، خاصة أن اللقاح طُرح قبل أن يستكمل المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، ودون نشر كم مناسب من نتائج التجارب. وحذَّر خبراء من احتمال حدوث نتائج كارثية لإطلاق حملة تطعيم شامل بلقاح لم ينهِ تجاربه بشكل كاف.
وكانت بريطانيا وجهت اتهامات لروسيا بمحاولة سرقة أبحاث لقاح كورونا بهدف جني الأرباح، وحرصت روسيا على نفي الاتهام.
وقالت سفيتلانا زافيدوفا، المحامية التي تتخذ من موسكو مقرًا لها وترأس الرابطة الروسية لمنظمات التجارب السريرية وتتابع عن كثب البحث والتطوير في مجال لقاح كوفيد-19 في البلاد "من الصعب جدًا تفسير إعلان جامالاي.. أخشى أنهم ألقوا نظرة على نتائج شركة فايزر وأضافوا 2%".
ويذكر أن اللقاح الروسي يتشابه في تقنيته مع لقاح أسترازينيكا وأوكسفورد البريطانية، حيث يعتمد على الفيروسات الغدانية لادخال الشفرة الجينية للطفرة الفيروسية في الجسم. وتزال المادة الجينية للفيروس الغدي Adenoviruses الذي يسبب العدوى، بينما يدخل جين يحمل "شفرة" لبروتين من فيروس آخر.
وتقنية استخدام فيروس غدي هي تلك التي اختارتها أيضا جامعة أوكسفورد. وتؤكد وزارة الصحة الروسية أن لقاحها يسمح "بتكوين مناعة طويلة" الأمد، مقدرة أن تستمر الاستجابة المناعية لسنتين.
لقاح سينوفاك
من إنتاج شركة سينوفارم ومقرها بكين، يشترك مع لقاح أوكسفورد في سهولة تخزينه بثلاجة المنزل العادية، إلا أن سعره يتراوح بين 13 و60 دولارًا، حسب بي بي سي.
ونوهت مجلة ذي لانسيت إلى مصاعب تحديد مدى فاعلية اللقاح، كون المعلومات المتاحة عنه مستقاة من مراحل التجارب الأولى والثانية، بينما يقول أحد العاملين بالشركة إن الاختبارات شملت أكثر من 1000 متطوع أظهر نحو 5% منهم شعورا بسيطا بالإجهاد أو عدم الراحة.
وشاركت مصر في التجارب السريرية للقاح، حيث تلقاه ثلاثة آلاف متطوع مصري، قبل أن تستقبل مصر منه 50 ألف جرعة من خلال الإمارات، كما أنه تم استخدامه في الإمارات بترخيص للاستخدام الطارئ، وكل اللقاحات حتى الآن تشترك في أن الشخص الواحد يحتاج منها لجرعتين.
ووجهت انتقادات للقاحي روسيا والصين بشأن تجريبهما في صفوف الجيش، بسبب تخوفات ألا يمتلك أفراد الجيش حرية رفض أو قبول أخذ اللقاح، خاصة أن عقار تطوره شركة كان سينو بالتعاون مع الجيش الصيني، تم إقرار استخدامه من قِبل أفراد الجيش في يونيو/ حزيران الماضي قبل بدء المرحلة الثالثة من التجارب.
من سبقوا إلى حجز اللقاحات؟
المملكة المتحدة كانت الدولة الأولى التي تبدأ حملات التطعيم الشامل فقد وفرت لمواطنيها بالفعل 800 ألف جرعة، وبدأت بإعطاء التطعيم بشكل مجاني وغير إلزامي للأشخاص الأكثر ضعفًا، فالأولوية لمن هم فوق 80 عامًا، وللعاملين بالقطاعات الطبية والأشخاص الأكثر احتياجات للتطعيم.
ويتوقع وصول أربعة ملايين جرعة بحلول نهاية الشهر الجاري لتطعيم البريطانيين، بينما تقدمت بريطانيا بطلبات للحصول على 40 مليون جرعة لتكفي 20 مليون شخص، وهو أكثر من نحو ربع السكان، لكن لا يتوقع أن يصبح معظم هذا العدد من الجرعات متاحا إلا في العام المقبل. أما الولايات المتحدة الأمريكية التي منحت الترخيص لفايزر بعد أن أوصى الخبراء الطبيون الذين يعطون المشورة لهيئة الغذاء والدواء، بإعطاء رخصة طارئة لاستخدام لقاح فايزر بيونتيك.
واتفقت الحكومة الأمريكية كذلك مع شركة فايزر على الحصول على مائة مليون جرعة، ربما لا يصلها هذا الشهر منها سوى أقل من نصف هذا الرقم، ما قد لا يغطي الاحتياج العاجل للفئات المعرضة للخطر.
لقاح كورونا في مصر
استقبلت وزيرة الصحة، هالة زايد الخميس دفعة أولى من لقاح سينوفارم تقدر بـ 50 ألف جرعة قادمة من الإمارات، وذكرت الوزيرة أن اللقاح حاصل على موافقة طوارئ من منظمة الصحة العالمية.
وأوضحت الوزيرة أن اللقاح سيكون مجانيًا، مع أولوية استخدام للأطقم الطبية العاملة بمستشفيات العزل والصدر والحميات، إضافة إلى مرضى الأورام والفشل الكلوي وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، على أن يتم تدشين موقع إلكتروني لحجز اللقاح ممن تتوافر فيهم المواصفات، إضافة إلى الخط الساخن 15335. وأكدت الوزيرة على التعاقد مع التحالف الدولي للأمصال واللقاحات للحصول على المزيد من اللقاحات.
كان مستشار هيئة الدواء والمتحدث الرسمي، الدكتور علي الغمراوي، قال في يونيو/ حزيران الماضي إن مصر حجزت الكميات التي تحتاج لها من لقاح أسترازينيكا وأوكسفورد، وأنه من المرجح أن يصل اللقاح خلال مارس/ آذار أو إبريل/ نيسان القادمين.
بينما قال عضو اللجنة العليا لمكافحة كورونا بوزارة التعليم العالي، الدكتور عادل خطاب، إن مصر ستحصل على 20 مليون جرعة من لقاح كورونا خلال فترة قصيرة، دون أن يوضح من أي شركة.
وأبدت شركة مصر للطيران استعدادها لنقل لقاح كوفيد -19، إلى مصر، وقال رئيس مجلس إدارة الشركة، الطيار رشدي زكريا، أن هناك حاويات مبردة سيتم وضع اللقاح بها أثناء نقله إلى مصر، للحفاظ على درجة حرارته، مشيرًا أيضًا إلى وجود ساحة مبردة في قرية البضائع بمطار القاهرة، لتخزين اللقاح به لحين توزيعه بالسيارات.