تعيش مصر والمغرب هذه الأيام على وقع بطولة دوري أبطال أفريقيا؛ بعد أن احتلت أنديتها نصف نهائي البطولة القارية الأعرق (الأهلي والزمالك من مصر، الوداد والرجاء من المغرب). تقودنا هذه الأجواء إلى ترك شمال إفريقيا والاتجاه غربًا، حيث بدأت البطولة بدعم من الدكتور كوامي نكروما أول رئيس لغانا.
قبل أن يفطن الزعيم التاريخي لجنوب إفريقيا نيلسون مانديلا لأهمية الرياضة، خاصة لعبتي الرجبي وكرة القدم، في توحيد شعبه بعد الخلاص من نظام الفصل العنصري، انتبه نكروما لذلك قبله بثلاثة عقود، بل سعى لتوحيد إفريقيا كلها عبر الرياضة، وكان جزءًا من بطولة تتنافس كل فرق القارة على الظفر بها، هي دوري أبطال أفريقيا.
قصة نكروما ودوري أبطال أفريقيا لا تنفصل عن دعم "المُخلِّص" كوامي للرياضة الغانية التي كان حتى فريق ريال مدريد الإسباني جزءًا منها.
نزول نكروما إلى أرض الملعب
وصل كوامي نكروما إلى رئاسة وزراء ساحل الذهب (الاسم القديم لغانا) في 1952 واستمر حتى نيل البلاد الاستقلال عن بريطانيا في 6 مارس/ أذار 1957 ليكون أول رئيس وزراء بعد الاستقلال للبلد الذي اتخذ من غانا اسمًا له.
استقلال أول بلدان الغرب الإفريقي كان في نفس العام الذي انطلقت فيه بطولة أمم إفريقيا بمشاركة ثلاثية من مصر والسودان وإثيوبيا، بعد استبعاد جنوب إفريقيا بسبب نظام الفصل العنصري.
ألهمت بطولة أمم أفريقيا نكروما لأهمية الرياضة في توحيد أبناء القارة، وعزز ذلك قدوم السير ستانلي ماثيوس اللاعب الإنجليزي الذي لعب عدة مباريات استعراضية مع نادي هارتس أوف أوك الغاني عقب الاستقلال.
قدوم أول متوج بالكرة الذهبية إلى غانا كان حدثًا استرعى انتباه نكروما في أن تكون كرة القدم حلًا سحريًا لدعم دولته وتوحيد أبناء إفريقيا.
انطلاق أمم إفريقيا مع زيارة ستانلي بجانب لعب نكروما نفسه كرة القدم خلال فترة وجوده في جامعة لينكولن الأمريكية، كلها عوامل يُقال إنها أقنعت الرئيس بالنزول إلى ملعب كرة القدم بجانب ملاعب السياسة.
فور نيل بلاده استقلالها، بدأ كوامي في دعم فكرة انضمام الاتحاد الغاني لكرة القدم إلى الاتحاد الدولي (فيفا) والاتحاد الأفريقي (كاف). وفي 1960 انتخب نكروما أول رئيس لغانا، وبدأت مرحلة جديدة لمزج الرياضة بالسياسة بعد الإعجاب بها.
أوساجيفو يدعم الكأس الذهبية ودروي الأبطال
ساهم كوامي نكروما الذي حاز شهادة الدكتوراة ودرس الاقتصاد وعلم الاجتماع في جامعة لينكولن الأمريكية في تأسيس اتحاد غرب إفريقيا، وإطلاق بطولة تحمل اسم الكأس الذهبية تبرع بكأسها كوامي وتنافست فيها منتخبات غرب القاهرة في 1959 لمدة 4 سنوات.
واختير نكروما نتيجة لجهوده في اتحاد غرب أفريقيا رئيسًا للاتحاد مدى الحياة، أما فكرة دوري الأبطال فكانت منبثقة عن بطولة أوساجيفو والتي تعني "المخلِّص" الذي كان لقبًا لكوامي، وبدأت تُنظم في غانا منذ 2010 لبطولات المدارس الثانوية.
دعم نكروما أول بطولة بين فرق القارة والتي انطلقت في موسم 1964-1965 وحملت أول نسخة اسمه بعد تبرعه بكأسها وأقيم الدورين نصف النهائي والنهائي لأول وآخر مرة في دولة واحدة هي غانا، وحسم فريق أوريكس دوالا الكاميروني اللقب الأول، فيما احتفظ بكأس أوساجيفو نادي هافيا كوناكري عام 1977 بعدما بات أول نادٍ يتوج باللقب 3 مرات.
مساهمة نكروما في إطلاق أول بطولة بين الأندية الأفريقية يبدو متفق عليها، لكن بعض المصادر تقول إنه تبرع بالكأس وأخرى ترجح أنه تبرع بـ 250 جنيهًا (عملة ذهبية كانت في المستعمرات البريطانية قديمًا قيل إن اسمها ماخوذ من اسم "غينيا" تحديدًا ساحل غينيا في غرب أفريقيا).
وهنا يجب أن نشير إلى أن بعد احتفاظ هافيا كوناكري بكأس أوساجيفو في 1977 تبرع أحمد سيكو توريه، أول رئيس لغينيا بعد الاستقلال، بكأس البطولة التي احتفظ بها نادي الزمالك بعد تتويجه ببطولته الثالثة في 1993، أما الكأس الحالية التي يحتفظ بها الأهلي فكانت مقدمة من الاتحاد الأفريقي.
البلاك ستارز تغزو سماء القارة
لم يكتف نكروما بالمشاركة في تأسيس اتحاد غرب أفريقيا أو دعم انطلاق بطولة دوري أبطال أفريقيا بل بات أكثر محلية داعمًا منتخب بلاده أو مستكملًا دعمه للرياضة الغانية.
دعم نكروما مشاركة منتخب بلاده لكرة القدم في أولمبياد طوكيو 1964، ووصل فيه إلى الدور ربع النهائي، الذي ودعه بالخسارة من مصر بهدف مقابل خمسة.
توج منتخب غانا في مشاركته الأولى بأمم أفريقيا 1963 التي أقيمت على أرضه باللقب بعد الفوز على السودان وحافظ منتخب النجوم السوداء على لقبه في 1965 ووقتها هزم المستضيفة تونس في النهائي لتكون غانا أول دولة تفوز باللقب الأفريقي على حساب الدولة المستضيفة.
لكن فوز منتخب غانا بأمم أفريقيا في المرتين يجب أن يتبع بالحديث عن فريق ريال ريبابليكان أو فريق أوساجيفو كما كان يطلق عليه.
احضروا ريال مدريد إلى أوساجيفو
في أوائل ستينيات القرن الماضي أمر نكروما وزير رياضته والذي شغل منصب رئيس اتحاد الكرة في غانا أوهيني ديان، والذي كان ملعب أكرا يحمل اسمه قديمًا، بتأسيس ناد لكرة القدم وهو ما تم بتأسيس نادي ريال ريبابليكان أو نادي أوساجيفو واسم ريال كما قيل استوحى من اسم ريال مدريد الإسباني.
تأسس الفريق الجديد باختيار أفضل لاعبين من كل فريق من الفرق الغانية فكانت البداية قوية وتبرر وجود 10 لاعبين من الفريق الوليد في تشكيل المنتخب المتوج بأول بطولة في أمم أفريقيا.
ربما وجود عناصر كثيرة من فريق نكروما في منتخب غانا أوجد خلطًا بينه وبين المنتخب، فهناك تضارب حول هوية الفريق الذي لعب ضد ريال مدريد في استاد أكرا وهل هو ريال ريبابليكان أم منتخب غانا.
يقول تقرير لموقع جول إن زيارة ريال مدريد كانت ردًا على سؤال كوامي عما يسعد الشعب الغاني؛ وكانت إجابة وزير الرياضة وقتها، أوهاني ديان "احضر ريال مدريد إلى غانا"، وكانت الزيارة رسمية بقيادة رئيس ريال مدريد وقتها، سانتياجو برنابيو، الذي قلد نكروما تذكارًا يحمل شعار ريال مدريد.
وفي يوم الأحد 19 أغسطس/ آب 1962 تجمع 30 ألف متفرج في استاد أكرا الرياضي في غانا لمشاهدة أبطال أوروبا لخمس مرات، ريال مدريد، المدجج بنجومه بوشكاش وباكو خينتو، وهم يتعادلون مع فريقهم 3-3، وبعد اللقاء عبَّر نكروما عن سعادته بالتعادل مع النادي رقم 1 في أوروبا، وهو التعادل الذي سيرسم شكلًا جديدًا لكرة قدم جديدة في الساحل الغربي لأفريقيا.
أيام نكروما اﻷخيرة
كان عام 1966 حاسمًا في تاريخ نكروما السياسي، وحياة فريقه والكرة الأفريقية.
بداية كان كوامي ضمن المنادين برفض مشاركة المنتخبات الأفريقية في كأس العالم في إنجلترا 1966، لأن مقعدًا واحدًا تتنافس عليه أفريقيا وآسيا ليس مرضيًا لمنتخبات القارة السمراء.
لم تشارك الدول الأفريقية فعلًا في البطولة التي أقيمت في يوليو 1966، وتغيرت بعدها القواعد لتمنح أفريقيا مقعدًا مستقلًا ومثله ﻵسيا في مونديال 1970، لكن نكروما الذي ناضل ودعم مقاطعة مونديال 1966 لم يكن في منصبه وقت إقامة البطولة، ففي فبراير من العام نفسه أطاح انقلاب عسكري بحكمه، خلال زيارة خارجية له إلى الصين وفيتنام، وكان الانقلاب بعد 10 أسابيع من الفوز ببطولة أمم أفريقيا.
كما أطيح بنكروما كان الوقت قد حان للإطاحة بفريقه، فضم أفضل لاعبين من كل فريق لنادي ريال ريبابليكان لم تستسغه الفرق المنافسة أو جماهيرها، رغم المساهمة في تحقيق نجاحات مع المنتخب الغاني.
في عام 1966 اتحدت الفرق ضد نفوذ فريق نكروما وقاطعوا بطولة الدوري بسبب سياسة الفريق في الانتقالات، وهو ما أغضب الجمهور أيضًا من الفريق الذي توج بأربع كؤوس ولقب دوري.
ولأن فريق ريبابليكان استمد نفوذه من مؤسسه نكروما، فكان طبيعيًا أن ينتهي الفريق بزوال حكم كوامي، وانضم معظم لاعبيه إلى نادي هارتس أوف أوك، الذي كان الحاكم المؤقت وقتها، أكواسي أفريفا، مشجعًا له.
لم يعد كوامي إلى وطنه، فعاش منفيًا في غينيا، في ضيافة رئيسها أحمد سيكو توريه، حتى سافر إلى رومانيا للعلاج من سرطان البروستاتا في 1971، إلى أن رحل في أبريل/ نيسان 1972 عن عمر ناهز 62 سنة.
في يناير/ كانون الثاني 2014 كرم الاتحاد الأفريقي لكرة القدم نكروما خلال حفل توزيع جوائز أفضل لاعب في العاصمة النيجيرية لاجوس، معبرين في بيانهم عن سعادة الاتحاد بتكريم الرجل الذي ساهم في صناعة ودعم الكرة الغانية.