نفق أبو حشيش أو نفق دير الملاك أو نفق مصر والسودان حسب ما تريد أن تسميه، هو واحد من أقدم أنفاق القاهرة الحديثة قاطبة، يعود لزمن الخديوية، زمن دخول السكة الحديد مصر وزمن إنشاء حي حدائق القبة نفسه، بيمر فوقه حاليًا مترو الأنفاق بين محطتي الدمرداش وغمرة، وبيمر فوقه كمان خط سكة حديد عسكري قديم، وبيمر فوقه كمان شارع لطفي السيد اللي بيربط العباسية بغمرة ورمسيس.
مافيش معلومات عن النفق في الخطط التوفيقية مثلًا لأنه اتبنى بعدها، ولا على موقع البوابة الإلكترونية لمحافظة القاهرة، حيث يكتفي الموقع بذكر أن الخديوي عباس حلمي الثاني أمر بتطوير 100 فدان في المنطقة عام 1908، وإنشاء عدة شوارع منها الشارع المعروف الآن بـ مصر والسودان، وسمي وقتها بـــ "ملك مصر والسودان"، لكن وجدت صورًا لوثيقة هامة تخص إنشاء النفق بالعربية والفرنسية تعود لنظارة الاشغال العمومية، وهي منشورة على صفحة غير موثقة باسم مركز تسجيل الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية على فيسبوك. تقول الوثيقة:
"تقدمت نظارة الأشغال العمومية بمذكرة إلى مجلس النظار بتاريخ 26 فبراير 1909م، بشأن الموافقة على طلب تقدم به نجيب منصور شكور باشا نيابة عن ثلاث شركات مساهمة هي: شركة المباحث والمشروعات، وشركة حدائق القبة، وشركة بنايات ضواحي القاهرة، بخصوص إنشاء شارع في أنحاء قرية القبة، وبسبب تقاطع هذا الشارع مع السكة الحديد الأميرية وسكة شركة عين شمس فستقيم السكة الحديد نفقا أسفلتيًا على حساب شركة عين شمس يمر من تحته الشارع، مع التزام الشركات الثلاث بنفقات إصلاح وصيانة ورش الشارع المذكور لمدة 15 سنة".
للاسف اسم نجيب باشا شكور مكتوب غلط في الوثيقة، فاسمه بالكامل هو منصور نجيب شكور، كما هو مكتوب على قبره في مقابر الكومونويلث (كان مسيحيًا إنجيليًا)، ويعتبر نجيب باشا شكور هو مؤسس حدائق القبة التي نعرفها، ويوجد شارع باسمه حتى الآن كان به عدد من فيلات الفنانين والممثلين والمطربين، وينتهي الشارع باستوديو جلال الشهير، وكان هو يسكن في قصره في أول الشارع الذي أصبح فيما بعد مدرسة النقراشي باشا الإعدادية في 1947، وكنت أنا طالبًا فيها في الثمانينيات.
قصة "أبو حشيش"
قبل مترو الأنفاق كان بيمشي فوق النفق قطار المرج للقادمين من كوبري الليمون وكمان مترو مصر الجديدة، الله يرحمه، بيقع في منطقة الدمرداش أو عرب الدمرداش المحمدي اللي اتكلمت عليها في مقال سابق، وهو أيضًا خلف الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، بس سُمي على اسم عزبة أبو حشيش المجاورة له، وهي عزبة عشوائية كانت تشتهر قديمًا بتجار الحشيش والقرداتية والنشالين والهجامين، ولها اسم آخر هو عزبة القرود، لأن سكانها لا يحبون اسم أبو حشيش، كذلك النفق يسمى نفق دير الملاك لنفس الأسباب، بس حاليًا بقت منطقة فيها ناس من فئات مختلفة دكاترة ومهندسين وطلبة، ناس عادية تمامًا، بل بعضهم حقق الثراء من وجود الإعلانات فوق بيوتهم لمرور كوبري أكتوبر بمنطقتهم، وتحول نشاطها لتجارة المستعمل من الخردة والألوميتال والأدوات الصحية وغيره.
ومنطقة أبو حشيش ممتدة حتى السبتية والشرابية وحتى رمسيس وشبرا، وكانت حدودها من الخلف على شادر السمك القديم قبل نقله لسوق العبور، والقصيرين وشارع بورسعيد.
النفق هو جزء من شارع مصر والسودان (شارع ملك مصر والسودان سابقًا) يصل بين منطقة الحدائق والعباسية وغمرة من الجهة الأخرى، وهو الشارع الذي أنشيء ليربط قصر القبة الجمهوري (قصر الخديوي اسماعيل) بشارع الملكة (شارع رمسيس حاليًا)، وامتداده شارع أحمد سعيد المؤدي للعباسية ثم صلاح سالم والأوتوستراد، حيث يتم حاليًا عمل محور الفردوس المثير للجدل مكان مقابر المماليك.
النفق يقسم حدائق القبة إلى قسمين؛ قسم يشمل حدائق القبة ودير الملاك والعزب المحيطة (عزبة مكاوي، عزبة منصور ، الموليحة، عرب المحمدي)، والقسم الثاني هو آخر شارع مصر والسودان.
وهذه العزب كما يوحي اسمها كانت أراضٍ زراعية تحولت لعشوائيات بالهجرة من الريف، وكانت إحدى تبعات نجاح حي حدائق القبة أن يصبح حيًا راقيًا ويستقطب البشوات والفنانين ورجال السياسة والاستوديوهات، ولأن من جاور السعيد يسعد فبقت حدائق القبة موضة، وبقت كل الناس عاوزة تسكن فيها كنوع من الوجاهة (بما فيهم أبويا). في فيلم اﻷخ الكبير يعد فريد شوقي أمه بأنه سيشتري لها بيتًا في حدائق القبة (كأنه بيقول الزمالك مثلًا) وشويكار في مسرحية السكرتير الفني تتحدث عن سيدة غنية "عندها بيت في حدايق القبة". وما زالت الشوارع حتى الآن على أسماء بشوات وبهوات وشيوخ من العشرينيات.
النفق للأسف لم يشهد أي تطوير حقيقي من سنين، وأي تطوير بيضيّقه أكتر لأنه بيرفع مستوى الأسفلت، مما يؤدي لانحشار سيارات النقل والأوتوبيسات كما نرى بالصور، إلى جانب أن النفق لا ينجو من لعنة الأمطار والسيول في الشتاء كباقي أنفاق القاهرة، القديم منها والحديث، رغم وجود نظام تصريف قديم له، لكن عدم الصيانة تؤدي دائما لانسداده. أتذكر النفق في طفولتي أن أرضيته كانت مغطاه بالبلاط وليس بالأسفلت.
موقع النفق استراتيجي، فهو يكاد يقسم القاهرة نصفين، فمن ناحية يؤدي إلى أحياء القبة (حدائق، كوبري، حمامات، سراي) والوايلي والزيتون والأميرية والمطرية والمسلة والزاوية الحمراء، وهي أحياء شرق القاهرة القديمة، بل ومدينة نصر ومصر الجديدة والتجمع، ومن الناحية الأخرى غمرة والسكاكيني والظاهر والعباسية ثم رمسيس والفجالة ووسط القاهرة، حيث يصب في شارع لطفي السيد ورمسيس والعباسية.
أما محور الفردوس المثير للجدل هذا القادم من شارع أحمد سعيد ومصر والسودان لن يكون له أهمية إذا لم يتم الاعتناء بشارع مصر والسودان ونفق أبو حشيش تحديدًا وتوسعته، لأنه بوابة أحياء شرق القاهرة القديمة، إلى جانب أن مترو الأنفاق ولطفي السيد يمران فوقه، فمش معقول يبقى مهم من فوق ومهمل من تحت، كمان النفق ها يربط محور الفردوس بمحور روض الفرج اللي بقى بيمر دلوقت في شارع سكة الوايلي وميدان حدائق القبة عند القصر الجمهوري.