بينما يتصفح الكاتب يسري حسان السوشيال ميديا، شاهد مصادفة فيديو لشخص لا يعرفه اسمه مجدي شطة يعلن فيه أنه لن يغني مع واحد اسمه حمو بيكا استخدم اسمه ليجمع جمهور شطة، أثارت هذه التصرفات الهزلية واهتمام الإعلام بها ضحك حسان، لتدفعه إلى كتابة مقال ساخر عنهم لكنه اكتشف أنه لا يعرف هذا العالم جيدًا، فبينما كان جالسًا على القهوة في لحظة صفاء وقال لنفسه "ولماذا تسخر من ناس لا تعرف عنهم شيئًا؟"
يحكي حسان أيضًا أنه فيما قبل فوجئ بابنه الأصغر يردد كلمات أحد المهرجانات، وبينما كان يركب التوك توك كان يسمعها، لكنه ظن الأمر لا يستحق الاهتمام حتى فوجئ بانتشارها الشديد، لكن تجاهل المثقفين هذا لم يكن مفيدًا، ففوجئ بعد ذلك بانتشارها الرهيب حتى وصل إلى كتابة المقال الساخر الذي ربما امتنع عن نشره لأنه لا يعرف هذا العالم كما قال، وقاده تساؤله ومحاولة الفهم التي ربما تتمثل في فهم ابنه وجيله، إلى عالم أغاني المهرجانات التي كانت بعيدة تمامًا عن دائرة اهتماماته باعتبارها عالمًا تحتيًا وفي رواية أخرى "أغاني الشوارع الخلفية".
دخل حسان دون مواقف مسبقة ودون هدف الوصول إلى نتائج معينة محددة، فقط كان يريد البحث والتنقيب والتأمل، ولم يكن يستهدف أن يرضى عنه المثقفون أو صُنّاع المهرجانات ومغنوها، لأن المهرجانات في النهاية بعيدة عن الفنيات، كما يقول، بينما النجاح الجماهيري الذي تحقّقه لا يفيد إنكاره. ويحكي عن الاستنكار والتعالي الذي واجهه من أصدقاءه المثقفين تعليقا على أنه بصدد دراسة هذه الظاهرة.
مهرجان مفيش صاحب
ربما بعض المواقف شكَّلت عنده تحدٍ وأحيانا تعاطف في رحلة البحث التي خاضها، حيث أمضى أيامًا كثيرة يسمع ويشاهد أغاني المهرجانات، ويقرأ عن أصحابها وقصص حياتهم ورحلات كفاحهم، والآراء حولهم بين المؤيدين والمعارضين من الجمهور أو الفنانين أو النقاد، حيث اكتشف أنه كان مغيبًا عن هذا العالم الثري بقصصه وحكاياته ومعاركه وإفيهاته، وقرر أن يكون كتابه هتاف المنسيين عنهم وأن يطرح به تساؤلاته عن المهرجانات ونشأتها وعلاقة الناس باختلاف فئاتهم وموقفهم منها. صدر الكتاب عن دار بتانة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2020.
الشعبي والعشوائي
يعرِّف حسان نفسه من خلال نشأته الشعبية بحي روض الفرج، ولكنه يفرِّق بين ما هو شعبي وما هو عشوائي إذا كان مجتمع أو فن، فكان يستمع للمطربين الشعبين بداية من الأجيال المختلفة محمد عبد المطلب ومحمد رشدي، وأحمد عدوية وعبد الباسط حمودة وأحمد شيبة، وإلى جانب ذلك يستمع لأشكال غنائية متعددة بين منشدي السير الشعبية والغناء الكلاسيكي وجيل الثمانينيات والمغنين العالميين في الغرب، ويلخِّص ذلك في قوله "الحكاية وما فيها إني أبحث عن الفن الجيد وخلاص، يطلع شعبي، يطلع شرقي، يطلع غربي، المهم إني أستمتع به".
هذا التأكيد على الفارق بين الشعبية والعشوائية، فبعض الأفلام صنعت صورة مشوهة عن المناطق الشعبية بخلطها بالعشوائية التي ليس لديها أي قيم، لكن الأمر أكثر تعقيدًا لأن الشخصية الشعبية مليئة بالمفارقات والمتناقضات المركبة المثيرة للفضول والدهشة، "في المنطقة الشعبية لا يوجد رقص بالسنج والمطاوي، لكن بعضهم يحشش أو يضرب زجاجتي بيرة ولكن في حدود الأدب والاحترام".
سألته عن المعنى الذي وضحته مثلًا الأفلام التي عرضت قصة الفتوة ابن الأصول في في الحي الشعبي، والفرق بينه وبين البلطجي اللاأخلاقي، فأجاب "الشخصية المصرية مليئة بالمتناقضات وهذه الثقافة موجودة بالأمثال الشعبية مثل "ساعة لقلبك وساعة لربك" و "لو كان حرام أدينا بنحرقه.. لو كان حلال أدينا بنشربه" أنا شخصيًا كنت أعرف أحد تجار المخدرات الكبار على مستوى مصر وهذا الرجل كان منتظمًا في صلواته، ويرفض أن يشرب الخمور لأنها حرام، ويساعد الكثير من الفقراء ويعتبر ذلك ذكاه، وهو مقتنع تمامًا أنه على صواب، فكونه تاجر مخدرات لا يعني أنه شرير محض، فبه جوانب خيّرة".
سائق توكتوك
أجريت الحوار مع الكاتب يسري حسان عن طريق الرسائل الصوتية واتساب، بسبب ظروف الحجر الصحي، وسألته في البداية عن سبب كتابته للمهنة "سائق توكتوك" بصفحته على فيسبوك، فحكي لي "عندما أنشأت حسابًا على فيسبوك، كنت أشاهد صفحات بعض الأصدقاء، فأجد بعضهم يصف نفسه بأنه مفكّر أو ناقد أكاديمي أو فنان تشكيلي، فشعرت أنه في بعض الأحيان هناك نوع من تضخيم الذات، ففضلت إني أكتب ذلك على سبيل (الإفيه) المعبر عن طبيعيتي البسيطة والانتصار للإنسان أيًا كان عمله، حدثت مفارقات عديدة بعدما أنشأت الصفحة، منها إحدى الصديقات الإفتراضيات لا تعرفني شخصيًا، فأرسلت لي تستفسر مني "كيف توفق بين الكتابة وعملك كسائق توكتوك.. فجاريتها بمنطق الإفيه، إني بعد ما أنتهي من ورديتي على التوكتوك، أفصل تمامًا وأستعد لعملي ككاتب".
لكن الشيء الواقعي في أمر التوكتوك هو المرسوم على غلاف الكتاب الذي صدر في الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب عن دار بتانة، وكما قال لي الكاتب نعتبره مدخل يشير للمحتوى، خصوصًا أن مصممه "عبد الرحمن الصواف" يعمل تصميماته بعد قراءة الكتاب ليعبر عن روحه.
إذا اعتبرت أنني في رحلة لعالم المهرجانات ستكون وسيلة المواصلات المثالية هو التوكتوك، فسينقلني بين الأحياء الشعبية/ العشوائية التي خرج منها صناع وسميعة المهرجان، وهو أيضًا يعتبر وسيط مؤثر في عملية السمع، مثل دي جي متحرك، غالبًا في خلفيته سماعات كبيرة تدوي صوت الطبل الذي يتحول بفعل الصب لتخبيط ورزع، يعلو على ضجيج الشارع، وهنا أتذكر جملة في فيلم الكيف، الذي يناقش قضية مشابهة خلف القصة المباشرة للمخدرات وتجارتها، وهي قضية فساد الذوق العام، في أحد المشاهد في بداية الفيلم بينما البطلان راكبان تاكسي، يسمع سائقه أغنية شعبية بصوت مزعج عبارة عن لازمة كلامية "البلي بلي بلي بلي بلي بلي با" ويدور نقاش حول الأغنية، فيقول جمال (محمود عبد العزيز) الذي يعمل نبطشي أفراح وتعجبه الأغنية، "لازم ندوش الدوشة بدوشة أدوش من دوشتها عشان ماتدوشناش".
مشهد من فيلم الكيف
كلام لصُناع المهرجانات وجمهورهم.. أما المثقفين فياريت يركنوا على جنب شوية.. عشان الأكسجين
هذه هي إشارة الانحياز التي يعلنها الكاتب بالصفحة الأولى من الكتاب قبل المقدمة، والتي بالطبع تبدو ساخرة من نمط من مدعي الثقافة الذين يسحبون الأكسجين بالمزايدة على كل شيء، إضافة إلى اللغة المستخدمة بين الفصحى البسيطة والعامية المثقفة والساخرة.
تحدثت مع حسان عن تلك النظرة التي تشبه تريند وسط البلد الذي انتشر على السوشيال ميديا منذ فترة، بداعي السخرية من نماذج تشوِّه صورة المثقّف، لكنها يمكن أن تلتصق بصورة نمطية عند غير المثقفين، خصوصًا وأننا أمام ظاهرة رفضتها المؤسسات الثقافية والفنية الرسمية ومعظم الناس بفئاتها في بدايتها وحتى الآن، بدرجة لم تؤثر كثيرًا في انتشارها، بسبب سميعتها من شباب المناطق العشوائية والشعبية، في حين تفاعل وتجاوب معها عدد من المؤسسات الثقافية المستقلة وشباب المثقفين، الذين أفردوا لها مساحات للرصد والتعبير من خلال فرص دعم ومشاركات خارجية، وأفلام تسجيلية مثل إلكترو شعبي والقاهرة تنادي، اللي بيحب ربنا يرفع إيده لفوق" وأيضًا بعض الدراسات والحوارات الصحفية خاصة على موقع معازف، والتي تمت بدافع التحليل وليس السخرية أو الرفض والتي ذكر بعضها في الكتاب، في حين أن الكتاب وطرح كاتبه مثقف لكنه أكثر بساطة ومرونة.
أضاف حسان "بالطبع مدعي الثقافة لهم موقف متشدد من أغاني المهرجانات، ليس قائمًا على تأمل الظاهرة، بقدر ما هو مبني على فكرة أنه حتى تكون مثقفًا كبيرًا، فلابد أن تتخذ موقفًا من مثل هذه الظواهر الفنية، وهؤلاء الناس دائمًا ما يشعرون بنقص ما وحتى يعوضونه فلابد من هذا الموقف المتشدد، وبالتالي لا يوجد أضعف بالنسبة له من أغاني المهرجانات أو الشعبية عمومًا، حتى يبدو رفيع المستوى لا يهبط إلى هذه الدرجات الدنيا من الفن، فيشن هجومًا كاسحًا عليها، بدون أن يبحث فيها لأنه ليس لديه القدرة على ذلك، لكنه فقط يصادر على رأيك ويتهمك بالابتذال، وبأنك تسعى إلى تحقيق شهرة بهذا الانحياز للفن الهابط".
وتابع حسان "إنه يهدف للتأثير على المجتمع وأخلاقياته باعتباره حاميًا للأخلاق والفن، وأمثال هؤلاء مادة ثرية جدًا للكتابة الساخرة، ربما الصورة النمطية الذي يعكسها بعض الكتّاب الساخرين عن المثقف؛ صورة كاريكاتيرية، تشير أكثر إلى مدعي الثقافة وليس إلى المثقف الحقيقي الرصين، وهذه النماذج منتشرة في حياتنا الثقافة ومثلث الرعب في وسط البلد".
هتاف الصامتين
تحت عنوان النشأة يستعرض حسان في هذا الفصل من الكتاب أين ومتى بدأت المهرجانات، موضحًا أن هناك من يقول بخروجها من المطرية أو من مدينة السلام، وعلى الأرجح بدايتها قبل الثورة بخمس أو ست أعوام، لكن الماسورة انفجرت بشدة بعد الثورة، ويجتهد في بحث هذه الظاهرة الإجتماعية وأسباب نشوءها وانتشارها في تسعة أسباب، وأولها هو الرغبة في التمرد.
لكنه ينتقد هذا التمرد، لأنه عشوائي غير مدروس، مثل المناطق التي خرج منها، وبالتالي لا يؤدي لنتائج جيدة في الغالب، لكنه ربما حدث نتيجة ما تمثل في لاوعي صُنّاعه الذين لم يتلقوا تعليمًا جيدًا، لكن شعورهم بأنهم منسيون وهذا هتافهم، ويشير هنا إلى كتاب "هتاف الصامتين" لعالم الاجتماع الكبير الدكتور سيد عويس، الذي استوحى الاسم منه، ويرصد ظاهرة الصامتين الذين دوّنوا آراءهم على مركباتهم أو على الحوائط.
يقول حسان كذلك إن البيئة كانت مهيأة تمامًا لظهور المهرجانات بالشكل الذي ظهرت عليه، فالمجتمع مهزوم ومأزوم ويمكنه أن يتقبل "ريان يا فجل" تمامًا كما حدث عقب نكسة 67 التي أعقبها ظهور ونجاح واكتساح السح الدح امبو، بالإضافة إلى بحث هؤلاء الشباب عن الثراء والشهرة السريعة، بسبب تصدير نماذج البلطجي وتاجر والمخدرات ورئيس العصابة في أفلام ومسلسلات هابطة تدور أحداثها في مناطق عشوائية، في ظل تعليمهم المحدود أو عدم توافر فرص عمل جيدة لهم.
ومن بين أسباب ظهور أغاني المهرجانات بحسب الكتاب سهولة صناعة هذه الأغنية، فلا يحتاج المهرجان في الغالب إلا إلى شخص أو شخصين وجهاز كمبيوتر عليه برنامج صوت يخرج الأصوات بطريقة الأوتوتيون. إضافة لسهولة انتشارها مع الثورة التكنولوجية من خلال السوشيال ميديا، وانتشار وسائل المواصلات الخاصة مثل الميكروباص والتوك توك فكانت أشبه بالإذاعات المتنقلة.
وأيضًا استعانة بعض المنتجين والمخرجين ببعض فرق المهرجانات كنوع من الترويج وجذب الجمهور للأفلام والإعلانات، وصناعة أكثر من فيلم روائي يحكي قصتهم مثل المهرجان و 4كوتشينة مما أدى لإثارة الجدل حولها في وسائل الإعلام المختلفة.
ويقول حسان إن من الأسباب الأخرى لنشأة المهرجانات وجود فئتين من صناع الأفراح الشعبية، إحداهما قديمة والأخرى حديثة، ظهرا أو تم دمجهم ليصبحا مغني أو صانع مهرجان، الأول هو النبطشي الذي يُحيِ الفرح على المسرح فهو الذي "يمسك الحديدة" بمعنى المايك ليتلقى النقطة ويحمي الراقصة، ويمكن أن يغني أو يعمل نمرة إذا المطرب غاب، والثاني هو الدي جي الذي يستعينون به في الأفراح بديلًا عن الفرقة الموسيقية والمطرب والراقصة، والذي عندما تشاهده تظن أنه كان يتمنى أن يكون مطربًا، فكلاهما أخذ تلك الخطوة كرغبة للانتقال إلى دور البطولة.
والسبب الأخير والأهم، وفق الكتاب هو أن "مغنيي المهرجانات عندما ذهبوا لناسهم، ذهبوا كما هم بعبلهم، فوجدوهم الناس يعبرون عنهم وعن عيشتهم بكل ما فيها من همّ وتجاوزات".
يشير المؤلف إلى بعض الكتابات السابقة عن المهرجانات والتي استعان بها في بحثه، ويذكر أنه أغلبها كانت كتابات سائحين متعالية من الخارج دون التعمق في الظاهرة بشكل جدي، باستثناء بعض الدراسات مثل دراسة الباحث إبراهيم هلال انتصار بطعم الهزيمة، وأغاني المهرجانات وتاريخ المأساة المصرية، ودراسة الباحثة عصمت محمد يوسف، الصادرة عن المركز الديموقراطي العربي للدراسات.
كما استعان حسان في الكتاب بتقرير موقع معازف عن أقوى 20 مهرجان في 2017.
كما اقتبس المؤلف عن أحد أوائل الحوارات الصحفية عن المهرجانات، تلك التي أجراها الصحفي مصطفى ماهر لجريدة روز اليوسف ونُشر في نوفمبر،/ تشرين الأول 2012، ويقدم المؤسسون لتلك الموسيقى (عمرو حاحا، السادات، فيفتي). يتحدث فيفتي أول من غنى المهرجان عام 2005 (مهرجان السلام) عن سبب تسمية الموسيقى، لأنها تعبر عن حالة المهرجان الغنائي، وأيضًا بسبب إمكانية مشاركة أكثر من مطرب في أغنية واحدة، بالإضافة إلى إمكانية دمج موسيقى الراب والشعبي في أغنية واحدة، ولاحقًا تعاون مع السادات وأضاف الراب.
أما عمرو حاحا الذي، كما يوثق فيلم المهرجان 2014 بعد هذا الحوار، هو أول من صنع مزيكا المهرجان حيث كان عمره 23 عامًا، وهو صاحب مهرجان السلام الذي نسبه فيجو إلى نفسه، ويتحدث عن مهاجمة الناس بسبب المقارنة بالأغنيات الرومانسية الكلاسيكية، وعدم تقبل اختلافهم برغم انتشارهم وكيف تم تسويق المهرجانات عن طريق الإنترنت والموبايل لرغبتهم في العمل بحرية وانتقاد سلبيات المجتمع دون فرض قيود شركات الإنتاج والإعلام، أما الثنائي (أوكا وأورتيجا) فكانت أبرز تصريحاتهما "مصر خارج سباق المزيكا من فترة طويلة، ومزيكتنا هي اللي هتحيي المزيكا في مصر وترجع لها مكانتها".
وتعليقًا على ذلك أرى أنه يحسب للسادات وفيفتي وعمرو حاحا تطرقهم لقضايا مهمة، ربما بحكم تمردهم واحتكاكهم بمجتمع مثقفون وأجانب جعل لديهم آراء منفتحة، في تجربة استثنائية غنوا من كلمات الشاعر مصطفى إبراهيم، في حوار سابق لي على المنصة مع الشاعر سألته عن هذا المهرجان الذي غناه سادات من كلماته وقال..
"لم يعجبني أن بعض الكلمات منطوقة بشكل خاطئ وتمنيت لو كنا تقابلنا ووضحت لهما نطقها، لكن كمبدأ ليس لدي مانع في غناء كلماتي كمهرجانات، المهم أن تُغنى بشكل جيد، أظن أن المهرجانات ستختلط مع موجة التراب الجديدة وسيصلوا لمنتج في الوسط، لكن بخصوص الكتابة فمعظم من يغنون هذه النوعية يكتبون لأنفسهم، فلم يحدث تطور على مستوى الكلمات والموضوعات متكررة وأرى أنهم إذا أدخلوا معهم كتابة مختلفة سيحدث تطور أكبر، مثلما حدث في الموسيقى، لكن كل هذا مازال يحتاج وقت كي يظهر له ملامح".
إضافة لأغنية فيلم المهرجان، بمشاركة غنائية من ميرنا ناجي، وفي جلسة شعرية جماعية لي مع الشاعر نصر الدين ناجي كاتب الكلمات، عندما تحدثنا عن المهرجانات كان رأيه كشاعر غنائي محترف أنه مستعد لكتابة أي نوع يجيده ليصل للناس، وأن المهرجانات حاليًا هي المزيكا المصرية الوحيدة المسموعة عالميًا بشكل مؤثر.
لكن رغم إعجاب حسان بالسادات وفيفتي في بدايتهما، خاصة اهتمامهما بقضايا اجتماعية وسياسية مهمة، ينتقد كلاهما خاصة بعد الانفصال، لأنهما على حد قوله انسلخا من أصلهما الشعبي الذي جعلهما محبوبين، وأغرتهما الشهرة لعمل كليبات تقلِّد الفرق الأجنبية ولا تهتم بالكلمات بينما ترتكز على بهرجة الصورة وانتقاد بعضهما، ولم يعملا على تطوير إمكانياتهما، مما أنتج أعمال مسخ.
كليب بلعب أساسي – فيفتي الأسطورة
بالإضافة لانتقاده أوكا وأورتيجا اللذين يعتبران من أول وأشهر من قدم المهرجانات، إلا أن أغلب كلماتهما "هرتلة في الفاضي" إضافة إلى قدر من الادعاء في السنوات الأخيرة، يجعلهم يعتبران نفسيهما مصلحين اجتماعيين، مثل الرسالة التي تقدم في مهرجان إلعب يالا الذي يقدمان في بدايته رسالة وعظية ساذجة لا تتناسب مع الكلمات ولا اللحن، كأن هذه الرسالة هي قناع مزيف.
السيد الرئيس
في فصل السيد الرئيس يوجه المؤلف انتقاده إلى هاني شاكر نقيب الموسيقيين، على المصادرة والمنع من الغناء لأن ذلك ظلم لهم ولجمهورهم الذي أصبح من الطبقات كافة، فهو يدعم حرية التعبير حتى لو كان ما يقدم سيئًا فالحل في تقديم البديل الجيد "لا أقول شجع الغنوة الوحشة، لكن لا تقتل أصحابها لأن فيه ناس محتاجاهم.... والوقت كفيل بفرز الغث من الثمين".
ولهذا الفرز فهو يرصد، في فصل مهرجاناتهم الذي يرتكز على تحليل الكلمات بشكل بسيط بعض المشتركات في المهرجان، بحيث نفهمها ولا نبحث عن الغنوة المتكاملة، حيث في أغلب الأحيان لا يوجد صوت جميل، وأيضًا لا يوجد ملحن لأن اللحن جملة لحنية واحدة، ويوجد من يطلقون عليه حسب فهمهم موزع، لكن بالطبع التوزيع تخصص أكبر من ذلك بكثير.
كما يشيد بعدها بعدة مهرجانات يقول إنها على درجة معقولة جدًا من الجودة، خاصة من ناحية الكلمات وانضباطها النسبي، "كلمات بسيطة وفيها انعكاس لنبض الشارع وشقاوة ولاد البلد وحسهم الساخر، ودعك من بعض الأخطاء العروضية وعيوب القافية، وعليك أن تعتاد على ذلك فأغلب من يكتبون المهرجانات على فطرتهم (...) الكلام عادي جدًا ومتداول على ألسنة الناس، نعم لا توجد جملة مبهرة أو مدهشة أو معفوقة صح زي ما بيقولوا، لكنه في كل الأحوال بيؤدي الغرض وبيوصل الرسالة أو الرسائل، وبيناسب رجل الشارع البسيط".
مهرجان لو كنت قدي انزل تحدي (الدخلاوية في أمريكا) فريق الأحلام. من ألبوم سكة الإدمان، 2017
وعلى الجانب الآخر ينتقد حسان بشدة عدة مهرجانات على الانحدار الفني والأخلاقي، رغم تأكيده على أنه ليس واعظًا أخلاقيًا وعنده مساحة للخروج على كل شيء، ولكن مثل هذه الموضوعات وطرق التعبير الفجة تجعل الناس تتخذ موقفًا من المهرجانات كلها، حتى بعض مغنيي المهرجانات استنكروها وقالوا إنها تسيء للمهرجانات.
كما يرصد ملامح في كلمات المهرجان تتحدد في الكلمات الطويلة جدًا التي تجمع بين المتناقضات والمواضيع الكثيرة بنقلات فجائية، وغالبًا ما يتم إدراج الإشادة بالفرقة وهجاء "الأخصام" بجانب الدخول في موضوعات اجتماعية واقتصادية وسياسية وتدور حول الرجولة والشهامة والجدعنة. وينصح الشعراء بالاستماع للأغاني الكلاسيكية المصرية لكي ينطبع عندهم الوزن، وأن يقرأوا لكبار الشعراء.
وينصح حسّان صناع المهرجانات أن يستمروا بولائهم لأصلهم الشعبي وأهل بيئتهم التي ساعدت على نجاحهم لأنهم يشبهونهم، وعدم الانجراف وراء متطلبات طبقة أخرى للنجاح في السوق، أو حرق أنفسهم في أفلام سيئة تستغل جماهيريتهم أو الشجارات الجانبية، ولا يعني ذلك الاستمرار في تقديم فنهم بنفس المستوى بل السعي لتطوير أنفسهم من حيث الكلمة أو اللحن والتدريب الصوتي، ربما من خلال التعاون مع شعراء وملحنين محترفين يلتقطون هذا الحس الشعبي، لأن هذا النجاح سينتهي كظاهرة، مثل العديد من الفرق التي نجح لها مهرجان واختفت بعدها لأنها لم تطور من نفسها، وكذلك يكون لديهم مستشارًا فنيًا يساعدهم على الاختيار.
لحاق بظاهرة شاكوش ومحمد رمضان
لم يلحق الكتاب برصد ظاهرة حسن شاكوش بسبب كتابته قبلها وتأخر نشره فترة، لكن الكاتب يشيد في الحوار بأغنية بنت الجيران ويقول "لا يوجد بها أي شيء جارح أو خادش للحياء بالعكس أغنية لطيفة جدًا، رغم الكلام الذي قيل إن اللحن مسروق من أغنية لحماقي، لكن بخصوص السطر الذي أحدث مشاكل "تسيبني أكره حياتي وسنيني وأشرب خمور وحشيش" فإذا رجعنا للأفلام المصرية القديمة، نجد البطل/ الشخصية الدرامية عندما تتركه حبيبته يذهب إلى البار ليسكر وهكذا، وحتى الجملة لا تدعو للخمور أو المخدرات بل هي تحذّر الحبيبة، للتعبير عن مأساة أن تتركه".
أما بخصوص محمد رمضان وما يقدمه من مهرجانات فقال حسان "ما يقدمه لم يلفت نظري، لم أعتبره جزء من الظاهرة لأنه ركب عليها ليستغل شعبيتها، وأعتقد أنه لن يبقى من هذه الأغاني شيئًا، ورأيي أن يُركز في التمثيل أفضل ويطور من نفسه ولا يكرر أخطائه".
كان هناك تساؤل حول إمكانية تطوير التجربة إذا شارك بها متخصصين مختلفين بين ناقد موسيقي أو باحث اجتماعي أو صنّاع مهرجانات، وهو يجيب على هذا في عرض الكتاب، "هذه إطلالة سريعة بتحاول تشوف الظاهرة عن قرب، وبتحاول تمسك في الحاجات الإيجابية اللي فيها، وتشاور في الوقت نفسه على الحاجات السلبية، ومن وجهة نظر الكاتب اللي هي مش نهائية ومش مقدسة، هو اجتهاد قد يخطئ وقد يصيب، المهم إن فيه حد حاول يقدم شيء ولو بسيط عن ظاهرة هو شايف إنها جديرة بالبحث والتأمل، مع الأخذ في الاعتبار إنها تحتاح إلى مزيد من الدراسات والأبحاث من المتخصصين عشان نعرف إحنا رايحين على فين بالظبط".
يسري حسان: شاعر وكاتب صحفي، يكتب صفحة تياترو في جريدة المساء ورئيس تحرير الجريدة سابقًا.
أصدر عدة دواوين شعرية منها: قبل نهاية المشهد، سبع خطايا، دنيا قديمة، قبل يناير، عن نفسي، زي ما تيجي.
له كتابان: خلطة شبرا، محسن الخياط مشعل القناديل.