لم تكن صفحة أشرف أيوب على فيسبوك التي اختار أن يلقب نفسه عليه بـ "المهموم"، هي النافذة الوحيدة للقيادي اليساري السيناوي للتعبير عن آرائه، فقد سبقها تاريخ طويل من العمل الميداني، وقبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي. استمر المهموم في التعبير عن رؤية التيار الاشتراكي في عموم القضايا الوطنية المصرية والمحلية في سيناء، قبل أن تداهم منزله في مدينة العريش قوة من الشرطة التي تتبع قسم ثان العريش الساعة الثانية صباحًا من يوم 4 أغسطس/ آب، لتعتقله هو ونجله شريف، الذي أُفرج عنه بعد أربعة أيام من الاحتجاز، ليبقى أشرف معتقلًا في مقر الأمن الوطني، بينما صودرت هواتف وجهاز لابتوب من المنزل.
خلال فترات النضال التي خاضها القيادي اليساري أشرف أيوب بداية من العام 1984 بتأسيس فرع لحزب التجمع في شمال سيناء للعمل تحت غطاء حزبي رسمي، قبل أن يستقيل منه مع رفاقه فيما بعد؛ أصدر صحيفة الحقيقة التي تعبر عن حال الحزب بالمحافظة وعرض القضايا المحلية، مع رفيقه المعتقل حاليًا أشرف الحفني، وأضافا للحزب نكهة خاصة في الاشتباك مع قضايا المواطنين والعمل الميداني، كما حرص أيوب على المشاركة بالكتابة لعدة صحف ومواقع إلكترونية يسارية منها الأهالي والتجمع والبديل والحوار المتمدن.
سيناء لم تتحرَّر بعد
من أبرز الشعارات التي خاض بها أيوب ورفاقه اليساريين في شمال سيناء نشاطاتهم: سيناء لم تتحرَّر بعد، معتبرًا أن التحرير من المفترض أن يشمل امتلاك كافة الحقوق الإنسانية ومن أهمها اعتراف الحكومة بملكية أهالي سيناء للأراضي والعقارات، ومحاربة الفساد والاستبداد.
كما رفع أشرف ورفيقه، المعتقل الثاني أيضًا، شعار: القدس قِبلة الجهاد، باعتبارها القضية المفصلية التي لا يجب أن تحيد عنها بوصلة النضال والمقاومة من أي فصيل سياسي أو صاحب مشروع مقاومة، ويعتبر أيوب من أشد الرافضين للتطبيع والاعتراف بإسرائيل، مبلورًا رؤية فكرية تحت اسم: سيناء التي نريد يلخص فيها رؤية تياره لشكل سيناء الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
برزت مواقف أيوب النضالية بعد أحداث تفجيرات طابا ونويبع ودهب وشرم الشيخ أعوام 2004 و2005 و2006، بعد حملات الاعتقال الواسعة التي طالت العديد من أبناء المحافظة، إذ بادر بنشر أخبار الاعتقالات ثم قرَّر مع رفاقه فتح مقر الحزب الذي كان يقع بشارع سوق المحاسنة في وسط العريش أمام أسر المعتقلين وغالبيتهم من السيدات والأطفال، وإطلاق مظاهرات احتجاجية للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، واستقبال ممثلي منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الداعمة للقضية.
لم تكن هذه هي الفعاليات الميدانية الوحيدة؛ إذ أطلق مع رفاقه المظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني في الانتفاضتين الأولى والثانية وخلال اعتداءات جيش الاحتلال الإسرائيلي المتكررة على قطاع غزة، واستقبال الوفود الدولية المساندة لحق الشعب الفلسطيني أثناء مرورهم بالعريش في طريقهم إلى قطاع غزة، وحضور الفعاليات والمؤتمرات السياسية في القاهرة والحديث عن رؤية أهل شمال سيناء، ورفض الحرب على العراق، وموقفه الرافض لتصدير الغاز إلى إسرائيل، ودعمه حركة كفاية التي ناهضت مشروع توريث الحكم لجمال مبارك، وتأسيسه اللجنة الشعبية لحقوق المواطن في سيناء، التي كانت جناحًا جبهويًا يضم عدة قوى سياسية مختلفة ومستقلين، لخوض جولات النضال في الشارع السيناوي.
ولأيوب حضور كبير في مجال العمل النقابي قبل أن يؤسس بنفسه نقابة المعلمين المستقلة بصفته مدرسًا، وكذلك موقفه الرافض للتنازل على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ورفضه صفقة القرن، ومشاركته المستمرة في حملات المطالبة بالإفراج عن معتقلي الرأي من كافة التيارات السياسية وذلك من خلال صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحظى بمصداقية كبيرة في أوساط أهالي المحافظة.
ولا ينسى أحد ممن عاصروا فترة ما بعد تفجيرات طابا 2004، مشهد تقدّم أيوب وحيدًا مسيرة لسيدات وأطفال المعتقلين في شارع 23 يوليو وسط العريش وصولًا إلى ميدان الرفاعي، وهو الموقع المفضل للتيار اليساري عند إطلاق الفعاليات الميدانية. تقدمه منفردًا هذه المسيرة كانت بهدف توفير نوع من الحماية وكسر لحاجز الخوف الذي ضرب المجتمع إثر كثافة الاعتقالات التي قُدرت حينها بحوالي ثلاثة آلاف في أسبوع واحد وفقًا لتقرير رصدته منظمة هيومن رايتس ووتش في 2005.
وخلال سنوات النضال السياسي استقبل أيوب العديد من قيادات اليسار المصرية وحقوق الانسان في منزله ومنهم القيادي مدحت الزاهد وكمال خليل وجورج إسحق وأحمد سيف الإسلام، وآخرين من رموز الفكر والسياسة، وأيد بشدّة كافة الفعاليات الجبهوية في قضايا الحريات، متجاوزًا السقف السياسي لحزب التجمع في ذلك الوقت، حتى أصبح منزله قِبلة لقيادات اليسار التي ترغب في الوصول للمحافظة، باعتباره هو المفتاح الرئيسي لشمال سيناء.
على مدار سنوات؛ أسس التيار اليساري في شمال سيناء لنفسه جذورًا عميقة من خلال حزب التجمع منذ الثمانينيات، معتمدًا على تقديم رؤى سياسية مغايرة في مجتمع يعتمد في حساباته السياسية على التشكيلات القبلية والعائلية، حتى ظهور التيارات الدينية وانتشارها في نفس الفترة، وامتد نشاطه وقتها إلى مدينتي الشيخ زويد ورفح.
وتحت مظلة أمانة حزب التجمع في العريش؛ اشتبك أيوب ورفاقه مع القضايا المجتمعية المحلية وكذلك القضايا الوطنية، كما خاضت كوادر من الحزب السباقات الانتخابية البرلمانية والمحليات، في ظروف مختلفة ما بين المشاركة أحيانًا وقرار المقاطعة أحيانًا أخرى.
الاستقالة بسبب "اجتماع عمر سليمان"
كانت ثورة 25 يناير حادثًا مفصليًا في تاريخ كوادر حزب التجمع في شمال سيناء، إذ شاركوا في أحداث الثورة واتخذوا قرارًا جماعيًا بالاستقالة من الحزب إثر موافقة قيادات الحزب المركزية في القاهرة على المشاركة في جلسة حوار تجمع القوى السياسية بممثل نظام مبارك، قائد جهاز المخابرات العامة في ذلك الوقت اللواء الراحل عمر سليمان، ما عجّل بقرار الاستقالة وتأسيس كيان سياسي جديد في شمال سيناء حمل اسم الحركة الثورية الاشتراكية (يناير) الذي توسع ليجمع عضويات من عدة محافظات.
يذكَر أن مجموعة من رموز التيار اليساري في شمال سيناء رهن الاحتجاز حاليًا ويواجهون اتهامات متنوعة مثل نشر أخبار كاذبة ومشاركة جماعة إرهابية وغيرها، وهما أيمن الرطيل وأشرف الحفني. واعتقل الرطيل بعد استدعائه لقسم شرطة بدعوى وجود قضية عادية، وبعد فترة اختفاء قسري ظهر في 19 فبراير/ شباط 2019 في القضية رقم 1739 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا، لتوجه له اتهامات منها مشاركة جماعة إرهابية واستخدام وسائل الاتصالات لترويج فكر هذه الجماعة.
واُعتقِل أشرف إبراهيم الحفني من منزله في 25 ديسمبر/ كانون الأول2019، ووجِه له اتهام نشر أخبار كاذبة بدون أدلة، وكان آخر بوست له على صفحته في فيسبوك: لماذا يجب ألا نعترف بإسرائيل؟، والثالث هو أيمن أيوب، شقيق أشرف الأكبر، والمعتقل منذ عام 2015.
وعلى نفس الخط السياسي المتأصل لدعم الحريات؛ كانت آخر تدوينات أيوب على صفحته في فيسبوك داعمة لرفيق النضال أشرف الحفني الذي يعاني وضعًا صحيًا مترديًا، خاصة مع تأثر قدرته على الإبصار بسبب تأخير العلاج وعدم تمكينه من إجراء جراحة في السجن، بخلاف تدوينات عديدة لدعم حريات المعتقلين من مختلف الأطياف.