في منتصف مارس/ أذار 2020، وكواحدة من محاولات احتواء الآثار الاقتصادية لفيروس كورونا بعد انتشاره في مصر، قررت وزارة القوى العاملة صرف منحة للعمالة غير المنتظمة، 500 جنيه تعينهم على ما آلت إليه أحوالهم إما جرّاء التسريح أو الحظر الذي جعل من التزام البيوت إجباريًا.
علمت نجوى*، الزوجة العشرينية الشابة باﻷمر، فبدأت سعيها للحصول على ألف جنيه مناصفة لكل من زوجها وأبيه؛ فكان جزاؤها الضرب. "عَلقة سخنة" جديدة تضاف لما كان يفعله بها زوجها حتى قبل كورونا، وزادت معدلاته الآن بصورة جعلته أشبه بروتين يومي لا تعانيه وحدها، بل وسيدات أخريات تصاعد ضدهن العنف كأحد تداعيات حظر كورونا، حسبما كشفت البلاغات التي تتلقاها منظمات حقوقية وما رصدته الأمم المتحدة مؤخرًا.
ضرب وتحريض
تعيش نجوى بعيدًا عن العاصمة، في محافظة الشرقية، حيث نمط مجتمعي لا يعرف الكثير عن حقوق المرأة ومنظماتها، ويعترف أكثر بما للزوج "الراجل" من حقوق على زوجته، ومن بينها تحمّل انفعالاته، لاسيما لو كان لديهما أطفال يدفعونها للتغاضي عن الإهانات "علشان تعيش".
يتكرر اعتداء زوج نجوى عليها كما تقول للمنصّة "آخر مرة كانت من حوالي أسبوعين، ضربني بالعصاية وهددني إنه هيربطني في الموتوسيكل بتاعه ويجرّني وراه في الشارع".
هددها الزوج بالسحل، لكن أقنعه والده بالتراجع حتى "لا يضيع مستقبله ويدخل السجن"، كما سمعت نجوى من حماها الذي كان موقفه بالنسبة لها ملتبسًا "سبب الضرب المرّة دي إن والده قال لي إن الحكومة بتصرف فلوس للناس اللي قعدوا من شغلهم بسبب كورونا، واداني بطاقته وبطاقة جوزي وقال لي أروح أقدم لهم، ورغم كده هو اللي حرّضه عليا".
التحريض لم يأت من والد الزوج وحده، بل ووالدته أيضًا "أمه بتحرّضه عليا، وكنت بسمعها وأنا في أوضتي بتقول له مابتسمعش كلامي ومابتساعدنيش، وبتقول وقائع ماحصلتش، وده كان بيخليه متعصب وبيتخانق معايا".
يلزم زوج نجوى البيت حاليًا، وهو الشاب الذي كان يعمل في السابق بالكويت، ومنها عاد للعمل في أحد فنادق القاهرة طاهيًا قبل أن يتركه ويعمل في قريته في كعامل يومية غير منتظم في مجال الزراعة.
"مش دايما بيلاقي حاجة يشتغلها"، تقول نجوى عن زوجها الذي كانت ردّة فعله عنيفة بمجرد أن علم بأمر الإعانة "كنت رايحة أقدم، لكن لحقني وخدني على البيت ودخلني أوضتنا وقفل علينا الباب وضربني بالعصاية لدرجة إن جسمي بقى لونه أزرق، وكمان حاول يخنقني بيها، وبعدها خرجني وحاول يربطني في الموتوسيكل ويجرني وراه في الشارع، لكن أبوه قال له هتودي نفسك في داهية".
بعد أيام من الواقعة وبالصدفة البحتة، علمت أسرة نجوى بما وقع لابنتهم؛ فلجأوا إلى حيلة لإنقاذها بدون أن يشعر الزوج "أهلي اتصلوا بيا، وقالوا لي إن أبويا مريض وعايز يشوفني، فاتصلوا بجوزي وبلغوه، فأخدت البنت ومشيت".
نفسية الصغيرة
"دي مش أول مرة يضربني، كان بيعمل ده كتير قبل كده" تقول نجوى مسترجعة ما تعرّضت له على مدار ما يقارب أربعة سنوات، هي عمر زيجتها التي تمت في يوليو/ تموز 2016.
طوال تلك السنوات القصيرة نسبيًا في عمر الزيجات، لاقت الشابة أنواعًا مختلفة من العنف الذي لم يراع فيه الزوج أي شيء "في مرة وأنا حامل، ربطني في شباك أوضتنا وضربني. والموضوع اتكرّر كتير بعد الولادة حتى قدام بنتي لدرجة أثرت عليها نفسيًا، هي دلوقتي عندها سنتين ولسه ماتكلمتش، وبقت عصبية وبتصرخ وبتخاف منه من كتر ما بتشوفني بتضرب".
والصغيرة كان لها من عنف الأب نصيب، ليس فقط بمشاهدة ما يقع للأم بل والتعرض له أيضًا "قبل كده ضربني، وأخد مني بنتي، كانت لسه صغيرة بترضع واضطروا يفطموها".
ومن هذه التجربة التي اكتوت فيها نجوى بنار البعد عن طفلتها، تعلّمت الآن سبلًا أكثر للحرص على أمانها والصغيرة؛ فصارت لا تخرج من بيت والدها إلاّ مع مُرافق لحمايتها والصغيرة من تكرار تجربة الاختطاف، كما أصبحت تتنقل بين منازل أفراد العائلة ولا تستقر في بيت واحد فقط حتى لا يعرف الزوج مكانها.
هربت الزوجة وقررت أن تتخذ إجراءاتها القانونية، ﻷنها لم تعد تحتمل العنف ضدها، خاصة وأن وتيرته ارتفعت الآن "مابقاش بيحب يقعد في البيت، أغلب الوقت مقضيه مع أصحابه، ولما بيرجع علشان الحظر ببقى عارفة إنه بنسبة كبيرة هيتخانق معايا ويضربني، وماكنتش بقول لأهلي، علشان عايزة أعيش علشان بنتي".
تحريض وإهانات أثرت على نجوى وطفلتها؛ فكان القرار النهائي هو الانفصال "مابقيتش قادرة استحمل، عملت محضر ضده وعملت كشف طبي أثبتت بيه ضرري، وحاليًا مكملة في إجراءات الطلاق رسمي".
خطوط ساخنة
ما تتعرض له نجوى وتزايد الآن، تتعرض له سيدات أخريات، بصورة انعكست على أداء المنظمات النسوية والحقوقية التي قررت التعامل أمام هذه اﻷزمة.
أحد هذه المنظمات هي مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، التي حافظت على مسار عملها رغم الحظر، حسبما ذكرت مديرتها انتصار السعيد بقولها "الخط الساخن شغال طول الوقت، لكن في الوقت الحالي وبالرغم من إن المحاكم والشهر العقاري واقفين حاليًا، إلا إننا مستمرين في تلقي الشكاوى من السيدات، لتقديم الدعم النفسي والقانوني".
وعلى الرغم من استمرار هذا الدعم إلاّ أن التفاوت الكمّي كان واضحًا فيما تتلقاه المؤسسة من شكاوى معنفات، وفقًا لما ذكرته السعيد لللمنصّة "لاحظنا إن المكالمات اتراجعت في اﻷسبوع اﻷول من الحظر، وبدأت تزيد يوم عن يوم وبقت بمعدل 3 لـ4 مكالمات، وحاليًا بنتلقى ما لا يقل عن 7 مكالمات، وبنتوقع إن لو اتطبق حظر كامل المكالمات دي هتزيد".
فسّرت الناشطة النسوية الأمر بقولها "اعتقد إن الناس في البداية كانوا مشغولين بالفيروس وخطره، وحاليًا بعد ما التزموا بالحظر في البيت بدأت مشاكلهم تظهر والناس بدأت تتكلم. والسبب التاني إننا بنتعامل مع فئات اجتماعية بمستوى مادي منخفض وعايشين في أماكن ضيقة، فصعب على الستات إنهم يتكلموا في التليفون ويشتكوا من غير ما حد يسمعهم".
يتفق تفسير السعيد مع ما ذكرته مقررة الأمم المتحدة المعنية بمكافحة العنف ضد المرأة، دوبرافكا سيمونوفيتش، في 27 مارس/ أذار الماضي من أن "الاتصال هاتفيًا لطلب المساعدة قد يكون خطرًا في سياق ظروف الحجز المنزلي الشائعة".
وبناءً على ذلك اﻷمر، طالبت سيمونوفيتش بتوفير خدمات المساعدة عبر الدردشات عبر الإنترنت وخدمات الرسائل النصية للضحايا، داعية الدول إلى "التوصل إلى حلول جديدة ومبتكرة" لدعم الضحايا.
تستقبل مؤسسة القاهرة، وفقًا للسعيد، ما بين 150 إلى 180 حالة شهريًا تلتمس المساعدة القانونية والنفسية، متوقعة أن يزداد هذا العدد بمجرد تمكّن النساء من الخروج من المنازل للحديث بأريحية أكثر.
ولحين بلوغ النساء هذه المرحلة، تنتظم المؤسسة في إجراءات الدعم ومنها تقديم النصائح الخاصة بالسلامة النفسية والجسدية للسيدات، وكذلك توصية الجهات المعنية باتخاذ تدابير استثنائية، من بينها "تجهيز البيوت الآمنة التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي لاستقبال الناجيات من العنف، وتدريب العاملات بهذه البيوت على كيفية التعامل معهن الناجيات، والتوسع في الإعلان عبر وسائل الإعلام المختلفة عن الخطوط الساخنة التابعة للجهات الحقوقية".
وفي الوقت الحالي، توجد عدّة خطوط ساخنة مخصصة لدعم السيدات المعنفات، ومنها التابع لجهات غير حكومية من بينها مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون ومركز قضايا المرأة المصرية، ومؤسسة نساء الأورومتوسط (يوروميد رايتس)، وكذلك التابع لجهات حكومية منها وحدة مكافحة العنف ضد النساء بوزارة الداخلية ووزارة التضامن الاجتماعي، والمجلس القومي للمرأة.
تواصلت المنصّة هاتفيًا وبرسائل نصيّة، مع المجلس القومي للمرأة وعدد من المسؤولات فيه للتعرف على ما ورد إليهم من شكاوى في فترة الحظر، والوقوف على طبيعتها، لكن دون ردّ حتى موعد نشر التقرير.
ظاهرة عالمية
ما تعرّضت له نجوى وما يرد للمراكز الحقوقية المصرية من شكاوى على خطوطها الساخنة، تعانيه سيدات أخريات سواء في مصر، ومنهن مَن تحدثت معهن المنصّة واكتفين باعتبار الحديث "فضفضة" وطلبن عدم نشرها خوفًا من تنكيل اﻷزواج بهن.
والعنف الذي يتعرضن له يتكرر مع غيرهن في مناطق مختلفة من العالم، وفقًا لهيئة للأمم المتحدة التي ذكرت في أحدث إحصائياتها الصادرة في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 (اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة)، أن ثلث نساء العالم يتعرضن للاعتداء الجسدي أو الجنسي خلال حياتهن، وأن "كثيرًا ما يُجبر المجتمع الضحية على الصمت؛ مما يؤدي لإفلات المعتدي من العقاب".
اﻷمم المتحدة هي نفسها الجهة التي حذّرت بعد انتشار فيروس كورونا من "الطفرة العالمية المروعة في العنف المنزلي ضد النساء والفتيات"، مشيرة إلى أنها "مرتبطة بحالات الإغلاق التي تفرضها الحكومات كنتيجة لجهود الاستجابة لجائحة كورونا"، ودلَّلت على ذلك بأن كل من لبنان وماليزيا، ومنذ بدء انتشار كورونا، شهدتا تضاعف عدد المكالمات على خطوط المساعدة (ضد العنف المنزلي) مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
في ذلك التحذير الذي أورده بيان منشور 5 أبريل/ نيسان 2020، أوصى اﻷمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش الحكومات باتخاذ عدّة إجراءات كان أبرزها "التأكد من استمرار مقاضاة المعتدين، وإعلان إدراج الملاجئ في فئة مرافق الخدمات أساسية، وإيجاد طرق آمنة للنساء لالتماس الدعم دون تنبيه المعتدين عليهن، وتجنّب إطلاق سراح المدانين بالعنف ضد المرأة، وتكثيف حملات التوعية التي تستهدف الرجال والفتيان".
على المستوى المحلي، ومثل جوتيريش، كان أيضًا من بين توصيات مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون "إعداد خطة تعاون مشترك ما بين وزارة الداخلية والمجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للأمومة والطفولة في التصدي للعنف المنزلي في ظل الأزمة الراهنة، وتوفير خدمات الدردشة الفورية للدعم النفسي للناجيات من العنف، وخدمة الرسائل الفورية مع تحديد الموقع الجغرافي من قبل وحدة مناهضة العنف ضد النساء بوزارة الداخلية".
* اسم مستعار بناءً على طلب المصدر.