الثورات المنتصرة هي تلك التي تصل إلى الحكم وتستولي على السلطة وتنفذ برنامجها الثوري، هذا ما حدث مع الثورة الشيوعية في روسيا 1917، والثورة الإسلامية فى إيران 1979، لكن ثورات مصر الثلاث فى تاريخها الحديث والمعاصر (الثورة العرابية، 1919، 25 يناير) لم تستطع الوصول للسلطة بصورة نهائية، فالثورة العرابية وصلت للحكم ونفذت بعض الإصلاحات، وثورة 1919 حصلت على استقلال شكلي لمصر ولم تستطع البقاء في الحكم، وثورة 25 يناير لم تصل للسلطة، ولكن هذه الثورات المهزومة استطاعت تغيير الوعي الاجتماعي والثقافي للشعب المصري.
في التل الكبير
هزمت قوات بريطانيا العظمى الجيش المصري في معركة التل الكبير، وتم القبض على أحمد عرابي ورفاقه، وعقدت محكمة قررت نفيهم إلى سرنديب (سريلانكا) وهرب عبد الله النديم إلى قرى الدلتا وقضى سنوات هاربًا بمساعدة الأهالي والمخلصين من عمد وأعيان الريف، لكن هذا لم يقتل روح الثورة في قلوب الفلاحين والعربان والموظفين وصغار الملاك، ورغم عودة الخديو توفيق من الإسكندرية في حماية القوات البريطانية، واستعادته سلطاته وتسليمه مصر للتاج البريطاني، إلا أن الثورة ظلت حية في نفوس الجماهير التي رأت في عرابي ورفاقه قادة وطنيين قادرين على إعادة ميزان العدل إلى صورته الطبيعية، بعد سنوات من القهر والظلم ونهب الممتلكات والتسخير في أراضي الخديو وأمراء العائلة المالكة، أو في مشروعات الميري مثل مد خطوط السكة الحديد وحفر الترع وحفر قناة السويس.
وإذا كانت الثورة العرابية نجحت في الوصول للسلطة وشكلت حكومة ثورية، وطبقت بعض الإجراءات والقرارات لصالح الجماهير، إلا أنها لم تستطع الاحتفاظ بهذه السلطة، لأنها لم تعدم أو تسجن الخديو توفيق، ولم تمنعه من السفر إلى الاسكندرية، فسافر واحتمى بالأسطول البريطاني، ولكن رغم هذا كله، قدمت حكومة العرابيين برئاسة محمود سامي البارودي برنامجًا تقدميًا تمثل في إلغاء السخرة، والقضاء على احتكار البشوات لمياه النيل وتحكمهم فيها، وحماية الفلاحين من المرابين اليونانيين، وإصلاح النظام القضائي الفاسد، وإلغاءالرق، وكفالة حق التعليم للرجال والنساء، وكفالة حرية الانتخابات للبرلمان الجديد.
إلغاء الرق
ومن أهم هذه الآثار، قرار إلغاء الرق، فقد كانت الدول الأوروبية تنادي بإلغاء العبودية، لكن البشوات المصريون لم يلتزموا بهذا التوجه، رغم أن الخديو إسماعيل استدان الملايين وارتمى في أحضان بيوت المال الأوروبية، وأجرى تحديثات تحت شعار"تحويل مصر إلى قطعة من أوروبا"، لكنها كانت محاولات تحديث في الشكل بعيدًا عن جوهر العلاقات الاجتماعية الراسخة، فاستدان وجعل الفلاحين الفقراء يتحملون آثار هذه الديون، لكنه لم يجرؤ على تجريم الرق أو تجارة الرقيق، لأنه لم يكن صاحب فكر تقدمي إنساني حقيقي، لكن أحمد عرابي، الفلاح الشرقاوى العسكري، كان جادًا في إلغاء الرق وجعل هذا الهدف من أولويات الوزارة الثورية، التي تولى فيها منصب وزير الجهادية، وعندما زادت الدعاية المضادة للثورة وقالت في خطابها إن العرابيين مسلمين والإسلام يبيح تجارة الرقيق، قال عرابي لصحف تلك الفترة وفي جلساته الخاصة ورسائله إلى ألفريد بلنت الإنجليزي المدافع عن العرابيين ومحامي عرابي فيما بعد:
"إن الذين يملكون العبيد ويرغبون في استمرار الرق هم الأمراء والبشوات والأغنياء وحدهم، وهم من تناضل حركة الفلاحين من أجل التخلص من تسلطهم، إن مبادىء الحرية والإصلاح تقضي بأن الناس جميعًا متساوون بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العقيدة وأن استمرار الرق يتنافى تمامًا مع هذه المبادئ".
برنامج ثوري
لم يكتف العرابيون بإصدار البرنامج الخاص بالحكومة الثورية، بل بدأوا حملة جماهيرية دعوا من خلالها الشعب إلى تكوين جمعية الأحرار السودانيين، وكان الهدف من وراء إنشاءها مساعدة الأرقاء المحررين حديثًا على الاندماج في المجتمع، وتغيير النظرة السائدة التي كانت ترى في هؤلاء مجرد أدوات وظيفتها العمل في أراضي وقصور السادة أصحاب الأطيان من شركس وأتراك ومصريين.
وألغت الحكومة الثورية السخرة، لأن الفلاحين كانوا يعملون في المشروعات الحكومية وأراضي الأمراء أفراد بدون أجر، وبدون توفير الحد الأدنى من الطعام أو الرعاية الصحية، وفي ظروف عمل قاسية، كان الكرباج هو أداة تسخير الفلاحين، وكان القتل والسجن هو عقاب الفلاح الذى يهرب من رجال الإدارة أو الباشا الذين يتولون حشد الفلاحين من القرى والعِزب والكفور والنجوع إلى مناطق العمل.
منع الكرباج
وكان القرار الأكثر إنسانية هو إلغاء استخدام الكرباج بصورة نهائية، ومثَّل انتصارًا معنويًا للفلاحين الذين قاسوا الهوان والذل منذ أن تولى الباشا محمد علي حكم البلاد، وهو الذي شرَّع الاعتداء البدني والضرب والتعذيب، واعتبره أداة رسمية لإجبار الفلاحين على دفع الضرائب المقررة عليهم، وبمرور السنوات أصبح الكرباج أحد أدوات السلطة، وكان مُلاَّك الأراضي يستخدمونه في قهر الفلاحين بصورة يومية.
ولما اتخذت حكومة الثورة هذه الإجراءات، شعر الفلاحون أن بإمكانهم استكمال مسيرة التحرر من القهر، فوقعت مواجهات بينهم وبين المرابين الأجانب وهاجموا بيوت هؤلاء الذين جاءوا من بلدان أوربا وهم لا يملكون شبرًا واحدًا من الأرض واستطاعوا الاستفادة من نظام الامتيازات الممنوحة للأجانب ونظام "المحاكم المختلطة"، وكونوا الثروات من التعويضات التى صدرت بها الأحكام من المحاكم المختلطة ودفعتها لهم الحكومة المصرية، وأصبحوا يقرضون الفلاحين الأموال بفوائد عالية، وفي حالة عجز الفلاحين عن الدفع تصبح الأرض في حيازة هؤلاء المرابين.
ويصف سليم نقاش، أحد مؤرخي الثورة العرابية حالة تمرد الفلاحين بقوله "كان الفلاحون يذهبون إلى الأجنبي ويقولون له: أخرج من البلاد كما جئتها، وكان أصحاب الأراضي يزدادون خوفًا، فانقطع الكثيرون منهم عن الذهاب إلى أراضيهم ولزموا منازلهم".
مولد فكرة الجمهورية والمواطنة
فكرة الجمهورية لم تكن جديدة على المصريين، بل كانت هناك محاولة سابقة قام بها شيخ العرب همام بن يوسف، شيخ قبائل هوارةـ الذي شكل مجلسًا من الأعيان والفلاحين والعربان، وحكم به الصعيد الأعلى لمدة ثلاث سنوات، انتهت بهزيمته أمام قوات علي بك الكبير، وموته ودفنه في قرية قبلي قامولا بمحافظة الأقصر، وهذه المحاولة ذكرها رفاعة الطهطاوي في كتابه المشهور تخليص الإبريز في تلخيص باريز، فقال إن الحكم في فرنسا هو حكم الجمهور الذي يشبه الحكم الذى ابتدعه همام بن يوسف.
لكن ثوار الثورة العرابية أحيوا هذه الفكرة ثانية، ورفعوا شعار مصر للمصريين، بعدما أصبحت لغير المصريين، مملوكة أومرهونة لعدة أطراف: عائلة محمد علي الحاكمة، والأوربيون بموجب الأموال التي استدانها الخديو إسماعيل، والامتيازات الأجنبية التى جعلت الأجنبي الأوروبي يملك الأرض والعقار بحماية من سفارة بلده الموجودة في القاهرة، والأتراك والشركس، وهم الطبقة التي امتلكت البلاد منذ عصور المماليك، ورسخها العثمانيون ، فأصبحت الدولة المصرية مملوكة لهم، جيشًا وإدارة، ولهذا فكر العرابيون في خلع أسرة محمد علي، وإعلان حكم الجمهورية.
وكانت هذه الفكرة أحد أسباب تحالف السلطان العثماني مع الدول الأوربية، وإصداره بيان يعلن فيه "عصيان عرابي" ورفاقه، وهو الأمر الذى كان له دور مهم في هزيمة الثورة، فقدكان الشعب، آنذاك، يربط بين السلطان العثماني ومعنى "أميرالمؤمنين" أو "خليفة المسلمين"، فلما صدرالبيان انحسرت شعبية الثوار وانفض عنهم قطاع كبير من المؤمنين بحق الخليفة في الولاية على المسلمين، وفكرة الجمهورية كانت من ضمن افكار عرابي الأساسية حسب قول صديقه ومحاميه فيما بعد ألفريد بلنت.
"منذ البداية كان عرابي ينادي بالمساواة بين الطبقات وباحترام الفلاح باعتباره العنصر الرئيس في القومية المصرية، وكان إيمان عرابى بالفلاح هو الشيء الأساسي الذى يميزه عن بقية المنادين بالإصلاح في عصره. إن حركة عرابي في جوهرها حركة قومية وشعبية".
مفردات جديدة
ويمكن القول إن الثورة العرابية رغم هزيمتها السياسية إلا أنها استطاعت تغيير وعي الشعب المصري واستحداث مفاهيم كانت غائبة عنه، واستبدال علاقات المجتمع القديمة بعلاقات أخرى حديثة، فهي التي رفعت شعار مصر للمصريين، الذي يشمل معنى "الحكم الوطني الديمقراطي"، فحكم مصر لابد أن يكون ديمقراطيًا ووطنيًا في آنٍ واحد، حتى تصبح ثرواتها لشعبها، ومن أولى الخطوات التي اتخذها الحزب الوطني الأهلي (القائد والمحرك للثورة) النص على مبدأ التعددية والمساواة في الحقوق والواجبات بين المصريين باختلاف عقائدهم "الحزب الوطني حزب سياسي مؤلف من رجال مختلفي الاعتقاد والمذاهب وجميع النصارى واليهود، ومن يحرث أرض مصر ويتكلم لغتها ينضم إلى هذا الحزب".
وكانت الثورة العرابية هي المسؤولة عن تحويل الفرد الذائب في القطيع إلى مواطن من حقه أن يحمل السلاح ويدافع عن وطنه وحقوقه، ولهذا فشلت المفاوضات بين عرابي والسلطان العثماني، بعدما حاول السلطان إغراء عرابي بكرسي الخديوية مقابل الإبقاء على تبعية مصر للإمبراطورية العثمانية، ورفض عرابي العرض السلطاني، لأن الوطنية المصرية لدى العرابيين كانت الحلم والهدف، ومن بعدها تأتي الأممية الإسلامية، وبهذا الفهم لمعنى الوطنية اجتذبت الثورة العرابية القبائل البدوية التي كانت تعيش على أطراف وادى النيل، ولم تكن تربطهم بفلاحي الوادى غير علاقة السلب والنهب، رغم أن محمد علي وأولاده من بعده أقطعوا شيوخ هذه القبائل إقطاعات واسعة بهدف كسب ولائهم، لكن فقراء البدو كانوا مستبعدين باعتبارهم أنفارًا، لايملكون غير الانصياع لقرارات شيوخ قبائلهم، وكانت المواجهات العسكرية بين الجيش المصري والجيش البريطاني، الفرصة المواتية لضم البدو إلى الجماعة الوطنية المصري".
وننقل عن الدكتورة لطيفة سالم ما أوردته بخصوص اشتراك العربان في الدفاع عن الوطن أثناء المعارك الحربية بين الجيش المصري والجيش البريطاني؛ "رأى قادة الثورة العرابية وخاصة عرابي، إمكانية الاستعانة بالبدو عقب قيام الحرب، فصدرت الأوامر إلى المديريات بالتنبيه على جميع العربان الذين في إمكانهم استخدام السلاح بأن يتوجهوا للخط الشرقي، كما عين لهم مأمورًا وأرسل مدير قنا إلى عرابي يبلغه "بحضورنا، إلى القصير، حسب أوامر الجهادية صار ترتيب الغفر اللازم من عربان العبابدة والعزايزة على ثماني وأربعين نقطة مهمة، منها ثلاثين نقطة على البحر الأحمر من سفاجة حتى برنيس".
الخلاصة أن الثورة العرابية، المهزومة سياسيًا، رسَّخت مفاهيمَ جديدة في عقول الشعب المصري والنخب المثقفة فيه، فهى التي بلورت مفاهيم المواطنة والوطنية والحكم الديمقراطي، وحق المرأة في التعليم والمشاركة في الحياة العامة ورفع الظلم الواقع عليها، والثورة العرابية هى التى أكدت على حقوق الأقليات في الدفاع عن الوطن والتمتع بخيراته، وكانت سبَّاقة في الدعوة إلى تحرير مصر من سيطرة الخليفة العثماني.
ثورة الشعب في 1919
جاء شهر مارس/ أذار من العام 1919 ليجد في دم الشهيدة شفيقة بنت محمد، المقيمة في حى السيدة زينب الشعبي، الوقود الكافي لإشعال فتيل الثورة، إلى جانب الحركة الطلابية وإضراب العمال والموظفين آنذاك.
منذ اللحظة الأولى التى دق فيها سعد زغلول ناقوس الحركة الوطنية، برز اتحاد المسلمين والأقباط بروزًا غطى على كل مظهر سواه، ففي المظاهرات كان علماء الأزهر وقساوسة الأقباط يسيرون في مقدمة العديد من المظاهرات، ورغم ذلك لم تكن ثورة 1919 دينية، بل كانت ثورة وطنية شعارها الدين لله والوطن للجميع، وهو ذاته شعار مصر للمصريين الذي رفعته الثورة العرابية، ولا عجب لأن زعيم ثورة 1919 كان في شبابه واحدًا من شبان الثورة العرابية، وزخم الثورة الوليدة جعله يتحمل النفي مرتين ويسافر ويتحرك بطول البلاد وعرضها، لأنه وجد فيها تحقيقًا للحلم الذى عاش تفاصيله في شبابه، وكان أيامها يسمى الشيخ سعد زغلول، فهو أزهري ومحرر بجريدة الوقائع المصرية، واحترف حرفة المحاماة وجلس على منصة القضاء.
استقلال منقوص ودستور
استطاع زغلول أن يوحد الأمة المصرية ويشكل قيادة للثورة، ويحصل على استقلال منقوص بموجب تصريح 28 فبراير 1922 الذي اعترفت فيه بريطانيا بمصر دولة مستقلة، ولكن مع تدخلات بريطانية أهمها إدارة السودان وتأمين المصالح الأجنبية وشبكة المواصلات البريطانية، وهو ما رفضه الوفد حينها، وإن كان حقق له إمكانية كتابة دستور للبلاد، فكان دستور 1923، ثم إجراء أول انتخابات نيابية فاز فيها الثوار بزعامة سعد زغلول.
سيدات الوفد
وإذا كان الوفد (حزب الثورة) لم يستطع الوصول للحكم بالصورة التى تمناها، إلا أن المرأة المصرية حصلت على حق العمل والالتحاق بالمدارس والجامعة، وحصلت على حق التنظيم العلني فتأسس الاتحاد النسائي المصري من قلب لجنة سيدات الوفد المركزية، التي تشكلت في الأيام الأولى للثورة، وصدرت في مصر الصحف النسائية، وتشكلت الأحزاب النسائية أيضًا، وتم تعديل قوانين الأحوال الشخصية، واقتحمت المرأة مجال المسرح والسينما، ممثلة ومخرجة ومنتجة، وحصلت على مواقع وظيفية متقدمة.
بالنسبة لملف النهضة الاقتصادية، ظهرت سبع عشرة شركة تحمل اسم مصر، أسسها الاقتصادي طلعت حرب، من أشهرها مصر للغزل والنسيج، ومصر للتمثيل والسينما، ومصر للطيران، ومصر للبترول، وكلها يرعاها بنك مصر، وهذه الشركات نقلت قطاعات عريضة من الفلاحين إلى صفوف الطبقة العاملة، وظهر من قلبها قيادات نقابية كان لها دورها المؤثر في الكفاح الوطني ضد الاحتلال والبرجوازية المرتبطة به في أربعينيات القرن الماضي، حتى وقوع العدوان الثلاثي في عام 1956.
وفي مجالات الفنون، تجلت الشخصية الإبداعية المصرية، فازدهر فن النحت على يدي محمود مختار المثال المشهور، وهو صاحب تمثال نهضة مصر الموجود بالقرب من جامعة القاهرة، وازدهر الإنتاج الأدبي، وتحول ستوديو مصر إلى معهد لتخريح الكوادر السينمائية في مجالات التصوير والديكور والإخراج، وفيه تخرج مخرجون كبار، مثل أحمد بدرخان وصلاح أبو سيف وكمال الشيخ وكمال سليم، وفي الموسيقى والغناء ولد من رحم الثورة مشروع سيد درويش القائم على التخلي عن التطريب التركي لصالح التعبير المصري، والتواصل مع الموسيقى الشعبية التي أبدعها المصريون في الأحياء الشعبية والقرى والسواحل والصحاري والنوبة، فتخلص الذوق المصرى من الهيمنة التركية التي ضاغطته منذ سقوط مصر في أيدى "سليم الأول "في العام 1517
وازدهرت الصحافة بازدهار السياسة وزادت مساحة الدور الذي تؤديه الجامعة المصرية، واتسعت مساحة التفكير العلمي، وانحسر الفكر السلفي وانفتح المجتمع على أوروبا دون نسيان للهوية الوطنية، وجاءت انتفاضة الطلبة في عام 1935 لتكون مقدمة لمعاهدة 1936 التي غيّرت التركيبة الطبقية للجيش المصري وجعلته وطنيًا يضم في صفوفه أبناء الموظفين والفلاحين والملاك الصغار، ولم يعد فيه العنصر التركي أوالشركسي، كما كان عليه الوضع في زمن الثورة العرابية.
منجزات ثورة 25 يناير
يبدو العنوان مثيرًا للأسى والسخرية المرّة، وهذا صحيح ومقبول، في الوقت الراهن،ولكن بقليل من التفكير في اندلاع الثورة وقتها، سنجد أن الأمر كان أشبه بمعجزة سياسية، حدثت في الشارع المصري بعد أن نسي المصريون كلمة "ثورة "، وبعد أن نجح مبارك في خلق مقايضة بغيضة "اللقمة مقابل السكوت"، وأكل المصريون "اللقمة "وسكتوا عنه ثلاثين عامًا، لكنهم في النهاية ثاروا وغضبوا وجعلوه "عبرة"، فكان أول حاكم في تاريخ مصر الممتد لآلاف السنين يوضع في "قفص" ويتمارض كما يفعل الموظف البليد، بغرض استدرار العطف والتهرب من العقاب، وصدر ضده حكم من محكمة النقض يثبت فساده، والثورة بهذه الخطوة غير المسبوقة تكون قد حطمت نموذج الحاكم الديكتاتور، تحطيمًا تامًا.
كسر تابو الدولة البوليسية
واستطاعت ثورة 25 يناير أن تكسر تابو "الدولة البوليسية " في ست ساعات، ولعل هذا الذي حدث في 28 يناير 2011 هو ما جعل المشير طنطاوي يقول لضباط الشرطة في حفل تخريج الدفعة الجديدة "اللى حصل لكم ده، هوه اللى حصل للجيش في 5 يونيو 67"وبالطبع لم يكن المشير يقصد المقارنة بين ما فعلته اسرائيل بالجيش المصري وما فعله الشعب الثائر بالشرطة المباركية، لكن النتيجة واحدة هي "الهزيمة"، وكانت تلك خطوة جبارة جعلت الدولة البوليسية تراجع نفسها وتتراجع وتلزم حدودها الطبيعية، ولو لفترة، ومن منجزات ثورة 25 يناير اللجان الشعبية، التي حفظت أمن البلادلمدة 15يومًا كاملة كانت من أسعدأيام المصريين.
خلاصة القول؛ قد تفشل الثورات في الوصول إلى السلطة، لكنها تنجح في تهيئة العقول والقلوب للثورات القادمة، بمعنى آخر، كل ثورة تهزم، هي سماد يخصب الأرض التي تحمل بذور الثورة القادمة.
المراجع:
1ـ الأساس الاجتماعى للثورة العرابية، رفعت السعيد
2ـ مذكرات هدى شعراوي
3ـ القوى الاجتماعية في الثورة العرابية، دكتورة لطيفة سالم
4ـ مذكرات فخري عبدالنور
5ـ التاريخ السري لاحتلال إنجلترا مصر، ألفريد بلنت
6ـ المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية، طارق البشري