في عام 1938، نشر المستشرق البريطاني الشاب آنذاك جيمس هيوارث دَن، مقالة شائقة بعنوان "مختارات من نداءات الباعة المتجولين في القاهرة" [A Selection of Cairo's Street Cries (Referring to Vegetables, Fruit, Flowers and Food)] جمع فيها عينة من نداءات البائعة المتجولين في شوارع القاهرة الصاخبة.
كانت العاصمة المصرية آنذاك، تنطلق في سرعة محمومة لتكون أكبر مدن الشرق، بعدد سكان يتجاوز المليون نسمة، ونشاط اقتصادي تلمح فيه ازدهارًا، علاوة على فضاء عمراني على الطراز الغربي يتسع باطراد.
جمع هيوارث دَن (James Heyworth-Dunne)، بعد عناء على ما يبدو، عينة طويلة ومتنوعة من النداءات، بلغت 165 نداءً، ثم حللها وصنفها واستفاض في شرح بعضها وبحث ما يمكن أن تعبر عنه من دلالات اجتماعية وثقافية ونشرها في هذا المقال الرائد.
وأسلوب الكتابة في المقال، يتسم بروح أكاديمية، يُضفر فيه المؤلف بين الأساليب الوصفية والتحليلية. ويدمج ملاحظات من العمل الميداني مع تحليل لغوي وطرح أفكار عن السياق التاريخي، ورؤى ثقافية في محاولة لفهم العلاقة المعقدة بين اللغة والتجارة والثقافة في بيئة حضرية مثل القاهرة.
تشمل القائمة نداءات وتعبيرات مثل "أحسن من اللوز يا نابت"، و"سلامات من الغيبة يا عنب"، و"جبرت" والبطيخ الذي "على السكين"، و"يا عيني على جلابك يا نايح"، علاوة على اتخاذ الموز معيارًا للحكم على جودة غيره من أنواع الفاكهة، والسطوة التي تتمتع بها الفراخ الفيومي، والأهم هو التقدير البالغ من الباعة والأهالي للفاكهة والخضروات المزروعة محليًا والمرويه بماء النيل.
عن جيمس هيوارث دَن
لجيمس هيوارث دَن James Heyworth-Dunne، الذي احتلت حياته ثلاثة أرباع القرن العشرين، حيث ولد في 1904 وتوفي في 1974، سيرة حياة فكرية وغير فكرية متوهجة. فهو لم يكن مستشرقًا عاديًا، وإنما باحث عدّه البعض من أكثر المستشرقين عناية ودراية بالعربية الفصحى، وكذلك بالعامية المصرية.
إضافة إلى ذلك، تمتع بمعرفة لافتة بالفارسية والتركية والأردية. عاش في مصر طويلًا، وتردد إلى الأزهر طالبًا للعلم، أشهر إسلامه، واتصل بأبرز معالم النهضة الفكرية في مصر في ذلك الوقت. كما مد جسور العلاقة مع وجوه متنوعة في الحياة السياسة المصرية، لا سيما في الحركات السياسية الإسلامية، فتعرف إلى الشيخ حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، ومد جسور التعارف مع الناقد الأدبي والاجتماعي ثم المفكر الإسلامي سيد قطب. وهناك كلام يطول، وتختلط فيه الحقيقة بالمبالغة، عن علاقته بالمخابرات البريطانية ومؤامرتها في مصر والمشرق العربي.
عُرف عنه نشاطه الفكري المتسع والمتنوع، تحليلًا وبحثًا وكتابًة وتحقيقًا. وكان من أبرز مؤلفاته عمله الرائد بالإنجليزية عن تاريخ التعليم في مصر الحديثة الذي صدرت طبعته الأولى عام 1939.
وفي القاهرة، أصدر بعض كتبه المحققة، التي لم ينل بعضها رضا بعض كبار المحققين المصريين والعرب، ككتاب أخبار الراضي بالله والمتقي لله، الذي صدر في 1935 عن مطبعة ذاع صيتها قبل نحو قرن من الزمان في مصر وهي مطبعة الصاوي.
أهدى دَن كتابه المُحَقق إلى صديقه ومرشده مصطفى بك رفعت، أحد قضاة الاستئناف في مصر، الذي خاطبه قائلًا "إلى من فتق لساني بالعربية، وغمرني بروحها، وملأ إحساسي بعظمتها وإكبارها، وفتن روحي بجمالها، وغذاني برائع أدبها، ورصين عبارتها". وهذا الاقتباس قد يشير إلى مدى تمكن هيوارث دَن من فصيح العربية، أما قائمة نداءات الباعة فتعد خير دليل على تمكنه من معرفة أسرار العامية القاهرية.
كتب دَن ونشر أبحاث عدّة في مجلة الجمعية الملكية الآسيوية، ونشرة مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية التي ترجمت عنها هذا المقال.
نداءات الباعة
والمقال على اختصاره، مفيد للغاية في التعرف إلى أحوال القاهرة وعاداتها الاقتصادية والاجتماعية قبل مئة عام. ففي شوارع العاصمة الخالدة المعروفة بضجيجها وصخبها، تتشكل سيمفونية من الأصوات، يعبر كل منها عن قصة ما للحياة اليومية. ووسط هذا الصخب الصوتي، يجد الكاتب ضالته في فك رموز نداءات بائعي الشوارع. صيحات مميزة ترفد بدورها هذا الجانب النابض بالحياة من ثقافة القاهرة الحضرية.
من مكانه الجالس على المقهى، يتحدث الكاتب عن الزبون الذي يستوعب نداءات الباعة كوسيلة إعلانية، فُيعرض عليه تشكيلة متنوعة من المنتجات تتراوح بين المألوف والاستثنائي. ومن هذه التشكيلة يركز هيوارث دَن تركيزًا خاصًا على نداءات الباعة المتعلقة بالخضروات والفواكه والطعام عامة، ويعمل على تحليل خصائصها اللغوية والثقافية.
ينادي الباعة المتجولون على بضاعتهم مستخدمين صياغات لغوية غالبًا ما تكون شعرية وغنية بالرمزية، وتعمل هذه الوصفات اللغوية المبدعة الغنية بجماليات العامية القاهرية كأدوات للإقناع، كي تلتقط انتباه الزبائن المحتملين. من هذا استخدام كلمات دالة على النضارة والحلاوة والتفوق كـ المستوية والرُّطب والحلوة والطازة والصابح والعال والمعدن.
كما يستخدم الباعة المقارنات البلاغية والتشبيهات واللغة المبتكرة لوصف خصائص المنتجات المعروضة. هنا يتجلى إبداع الباعة في مقارناتهم، إذ إنهم يشبهون بضاعتهم بمنتجات تحظى بالتقدير الكبير؛ الموز مقياسًا لجودة الفواكه الأخرى، والحمص معيارًا للوفرة، والتين معادلاً للعسل في مذاقه.
بالإضافة إلى ذلك، يشرح المقال نداءات بعينها، مقدمًا رؤى حول أسماء المنتجات وأصولها والمشاعر التي تستدعيها عند سماع النداء الخاص بها.
تتميز نداءات الباعة أيضًا بحضور طاغ لعناصر دينية وثقافية بارزة. يستحضر الباعة الله والنبي والأولياء في نداءاتهم، طلبًا للمدد والبركة. يشرح المقال معاني هذه الاستدعاءات، مظهرًا التفاعل المعقد بين المعتقدات الروحانية والتجارة اليومية.
لدى قراءة مقال هيوارث دَن، نتلمس الأدوار الحاسمة التي لعبها هؤلاء الباعة في تشكيل هوية المدينة النابضة، حيث لا تزال نداءاتهم إلى اليوم شاهدة على تاريخ القاهرة الغني وحاضرها المتجدد.
ملاحظة يسيرة
هذه ترجمة لمعظم المقال المكون من ثلاث عشْرة صفحة. سيجد القارئ بعض الشروحات التي كتبها هيوارث دَن للقارئ الإنجليزي، وهي ملاحظات ربما تكون بديهية للقارئ الذي يألف العامية القاهرية. لكني رأيت أنها شروح لا بأس بها، وربما يكون فيها بعض الفائدة. لم أترجم الجزء الأخير في المقال، وفيه يرصد المؤلف طريقة كتابة الكلمات وأسلوب التهجئة بالعربية، وهو ما رأيت أنه غير مفيد للقارئ العربي [لكن رابط المقال موجود هنا لمن أراد الرجوع للأصل].
كتبت اسم المؤلف كما ضبطه هو في نصوصه المحققة "جيمس هيوارث دَن". سيجد القارئ اسمه في مصادر منها كالأعلام للزركلي مكتوبًا هكذا "جيمس هيوارث دون". ومع أنها ترجمة قصيرة لكنها أرهقتني بعض الشيء، وعاونني على إتمامها تعليقات غاية في الفائدة وتصويبات تلقيتها من سالي طلال وعاطف عثمان وسلمى أنور.
ترجمة المقال
قد تكون القاهرة واحدة من أكثر المدن صخبًا في العالم، ولكنها، مع صخبها هذا، مدينة مسلية وممتعة إذا حاولنا تمييز بعض الأصوات المألوفة للغاية في شوارعها، حيث تعج الطرق الرئيسية بباعة جائلين من كل صنف ولون. يجلس المرء في المقهى، تُعرض عليه مجموعة متنوعة وغير عادية من سلع تشمل دبابيس الشعر والبرتقال والنرجس والموز وورق الصنفرة ومضرب الذباب والنقانق والسروج، فضلًا عن أحدث الروايات الصادرة بالفرنسية والعربية، ونسخ من كتب لتفسير القرآن والأحاديث النبوية، وإطارات السيارات وبودرة البراغيث.
يتجول البائع مناديًا بعبارة أو بعبارات، غالبًا بنبرة منغمة، وفي مرات أخرى بالصياح. وغالبًا ما يصعب تمييز الكلمات، حتى أن الأهالي أنفسهم قد لا يتعرفون في كل الأوقات إلى ما يقوله البائع، لكنهم قادرون على معرفة ما يبيعه من النغمة المصاحبة للنداء.
ارتفع عدد الباعة المتجولين ارتفاعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة نظرًا لتفاقم مشكلة البطالة، ووفرة المعروض من سلع بعينها في السوق. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن النظام الاقتصادي والاجتماعي عزز وجود الباعة المتجولين. من الناحية الاقتصادية، لطالما كانت هذه واحدة من الطرق المتعارف عليها لبيع البضائع، إذ إن المتاجر الحديثة لم تكن منتشرة سابقًا وغالبًا ما كانت الأسواق بعيدة عن مناطق سكنية بعينها.
ومن الناحية الاقتصادية، توفر طريقة البيع هذه في الشوارع والأزقة راحة كبيرة لا سيما للنساء من الأسر الفقيرة اللاتي لا يستطعن تحمل تكلفة توظيف خدم من الرجال وإرسالهم للتسوق. لا يعد ذهاب النساء إلى السوق بأنفسهن أمرًا متوافقًا مع مقتضيات الاحترام، لكن البائع المتجول يخفف عنهن قدرًا كبيرًا من المشقة من هذه الناحية. فأثناء مرور الباعة، بالقرب من منازلهن يذكرهن بأصناف الفواكه والخضروات المتاحة خلال كل موسم، ما يتيح لهن فرصة ملائمة للفصال في السعر.
شكلت الحواري والأزقة في الأحياء الشعبية الخالصة المحيط الملائم لالتقاط نداءات الباعة ومن ثم اختيار القائمة الآتية من النداءات. ولغرض هذه المقالة ركزت فقط على النداءات المتعلقة بالخضروات والفواكه وغيرها من الأطعمة. والترجمات الواردة ليست حرفية، إذ وُضعت بعض كلمات بين قوسين للمساعدة في نقل المعنى المقصود إن شابه قدر من الغموض. فيما يلي بعض الملاحظات التي قد تساعد في فهم طبيعة وخصائص هذه النداءات:
إحدى الخصائص الفريدة لهذه النداءات هو إغفال اسم السلعة ذاتها في بعض الأحيان. تتجلى هذه الخاصية في جميع الأمثلة لنداءات بيع المشمش وكذلك في بعض نداءات بيع التمر والبطيخ.
عندما ينادي الباعة لجذب زبائنهم إلى ما يعرضونه من الفواكه والخضروات، فإنهم يستخدمون كلمات تصف نضج البضاعة وحلاوة طعمها: مثل الاستواء (المستوية) والنَّيه والرُّطب والحلوة والسكر والمسكَّرة وما شابه من صفات.
وفي حالة الفاكهة والخضروات، تستخدم صفات تعبر عن النضج والمذاق الحلو، على سبيل المثال: استوا، نية، رطب، حلو، سكر، مسكرة وغيرها. كما أن الطزاجة صفة أخرى يراها البائع المتجول ضرورية لترويج بضاعته فيستعمل صفات مثل: طازة، صابح، جديدة، وما شابه. أما تميُز البضاعة فيعبر عنه البائع بصفات من قبيل: عال، معدن، جيد، وغيرها.
تماشيًا مع روح اللغات السامية، فالصفات البسيطة ليست الوسيلة الرئيسية للوصف؛ فحين يريد الباعة تأكيد جودة بضاعتهم، يلجؤون إلى عقد مقارنات، بعضها يبدو متكلفًا للغاية. الموز، على سبيل المثال، فاكهة شهية بشكل خاص لدى المصريين، فلا عجب إذن أن تسمع البائع يشير إلى الجوافة والمانجو والبطيخ والبطاطا بأنها "موز". فالموز إذن هو معيار قياس الجودة. فإذا كان ينادي على الجوافة أو أيًّا ما كان باعتبارها تضارع الموز في حلاوتها فلا بد أنها جوافة فاخرة في رأي البائع المتجول المصري.
أما الحمص فيُقارن بالتمر ليس لمذاقه الحلو، ولكن لوفرته. يُقارن الخيار غالبًا مع الفاصوليا بسبب الحجم، فالأهالي يفضلون الخضروات والفاكهة صغيرة الحجم، إذ أن ذلك دليل على أنها مزروعة محليًا وأنها طازجة وأحلى من المستورد.
وتُقارن التمور والجميز بالكمثرى بسبب مذاقها الحلو، ويشار إلى التين والجميز في كثير من الأحيان على أن لهما حلاوة العسل، إذ يُشبه التين بجرار العسل، وفي حالة الجميز، يُنادي باعته أنهم بائعو عسل.
كثيرًا ما تُشبه الطماطم بالورد لاحمرار لونها، وتُشبه بالرمان بسبب حجمها. وبالإضافة إلى العسل، تُستخدم المربى والسكر أيضًا للمقارنة، إذ يُروج للتين والبطيخ والفواكه الأخرى على أن لها صفات هذه السلع.
ومن أكثر النداءات إمتاعًا تلك التي تقارن فيها التمور، على سبيل المثال، بلحم الضأن، والفستق الحلبي، والهليون، بالطيور، ومقارنة كيزان الذرة المحمصة بالدجاج المشوي على أساس لذة الطعم. بالإضافة إلى ذلك، يُقارن النابت ونواة التمر والمشمش باللوز، وهو نوع مكسرات مفضل لدى المصريين. ويطلق على عيدان قصب السكر ببساطة نبوت الغفير في إشارة إلى ضخامته. بعض الأطعمة طرية وسهلة المضغ حتى لمن فقد أسنانه، في حين أنه لا مثيل لجودة الخضروات أو الفاكهة المروية بماء النيل.
هناك طريقة أخرى للإشارة إلى البضائع المعروضة للبيع وهي ذكر مكان نشأتها أو نموها، فتشتهر الفيوم بدواجنها. إذ تُحدث الفراخ الفيومي في نفس المصري التأثير ذاته الذي تحدثه فراخ مدينة سوراي في الإنجليز Surrey chicken، ويحظى عدس الصعيد بتقدير كبير، فيما تشتهر الروضة والجزيرة بالفجل والخس، ومنفلوط بالرمان، ويافا بالبرتقال والبطيخ، وباسوس بالبطيخ، وإمبابة بالترمس، والأناضول بالليمون، وسميرنا (مدينة يونانية) بالعنب والتفاح، على الرغم من ازدياد شعبية التفاح الأمريكي.
وتشتهر رشيد بثومها وملحها، وإبريم وجرجا والرملة بتمورها، والمنيل بخياره واليمن بقهوته. وعادة ما يطلق اسم الرومي (الأوروبي) على أي سلعة لم تُزرع أو تُنتج محليًا.
تنتقى بعض السلع لفوائدها الصحية الاستثنائية. تستخدم كلمة شفا كاختصار لهذا النوع من الترويج، وهذه كلمة ترتبط عادة بمشروبات مثل الشاي والسحلب وعرق السوس وماء الشعير والرجلة والحلبة. بالإضافة إلى ذلك، فالاستخدامات الطبية المتنوعة للحلبة والنعناع والثوم معترف بها على نطاق واسع في الثقافات الشرقية.
لبعض الباعة طرق غريبة في إقناع الناس بجودة بضاعتهم، حتى أن بائع البيض مستعد أن يكسر قشرة البيضة لإثبات نضارتها. وبالمثل، فبائع البطيخ على استعداد للتضحية ببطيخة "على السكين"، أي بقطع شريحة كبيرة من الثمرة ليفحصها المشتري المحتمل من الداخل.
سمة أخرى لهذه النداءات هي طلب المدد من الله والنبي والأولياء الصالحين. ينادي بائع الترمس والفاصوليا على ولي إمبابة طالبًا المدد. ينادي السقا وغيره: يعوض الله، والقصد أنه يبيع بالخسارة وأن الله سيعوضه عنها. و"الصلاة على النبي" دعاء شائع. و"يبعت" بمعنى أن الله سيرسل الزبائن. أما "تفرج" فتعني حرفيًا الارتياح وأن القادم أفضل.
أما "يا جابر" فهو تعبير صعب على الفهم إلى حد ما. إنه يشير إلى الله، ووفقًا للتفسير الذي قدمه الأهالي أنفسهم، فالمعني "أعانني الله على بيع بضاعتي سريعًا". ويستعمل البائع كلمة "جبرت" إذا باع بالفعل كل بضاعته.
كما أن هناك النداء الشائع جبرت "اللي يصلي على النبي يكسب". يُظهر البائع المصري خيالًا غنيًا وقدرة فائقة على التعبير. وفرة في الأفكار التعبيرية. فهو ينادي على بضاعته مستخدمًا نفس عبارات التحية والوداع كما يفعل مع أصدقائه، على ما يظهر في النداء "سلامات من الغيبة يا عنب" (رقم 56 من قائمة النداءات)، والنداء "الوداع يا أمهات" (رقم 32).
و"يا عيني" مصطلح شائع للتعبير عن الدهشة والاستحسان والشفقة، كما في النداء "يا عيني على جلابك يا نايح" (رقم 24). ومن أفضل طرق الترويج التي سمعتهما عن النضج في النِدَاءَين "يا اللي الهوا رماك يا ناعم" (رقم 2).
والنداء "اللي استوى وطلب الأكالة" (رقم 4). أما النداء "لا سوسة ولا ناموسة، خد العروسة يا قصب" (رقم 151) فيمثل مزيجًا مثاليًا من الإيقاع والتشبيه. ونسمع بائع الحلوى ينادي "عيط لأمك يا واد"، و"بقرش تعالى واشتري الحلاوة مني".
إضافة إلى ذلك، كثيرًا ما تستخدم عبارة "يا بلاش"، فهي واحدة من أكثر النداءات شيوعًا للتعبير عن رخص السلعة. أما "يا" التي تظهر كثيرًا في النداءات فهي بمعنى "يوجد هنا".
تتطلب بعض الأسماء المذكورة في النداءات تفسيرًا. في النداء رقم 12 "القطايف البيضا القطايف"، والقطايف نوع من الفطائر المحشوة بالمكسرات المطحونة والمطبوخة في الزبدة الساخنة والمحلاة بالشَربات. وتُعرف أيضًا باسم كيمك قطايف إذ أن هذه الوصفة تركية.
أما الغُريبة الواردة في النداء "نواعم يا غُريبة" (رقم 13) فهي كعكة بيضاء مستديرة، ذات مذاق حلو، في وسطها لوز، وهي أحد نوعي الكعك الذي يُعد تقليديًا ويأكله المسلمون في شهر رمضان وفي العيد وبعده. أما الصنف الثاني فيسمى الكحك، ومن هنا جاء المثل "بعد العيد ما ينفتل له كحك"، ومعناه "عندما يتعين القيام بأمر ما، فيجب أن يكون في الوقت المناسب".
في النداء "المربه العال يا سماني" (رقم 36) تُكتب مربى بثلاث طرق: مربه ومربا ومربى. أما الذرة الواردة في النداء "يا دره قلي الصواني" (رقم 78) فتُكتب بطريقتين: دره، ودرا.
والعجمية في "عجمية يا تين" (رقم 49) هي نوع من العجينة السميكة المصنوعة من العسل وتستخدم لحشو الكحك (انظر الملاحظة على النداء 13). الكنافة هي حلوى مصنوعة من الدقيق والسكر، والمنتج النهائي يبدو كما لو أنه مصنوع من شعيرية رفيعة جدًا. ويشتهر السوريون بكنافتهم المميزة.
والنابت في النداء "أحسن من اللوز يا نابت" (رقم 103) كلمة تستخدم للإشارة إلى الفول المسلوق (فول نابت)، وهي وصفة معروفة على نطاق واسع في مصر، ويقدم الحساء "ماية نابت" (ماء النابت) لمن يتعافون من مرض.
وكلمة مليسي في النداء "مليسي يا رمان" (رقم 121) فتُستخدم بديلًا عن إمليسي. والتعبير الوارد في النداء "بطينه ولا غسيل البرك" (رقم 137) يشيع استخدامه كمَثل ويشير إلى تفضيل الشيء في شكله الأصلي أو غير المزخرف بدلاً من تغييره وتزويقه. أما تلج في النداء "بالتلج يا حران" [رقم 143] فتنطق أيضًا تِلج أو تلك. وغزل البنات في النداء "غزل البنات، سكر نبات" (رقم 147) نوع من الحلوى المصنوعة من خيوط رفيعة جدًا ومعناها الحرفي "ما تغزله البنات".