سبع تكنيكات نفسية للبروفيسور يمكن استخدامها أثناء الحجر الصحي

في بداية المسلسل الإسباني La Casa de Papel، تقدم لنا طوكيو البروفيسور باعتباره "ملاكها الحارس"، ومع توالي حلقات المسلسل الذي يقترب موعد بث موسمه الرابع على شبكة نتفليكس، سنعرف جيدًا أن لهذا اللقب ما يبرره. 

تميز البروفيسور، الذي قاد فريقًا من بضعة أشخاص احتلوا دار سك العملة في إسبانيا واحتجزوا موظفين وزوارًا كرهائن، بقدرة فريدة على استشراف المستقبل، وتوقع ردات فعل الشرطة كلها، في عملية اعتبرها مقاومة للنظام العالمي كان لديه عمر كامل للتخطيط لها. 

ولضمان نجاح مهمته اتبع البروفيسور عدة تكنيكات ساعدته على ذلك، تبدو مفيدة بذاتها في تعاملنا اليوم مع حالة الحجر الصحي المفروضة على كثير منّا بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد.

تشير بعض الآراء المتداولة عالميًا إلى ظهور الفيروس يهدد شكل النظام العالمي الجديد والرأسمالية الجشعة، لذا سنحاول استلهام أدوات البروفيسور لمقاومة ساعات الحجر الصحي الاختياري بسبب فيروس كورونا المستجد، مسترشدين بخلاصة البحوث العلمية التي اجريت على الحجر الصحي في مجال الصحة النفسية.

التكنيك الأول: كسب الوقت

منذ اللحظة الأولى كانت خطة البروفيسور هي كسب الوقت لتوفير وسيلة خروج آمن لأفراد عصابته، وهو نفس ما ذهبت إليه منظمة الصحة العالمية، بدعوتها لاحتواء المرض وحصره خلال فترة حضانة الفيروس داخل أجساد حامليه والتي تصل في حدها الأقصى إلى 14 يومًا، لذا أصبح البقاء بالمنزل هو أحد الاختيارات الأكثر أمنًا لتجاوز فترة الأزمة.

ولكن هذا العزل، سواء كان اختياريًا أو مفروضًا كما في بعض الدول، لا يخلو من مخاطر على الصحة النفسية لذلك سنشير إلى أفضل الممارسات للتعامل مع هذه الظروف الصعبة.

التكنيك الثاني: التعامل مع التوقعات

امتلك البروفيسور تصورًا كاملًا للسيناريوهات المتوقعة، ولذلك كانت مرونة خطته هي الضامن الرئيسي لنجاحها، لأن جميع أفراد فريقه كانوا يتوقعون جميع السيناريوهات المحتملة، لم تكن هناك مفاجآت أو أمور خارج السيطرة.

وعلى المستوى النفسي، تضمن مناقشة الضغوط المتوقعة أن يبقى الأفراد فى حالة من التكاتف فيما بينهم، مهما بلغت الصعوبات التى يواجهونها، إلى جانب استمرار شعور الأفراد بقدرتهم على إدارة الأمور والسيطرة عليها.

وقد وضعت الجمعية الأمريكية لعلم النفس، قائمة طويلة من مصادر الضغوط والاجهاد النفسي المتوقع خلال فترات الحجر الصحي وهى:

• قلة الأنشطة المتاحة داخل المنزل.
• ضعف التواصل الاجتماعي.
• الضغوط المالية.
• اضطرابات النوم.
• الشعور بالخوف والقلق.
• المزاج الحزين والغضب.
• الوصمة في حالة الاصابة الفعلية بفيروس كورونا.

بحيث أنه يمكن التحدث عنها بحرية مع أفراد الأسرة مسبقا، وأنها إن حدثت فهي طبيعية ومتوقعة، وأن الأمور لم تفلت منهم وستكون لفترة مؤقتة وتنتهي، حتى أنه يمكننا تذكير الفرد نفسه في حالة مروره ببعضها، بأن "ما تمر به طبيعي ومتوقع وسبق وتحدثنا عنه".

التكنيك الثالث: الخطة المسبقة وتوزيع المهام

وزع البروفيسور الأدوار منذ البداية؛ برلين لقيادة العملية، وريو للأعمال التقنية، وموسكو للأعمال البدنية. وكانت الخطة تفصيلية بحيث يكون لكل شخص دور، فيعرف متى عليه فعل ماذا.

لذلك، فمن أهم الأولويات عند بدء هذا العزل وجود أدوار محددة لكل فرد من أفراد الأسرة بدءًا من الأطفال انتهاءً بالجد والجدة، إلى جانب وجود اجتماع يومي بين جميع أفراد الأسرة لمناقشة أي أمور قد تستجد.

التكنيك الرابع: الروتين اليومي

تواجد عدد من الأشخاص سويًا في مكان مغلق لفترة طويلة يتطلب توافر حد أدنى من الرعاية "لأننا جميعا شركاء" كما كان البروفيسور يردد طوال الوقت.

لذلك فإن الروتين الصحي اليومي يساعد الأفراد على الشعور بالنظام والراحة، خاصة مع فئتي كبار السن والأطفال. يجب أن يتضمن ذلك نومًا هادئًا لمدة ثمان ساعات، وتناول ثلاث وجبات مناسبة وممارسة قدر معتدل من الأنشطة الحركية، وتعلم التزام الهدوء من خلال التفكير الايجابي، وتمرين التنفس* الذي بدوره يساعد على الاسترخاء والصفاء الذهني، وهو ينفد كالتالي.

• اجلس بشكل مريح فى مكان مناسب.
• ادفع بطنك إلى الخارج تدريجيًا.
• خذ نفسًا عميقًا من الأنف ببطء مواكبًا حركة البطن للخارج.
• احتفظ بالاوكسجين قليلًا.
• ادفع بطنك إلى الداخل تدريجيًا.
• الزفير بقوة من الفم مواكبًا حركة البطن للداخل.
• كرر الخطوات السابقة.
• تذكر أن تركز ذهنيا على حركة التنفس.

التكنيك الخامس: تجنب الوحدة

إذا هاجم ضبع قطيعًا من الغزلان فمؤكد أنه لن ينجح في اصطياد أحد، ولكنه إذا هاجم غزالًا وحيدًا فسيكون موته محتومًا، لذا كان البروفيسور يصر على أن يكون هناك تواصل دائم بين المجموعة حتى أنه اطلق على مكالمته مع الفريق "مكالمة الأمان".

على المستوى النفسي، احتياج الونس والقرب والعلاقات الحقيقة احتياج أصيل في النفس الإنسانية، فالونس يساعد الفرد، خاصة إذا تحدث مع المقربين منه عن مشاعره.

بحسب إحدى الدراسات فإن 20% من البشر يعانون من شعور بالتعاسة نتيجة لـ"عزلتهم الاجتماعية"، وبين هؤلاء المنعزلين توجد نسبة أقل يعانون الشعور بالوحدة المستمرة أو المزمنة.

وفي حالات العزل الذاتي داخل المنازل، يمكن توظيف وسائل التواصل الاجتماعي والهاتف للتحدث يوميًا مع الأصدقاء والأقارب والزملاء.

كما يمكنني الونس باكتشاف مستويات روحانية جديدة، فيما يتعلق بالعلاقة مع الله. يركز الكثيرون -على اختلاف الديانات - على جوانب العبادات والطقوس على حساب الجوانب الروحية، لذا يأتي التركيز على الروحانيات كحجر زاوية في إعادة بناء علاقتنا مع الله، وذلك من خلال عدد من السلوكيات التي تساعدنا في اكتشاف وتجديد تلك الجوانب، مثل التأمل اليومي في الحياة والطبيعة، المناجاة والحديث مع الله كأننا نراه، الدعاء والتسبيح، العطاء، تعلم الهدوء الذاتي والسكينة، وكذلك يمكن الاستعانة بالعبادات اليومية.

التكنيك السادس: إعادة امتلاك الأوقات السعيدة والذكريات

رغم تصاعد الموقف بداخل دار سك العملة والتوتر الناجم عنه، لم يكف البروفيسور عن الاستمتاع بموسيقاه، مثلما كان الرقص والمرح بين أعضاء الفريق، أثناء فترة تدريبهم، طقسًا أساسيًا يحدث بشكل دوري. 

فالطفل الداخلي** هو أحد مكونات شخصياتنا وهو المسؤول عن الأجزاء الحيوية بداخلنا. لذا سيكون من الهام التواصل معه من خلال استرجاع الأحداث والذكريات ومشاهدة الصور العائلية وخلق ذاكرة جماعية لتفاصيل المواقف التي مر بها الفرد مع أسرته، مما سيساعدنا على تخطى المزاج السيئ.

من المفيد أيضا تناول الأطعمة والحلويات المرتبطة بمرحلة الطفولة أو بذكريات سعيدة كالفشار، الأيس كريم، غزل البنات، الشيكولاته وغيرها.

كما تعد قوائم الأنشطة من الأجزاء الهامة فى التواصل مع الطفل الكامن بداخلنا، إذ يمكن لكل فرد وضع قائمة أنشطة متنوعة وفق إمكانياته وقدراته، كالقراءة والتعلم عبر منصات عن بعد، مشاهدة الأفلام والمسلسلات والقنوات الوثائقية، الاستماع للموسيقي والكتب الصوتية، الرسم والتلوين، الألعاب الجماعية والسودوكو، عمل مأكولات جديدة، إعادة اكتشاف "كراكيب المنزل".

التكنيك السابع: الوقت الشخصي والمناخ الصحي

الفروق الفردية بين شخصيات مجموعة البروفيسور هي ما جعلته يسمح لهم بمساحة شخصية داخل دار سك العملة، فعلى المستوى النفسي وجود وقت خاص هو احتياج أساسي لكل فرد، بشرط ألا ينعزل عن الأسرة لوقت زائد.

ولضمان المناخ الصحى كان البروفيسور واضحًا في وضع قاعدة "لا تستقبلوا أخبارًا سوى من مصدر واحد" فكل دقيقة تقريبا ينشر كم ضخم من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى جانب البيانات والتقارير الصحفية، لذا يجب تجنب الغرق في بحر المعلومات والشائعات لأنها تسبب ارتفاع معدلات القلق والهلع، فيمكن الاكتفاء بمتابعة مصدرين مختلفين للأخبار على الأكثر.

العطاء والتطوع كأدوات لزيادة المناخ الصحي

قامت استكهولم بدور قوى فى حماية الفريق دون أن يطلب منها شيء، وقد يبدو ذلك لأول وهلة سلوكًا متهورًا بدون جدوى أو مقابل. إلا أن سياق المسلسل يثبت أن هذه القفزة المتهورة ستؤدى إلى تغيير كبير في حياتها.

وهو نفس ما تذهب إليه الدراسات الحديثة من أن الإيثار والعطاء ينشطان دوائر عصبية تسبب الشعور بالبهجة والسلام النفسي وأن حالة البهجة مهارة يمكن تعلم خلقها، ومن أهم مكونات هذه المهارة القدرة على العطاء والمنح.

ويقصد بالعطاء والتطوع أن يقوم الفرد باستخدام ادواته المتاحة، كالوقت أو المهارات والموارد الشخصية أو وسائل التواصل الاجتماعي، للفائدة المجتمعية دون أن يشكّل ذلك عبئًا إضافيًا على الشخص.

علامات الخطر

وضع البروفيسور عددًا من القواعد والعلامات طالما لم يتجاوزها أحد فالأمور ستسير على ما يرام، ونفس الأمر ينطبق على المستوى النفسي فهناك مجموعة من العلامات يمكننا أن نطلق عليها علامات الخطر.

تشمل هذه الحالات السلوكيات انعزالية شديدة، والإهمال في العادات الصحية وبخاصة الأكل والنوم، وسيطرة مشاعر شديدة من الخوف واليأس على الشخص، والأفكار قهرية والملحة حول صعوبة الحياة بالشكل الحالي. في هذه الحالات يكون ضروريًا البحث عن خدمات الدعم والعلاج النفسي عن بعد.

ويمكن أيضا الاستعانة ببعض تطبيقات الهواتف الذكية التي تقدم تمارين اليقظة والاسترخاء، على سبيل المثال PTSD Coach  هو تطبيق مجاني تم تطويره من جانب عدة مراكز متخصصة لتيسير الوصول إلى موارد التوافق النفسي عن بعد.

---

مصادر

* مجموعات الدعم النفسي، دليل الميسر، تأليف أحمد الله مصطفى، منظمة أطباء العالم – مكتب مصر2019.

**  Games People Play- Eric Berne from: http://rrt2.neostrada.pl/mioduszewska/course_2653_reading_3.pdf