ثماني سنوات. هذا ما تطلّبه الأمر كي تتاح لي مشاهدة السلسلة التلفزيونية الأمريكية ذي واير بصورة لائقة، بين عامي 2002 و2008، عُرضت في الولايات المتحدة الأمريكية ملحمة ديفيد سيمون الاجتماعية حول مدينة بالتيمور، لم يكن هناك سبيل أمام الراغبين في مشاهدتها، من خارج الولايات المتحدة، سوى انتظار صدور الـ DVD الخاص بها.
صدرت السلسلة على دي في دي عام 2010، وكانت مشاهدتي لها سببًا حاسمًا، من بين أسباب أخرى، في التحوّل من اعتبار السرد التلفزيوني مجرد أداة تسلية وأخذه على محمل الجد.
مسلسلات مثل ذي سوبرانوز (1999-2007)، وذي واير، وبريكينج باد (2008-2013)، وماد مِن (2007-2015)، أسهمت تدريجيًا في إعطاء ثقل للسرد التلفزيوني.
لكن مع دخول الإنترنت في معادلة الفُرجة وتوفّر منصات البث المباشر أصبح العصر الذهبي للتلفزيون، كما صار يطلق عليه في الأدبيات الأمريكية، ظاهرة عالمية أيضًا.
خلال السنوات العشر الماضية، أصبح سرد القصص المسلسلة تلفزيونيًا جزءًا لا يتجزأ من ثقافة البوب والحياة اليومية.
اليوم، صار لدينا ثقافة تلفزيونية، ومعرفة الشخص وإلمامه بها تعتبر ميزة ذات شأن في عصر لا تتأنى سرعته ولا تتوقف مستجداته عن الحدوث.
بطبيعة الحال، ليس ذلك التطور مقطوع الصلة بما انطبعت به حياة الناس منذ أن صارت المسلسلات جزءًا أصيلًا من كل "حديث صغير" تقريبًا، وأصبحت الإنتاجات التلفزيونية نفسها أكوادًا وأبوابًا تشرح وتخبر الكثير عن متعاطيها ومتابعيها.
أنت ما تشاهده، ليس مجازًا ولا مبالغة، بل حقيقة واقعة تنطق بها صداقات هيّأتها المشاهدات التلفزيونية، وعلاقات رعتها الفرجة الجماعية المكثفة، وأواصر شيّدتها تعليقات المهتمين في أوقات الفوران الإنترنتي خلال عروض لإنتاجات واسعة المشاهدة وقادرة على صنع الترِند.
على مدار السنوات العشر الماضية غيَّر المسلسل التلفزيوني نفسه بسبب تغير تجربة الفرجة نفسها، اكتشفت شركات البث المباشر إمكانية التسلّح بانتاجها الخاص كشيء يميزها عن المنافسين، ثم استخدمتها لاستهداف مجموعات معينة كمشتركين محتملين.
نمت الميزانيات المخصصة لاقتناء ما يسمّى بـ"المحتوى" بشكل هائل، وكذلك عدد السلاسل التلفزيونية، كما تغيّرت طريقة صناعتها واستهلاكها؛ هنا ست ملاحظات على ذلك.
قنبلة الموسم
لم يكن هناك أبدا حلٌ وسط مع "صراع العروش"، واحدة من أغلى القصص التلفزيونية تكلفة، والأكثر مشاهدة والأكثر قرصنة.
ليس هناك إنتاج آخر يمكن الاستدلال به لرؤية السرعة المتزايدة التي اجتاحت سوق السلاسل التلفزيونية على مدار السنوات العشر الماضية بقدر هذه السلسلة. فلم يكد ينتهي موسمها الأول، حتى صارت GoT تجربة مجتمعية، أعادت التلفزيون لموقعه من جديد في الوعي الجمعي.
لم يعد المتابعون يجتمعون أمام شاشة التلفزيون بصحبة مشروبهم وتساليهم كما في أيام "سيكس آند ذي سيتي"، لكن بدلًا من ذلك شاركوا آرائهم حول الحلقة الحالية من السلسلة على مواقع التواصل الاجتماعي.
في الوقت نفسه، تفوَّق النقاد على أنفسهم في تقديم تحليلاتهم لعقائد القوة في مملكة ويستروس وقارنوها بالتشابك السياسي الحالي.
كانت GoT واحدة من قائمة سلاسل قصيرة للغاية أفردت لها المساحات في جرائد مرموقة خارج العالم الأنجلوساكسوني لتقديم نقد لحلقات السلسلة بشكل خاص.
شعبيتها المتزايدة أدت رفع ميزانيات كلفتها، زادت ميزانيات الإنتاج التي منحتها شبكة HBO لصناع جيم أوف ثرونز بشكل كبير، في المواسم من الأول إلى الخامس، سُمح لهم بإنفاق حوالي ستة ملايين دولار أمريكي في الحلقة الواحدة، وبداية من الموسم السادس سُمح لهم بإنفاق عشرة ملايين دولار أمريكي لكل حلقة، وفي آخر المواسم، حصلوا على أكثر من 15 مليون دولار أمريكي، لكل حلقة.
عوالم السلسلة الخيالية المنفذة بالكمبيوتر، والتنانين التي تطير فوقها، وجيوش المجاميع، والموتى الأحياء، كلّفت الكثير من الأموال.
كان للمصروفات المالية أيضًا عواقب جمالية، إذ تعتبر الحلقة الملحمية من الموسم السادس، المعروفة باسم معركة أولاد الزنا Battle of the Bastards، فيلمًا خاصًا بذاته.
مع هذه الحلقة، قام ديفيد بينوف ودي بي وايس، مبتكرو السلسلة، بالوصول أخيرًا بالقصّ التلفزيوني إلى المستوى السينمائي، وبالتالي، ارتفعت التوقعات بالنسبة لمعظم السلاسل الأخرى إلى مستوى مثالي. والنتيجة؛ متفرج مترقب لإنتاجات تلفزيونية تتنافس في ما بينها لتقديم ما يفوق أسلافها.
البطلات القويات
إلى جانب ملكة التنانين دنيرس تاريجريان، ربما كانت كاري ماثيسون بطلة هوملاند أبرز بطلة تلفزيونية في العقد المنقضي.
عُينت ماثيسون المصابة باضطراب ثنائي القطب، ضابطًا في وكالة المخابرات المركزية، لمراقبة نيكولاس برودي، عضو الكونجرس الأمريكي، ورقيب متقاعد في المدفعية البحرية الأمريكية، تم إنقاذه بواسطة قوة دلتا بعد احتجازه من قبل تنظيم القاعدة كأسير حرب لمدة ثماني سنوات.
ومع حبكة السلسلة القائمة على اعتقاد الضابطة بأن برودي تحوّل بواسطة العدو وأصبح الآن يمثل تهديدًا لأمريكا؛ يسهل توقُّع فرضية وقوع المرأة في حبّ الرجل المكلفة برقابته.
وبعيدًا عن سلبيات كثيرة للسلسلة الأمريكية المقتبسة عن أخرى إسرائيلية من تأليف جدعون راف، في تصويرها للعرب والمسلمين، يصمد إنجاز كلير دينس كما لعبت دور كاري، في إعادة تعريفها للمرأة المندوبة عقليًا على شاشة التلفزيون.
نفس الأمر يمكن إيجاده في السلسلة الدنماركية السويدية ذي بريدج، التي بدأت عرضها في وقت متزامن، أو السلسلة الأمريكية القصيرة ذي هونوربل ومان أو دراما التحقيقات البريطانية ذي فال أو دراما النيوزيلندية، جان كامبيون، توب أوف ذي ليك.
بهجة التعرّف في هؤلاء النساء على صورة بديلة لنمط الرجال الأقوياء السائد سابقًا، يمحو الاحتفاء بها حقيقة اكتسابهم تلك السطوة تدريجيًا بسبب شحّهم العاطفي بالأساس. بعبارة أخرى، أي بتخلّيهم عن محدد رئيسي للشخصية الأنثوية كما عرّفها التلفزيون ككائن عاطفي بالأساس.
كان اضطراب ثنائي القطب أو متلازمة أسبرجر، أو على الأقل تجربة إساءة جنسية، من الشروط المسبقة للبطلة الأنثى في ذلك الوقت، دنيرس نفسها كان عليها أيضًا السماح لنفسها بالاستغلال الجنسي لعدة حلقات، قبل أن يُسمح لها أخيرا باعتلاء التنين.
ثم جاءت لينا دنهام مثل لفحة هواء مربك. مع جيرلز (2012-2017)، حددت دنهام نقطة مضادة لصورة المحققات القويات المتألمات وكذلك فاشونستات سيتي آند ذي سيكس.
كانت شخصية هانا هورفاث، التي اخترعتها دنهام لبطولة سلسلتها، أول بطلة تلفزيونية أمريكية لا تتفق مع مُثُل الجمال الكلاسيكية.
على الجانب الآخر من المحيط، كانت المملكة المتحدة أكثر جرأة في هذا الصدد، قدّم لنا العقد التلفزيوني الأخير بطلات بريطانيات من الصعب نسيانهن؛ لعبت سارة لانكشاير إحداها في هابي فالي (منذ 2014)، وأوليفيا كولمان لعبت واحدة في برودتشيرش (2013-2017).
أما ذروة انتفاضة البطلات التلفزيونيات فجاءت أيضًا من بريطانيا حين اخترعت فويبي والير بريدجز بطلتها فليباج التي تحمل نفس اسم سلسلتها الرائعة، وهي شخصية تلخّص بشكل ملائم توق العلاقات المعاصرة وإخفاقاتها.
في النتيجة، أُسند إلى المؤلفة والممثلة الشابة مهمة المشاركة في كتابة فيلم جيمس بوند الجديد. خطوة تلخّص الكثير عن حال توازنات القوى المتغير بين التلفزيون والسينما في نهاية عقد وبداية آخر.
المشاهدة النهمة
من الصعب تصديق أنه قد مرت ست سنوات فقط منذ أن أطلقت نتفليكس أول إنتاج خاص بها.
أثناء إطلاق هاوس أوف كاردز في فبراير 2013، قال المتحدث باسم الشركة، جوريس إيفرز "إنها لحظة حاسمة في تطوير تلفزيون الإنترنت".
مدى أهمية هذه اللحظة صار واضحًا من خلال إتاحة جميع حلقات الموسم الأول على الإنترنت في وقت واحد، قتلت نتفليكس مبدأ التشويق التلفزيوني (cliffhanger) واستبدلته بمفهوم المشاهدة النهمة (binge-watching).
وهكذا وجدت سلاسل الويب هوية الإدارة الخاصة بها، وأصبح لدى نتفليكس الآن أكثر من 160 مليون مشترك في جميع أنحاء العالم.
لم تخف الشركة سرّا وراء نشأة سلسلة إنتاجاتها الداخلية الأولى. فقد قامت باتباع طريقة عملية بسيطة تمثّلت في تقييم البيانات المجمّعة تلقائيًا عبر نظام منصتها للبث الرقمي حول تفضيلات مشاهديها.
كان الناس في ذلك الوقت يفضلون الإثارة السياسية، وأعمال المخرج، ديفيد فينشر، نادي القتال والممثل، كيفن سبيسي. حسنًا، فليكن ذلك، ولنضف إليه أيضًا قالبًا بريطانيًا جيدًا.
كان لـ هاوس أوف كاردز تأثير كبير على صناعة التلفزيون بعدة طرق، لم يقتصر الأمر على الجمع بين المخرج الهوليوودي فينشر والممثل سبيسي، الفائز بجائزة الأوسكار مرتين، كانت السلسلة أيضًا أول إنتاج من خارج إنتاجات المحطات التلفزيونية الأمريكية الكلاسيكية يفوز بجائزة إيمي.
في الموسم السادس من هاوس أوف كاردز لم يظهر سبيسي وصارت الشخصية الرئيسية زوجته كلير، لعبت دورها روبن رايت. ففي خريف عام 2017، ظهرت عدة اتهامات بالتحرش الجنسي ضد سبيسي، وقيل إن سبيسي ارتكب الاعتداءات المزعومة أثناء تصوير السلسلة وعلى مسرح أولد فيك في لندن، الذي كان يشعل منصب مديره الفني.
كان حذف سبيسي من السلسلة كممثل رئيسي لها لاتهامه بارتكاب أعمال عنف جنسي إجراء غير مسبوق تقريبًا، وانعكاسًا متمما لإعصار قضية هارفي وينشتاين، المنتج الهوليوودي المتهم بارتكاب العديد من الأفعال الجنسية المسيئة وصولًا إلى جرائم اغتصاب بحق عدد كبير من النساء العاملات في المجال السينمائي.
التنوع
خلال العقد الماضي، أظهر صناع المسلسلات الأمريكية إحساسًا عميقًا بالتطورات الاجتماعية، وقد ركزت منصات الستريمنج (streaming)، مثل أمازون ونتفليكس، على عكس القنوات التلفزيونية الكلاسيكية، منذ وقت مبكر على تقديم قصص يبدو أنها تلعب فقط في هوامش الملعب الرئيسي.
بالطبع لم تكن سلسلة الدراما العائلية ترانسبيرنت لجيل سولوي أول عمل تلفزيوني يقدّم شخصًا متحولًا جنسيًا بطلًا لقصته. لكن سلسلة أمازون، التي أُطلقت في عام 2014، جاءت في وقت مطّرز بالتوفيق التام، أصبحت الخطابات المتعلقة بالهوية الجنسية والتمييز الاجتماعي والمطالبة بمزيد من التنوع تدريجيًا مناقشات رئيسية.
تروي قصة ترانسبيرنت ماورا فايفرمان، يلعب الدور جيفري تامبور، شخص يبدأ الاعتراف بهويته الجنسية في سن الشيخوخة بعد أن قضى حياته كلها كرجل غيري (heterosexual) وأب لثلاثة أبناء.
ومثل هاوس أوف كاردز، انتهت هذه السلسلة أيضًا بدون نجمها الرئيسي، إذ في عام 2018، اضطر تامبور إلى مغادرة ترانسبيرنت بعد اتهامه بالتحرش الجنسي في موقع التصوير من قبل زميلته تراسي ليسيت.
سلسلة أخرى أخذت طريق التنوع، هي أورانج إذ ذي نيو بلاك (2013-2019)، باختيارها لبطولة قصتها مجموعة متنوعة الأعراق والميول الجنسية من السجينات، مؤسسة بذلك استراتيجية جديدة تمامًا في منتصف العقد، لا يكاد يوجد الآن مسلسل معاصر محتفظًا بالتقليد القديم في تصوير العلاقات العاطفية حصرًا بين أشخاص بيض البشرة ومغايري الميول الجنسية.
اليوم، من المؤكد أن دور ماوراء فايفرمان ستقوم به أيضًا امرأة "ترانس".
ودليل ذلك التطور التلفزيوني، يمكن رؤيته، على سبيل المثال، في ما قام به ريان مورفي بتجميعه أكبر مجموعة على الإطلاق من ذوي الهويات الجنسية المختلفة (LGBTQI) في سلسلة أمريكية لصالح بوز، التي بدأ عرضها في 2018، وقصته الخاصة عن ثقافة الرقص والمراقص في مانهاتن الثمانينيات وعلاقتها المدهشة بالتاريخ الاجتماعي والإبداعي للطبقة الأرستقراطية النيويوركية، التي تحكم الولايات المتحدة الآن على أرض الواقع.
العولمة
قبل سنوات من الضجيج حول سلسلة نتفليكس الألمانية الأولى، دارك، ابتكر الألمان دويتشلاند 83 وكانت سلسلة مختلفة ومميزة للغاية.
السلسلة من تأليف الزوجين ديبرا وجورج وينجر، وتدور قصتها حول مواطن شاب من جمهورية ألمانيا الديمقراطية أجبر على التجسس في ألمانيا الغربية.
بثّت نسختها الأصلية مع ترجمة إنجليزية على قناة صاندانس الأمريكية، حتى قبل عرضها على التلفزيون الألماني في خريف عام 2015، أقنعت السلسلة الألمانية المشترين الأمريكيين، لدرجة أنهم رأوا فيها ما يستحق العناء للحصول على حقوق البث الأول لها.
في مصر كما في محيطها العربي، ثمة نظرية شاعت جماهيريتها بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، حول المحلية كطريق للعالمية.
كلما كان طابع القصة محليًا كلما زادت عالمية القصة، شعار رفعته العديد من الإنتاجات التلفزيونية في منتصف العقد الثاني من القرن الحالي، عبر التقاط قصص تحدث في مكان محدّد ورفعها إلى مستوى أعلى ورفدها بتفسيرات أوسع؛ وبالتالي ملامستها لجمهور أكبر عالمي الطابع. مثال ذلك يمكن رؤيته في ألمانيا.
تعمل السلاسل التلفزيونية الألمانية الناجحة دوليًا والحائزة على جوائز وفقا لهذا الشعار، قامت فور بلوكس بترجمة ثقافة العصابات في المدن الأمريكية ونقلها إلى نيوكولن المعاصرة، بينما دخلت باد بانكس عالم البنوك الفاسدة بقصة حول مصرفي شاب طموح في فرانكفورت، أما السلسلة الأكثر شهرة، دارك، فاختارت تيمة عالمية كالخوف الإنساني من يوم القيامة لإذكاء أجواء قصتها الدائرة أحداثها في ألمانيا الغربية المشحونة بالأسلحة النووية في الثمانينات.
بفضل منصات البث الكبيرة، يمكن الآن مشاهدة سلسلة من الهند أو اليابان أو النرويج في أي مكان في العالم. قبل بضع سنوات فقط، كان من غير المرجح أن تجد في قائمة صحيفة نيويورك تايمز السنوية لأفضل عشرة سلاسل تلفزيونية عنواناً مثل السلسلة التلفزيونية الألمانية بابليون برلين في المركز الرابع لقائمتها لعام 2018.
بالنسبة للعاملين في صناعة التلفزيون، هذه أوقات جيدة بالطبع، في أي مكان تقريبًا في العالم، حتى في مصر المأزومة صناعتها بفضل التضييقات الأمنية وسياسات الاحتكار المدعومة رسميًا.
في الدنمارك مثلًا؛ ذاع صيت المسلسلات القادمة من ذلك البلد الصغير منذ ظهور بورجِن وذي كيلينج وذي بريدج، ليس فقط كقصص نوار (Noir) اسكندنافية الطابع وإكزوتيكية، ولكن كإنتاجات تلفزيونية عالية الجودة بشكل عام.
كانت السلسلة الدنماركية الأولى من إنتاج نتفليكس، ذي راين، واحدة من أنجح السلاسل التلفزيونية غير الناطقة بالإنجليزية، وفقًا لبيانات نتفليكس نفسها.
اليوم، سوق التلفزيون الدنماركي مزدحم بالإنتاجات العديدة، تنقل صحيفة نيويورك تايمز عن مدير المعهد الدنماركي للسينما قوله إن المنتجين يضطرون في بعض الأحيان إلى الانتظار عامين للحصول على خدمات العاملين، وأن الممثلين والممثلات يتم نقلهم ذهابًا وإيابًا بين الإنتاجات العديدة.
توحيد الذوق
في مواجهة طوفان الإنتاجات الجديدة، يشعر بعض محبي السلاسل التلفزيونية بقدر من الضجر العالمي يأتي من الوفرة الزائدة.
وبينما في بداية السنوات العشر، كان على المرء الانتظار بفارغ الصبر لصدور حلقات جديدة من المسلسلات الكبيرة القليلة، اليوم يتملّك نفس المرء شعور بالتخمة من طاولة العرض الضخمة في نتفليكس وأمازون ومختلف المكتبات الإعلامية ومحطات التلفزيون المدفوعة.
وبقدر ما قد يكون مزعجًا في الوقت الحالي حيرة المشاهد في اختيار محتوى من بين منصات، معظمها مدفوعة الأجر وعروض حسب الطلب، فقد ننظر إلى الوراء في غضون عشر سنوات أخرى لنكون قادرين على الاختيار من بين مجموعة متنوعة من هذه العروض.
الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو الخوف من تحوّل ذلك الزخم إلى سباق نحو توحيد الذوق من جديد.
بمجرد تقسيم السوق بين أقوى اللاعبين ماليًا، قد تبدو منصات البث قريبًا مثل الشاشات الكبيرة للسينما التي يهيمن عليها حاليًا الأبطال الخارقون إلى حد كبير.
فلا تزال نتفليكس وأمازون وآبل وديزني تنفق مبالغ ضخمة لتزويدنا بمحتوى جديد كل يوم، وبقدر ما تسمح به تلك الوفرة من ظهور إنتاجات مغامرة وأنفاس مغايرة، يبقى الأساس في بال الشركات هو الربح المادي.
تأثير ذلك على السينما الكلاسيكية نفسها يبدو حاليًا أبعد من أن يكون محسومًا.
لا تزال جوائز الأفلام في الوقت الحالي عملة مهمة لمنصات البث، كما أظهر أوسكار أفضل فيلم أجنبي التي حصدها روما لألفونسو كوارون من إنتاج نتفليكس، وحاليا مع بروز فيلمي ماريج ستوري وذي إيريشمان، كعنوانين واعدين لحصد بعض الجوائز في موسم الجوائز الحالي.
في الولايات المتحدة وأماكن أخرى تقاوم سلاسل السينما الرئيسية فكرة استخدام نتفليكس، على سبيل المثال، صالاتها كمكان عرض قصير الأجل من أجل التأهل لجوائز مثل أوسكار ومهرجان كان، في فرنسا، والتي تشترط عرض الأفلام في دور السينما، على الأقل لفترة قصيرة.
لكن ماذا سيحدث إذا وجدت شركة مثل ديزني، في مرحلة ما، أن مصالحها لا تتوافق مع عرض أفلامها في دور السينما، واكتفت بعرضها على منصتها الرقمية ديزني بلس؟
بصرف النظر عن الشكل الذي سيكون عليه المسلسلات في المستقبل هناك على الأقل أمر واحد جيد تحقق بالفعل، وهو اختفاء التلفزيون ذي الاختيارات المحدودة.
تزامنت بداية ثورة القصّ التلفزيوني المعاصر مع بداية انتشار برامج تلفزيون الواقع، أي في مطلع الألفية. في ذلك الوقت، قضت الصحف والمواقع المتخصصة أسابيع كاملة في مناقشة حلقات برامج مثل بيج برازر أو ستار أكاديمي في النطاق العربي، بحيث تحوّلت مغامرات المشاركين لتصبح ظاهرة اجتماعية.
لم يقتصر الأمر على حدود الولايات المتحدة، بل وصل إلينا في مصر، حتى أن شيئًا مثل كيم كاردشيان، صار ذو شأن، وتُخصَّص له أخبار يومية في مواقع صحفية واسعة الانتشار.
اليوم، اختفى إلى حد كبير هذا الاهتمام وحجم أعضاء المشاركين وروتينهم اليومي، على الأقل تلفزيونيًا، بعدما انتقل هذا الهوس إلى يوتيوب وانستجرام.
فازت الرغبة في سرد القصص.