ألقت سلطات اﻷمن المصرية، على مدار الأربع والعشرين ساعة الماضية، القبض على ثلاثة صحفيين من مناطق متفرقة بين الشارع والمنزل، وفق ما ذكرته مصادر على صلّة بالمقبوض عليهم.
وبين ليل أمس السبت وحتى فجر اليوم الأحد، ألقي القبض على كل من الناشطة السياسية السابقة بحركة شباب 6 أبريل والصحفية إسراء عبد الفتاح، و الصحفي بوكالة أسوشيتد برس مصطفى الخطيب، و المصور الصحفي و عضو حزب العيش والحرية عبد الله السعيد.
من المنزل
ألقت السلطات، مساء أمس السبت، القبض على الخطيب، مراسل وكالة أسوشيتد برس الأميركية، من منزله في القاهرة، بحسب عضو مجلس نقابة الصحفيين عمرو بدر.
وذكر بدر، للمنصّة، أن ما بلغه من زملاء الخطيب، أن القبض عليه "ربما يكون مرتبطًا بتقرير نشرته الوكالة عن الطلاب البريطانيين الذي تركوا مصر لدواعي أمانهم الشخصي"، وهو الارتباط "غير المؤكد حتى هذه اللحظة" وفقًا لبدر.
يذكر أن أسوشيتد برس نشرت، أول أمس الجمعة، تقريرًا عن رحيل 9 طلاب من جامعة إدنبرة البريطانية عن مصر، وإنهاء فترة التبادل الجامعي التي كانوا ينتظمون فيها بصورة مفاجئة، بعد أن أوقفت السلطات اثنين آخرين من طلابها، و أطلقت سراحهما فيما بعد.
و أشار التقرير إلى ما آلت إليه حالة الحريات الأكاديمية في مصر منذ عام 2016، حين ظهرت للعلن قضية تعذيب و مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة.
لم يصدر عن الوكالة الإخبارية، حتى نشر التقرير، أي بيانات أو أخبار حول واقعة القبض على مراسلها، و لم يتسنَّ للمنصّة التواصل مع مصدر مسؤول بها للوقوف على مزيد من التفاصيل.
"اختطاف" إسراء
يأتي القبض على الخطيب، بعد ساعات من أنباء عن اختفاء الصحفية إسراء عبد الفتاح، في ظل وجود شهادة عن "إلقاء رجال شرطة بملابس مدنية القبض عليها".
ووفقًا لما رواه صديق شخصي للناشطة السابقة في حركة شباب 6 أبريل، كان شاهد عيان على الواقعة التي حدثت و هو بصحبتها، فإن سيارتين بهما رجال أمن يرتدون زيًا مدنيًا ويحملون أسلحة نارية وأجهزة لاسلكي، اعترضتا سيارة إسراء عبد الفتاح، واقتادها رجال الأمن في إحدى السيارتين وهو في السيارة الأخرى لمدة ساعة، ثم تركوه على طريق سريع بعد أن عصبوا عينيه وتعدوا عليه بالضرب.
و تقدّم المحامي الحقوقي أحمد راغب، صباح اليوم، ببلاغ للنائب العام يحمل رقم 39177 لسنة 2019، يطالب فيه بالتحقيق في واقعة "اختطاف إسراء عبد الفتاح، و إجلاء مصيرها، و تمكينها من الاتصال بذويها ومحاميها".
علّق عمرو بدر، رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين على توقيف الصحفية، بقوله "حاليًا ليس لها أي نشاط سياسي. وعلى المستوى الصحفي، فإن موقع التحرير الذي تعمل به تم حجبه منذ شهرين؛ لذلك أرى أنه لا يوجد أي سبب للقبض عليها إلاّ الإصرار على التصعيد ضد الصحفيين".
يذكر أن الفترة الماضية شهدت القبض على عدد من الصحفيين، من بينهم هشام فؤاد وحسام مؤنس وخالد داوود.
على مؤشر حرية الصحافة العالمي السنوي الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود غير الحكومية، ما تزال مصر قابعة في "المنطقة السوداء"، بعد أن حلّت هذا العام في المرتبة 163 من بين 180 دولة، في تراجع مركزين عن عام 2018.
في الفجر
بالتزامن مع أنباء القبض على الخطيب وعبد الفتاح، أعلن حزب العيش والحرية (تحت التأسيس) أنباء مماثلة عن "القبض على أحد أعضائه، المصور الصحفي عبد الله السعيد، فجر اليوم الأحد، و اقتياده إلى جهة غير معلومة".
و كشفت إلهام عيداروس، وكيل مؤسسي الحزب للمنصّة نقلًا عن أسرته، أن "قوة أمنية توجّهت في الثالثة فجر اليوم إلى بيت السعيد، يرتدي أفرادها بأزياء مدنية، لكن كان بصحبتهم سيارتي شرطة، وحطموا بعض أثاث المنزل، قبل أن يصطحبوه معهم دون أي إدلاء بمعلومات عن سبب القبض عليه".
وقالت عيداروس، إن الأسرة "استعلمت عنه في قسم الشرطة التابعة له، وكذلك الأقسام اﻷخرى المحيطة، لكنها جميعًا نفت علاقتها بالقبض عليه، وذكرت أن الأمر يتعلق باﻷمن الوطني؛ وبناءً عليه تحركت الأسرة ببلاغات للنائب العام والنيابة المختصة بالواقعة، تحسبًا لاختفائه".
وعبد الله السعيد ليس الوحيد الذي تعرّض لإجراءات من جانب السلطات من بين المحسوبين على العيش والحرية، إذ ذكرت وكيل مؤسسي الحزب أن 3 من أعضاء الحزب "ما يزالوا مختفين منذ 21 سبتمبر/ أيلول الماضي"، وأن الناشط الحزبي خالد محسن ظهر بعد القبض عليه كمتهم على ذمة القضية 1338 لسنة 2019.
وظهر على ذمة هذه القضية العديد من الأشخاص، وذلك منذ الحملة الأمنية التي شهدتها مصر اعتبارًا من 20 سبتمبر الماضي، وأسفرت عن القبض على المئات، في ظل استنفار أمني عقب دعوات التظاهر التي أطلقها الممثل والمقاول محمد علي ضد النظام المصري؛ ما أدى إلى توجيه انتقادات حقوقية لمصر من جهات بعضها دولي، طالبها بوقف هذه الحملة. وقد أُطلق سراح عدد منهم فيما بعد، دون أية إجراءات قانونية ضدهم.
"ارتباك ورسائل مكذوبة"
علّق عمرو بدر، رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، على ما تعرّض له الصحفيون الثلاثة بقوله "هذا تعبير عن مشهد عام مرتبك نشهده منذ أعوام، لكن وتيرته وحدّته ارتفعت في الشهور الأخيرة".
ودلل بدر على ما يراه من "ارتباك" بقوله إن اﻷمر يبدو في "الحديث عن إصلاحات سياسية ومنح مساحات للإعلام، في وقت نشهد فيه اختفاء و اعتقال صحفيين؛ بصورة تنم عن وجود جناح ما في الدولة ليس لديه رغبة حقيقية في الإصلاح".
بالمثل، ترى إلهام عيداروس أن الاعتقالات "لم تقتصر على زملائها في الحزب فقط، بل طال آخرين منضمين لأحزاب مدنية أخرى مثل الدستور و الكرامة، في إطار الحملة الأمنية الأخيرة التي بدأت بالقبض على مواطنين من منازلهم لمجرد الشك في كونهم مؤثرين، كما حدث مع زميلها العضو المؤسس بالعيش والحرية ممدوح مكرم، الذي ألقي القبض عليه فجر 21 سبتمبر من منزله".
وأضافت عيداروس "في البداية كان الاستهداف لسياسيين و كذلك أي متظاهر محتمل للقضاء على أي حراك محتمل، لكن الوضع الآن أصبح استهداف لنشطاء مسيسين وصحفيين أيضًا؛ ما يضع علامات استفهام حول الرسائل المكذوبة التي تخرج من إعلاميين محسوبين على النظام و تتضمن طرح مبادرات للتهدئة، لكن دون أي خطوات ملموسة؛ ما يجعل منها مجرد رسائل تهدئة زائفة للمجتمع في ظل استمرار وجود معتقلين، وكذلك استهداف لأصحاب الرأي".
"الحريات" تطالب
من جهتها طالبت لجنة الحريات بسرعة الكشف عن مكان احتجاز مصطفى الخطيب وإسراء عبد الفتاح وإخلاء سبيلهما فورًا.
وأكدت اللجنة، في بيان لها مساء اليوم اﻷحد، تضامنها الكامل مع الزميلين، وأبدت دهشتها "من أن يتحول الحديث المتواتر عن هامش حريات أوسع للصحافة إلى حبس للصحفيين بلا اتهامات واضحة وبلا أسباب قانونية".
وطالبت أجهزة الأمن بسرعة الكشف عن مكان احتجازهما وتقديمهما إلى جهات التحقيق إن كانت هناك اتهامات قانونية موجهة لهما، وطالبت كذلك "بإخلاء سبيل كل الزملاء الصحفيين المتهمين في قضايا النشر والرأي، ورفع القيود المفروضة على الصحافة لتستطيع أن تمارس دورها بحرية كاملة وبلا معوقات".