في أواخر الشهر الماضي أعلن مجلس تنمية رواندا عن تحقيقه مكاسب قياسية بسبب إعلانهم على كُم قميص نادي أرسنال الإنجليزي، محققين في سنة واحدة فقط أرباحًا تتجاوز قيمة ما دفعوه في العقد الذي يمتد مع النادي لثلاث سنوات.
تبدو كرة القدم نافذة مهمة للبلدان لجذب سائحين عن طريقها. في 2015 كان 25 ناديًا من أندية الدوريات الخمس الكُبرى (الإنجليزي والإسباني والإيطالي والألماني والفرنسي) موقعين عقود رعاية مع مؤسسات سياحية.
في التقرير التالي سنستعرض أبرز تلك الشراكات من أرسنال مرورًا بشراكة واحدة من أفقر دول العالم مع نادي ميتز حتى الوصول لكيفية استخدم الليتوانيون كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي للترويج لعاصمتهم دون دفع دولار واحد.
واحة صحراء في لندن
وقعت Visit Rwanda (زوروا رواندا) في الصيف الماضي عقدًا مع أرسنال ليظهر إعلانها على كُم قميص لاعبي النادي. لم يُفصح الجانبان عن قيمة الصفقة لكن تقارير صحفية تقدرها بـ 30 مليون جنيه إسترليني لمدة ثلاث سنوات بداية من 2018 وحتى 2021.
قبل أعوام لم يكن مسموحًا لأندية الدوري الإنجليزي بوضع إعلانات على كم قمصانهم، حتى صدر قرار عام 2017 يسمح بوضع إعلان على الكم الأيسر لقمصان الفرق. حقق ذلك القرار زيادة في الدخل لأندية البريميرليج، إذ قدر sports intelligence ما جنته الأندية الإنجليزية من رعاية القمصان في 2018 بـ 313.6 مليون جنيه إسترليني.
بالعودة إلى أرسنال، سنجد أن السياحة في واحة الصحراء ارتفعت بنسبة 8% حسبما قدّر مجلس تنمية رواندا بعد ظهور إعلان Visit Rwanda على قميص النادي، مع ارتفاعٍ نسبته 5% للسائحين القادمين من المملكة المتحدة إلى رواندا قياسًا بالعام السابق لعقد الرعاية. وبلغ إجمالي عدد من زاروا أرض الألف تل في عام 2018 حوالي 1.7 مليون شخص.
رئيسة شعب السياحة في مجلس تنمية رواندا بيليسي كاريزا أكدت أن 71% من مشجعي أرسنال حول العالم لم يكونوا يفكرون في رواندا كوجهة سياحية لهم، لكن بعد سنة واحدة من الشراكة مع النادي اللندني فإن نصف تلك النسبة باتت تستهدف السفر إلى رواندا.
وأضافت أن عوائد العقد في عام واحد فقط تُقدر بـ 36 مليون يورو، وهي تقريبًا نفس قيمة العقد الموقع بين الجانبين.
فمن ضمن بنود العقد زيارات من النادي لروندا كما يُظهر فيديو بثته قناة النادي الرسمية لقائد فريق السيدات السابقة أليكس سكوت.
إعلان المجلس تلك الأرقام ربما يخفف الاستهجان الذي لاقوه عند التوقيع في روندا التي تحتل المركز التاسع عشر بين الدول الأكثر فقرًا في العالم بمتوسط دخل للفرد يبلغ 700 دولار سنويًا.
الاستهجان الأكبر كان لتشكك الروانديون من جدوى الشراكة مع النادي المفضل لرئيسهم بول كاجامه الذي أعلن عدة مرات تشجيعه للمدفعجية عبر حسابه الرسمي على تويتر
وربما لذلك شددت كاريزا على أنهم لم يوقعوا هذا العقد سوى بعد مراجعة شركة نيلسون وبلينك فاير للأبحاث ووكالة هال أند بارتنرز.
نسبة المشاركة في قناة Visit Rwanda على يوتيوب ارتفعت بنسبة 100% مع زيادة في عدد متابعيهم على تويتر بلغت 72% و577% لحسابهم على إنستجرام؛ بإجمالي تفاعل وصل إلى 4.3 مليون شخص على وسائل التواصل الاجتماعي.
ربما يبدو الارتفاع منطقيًا فبحسب تقرير لموقع سبورت إيكونومي فإن قميص المدفعجية يُشاهد يوميًا حول العالم 35 مليون مرة.
شراكة المرجل الملتهب وأرض النار
ظهر إعلان "أذربيجان أرض النار" على قميص أتليتكو مدريد خلال ديربي العاصمة الإسبانية في ديسمبر/ كانون الأول 2012 بعد أن وقع الطرفان عقدًا لمدة موسم ونصف جدد لموسم آخر.
العقد الموقع بين الدولة التي تُكنى بأرض النار، والذي ظهر على قميص الفريق الذي كان يطلق على ملعبه القديم بيثنتي كالديرون اسم "المرجل الملتهب" قدرته صحيفة الجارديان بـ 12 مليون يورو عن موسم ونصف فقط.
الشراكة بين الطرفين لم تقتصر على القمصان فقط بل كانت في الملعب كذلك. ومن حظ الأذريين أن تلك الفترة كانت مزدهرة جدًا لأتليتكو مدريد الذي توج بالكأس موسم 2012/13 وفي الموسم التالي حصد الروخي بلانكوس الدوري ووصل إلى نهائي دوري أبطال أوروبا.
رعاية أذربيجان لفريق أتليتكو لم تكن صدفة، إذ فطنت بلاد الغاز مبكرًا لأهمية الرياضة في الترويج لبلادهم بداية من رئيسهم إلهام علييف حيث بدأوا في خطتهم منذ 2005.
استضافت أذربيجان في 2012 بطولة كأس العالم تحت 17 سنة للشابات وغنى في حفل الافتتاح والختام النجمتين جينيفر لوبيز وشاكيرا.
استضافت باكو كذلك الألعاب الأوروبية في 2015 الذي زين شعارها قميص الأتليتي في موسم 2014/15 خلال المباريات الأوروبية. كما أقيم سباق جائزة أوروبا الكبرى للفورمولا 1 في 2016. قبل أن يلعب نهائي الدوري الأوروبي الموسم الماضي في باكو العاصمة التي تستضيف مع 11 مدينة أخرى نهائيات يورو 2020.
لكن شراكة أتليتكو مع أذربيجان حظيت هي الأخرى بمعارضة فمؤسسة هلسنكي لحقوق الإنسان أرسلت خطابًا لرئيس أتليتكو، إنريكي سيريثو، تطالبه بفسخ العقد نظرًا لانتهاكات حقوق الإنسان على الأراضي الأذرية.
المعارضة لم تكن بالخطابات فقط بل بمحو اسم أذربيجان من على قميص أتليتكو كما فعلت صحيفة إيرانية عشية نصف نهائي دوري أبطال أوروبا بين الفريق الإسباني وتشيلسي وفقًا لخبر نشرته بي بي سي.
طهران وباكو علاقتهما متوترة فالأولى تنتقد الثانية بالانحياز نحو الغرب بينما تتهم أذربيجان طهران بدعم أرمينيا.
إلى ماليزيا من قلب ويلز
زين شعار Visit Malaysia (زوروا ماليزيا) قميص فريق كارديف سيتي الذي كان يلعب حتى الموسم الماضي بالدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم.
الطرفان وقعا العقد حينما صعد الفريق الويلزي من التشامبيونشيب، بقيمة بلغت نحو 0.6 مليون دولار (15 مليون رينجيت) بحسب ما قال وزير السياحة والثقافة الماليزي سيري محمد عبد العزيز في 2013 مؤكدًا أن العقد حقق عائدًا لبلاده بلغ 65 مليون رينجيت مع ملياري مشاهد للإعلان خلال 60 مباراة خاضها كارديف.
خلال عام 2013 استقبلت الدولة الآسيوية 420 سائحًا بريطانيًا ارتفع إلى 445,789 في 2014 لكن الرقمين سيكون لهما دلالة فيما بعد.
امتد العقد بين الجانبين وبلغت قيمته الموسم الماضي ثلاثة ملايين جنيه إسترليني.
شراكة ماليزيا وكارديف سيتي لها عدة أوجه؛ مالك النادي هو الملياردير الماليزي الصيني فينسينت تان وهو ربما ما سهل أن يضع الفريق إعلانًا مجانًا لماليزيا عندما كانوا في دوري الدرجة الأولى (التشامبيونشيب)، قبل صعودهم إلى البريميرليج موسم 2013/14 بحسب وزير السياحة وقتها الذي أكد أن النادي الويلزي طالبهم بعقد رعاية بعد صعودهم إلى البريميرليج.
ولأن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن فالعقد بين الجانبين لم يُجدد هذا العام وسط تساؤل عن جدواه مع تراجع عدد السائحين البريطانيين في ماليزيا ليصل إلى 361,335 في عام 2018.
لكن مالك كارديف استمر في وضع الإعلان على قميص فريقه لأنه ماليزي ويحب بلاده.
فولهامريكا
ليس بعيدًا عن الدوري الإنجليزي لكن هذه المرة في نادٍ لندني هو فولهام الذي وقع عقد رعاية في 2015 مع Visit Florida (زوروا فلوريدا) لدعم السياحة في الولاية التي استقبلت في الأشهر الثلاثة الأولى من العام ذاته سائحين قدّر عددهم بـ 28.4 مليون شخص وهو رقم قياسي.
العقد الموقع بين الجانبين تضمن وضع شعارهم على قمصان الفريق وكذلك لافتات لهم على بعض أجزاء ملعب كرافن كوتيج القريب من مطار هيثرو.
لم تختر فلوريدا فريق فولهام عشوائيًا، فبحسب بول فيليب رئيس قسم التسويق في مؤسسة زر فلوريدا فإن العقد البالغ مدته 3 سنوات يكلفهم مبلغًا من ستة أرقام كل سنة، لكن كل دولار يدفعونه يعود عليهم بثلاثة دولارات.
يعد فولهام ناديًا قريبًا من الأمريكيين؛ حيث يملكه شاهد خان رجل الأعمال الباكستاني الأمريكي الذي يملك أيضًا فريق جاكسونفيل جاجوارز الذي يقع مقره في فلوريدا. كما يُطلق على النادي اللندني اسم "فولهاميركا" لأن كثير من الأمريكيين ارتدوا قميصه منهم كلينت ديمبسي، كاسي كيللر، برايان ماكبرايد.
كوريا الشمالية
الإعلان الأكثر غرابة وسرية ظهر ديسمبر الماضي في ملعب نادي بلايث سبارتانس الذي يلعب في دوري الدرجة السادسة بإنجلترا؛ الإعلان كان دعوة لزيارة كوريا الشمالية البلد المنغلق والذي يقدر عدد سائحيه 5 آلاف سنويًا.
تفاصيل الإعلان مع الفريق الذي يلعب في دوري الهواة غير معروفة.
عقد رواندا مع أرسنال لم يكن أول عقود الأفارقة جدلًا؛ تشاد وقعت في صيف 2016 عقد رعاية لنادي ميتز الفرنسي مدته ثلاث سنوات، أثار جدلًا كبيرًا في البلد المُنهك من الفقر والإرهاب.
وزير الرياضة التشادي بيتيل مياروم عند توقيع العقد قال إنه يأمل في "تغيير الصورة السلبية عن بلاده". تحارب تشاد جماعة بوكو حرام وتمنع بعض الدول رعاياها من السفر إليها.
لكن مواطني رابع أفقر دولة في العالم وقتها لم يسعدوا بتلك الشراكة التي قدر الصحفي أحمد زيدان بشارة قيمها بين مليوني إلى أربعة ملايين يورو وسط معاناة 64% من التشاديين من نقص المياه النظيفة ووفاة 15900 طفل تحت خمس سنوات جراء الماء الملوث وفقًا لتقرير للأمم المتحدة.
من وجهة نظر الفريق الفرنسي فعقد الشراكة منطقي كون بلاده ترتبط بصلات مع القارة السمراء، تشاد كانت مستعمرة فرنسية سابقة، كما أسس النادي أكاديمية "جينراسيون فوت" في السنغال.
مرت سنوات الشراكة مع ميتز ولم تعلن الحكومة التشادية عن مكاسبها من عقد الرعاية بل بحسب الأمم المتحدة فإن 4.3 مليون شخص أي ربع من يعيشون في تشاد يريدون مساعدات عاجلة. فيما تستمر واحة الصحراء في القتال ضد بوكو حرام حتى الآن.
لا تقتصر الشراكة على رعاية القمصان فقط فمصر في أكتوبر 2017 وقعت عقد شراكة مع نادي العاصمة الإيطالية إيه إس روما لتكون شريكًا سياحيًا للنادي تظهر إعلاناتها خلال المباريات في ملعب الأولمبيكو وعلى منصات التواصل الاجتماعي في صفقة لم يُفصح الطرفان عن قيمتها.
ارتفعت السياحة في مصر عام 2018 بنسبة 40% حيث وصل 11.6 مليون سائح مقابل 8.3سائح زاروا مصر في 2017 بحسب وزير السياحة المصري وقتها. بالطبع عقد الشراكة مع روما لم يكن السبب الوحيد لارتفاع نسب السياحة في مصر لكنه كان أحد هذه الأسباب.
العشاء الكبير
إذا كنا لا نعرف مقدار ما دفعته مصر لتكون شريكًا سياحيًا مع روما، فإننا نعلم أن ليتوانيا روجت لعاصمتها فيلنيوس دون أن تدفع دولارًا واحدًا.
بداية سبتمبر/ أيلول الجاري استعدت ليتوانيا لاستقبال البرتغال في التصفيات المؤهلة ليورو 2020. أكبر دول البلطيق لم تفوت فرصة زيارة قائد بطلة أوروبا، كريستيانو رونالدو، لبلادهم والتقطوا خيطًا من حديث وقع قبل بضعة أيام خلال حفل توزيع جوائز الأفضل في أوروبا، عندما قال نجم يوفنتوس إنه يرغب في تناول عشاء مع منافسه اللدود الأرجنتيني ليونيل ميسي.
عشرة من أفضل المطاعم في فيلنيوس وعبر الموقع الرسمي للسياحة في ليتوانيا عرضوا تجهيزاتهم للعشاء الأسطوري بين كريستيانو وميسي بصور ثلاثية الأبعاد للتجهيزات.
عمدة فيلنيوس، ريميجيوس سيماسيوس، قال إن أسبابًا عدة تجعل مدينته مكانًا مناسبًا للعشاء المزمع بين ميسي ورونالدو؛ فالمطاعم في المدينة لها سمعة عالمية وكذلك الطعام المحلي "نريد أن يعرف الجميع أن فيلنيوس مدينة مُثيرة ترحب بالجميع".