طالبت مؤسسة حرية الفكر والتعبير السلطات المصرية بالالتزام بالاتفاقيات الدولية التي تحمي حرية التعبير وتداول المعلومات، بعد أن رصدت في تقريرها ربع السنوي عن حالة حرية التعبير في مصر، ونشرته اليوم الاثنين، عدة انتهاكات تتعلق بالحق في التنظيم السياسي والتعبير وأخرى طالت صحفيين وإعلاميين.
المؤسسة التي اعتمدت في تقريرها الذي يتناول ما جرى في الفترة من أبريل/ نيسان إلى يونيو/ حزيران 2019، على عرض وتحليل لموضوعات مُرتبطة بحرية التعبير وتداول المعلومات ورصد "انتهاكات تم توثيقها"، اختتمته بعدة توصيات أخرى، كان منها ما يتعلّق بالتثبت من عدم وجود سياسات احتكارية في أداء بعض الكيانات الإعلامية، ووقف حجب المواقع الإعلامية والرقابة الأمنية على الصحف.
اعتقالات وسيطرة إعلامية
استعرض القسم اﻷول من التقرير عددًا من اﻷحداث التي شهدتها مصر خلال الشهور الثلاثة الماضية، وكان على رأسها التعديلات الدستورية وما صحبها من إجراءات من جانب السلطة.
وذكر التقرير أنه وبعد انتهاء الاستفتاء على التعديلات الدستورية "أمَّن الرئيس السيسي إمكانية استمراره في الحكم حتى عام 2030". ورأى أنه نتاج ما استحدثه الاستفتاء من مُستجدات؛ أصبحت الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها عام 2020 "بمثابة التحدي الأخير في سبيل منع المعارضة من إحداث تغيير عبر عملية الانتخاب، خاصة أن مجلس الشيوخ الذي استحدثته التعديلات على الدستور يلعب دورًا استشاريًّا دون صلاحيات حقيقية".
وعرض التقرير ما تلى الاستفتاء من تحركات ضد أحزاب سياسية كانت تُنسّق لهذه الانتخابات، وتمثلت في "القبض على سياسيين بعد عقدهم اجتماعات تشاورية، بشأن تأسيس تحالف انتخابي أطلقوا عليه تحالف الأمل، تقوم من خلاله أحزاب المعارضة العلمانية وكتلة 30/25 البرلمانية بإعداد برنامج موحد واختيار مرشحين للانتخابات".
وتابع التقرير "لم تكتفِ السلطة الحالية بحملة القبض على النشطاء، بل أطلقت حملة إعلامية واسعة ضد الأحزاب العلمانية، اتهمتهم فيها بالعمل مع جماعة الإخوان المسلمين، ومحاولة زعزعة استقرار البلاد، وغيرها من اتهامات بالعمالة للخارج وتلقي تمويل أجنبي".
وعلّقت المؤسسة على هذه الممارسات بالقول إنها تُشير إلى "عُمق الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، ومدى سيطرة أجهزة الأمن على شؤون السياسة، وأن التوجه الرئيسي للسلطة هو منع ممارسة العمل السياسي، وما يترتب على ذلك من تقييد حرية التعبير واستمرار سياسات الرقابة على الإعلام والرقابة على الإنترنت، وملاحقة مستخدميه".
وفيما يتعلق بالإعلام المصري، وصف التقرير ما يحدث من السلطة حياله بـ"السيطرة"، كما وصف مجموعة إعلام المصريين، ومنذ تأسيسها عام 2016 واستحواذها على شركات مالكة لوسائل إعلام مثل CBC و ON TV والحياة، وكذلك شركات إنتاج ووكالات إعلانية، بأنها "تُعدّ اﻷداة الرئيسية التي تستخدمها أجهزة أمنية ﻹحكام السيطرة على ملكية الإعلام".
وتطرّق التقرير إلى تعامل الدولة مع التغطية الإعلامية لبطولة كأس الأمم الأفريقية التي نظمتها مصر الشهر الماضي، وأن إعلام المصريين أعلنت اتفاقها مع الهيئة الوطنية للإعلام، ﻹطلاق قناة للبث الأرضي لنقل المباريات؛ ومن ثم تملك حقوق بثها على نطاق محلي "دون وجود معلومات حول الصفقة، أو كيفية اختيار إعلام المصريين كشريك للتليفزيون الرسمي، خاصة وأن اﻷخير يملك حقوق البث الأرضي بحكم استضافة مصر للبطولة".
ولم يغفل التقرير ما شهده الموسم الرمضاني من "سيطرة" لإعلام المصريين على الجانب الأكبر من إنتاج الدراما "من خلال ملكيتها لشركة الإنتاج سينرجي وكذلك الشبكات التليفزيونية الكبرى، باﻹضافة إلى وكالة إعلان".
واعتبرت حرية الفكر والتعبير أن إعلام المصريين "زادت من سيطرتها على الدراما، من خلال إطلاق منصة watch it بهدف تحصيل عائد مادي مقابل مشاهدة الجمهور للأعمال الدرامية التي تنتجها عبر الإنترنت"، وأضافت أنها خطوة "لم تحقق نجاحًا".
وذكر التقرير أن "مخاوف كبيرة حول احتكار إعلام المصريين لتراث التليفزيون المصري، وحرمان الجمهور من مشاهدته" أُثيرت حين أعلنت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية (الشركة اﻷم لإعلام المصريين بحسب تقارير)، توقيع توكول تعاون مع الهيئة الوطنية للإعلام، يمنح watch it حقوق عرض إنتاج التليفزيون المصري من مسلسلات وأفلام ومسرحيات، مقابل تحصيل رسوم مادية، وهي اﻷعمال التي كانت متاحة مجانًا عبر يوتيوب".
وعرض تقرير "حرية الفكر" ردّ الهيئة الوطنية للإعلام على انتقادات وُجهت إليها في هذا الصدد بالقول إن البروتوكول "جاء فى إطار الحفاظ على المحتوى الفني للتليفزيون المصري"، لكن التقرير لفت إلى أن الرد تم "دون الإعلان عن تفاصيل الاتفاق بينهما؛ ما يعزز الشكوك حول شبهة قيام إعلام المصريين بممارسات احتكارية بمعاونة مؤسسات عامة".
وجددت المؤسسة طرح مطلب سابق لها وجهته للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام "بمراقبة تمويل مجموعة إعلام المصريين، والتحقيق في شبهات وجود ممارسات احتكارية في ملكية وسائل الإعلام، ومدى التزام المجموعة بسياسات منع الاحتكار".
تضييقات إعلامية
وفي الجزء الثاني من تقريرها، عرضت "حرية الفكر والتعبير" رصدًا لـ"انتهاكات" ضد إعلاميين، بلغت خلال الفترة التي يغطيها التقرير "17 واقعة تتعلق بحرية الإعلام، و21 انتهاكًا ضد الصحفيين والإعلاميين، تنوعت بين الاعتداء البدني واقتحام صُحف ووقف برامج ومنع طباعة صحف ومنع صحفيين من التغطية، وحجب مواقع صحفية".
وضرب التقرير مثالاً على البرامج الموقوفة ببرنامج "قُطعوا الرجالة" المُذاع على قناة القاهرة والناس، والذي أصدر المجلس اﻷعلى لتنظيم الإعلام قرارًا في 24 مارس/ أذار الماضي قرارًا بمنع بثّه "إلى حين مراجعة الاسم والمحتوى، إذ أنه يتضمن مفاهيم منافية للقيم المجتمعية، كما تضمنت حلقاته ألفاظًا وعبارات لا تليق وتخدش الحياء العام وتحتوي على تمييز ضد الرجال والتحريض ضدهم والحط من شأنهم".
ورصد التقرير "انتهاكات" اخرى منها ما صاحب عملية التصويت على التعديلات الدستورية من قبيل "رفض الهيئة الوطنية للانتخابات منح تصاريح بالتغطية لصحفيي جريدة المشهد، دون إبداء أسباب، ومنع صحفيين آخرين من تغطية الفرز"، بجانب انتهاكات أخرى مثل "منع طباعة عدد يوم 28 مايو/ أيّار من جريدة الأهالي، لاعتراض الرقيب على تحقيق صحفي حول حصول بعض المُدانين في قضايا عنف على عفو رئاسي".
ومن بين ما رصده التقرير كان "تعدّي بعض لاعبي الزمالك على مصور بالمصري اليوم في 23 أبريل 2019، عقب انتهاء مباراتهم أمام بيراميدز بالدوري، ومنع السلطات المدير السابق لمكتب قناة العالم من السفر "دون إبداء أسباب"، والتحفظ على جواز سفره وعدم تمكّنه من استرداده حتى تاريخ صدور التقرير".
وعن حجب المواقع الإلكترونية، وثّق التقرير "حجب موقع التحرير في 9 مايو الماضي، فيما نفت الجهات الرسمية لمسؤولي الموقع أي قرارات تتعلق به"، كما أشار إلى "منع مقالات رأي، كان منها اثنين في مايو الماضي للكاتب الصحفي محمد سعد عبد الحفيظ".
رقابة على الإنترنت
وفقًا للتقرير ارتفع عدد المواقع المحجوبة في مصر إلى 529 موقعًا منذ بداية استخدام السلطات المصرية لممارسة الحجب في مايو 2017.
ورصدت المؤسسة تعرّض 17 موقعًا للحجب في الربع الثاني من العام الجاري، ما بين مواقع سياسية ومواقع مشاهدة أونلاين ومواقع صحفية وسينمائية، وكان من بينها موقع حملة "باطل" المعارضة للتعديلات الدستورية، و"إيجي بيست" الذي يحتوى على مكتبة للأعمال الدرامية والسينمائية، وذلك بالتزامن مع موسم دراما رمضان؛ ما جعّل المؤسسة تُرجّح أن السبب هو إطلاق watch it، "إذ أن استمرار وصول المستخدمين إلى المواقع المجانية من شأنه أن يضعف خطط إعلام المصريين لجذب الاشتراكات في منصتها".
وعلى صعيد حُرية الإبداع، رصدت المؤسسة 3 "انتهاكات" تمثّلت في حكم بحبس الراقصة جوهرة لمدة سنة، والمغني الشعبي حمو بيكا لمدة شهرين، ومنع "جهة سيادية" عرض مسرحية "حسنة إبليس"، التي واجهت اعتراضات من اﻷزهر.
إزاء ما رصدته من وقائع "انتهاكات" بين الحجب والتعدي على إعلاميين ووقف طباعة صحف؛ اختتمت "حُريّة الفكر والتعبير" تقريرها بتوصيات، تمثلت في "وقف إجراءات حجب المواقع، ورفع الحجب عن مئات المواقع المحجوبة، ووقف رقابة الأجهزة الأمنية على الصحف المطبوعة، والتي تؤدي إلى منع طباعة الصحف ومنع نشر مقالات الرأي".