من "ولا يوم من أيامك يا مبارك"، إلى "هو كل واحد لازم يجيب لنا ابنه بداله وهو ماشي"، يتقلب الفنان عادل إمام بين مواقف سياسية مغايرة، إما على لسانه في تصريحات صحافية، او على لسان شخوصه الفنية.
الاقتباس الأخير، الخاص بالأبناء، جاء على لسان الدكتور فوزي جمعة، الأستاذ بكلية الزراعة، اليساري، والذي يجسد إمام دوله في مسلسل "أستاذ ورئيس قسم" الذي يعرض في شهر رمضان الجاري.
اشتبكت أعمال عادل إمام الفنية كثيرًا مع السياسة، كثيرًا ما وجه سهام سخريته إلى حاشية النظام دون التطرق إلى رأسه، كثيرًا ما هاجم الإسلاميين خاصة في سنوات التسعينيات، وبعيدًا عن الأعمال الفنية، دائمًا يدافع إمام عن حسني مبارك، ليبدو الدور الأخير الذي يلعبه الزعيم، خروجًا عن السياق المعتاد.
تناول إمام اليسار للمرة الأولى في أعماله الفنية عام 2005 في فيلم "السفارة في العمارة"، عندما ظهرت شخصية الرفيقة الدادة أم عطيات، في منزل الأستاذ اليساري (شهدي) الذي كان المهندس شريف خيري (عادل إمام)، يحاول التقرب من ابنته داليا (داليا البحيري).
في الحالة الأولى قدّم السيناريست يوسف معاطي العائلة اليسارية باعتبارها عائلة لا يستحم أبناؤها لأنهم يستغرقون وقتهم في القراءة، عائلة تذيب الفوارق الطبقية مع الخادمة (الرفيقة الدادة أم عطيات)، تناقش الأمور السياسية أثناء شرب الويسكي، وفي النهائية، هي عائلة تتعامل باعتيادية مع القبض على ابنتهم (داليا)، لأن كل أفراد هذه العائلة قضوا أوقاتًا متفاوتة في السجن.
الاشتباك الثاني مع اليسار كان مع فوزي جمعة، الذي أغضب كونه استاذًا بكلية الزراعة، نقابة علماء مصر، التي وجهت خطابًا رسميًا لقناة "إم بي س" تطلب فيه وقف عرض المسلسل، لأنه يبرز هذا الأستاذ "شخصًا غير ملتزم، يسعى وراء الراقصات والعاهرات ويشرب الخمر ويحرض تلاميذه على ذلك".
هذا المناضل اليساري، يأتي كحلقة في سلسلة فنية امتدت أكثر من نصف قرن بكثير، حرص فيها إمام على الاشتباك السياسي في أعماله، مع خصوم النظام تارة من الإسلاميين تارة، ومع النظام نفسه تارة أخرى.
وفي كلا الحالتين الفنية والإنسانية، يظل إمام حليف النظام، أثناء إحكام قبضته على زمام أمور البلاد، وبعد انفلات هذه القبضة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، والتي دافع في أوجها عن مبارك قائلًا "عمل إيه حسني مبارك عشان يتشتم، بعدنا (أبعدنا) عن مشاكل كتير".
في أفلامه ذات الطابع السياسي، حرص الإمام أن يوجه سهام الانتقاد إلي حاشية النظام الفاسدة بعيدا عن رأسه، ولم يكسر هذا النمط إلا في أول أفلامه السياسية "احنا بتوع الأتوبيس" إنتاج عام 1979، ولكنه في هذا الفيلم، هاجم رأسًا ميتة لنظام منتهٍ.
يتناول هذا الفيلم الذي أنتج في عهد الرئيس أنور السادات، التعذيب الذي مارسه نظام الرئيس جمال عبد الناصر، ويعتبر أن نهاية هذا النهج، كان هزيمة 1967.
ومع ظهور العمليات المسلحة للجماعات الإسلامية في التسعينات، شارك الإمام في المعركة ضدهم فنيًا، من خلال عدة أعمال منها طيور الظلام والإرهاب والكباب (سيناريو وحيد حامد وإخراج شريف عرفة) والإرهابي (سيناريو لينين الرملي سيناريو وإخراد نادر جلال)، وقد كتب السيناريو لها جميعًا السيناريست وحيد حامد.
وترسخ هذه الأفلام الصورة النمطية لأعضاء الجماعات الإسلامية، فهم حفنة من حليقي الشوارب مطلقي اللحى، وهم انتهازيون وبالطبع إرهابيون، ولا يستعملون رؤوسهم للتفكير بل لطاعة أمراء جماعاتهم.
وفي الألفية الجديدة، واصل الزعيم السباق السينمائي مع جيل الشباب بأفلام تعرضت بشكل رئيسي أو ثانوي لصعود التيار السلفي في مصر، منها: السفارة في العمارة، ومرجان أحمد مرجان، وعمارة يعقوبيان و حسن ومرقص.
يضع ثوب المناضل اليساري المتنبئ والداعي للثورة ضد نظام مبارك، إمام في مرمي نيران جميع الأطراف: الثورية واليسارية التي رأت أنه يشوههم، حسب ما قال المستشار نور فرحات في تصريحات إلى "المصري اليوم"، وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة، إذ وجدوا دوره مبتذلًا لأستاذ جامعي، فضلا عن أحد أبرز النقاد الفنيين، طارق الشناوي، وجد أن الإمام يقدم نموذجًا فنيًا يخاصم آرائه ومواقفه السياسية المعلنة والمناصرة لنظام مبارك، متسائلا إلي أي حد كيف يمكن أن يفصل الممثل بين مواقفه الحقيقية وشخصيته الدرامية؟!