أعلنت منظمات حقوقية رفضها لمشروع قانون تنظيم العمل الأهلي الذي أعدته الحكومة وتناقشه حاليًا لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب، واعتبرته "إعادة لتسويق القمع"، وطالبت بالعودة لمشروع قانون قدّمه وزير التضامن الاجتماعي السابق أحمد البرعي "وشهد مشاورات واسعة بين أطياف مختلفة من منظمات المجتمع المدني".
يأتي مشروع القانون الجديد بعد أن ألغت الحكومة في أبريل/ نيسان الماضي قانون الجمعيات الأهلية، غداة موافقة الرئيس عبد الفتاح السيسي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 على تشكيل لجنة وإجراء حوار مجتمعي حول القانون، وأن تعيد الجهات المعنية في الدولة تقديمه مرة أخرى إلى مجلس النواب، نظرًا لما شابه من مخالفات دستورية.
ولاقى القانون الملغي انتقادات دولية كذلك، إذ وصفه نواب في مجلس الشيوخ الأمريكي بأنه "قانون جائر"، بينما ذكر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان أن هذا القانون "يُسلّم فعليًا إدارة المنظمات غير الحكومية للحكومة"، خاصة وأنه كان يقضي بالحبس كإحدى العقوبات على بعض المخالفات.
ملامح عامة
يًلزم مشروع القانون الجديد على الجمعيات والمؤسسات اﻷهلية والاتحادات والمنظمات الإقليمية واﻷجنبية غير الحكومية والكيانات التي تمارس العمل الأهلي توفيق أوضاعها وفقًا لأحكامه خلال سنة، وإلا قضت المحكمة المختصة بحلّها.
ووضع مشروع القانون شرط إخطار "الجهات المختصة" مقابل السماح للجمعيات بتلقّي الأموال والمنح والهبات من داخل البلاد وخارجها، سواء من أشخاص طبيعية أو اعتبارية مصرية أو أجنبية أو منظمات أجنبية غير حكومية، مصرح لها بالعمل بمصر.
ونص مشروع القانون، الذي حصلت المنصّة على نسخة منه، على عدم جواز توفيق أوضاع الكيانات التي صدر قرار بإدراجها على قوائم التنظيمات الإرهابية، أو حكم باشتراكها في إحدى جرائم الإرهاب، كما تضمن أمورًا محظور على الجمعيات ممارستها، من قبيل ما يخالف "الآداب العامة والنظام العام".
وفي الباب المختص بعمل المنظمات الأجنبية، نصّت مواد على حظر استعانة الجمعيات المصرية بأجانب سواء كخبراء أو عاملين أو متطوعين إلا بعد ترخيص من الوزير المختص، ومواد أخرى نصّت على إلغاء تصريح المنظمات اﻷجنبية لدواعي "تهديد الأمن القومي أو السلامة العامة، الإخلال بالنظام العام".
"أسوأ مما كان"
ووصفت تسع منظمات حقوقية، في بيان مشترك صادر عنها اليوم الأربعاء، مشروع القانون الجديد بأنه "أسوأ من قانون الجمعيات السابق رقم 84 لسنة 2002، ويتعارض مع مواد الدستور".
وأبدت اعتراضاتها على عدد من بنوده، كان على رأسها أن القانون "يحظر أي نشاط يدخل في عمل الجمعيات دون التسجيل كجمعية أهلية، وفي الوقت نفسه منح للجهة الإدارية صلاحيات بحل وغلق مقار أي كيان يمارس عمل الجمعيات الأهلية دون أن يكون مسجلًا كجمعية، وإباحة مصادرة أموالها لصندوق دعم مشروعات الجمعيات الأهلية بحكم القضاء الإداري".
وكان من بين أوجه الاعتراض حظر مشروع القانون على الجمعيات الأهلية إجراء استطلاعات للرأي والبحوث الميدانية ونشر نتائجها إلا بعد موافقة جهاز التعبئة والإحصاء، وما يستتبعه مخالفة ذلك من دفع غرامة قد تصل إلى نصف مليون جنيه.
وانتقد البيان الحقوقي استخدام "مصطلحات فضفاضة" كمحظورات على عمل الجمعيات يتيح للحكومة التدخل ووقف أنشطة الجمعية وتسهيل عملية حلها أو رفض تسجيلها من البداية، مثل "ممارسة أنشطة تخل بالنظام العام أو الآداب العامة والوحدة الوطنية والأمن القومي".
وأبدى موقّعوا البيان رفضهم لنص "منح الجهة الإدارية حق الاعتراض على قرارات الجمعية واستبعاد المرشحين لمجالس إدارتها دون تحديد مسببات ذلك، ودون إتاحة حق الاعتراض أمام الجهات القضائية، وكذلك قصر أنشطة وأغراض الجمعيات على مجالات تنمية المجتمع فقط".
وانتقد البيان، فيما يتعلّق بالمنظمات الأجنبية، أن مشروع القانون "أبقى على الحظر بشأن التعاون مع منظمات أجنبية، مشترطًا الحصول على ترخيص من الوزير المختص قبل الشروع في تنفيذه، كما أخضع المشروع عمل المنظمات الأجنبية لقيود كثيرة بإجراءات غير واضحة".
"تأميم للحريات"
قال محمد زارع، أحد أعضاء فريق مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إن مشروع القانون يحمل "نفس النظرة العدائية ضد المنظمات (الأهلية والحقوقية)، ونفس الفلسفة في التعامل معها بسوء نية باعتبارها إما كيانات إرهابية أو تتعامل مع كيانات إرهابية".
وعن أوجه انتقاداته للقانون قال زارع للمنصّة إنه "يُعطي الحق في وقف نشاط الكيانات الأهلية أو حظرها للسلطات، وعلى ما يبدو من أنه يمنحها حق التظلم أمام القضاء إلاّ أن القضاء سيحكم بالقانون نفسه الذي حظرها ووضعته السلطات".
وردّ زارع على ترحيب البعض بإلغاء العقوبات السالبة للحريات في مشروع القانون الجديد بقوله "المشكلة أن قانون العقوبات والكيانات الإرهابية وغيرهما من القوانين التي تنص على عقوبات الحبس ما تزال موجودة، ومشروع القانون الجديد يسمح باللجوء لها؛ ما يعني ضمنيًا أن الحبس قد يُطبّق".
وتقر المادة 94 من مشروع القانون مبدأ ازدواجية العقوبة إذ تنص على أن تطبيق عقوباته ستكون "مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو في أي قانون آخر".
ولفت الحقوقي إلى أنه ومع إلغاء العقوبات السالبة للحريات من مشروع القانون إلاّ أن هناك "مبالغة في العقوبات المادية ﻷمور بسيطة مثل تغيير مقر الجمعية دون إخطار وإذن السلطات"، مضيفًا "هذا يُحيلنا بالتبعية لفكرة ماهية الفعل المُجرّم، ومدى ما يتسوجبه من عقوبة، فالموجود في القانون مخالفات إدارية تم التعامل معها باعتبارها جرائم؛ وهذا لن يؤدي إلاّ إلى النفور من العمل اﻷهلي".
وأشار زارع إلى "استخدام العبارات المطاطة من قبيل الآداب العامة والسلم العام واﻷمن القومي، كمسوغات لحل الجمعية أو معاقبة العاملين بها"، وعلّق "هذا الأمر صار معتادًا في القوانين، ﻷنه يمنح السلطات الكلمة العليا لتكييف الجرائم دون تحديد أفعال محددة".
واختتم الحقوقي بقوله "ما نراه الآن هو تأميم للحريات ونشاط الجمعيات بطريقة غير مباشرة، فبدلاً من أن تتبع السلطة مباشرة، صار لزامًا عليها اتباع خطط وسياسات الدولة وروّيتها".
"مُخيب للآمال"
يرى أحمد سميح، مدير مركز أندلس لدراسات التسامح، أن مشروع القانون لم يشهد تغييرات عما كان في القانون السابق، باستثناء بعض التفاصيل المتعلقة بالتمويل، مُرجحًا أن يمر القانون دون تغييرات كثيرة من جانب البرلمان.
في البرلمان، اختلفت الآراء حول مشروع القانون، إذ قال رئيس لجنة التضامن الاجتماعي عبد الهادي القصبي، في تصريحات صحفية قبل يومين أن "نحو 99% من مقترحات الحكومة لتعديل قانون العمل اﻷهلي، والتي راجعتها اللجنة حتي الآن، لا تتضمن جديدًا"، في وقت أكد فيه وكيل اللجنة محمد أبو حامد أن الحكومة "استجابت لمطالب المنظمات في تعديل القانون".
وعلّق سميح، في تصريحات للمنصّة، على هذا الأمر بقوله "على ما يبدو أن هناك إرادتين لجهتين من أجهزة سيادية كل واحدة فيهم ترى أن اﻷخرى لا تستوعب بصورة كاملة القانون وتبعات إقراره".
واختتم مدير أندلس بقوله "في النهاية، يبقى القانون في نسخته الجديدة مُخيبًا للآمال، وما يزال بعيدًا جدًا عن أي معايير تتعلق بالقوانين المنظمة للعمل اﻷهلي والمدني في أي مكان في العالم".