
أي مجتمع مدني يراقب نزاهة الانتخابات؟
كثير من التأييد قليل من الرقابة
تحت أنظار 56 منظمة وجمعية منحتها الهيئة الوطنية للانتخابات تصاريح متابعة، لتكون بمثابة "عيون وآذان" المجتمع لضمان الشفافية ورصد الانتهاكات، انتهت الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ 2025، التي جرت في مصر يومي 3 و4 أغسطس/آب الجاري من خلال 8,825 لجنة/مقرًا انتخابيًا فرعيًا موزعةً على مستوى البلاد.
لكن، هل تمتعت قائمة المراقبين المعتمدة بالخبرة والاستقلالية اللازمة لأداء هذا الدور الحاسم؟ أجرت المنصة مراجعة لهذه القائمة واكتشفت أن العديد منها يفتقر إلى خبرة موثقة أو حضور مؤسسي فاعل.
باستثناء 6 جمعيات، لم تملك بقية الكيانات الـ50 مواقع إلكترونية رسمية. كما افتقر معظمها إلى سجل أعمال منشورة أو تقارير متاحة للجمهور عن الأنشطة.
بالإضافة إلى نقص الخبرة، كشف البحث مناحٍ أخرى.
مناصب عليا في كيانات وهمية
ضمن الجمعيات التي نالت ثقة الهيئة الوطنية للانتخابات مؤسسة مصر الوطنية للتنمية وحقوق الإنسان بالإسماعيلية، التي يرأسها بكر الجليند، الذي يعرف عن نفسه على فيسبوك بعدد من الألقاب أبرزها "رئيس قسم العلاقات الدبلوماسية بالنقابة العامة للصحافة والإعلام والمرئيات".
لكن بالبحث عن النقابة العامة للصحافة، يتبين أن هذا الكيان النقابي لا وجود له على أرض الواقع، وهو ما أكده نقيب الصحفيين خالد البلشي لـ المنصة بأنه "كيان وهمي لا علاقة له بالنقابة الشرعية"، وشدد عليه نائب رئيس اتحاد عمال مصر مجدي بدوي "لا توجد نقابة بهذا المسمى تابعة للاتحاد".
وبمراجعة أرشيف الصفحة على فيسبوك، لم نعثر على تقارير سابقة تتعلق بمراقبة الانتخابات.
نشاط المؤسسة الانتخابي في 2023 اقتصر على نشر بوستين فقط على فيسبوك، هما مجرد إعادة مشاركة/شير لمقاطع فيديو من أمام اللجان، بهاشتاج يحمل اسم المؤسسة، التقطها أحد أعضاء المؤسسة وهو قيادي بحزب "حماة الوطن"، وصف الانتخابات بـأنها جرت في "أجواء ديمقراطية رائعة"، وتظهر في الفيديوهات مكبرات صوت ومنظمين تابعين لحزب مستقبل وطن.
ألقاب زائفة
من ضمن المنظمات أيضًا التحالف المدني لحقوق الإنسان وجمعية العفو المصرية، ويرأس كليهما محمد فواز الذي يقدم نفسه بعدة ألقاب على فيسبوك؛ "السفير دكتور"، و"نقيب الحقوقيين بمصر"، و"رئيس الجبهة المصرية لدعم الجيش والشرطة".
وبمراجعة السجلات الرسمية لوزارة الخارجية، بما في ذلك الهيكل الإداري للوزارة وحركات التعيينات الدبلوماسية المنشورة في الجريدة الرسمية، بالإضافة إلى أرشيف أخبار البعثات في الخارج، لم يُعثر على أي سجل يثبت أن فواز تدرج في السلك الدبلوماسي أو شغل منصب سفير، كما أن منصب "نقيب الحقوقيين بمصر" لا أصل له في أي هيكل نقابي أو حقوقي مصري.
وشارك فواز في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، في زيارة نظمتها وزارة الداخلية لسجن برج العرب، ووثقتها تقارير صحفية آنذاك، حمل معظمها إشادة بأوضاع السجون وبالمعاملة الإنسانية للسجناء، في وقت وصفت فيه المفوضية المصرية للحقوق والحريات السجن ذاته بأنه مسرح لانتهاكات حقوق السجناء بأمر الأمن الوطني.
ودكتوراه وهمية
مؤسسة "نبراس السلام" ترأسها نيفين جميل، التي سبق لها الترشح لمجلس الشيوخ في 2020 عن حزب التحرير المصري لكنها لم يحالفها الحظ، وبعدها بعامين أعلنت على فيسبوك استعدادها لقبول أي منصب حكومي عبر ما سمته "بيان للرأي العام" قالت فيه "إنني لا أنتوي الترشح في أي انتخابات قادمة ولكن إذا تم تعييني في أي منصب يخدم وطني سوف أقبل".
ومن حزب التحرير إلى حزب الشعب الجمهوري المقرب من السلطة، حيث تشغل نيفين منصب أمينة المرأة، ونشرت على صفحتها ثلاثة شهادات دكتوراه فخرية حصلت عليها، وتسبق اسمها بدرجة الأستاذة الدكتورة.
من ضمن هذه الشهادات دكتوراه فخرية من بريطانيا تبدو للوهلة الأولى رسمية، إلا أنه عند التدقيق يظهر أن الجهة المانحة تحمل اسم Elizabeth College، ويتضح أنه اسم شائع لعدة مدارس للتعليم ما قبل الجامعي. ومن خلال البحث العكسي عن صورة الشهادة، نكتشف عشرات القوالب المتطابقة التي مُنحت لخليط من الأشخاص حول العالم.
كما تذكر الشهادة عنوانًا في لندن تُظهر خرائط جوجل أنه ليس حرمًا جامعيًا، وبالبحث يتبين أن منطقة Northampton Square تحوي مكاتب تقدم خدمات المكاتب الافتراضية/virtual office، أي مجرد صندوق بريد وعنوان شكلي.
المفاجأة أنه أثناء البحث وجدنا أن مؤسسة نبراس السلام منحت بدورها 5 شهادات دكتوراه فخرية عام 2023 لأشخاص شاركوا في ندوة نظمتها المؤسسة.
يقودنا البحث في قائمة المراقبون إلى نموذج أكثر إثارة ممثلًا في "المنظمة المصرية لحقوق الإنسان والتنمية". تنشغل هذه المنظمة بالترويج عبر صفحاتها على السوشيال ميديا لنيل دكتوراه فخرية من كيان ينتحل اسم وشعار جامعة هارفارد تابع للمنظمة، مع وعد صريح بأن اللقب يُمنح "من غير دراسة… ومن غير امتحان!" ويكشف تتبع هيئة هارفارد أنها لم تكن سوى اسم سابق لصفحة موقع يدعى "صوت الناس الحر".
المراقب الذي لا يرى
عدم توثيق انتهاكات ليس جديدًا، فبنظرة على الاستحقاقات الانتخابية السابقة لا نجد إلا قدرًا يسيرًا من "الرقابة". فبينما وثّق "المجلس القومي لحقوق الإنسان" استخدام المال السياسي لتوجيه الناخبين في انتخابات مجلس النواب لعام 2020، تبنت بعض الجمعيات حينها تعريفًا ضيقًا للرقابة يتجاهل مثل هذه الخروقات. أبرز مثال على ذلك هو تبرير ممثل "مؤسسة ابن النيل" لعدم توثيق شراء الأصوات وقتذاك بأن "هذا ليس دورنا طالما يتم بعيدًا عن اللجان".
واقتصرت تقارير كيانات مثل مصر السلام والمؤسسة الوطنية على الإشادة المطلقة بجميع الانتخابات السابقة. هذا الدور يظهر أكثر مع "اتحاد الجمعيات" الذي منح صك البراءة للعملية الانتخابية في بوستات على فيسبوك.
أما "جمعية أيادي مصرية"، وهي كيان له موقع على الإنترنت وعدد من الإصدارات والتقارير، فأعلنت أن مبادرتها "مدّت يدها هذه المرة نحو المشاركة، لا المراقبة فحسب". وبمراجعة أرشيفها عن متابعة الانتخابات منذ عام 2020 لم نجد أي ملاحظات سلبية على الانتخابات.
وجمعية حلف مصر لحقوق الإنسان لها صفحة على فيسبوك لم تنشر أي تقرير عن الانتخابات الرئاسية 2024 غير زيارة لحي الطالبية، قالت عنها إنها لم تشهد أي مخالفات تشكك في نزاهة العملية الانتخابية.
أما جمعية حماية، فصفحتها على فيسبوك لم تنشر سوى بوست واحد ذُكرت فيه كلمة "انتخابات"، تعلن فيه تصويت قياداتها وأعضائها للرئيس السيسي، مع صور لهم أثناء الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية 2024.
أما "المجلس العربي لدعم المحاكمة العادلة"، فلم نجد له على الإنترنت سوى جروب على فيسبوك به 16 عضوًا، وصفحة غير نشطة منذ 2014 لا يوجد عليها أي بوست له علاقة بالانتخابات، غير فيديو لرئيسه عبد الجواد أحمد تسأله فيه المذيعة عن الوضع الميداني ليجيب بسلسلة من الإشادات بالإعلام والرئيس والهيئة العليا والمواطنين والتجربة الديمقراطية وبعثات المجتمع الدولي.
عبد الجواد أيضًا كان أحد منظري قانون الإجراءات الجنائية الجديد كونه عضوًا باللجنة الفرعية لمشروع القانون، ويعد من أشد المدافعين عن صدور القانون الذي وصفته عدد من المؤسسات والنقابات بالمعيب.
وش القفص
ليست كل المؤسسات خاملة أو ميئوسًا منها، حيث رصد مجلس الشباب المصري في تقريره عن انتخابات الرئاسة 2018 مجموعة مخالفات بينها الدعاية الانتخابية على أسوار اللجان، وحشد الأنصار بمكبرات الصوت، وحالات عدم استخدام الحبر الفسفوري، وكذلك رصد انتهاكات في انتخابات في الشيوخ في 2020.
وتبدو مؤسسة ماعت ومؤسسة شركاء من أجل الشفافية ومؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، استثناءً إيجابيًا من حيث وجود مواقع إلكترونية احترافية توثق أعمالهم، إلى جانب قيامهم بأنشطة بحثية.
في عام 2023، أسست ماعت مع مؤسسة شركاء من أجل الشفافية "ائتلاف نزاهة" لمتابعة الانتخابات الرئاسية الأخيرة 2024، بالإضافة إلى 4 منظمات من اليونان وأوغندا وغانا ورومانيا، ولكن لم يرصد هذا الائتلاف أي مخالفات.
وتراقب تلك المنظمات الدولية الأربعة انتخابات الشيوخ 2025، ويَرجع قلة عدد المراقبين الدوليين إلى أن البيئة السياسية أصبحت طاردة للمنظمات الحقوقية المستقلة، وفقًا لمدير برنامج مصر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان محمد زارع، الذي قال لـ المنصة إن كثيرًا من المؤسسات الحقوقية تعرضت لملاحقات قانونية وأمنية بعد 2014، ما دفع بعض المنظمات المحلية إلى وقف أنشطتها أو مغادرة البلاد، مردفًا "الاتحاد الأوروبي ومنظمة كارتر نفسها قالت إنها لن تراقب مرة أخرى بعد 2014".
أما مؤسسة "ملتقى الحوار" فأصدرت تقريرًا عن الانتخابات الرئاسية 2024 التي جرت في أواخر 2023، وصفتها بأنها "جادة". وبتحليل محتوى التقرير، بدءًا من عنوانه وصولًا إلى خلاصاته، يتضح أنه يميل إلى محاباة السلطة، ويتجلى هذا في استعراضه الانتقائي لإنجازات الحكومة وتجاهله التام للأزمات الاقتصادية وإغلاق المجال العام، بالإضافة إلى إشادته بحملة الرئيس مقابل تهميش بقية المرشحين.
بينما جاء في تقرير المفوضية المصرية للحقوق والحريات عن نفس الانتخابات أنها شهدت في اليوم الأول سلسلة من المخالفات، أبرزها الدعاية الانتخابية المباشرة للمرشح عبد الفتاح السيسي أمام اللجان، وعمليات الحشد المنظم للناخبين، وتوزيع الأموال والمواد الغذائية للتأثير على أصواتهم.
وفي تقريرها عن انتخابات الشيوخ 2020، قدمت "المنظمة المصرية لحقوق الإنسان" صورة متناقضة. فمن جهة، رصدت مخالفات خطيرة كشراء الأصوات، وتوزيع مواد تموينية وبونات شراء مرتبطة بمرشحين محددين، بالإضافة إلى استخدام سيارات بمكبرات صوت تهدد المواطنين بالغرامة لحثهم على التصويت. ومن جهة أخرى، قللت من شأنها باعتبارها ممارسات "خارج اللجان"، مع الإشادة المطلقة بنزاهة الاقتراع في الداخل.
كيانات بلا هوية
تكمن المفارقة في أن الأسباب التي أدت لرفض اللجنة العليا للإشراف على الانتخابات طلبات المراقبة المقدمة من 32 جمعية عام 2014 كان على رأسها غياب الخبرة، وفقًا لتقرير الاتحاد الأوروبي. بينما الأمر ذاته ينطبق على عدد كبير من الجمعيات المقبولة اليوم من الهيئة الوطنية للانتخابات -التي حلت محل اللجنة العليا في 2017. حيث يغلب على قائمة الجمعيات المقبولة لمتابعة الانتخابات الأخيرة العمل الخيري المحلي.
نجد مثلًا أن جمعية شباب الجيل للتنمية تقدم مساعدات في حي الدويقة، دون أي سجل على الإنترنت في مراقبة الانتخابات.
أما جمعية شباب المستقبل، فيتركز نشاطها في قرية منشأة غمرين بمنوف بمحافظة المنوفية على أعمال خيرية بحتة، نفس الأمر بالنسبة لـ جمعية شباب سوهاج للأعمال الخيرية، وجمعية منتدى شباب البلينا لتنمية المجتمع والتدريب، وجمعية حقوق المرأة والطفل لتنمية المجتمع (بأسيوط)، ومؤسسة مصر للصحة والتنمية المستدامة، ومؤسسة التعاون الإنمائي، ومؤسسة السندس للأيتام ذوي الاحتياجات الخاصة، ومؤسسة ساعد، والمؤسسة العربية الإفريقية، والمستقلين الدولية. فبعيدًا عن أنشطتها المختلفة لا يوجد لها أي سجل أو تقرير يشير إلى خبرة في متابعة العملية الانتخابية أو إعداد كوادر لمتابعة الانتخابات.
تواصلت المنصة مع رئيسة مؤسسة المستقلين بسمة فؤاد، ولكنها امتنعت عن التعليق على أي سؤال يخص الانتخابات مبررة بأن هذا الملف ليس ضمن متابعات الجمعية، وقالت إن إدارة الجمعية اتخذت قرارًا بعدم مراقبة الانتخابات هذا العام على الرغم من قبولها.
ومن اللافت أن بعض جمعيات مراقبة الانتخابات ليس لها أي أثر على الإنترنت، ومنها مركز عيون للدراسات، ومؤسسة إنسان حول العالم، والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بالبحر الأحمر، وجمعية جسر، ومؤسسة مركز عيون لدراسات وتنمية حقوق الإنسان والديمقراطية (بأسيوط). فلا موقع إلكتروني لهم، ولا صفحة فيسبوك نشطة، وهو ما يجعل تتّبع أنشطتهم السابقة في الرقابة الانتخابية صعبًا.
أما مؤسسة "الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بسوهاج" فيذكرها أرشيف موقع اليوم السابع في عدد من الأخبار كان آخرها عام 2020، ومنها هجوم لرئيس الجمعية على قطر، وخبر وحيد عن الاستعداد لمتابعة انتخابات 2015.
ويُختزل وجود مؤسسة سفراء السلام للتنمية المستدامةعلى الإنترنت في حساب شخصي على فيسبوك غير نشط، وليس صفحة لمؤسسة، وهو ما يتعارض مع أبسط معايير الاحترافية.
بهذا، تتشكل أمامنا ملامح الجمعيات التي أجازتها الهيئة الوطنية للانتخابات، لينطبق على أكثريتها وصف حسام بهجت مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في حديثه لـ المنصة بأنها "منظمات لم نسمع عنها من قبل أو منظمات صديقة للدولة".
وحاولت المنصة التواصل مع الهيئة الوطنية للانتخابات للاستفسار عن معايير اختيار منظمات المجتمع المدني التي تتابع الانتخابات، غير أننا لم نتلق ردًا حتى نشر هذا التقرير.