بدأت الجمعيات والمنظمات الحقوقية، التي اعتمدتها الهيئة الوطنية للانتخابات لمراقبة انتخابات مجلس الشيوخ الاستعداد لمتابعة سير العملية الانتخابية المقرر إجراؤها مطلع الشهر المقبل، في وقت غابت فيه منظمات نشطت في هذا المجال خلال العقد الماضي، مع تصاعد التساؤلات حول جدوى المراقبة في ظل أوضاع سياسية ومناخ إعلامي بات يوصف بـ"المغلق".
ووفق الجدول الزمني لانتخابات الشيوخ المقبلة، سيجرى تصويت المصريين بالخارج يومي 1 و2 أغسطس/آب المقبل، على أن يصوت المصريون في الداخل يومي 4 و5 من الشهر نفسه، وتُعلن النتائج الرسمية يوم 12 أغسطس، بالتزامن مع بداية الدعاية لجولة الإعادة، حال وجودها.
وفيما بدأ المجلس القومي لحقوق الإنسان وعدد من المنظمات الحقوقية الاستعداد لتدريب الكوادر وعقد دورات لمناقشة الجوانب القانونية والتنظيمية المتعلقة بالترشح والتصويت والمعايير الدولية للانتخابات الحرة والنزيهة، اختفت منظمات كان لها دور بارز في عمليات المراقبة لأسباب مختلفة.
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان كان من بين منظمات مجتمع مدني أخرى قررت التراجع عن ممارسة دور المراقب والمتابع للعملية الانتخابية منذ عام 2014، "لعدم وجود عملية انتخابية حقيقية"، حسبما قال مدير برنامج مصر بالمركز محمد زارع لـ المنصة.
يقول زارع إن المركز الذي شارك في تحالفات مراقبة الانتخابات منذ عام 2010، واستمر في متابعة الاستحقاقات التشريعية والدستورية حتى الانتخابات الرئاسية في 2014 توقف عن أداء هذا الدور نتيجة "السيطرة الكاملة على الإعلام"، ما أفقد المراقبة معناها.
ويوضح "المشهد الإعلامي خلاص محسوم، بدايةً من سيطرة إعلام المصريين، وبعدها المتحدة، حتى أصبحت كل القنوات مملوكة لنفس الجهة، فأصبحت السيطرة كاملة، لم يعد هناك معنى لمراقبة حاجة محسومة سلفًا".
وإعلام المصريين هو كيان إعلامي تم تأسيسه على يد رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة عام 2016، ثم تطور اسمه وبنيته مع الوقت بعد أن استحوذت شركة إيجل كابيتال للاستثمارات المالية على حصة أبو هشيمة، وأصبحت "إعلام المصريين" مملوكة بالكامل لها ، قبل أن يتم دمجها مع مجموعة شركات إعلامية أخرى عام 2019 تحت اسم الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والتي تضم عددًا من القنوات والصحف الرقمية والمطبوعة والشبكات الإعلامية.
ويلفت زارع إلى الضغوط والاستهداف الذي تعرضت له بعض المنظمات الحقوقية بعد 2014 "كلنا كنا حاسين إنهم هيقتحموا مقراتنا في أي لحظة، مكناش بنقدر نشتغل براحتنا ولا نجيب مراقبين ميدانيين، كنا خايفين نعرّضهم للخطر".
ويضيف أن البيئة أصبحت طاردة للمنظمات الحقوقية المستقلة، مشيرًا إلى أن كثيرًا منها تعرض لملاحقات قانونية وأمنية بعد 2014، ما دفع بعضها إلى وقف أنشطته أو مغادرة البلاد، مردفًا "الاتحاد الأوروبي ومنظمة كارتر نفسها قالت إنها لن تراقب مرة أخرى، بعد 2014، خلاص مفيش حاجة تستحق المراقبة".
ويقول "ماذا نراقب؟ كل ما يجري تستيف للبرلمان يتم في الأجهزة الأمنية، قبل ما الناس تنزل ترقص أمام اللجان، وهذا المشهد ليس له علاقة بأي عملية انتخابية".
الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة الاجتماعية هي الأخرى كانت شريكًا في تحالف لمتابعة الانتخابات قبل 30 يونيو مع مركز القاهرة غير أنها توقفت عن العمل عقب موجة الاستهداف التي طالت عددًا من المنظمات الحقوقية والملاحقة القانونية في إطار القضية 173 ومنع رئيسها مجدي عبد الحميد من السفر في 2017.
كما غادر مصر عدد من رؤساء المراكز الحقوقية التي كانت فاعلًا رئيسيًا في مراقبة الانتخابات قبل 30 يونيو ومنهم رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، محمد علي زارع الذي أصدرت محكمة جنايات القاهرة قرارًا في 2017 بتجميد أصوله، وأصول منظمته.
في المقابل، تستمر منظمات أخرى، تُوصف بأنها قريبة من الدولة، في العمل الميداني على مراقبة الانتخابات.
ويقول رئيس ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان سعيد عبد الحافظ لـ المنصة إن هدف المراقبة هو التأكد من سلامة الإجراءات القانونية وليس إصدار أحكام على المناخ السياسي، معتبرًا أن "ضعف المشاركة مسؤولية الأحزاب وليس المنظمات".
يعترف عبد الحافظ بتراجع المناخ السياسي فيما يتعلق بالتعددية وتنوع الأحزاب، لكنه يعود ليؤكد بأن هذا الأمر لا يمنع منظمته من أداء دورها في الرقابة "لأن نزاهة الإجراءات شيء، والمناخ السياسي شيء آخر".
ويشير عبد الحافظ إلى أن الملتقى، الذي يترأسه، شكّل ائتلافًا لمراقبة الانتخابات منذ 2015، يضم 550 جمعية أهلية من عشر محافظات، وما زال فاعلًا حتى اليوم، حتى أنه أصدر في 8 يوليو/تموز الجاري تقريرًا بعنوان "انتخابات مجلس الشيوخ 2025 في مصر: قراءة تحليلية في السياقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتحديات المشاركة الفعلية"، أوصى فيه بتعديل النظام الانتخابي لضمان شفافية وتمثيل أكثر عدالة.
وتعتمد انتخابات مجلس الشيوخ، الذي يتكون من 300 عضو، على نظام القوائم المطلقة المغلقة لثلث المقاعد، بينما يُنتخب الثلث الثاني بالنظام الفردي، ويُعيّن رئيس الجمهورية الثلث الأخير.
ويوم 10 يوليو الجاري، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات إغلاق باب الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ 2025، مشيرة إلى أن 469 مرشحًا تقدموا بأوراق ترشحهم على النظام الفردي فيما تقدمت قائمة واحدة على مستوى القوائم وهي "القائمة الوطنية من أجل مصر" التي استحوذ فيها حزب مستقبل وطن على النصيب الأكبر بأكثر من 40 مرشحًا.
وضمت القائمة 19 مرشحًا لحزب حماة الوطن و12 للجبهة الوطنية و11 لتحالف الطريق الديمقراطي بواقع خمسة للمصري الديمقراطي الاجتماعي، وأربعة لكل من حزبي العدل والإصلاح والتنمية، فيما حصل كل من التجمع والوفد والحرية المصري على مقعدين لكل منهم، وذهب مقعد واحد إلى حزب إرادة جيل.