الجماهير والنقاد، وحتى كاتب وقارئ هذه السطور، كنا نعرف جميعنا ما ستؤول إليه الأمور مع منتخب مصر، لدرجة أن البعض كان يتوقع مصيرًا مماثلًا لمصير منتخب البرازيل في كأس العالم 2014، الذي ظل يسير من مرحلة إلى مرحلة في البطولة، بأداء متواضع وباهت، لكنه سقط في نصف النهائي بفضيحة تاريخية، أمام ألمانيا بخسارة وصل قوامها إلى سبعة أهداف مقابل هدف.
وصدقت توقعاتنا جميعًا، بعد أن ودع منتخب مصر بطولة كأس أمم إفريقيا 2019 مبكرًا من دور الستة عشر، بعد هزيمة بدت منطقية أمام جنوب أفريقيا بهدف دون رد، في المباراة التي أقيمت على استاد القاهرة الدولي، في 6 يوليو/ تموز الجاري.
أداء باهت
حصد منتخب مصر نقاط دور المجموعات كاملة، بعد الفوز في المباريات الثلاث، أمام منتخبات زيمبابوي والكونغو الديمقراطية وأوغندا، رغم الأداء الباهت، على الصعيدين الدفاعي والهجومي، وغياب تام لوسط ملعب الفراعنة، الذي كان دومًا مصدر القوة الأولى في الفريق.
أخفت النقاط التسع قليلًا الأخطاء الفنية والتكتيكية التي تجلت في اﻷداء الباهت، لتنظر الجماهير المتعطشة إلى اللقب الغائب منذ عام 2010، إلى المنتخب الحالي، وهي تعلم أن دعمها وهتافاتها هي الفرصة الوحيدة لهذا الجيل لتحقيق اللقب الثامن.
ورغم ذلك كان اتحاد الكرة المصري يرى أن كافة الأمور بخير؛ اللاعبون يتدربون، ومعهم مدير فني يمتلك خبرة تبدو جيدة في أوروبا، وتحديدًا في الدوري الإسباني، والمنظومة بكاملها متكاتفة حول هدف تحقيق اللقب، لدرجة التفاف اللاعبين حول استبعاد عمرو وردة بعد واحدة من أسوأ السقطات الأخلاقية في تاريخ لاعبي منتخب مصر، وإعادته من جديد بعد الإيقاف، رغم حالة الغضب التي سيطرت على الجميع، لكن لا أحد قرر التفكير ولو للحظات فيما يحدث من تخبط فني وإداري وأخلاقي.
بداية مبشرة
بعد فترة الأرجنتيني هيتكور كوبر في قيادة منتخب مصر، التي كانت تنظر إليها الجماهير كسُبّة في جبين "الفراعنة" بسبب الاعتماد على نهج دفاعي بحت، وانتهت عقب ثلاث هزائم في منافسات كأس العالم 2018، اختار الاتحاد المصري التعاقد مع المكسيكي خافيير أجيري، الذي يمتلك خبرة جيدة، ووضح في مبارياته الأولى أنه يلعب بأسلوب هجومي، بعد انتهاج طريقة 4-3-3، ليتوسم الكثيرون في أجيري تغيير الصورة الباهتة التي كان عليها المنتخب المصري.
بداية أجيري كانت مبشرة للغاية، اعتمد فيها أجيري على عدد من اللاعبين الشباب، أمثال صلاح محسن، ومحمد هاني، ومحمد حمدي، وطاهر محمد طاهر، لخفض معدل أعمار منتخب مصر، ليقدم الفريق أداءً جيدًا هجوميًا ومتماسك دفاعيًا، ويحقق نتائج جيدة، وكانت البداية بالفوز على النيجر بنتيجة 6-0، في تصفيات أمم أفريقيا 2019، لكن النتيجة الأبرز، كانت الفوز على تونس بثلاثة أهداف مقابل هدفين في المرحلة قبل الأخيرة من التصفيات.
لكن مع الاختبار الرسمي الأول، وفي البطولة التي تنظمها مصر، قرر أجيري العودة إلى الماضي، والاعتماد على طريقة 4-2-3-1، والتي يبدو أنها أصبحت الدستور الجديد لكرة القدم المصرية، بعد دستور 3-5-2 الشهير، لتعود من جديد الصورة الباهتة، لكن هذه المرة، وبدلًا من معرفة أن الدفاع كان قادرًا في عهد كوبر على صد المنافسين، أصبح الدفاع كشوارع مهجورة، وغاب التنظيم الهجومي، ليصبح المنتخب المصري بلا أي هوية واضحة في البطولة.
الجميع علم بعد أول مباراتين في البطولة أن هناك أزمة، لدرجة أن البعض تمنى الخسارة أمام منتخب أوغندا في الجولة الثالثة من دور المجموعات بعد ضمان التأهل، على أمل أن تحدث الاستفاقة في الأدوار الإقصائية، لكن وبتسديدتين فقط في الشوط الأول، تقدمت مصر بهدفين، بعد طوفان من الهجمات للفريق الأوغندي، ليخرج المنتخب المصري بالفوز في النهاية، ويستمر الوضع الكارثي، لتعود الجماهير للتخوف من الفضيحة في الأدوار الإقصائية، لكنها تمسكت ببعض الأمل.
تكتيك اللاتكتيك
من أجل فهم ما حدث، علينا العودة قليلًا إلى ما قبل انطلاق البطولة، ومع الإعلان الرسمي لقائمة منتخب مصر، والتي كانت أكبر مفاجآتها على الإطلاق، غياب الثلاثي عبد الله جمعة ظهير الزمالك الأيسر، وزميله في الفريق الأبيض محمود عبد المنعم "كهربا"، وجناح الأهلي رمضان صبحي، وعودة عبد الله السعيد ليكون صانع الألعاب الوحيد في القائمة، ليثبت أجيري أنه بالفعل، لا بديل للسعيد، بالإضافة إلى استدعاء وليد سليمان جناح الأهلي، الذي يقدم دومًا حلولًا هجومية جيدة، لكنه سيقبل بدور البديل، في وجود محمد صلاح ومحمود حسن "تريزيجيه" وعمرو وردة.
بالإضافة إلى غياب تام لأي لاعب في مركز الظهير الأيسر، اللهم إلا أحمد أيمن منصور، وأيمن أشرف قلب دفاع الأهلي، والذي سبق له في فترات من مسيرته شغل هذا الدور، وهو من قام به خلال البطولة، وغياب للحلول الهجومية البديلة، واستدعاء ثلاثة مهاجمين متشابهين إلى حد الملل، هم أحمد حسن كوكا، ومروان محسن، وأحمد علي.
وليزداد الطين بلة، غاب اللاعبون أصحاب لمحة الإبداع عن خط الوسط، صحيح أن الأسماء المتاحة ليست كثيرة، لكن دعنا نتخيل الشكل لو تم استدعاء لاعبين أمثال عمرو السولية، وصالح جمعة، ومحمد مجدي "قفشة"، ليشكلوا خط الوسط إلى جوار محمد النني وطارق حامد.
رضخ الجميع للأمر الواقع حينها، رغم الانتقادات الكثيرة وتحديدًا بسبب النقص النوعي الواضح في القائمة، لكنها كانت اختيارات أجيري، التي كان يرى فيها القدرة على تنفيذ أفكاره على أرض الملعب، ولكن مع انطلاق البطولة، بدا أنه لا أفكار، ولا تنفيذ، ولا شيء سوى الإحباط من أداء أقل ما يقال عنه، أنه كان باهتًا.
أهكذا يلعب الفراعنة؟
أداء منتخب مصر خلال البطولة، ومع الاعتماد على طريقة 4-2-3-1، وتشكيل ضم عبد الله السعيد ليقوم بدور صانع الألعاب، وعلى يمين محمد صلاح ويساره تريزيجيه وأمامهم مروان محسن.
عبد الله السعيد، وحسب موقع whoscored المتخصص في الإحصائيات، قدم خلال البطولة 1.5 تمريرة مفتاحية خلال المباراة الواحدة، وهي التمريرة التي يمكن أن ينتج عنها هدف، وهو رقم منخفض للغاية بالنسبة لصانع الألعاب الوحيد في المنتخب المصري، صحيح أنه كان ثاني أكثر اللاعبين تقديمًا لهذا النوع من التمريرات، خلف تريزيجيه صاحب معدل 1.8 تمريرة في المباراة، لكنها أرقام لا تدل سوى على سوء الأداء، وغياب الحلول.
السعيد، صانع الألعاب، لم يسجل أو يصنع أي هدف من أهداف مصر الخمسة في البطولة، وسدد تسديدة واحدة فقط على المرمى، كل هذا في 4 مباريات كاملة، ربما هو الأداء الأكثر كارثية في تاريخ أي لاعب مصري على الإطلاق في بطولة مجموعة.
النني وحامد
غياب الإبداع عن وسط الملعب يظهر جليًا في ذات الإحصائية، حيث نجد أن طارق حامد قدم 0.5 تمريرة مفتاحية في المباراة، أي إجمالي تمريرتين مفتاحيتين في أربع مباريات، ومحمد النني 0.3 تمريرة مفتاحية في المباراة، وهي أرقام يحتاج تفسيرها لطرح تعريف شامل للاعب الوسط المدافع، ولاعب الوسط صاحب الأدوار الدفاعية والهجومية، لكن الواضح، أن الثنائي لم يقدم المفترض منه خلال مباريات البطولة.
ما قبل غزو الأرقام لعالم كرة القدم، لعب في خط وسط المنتخب المصري لاعبون أمثال حسني عبد ربه، ومحمد شوقي، وحسام غالي، وحسن مصطفي، وكل هؤلاء كانوا قادرين على أداء الأدوار الدفاعية والهجومية بشكل مثالي، وبعضهم كان له دور قيادي في الفريق، بالإضافة إلى ربطهم المثالي لخطوط المنتخب، وهو ما يغيب بشكل تام عن الجيل الحالي.
صدمة مبكرة
الخروج أمام منتخب جنوب أفريقيا جاء مبكرًا للغاية في مشوار البطولة، ولحسن الحظ ولسوئه في الوقت ذاته، جاء أمام منتخب غير مصنف من منتخبات القارة الكبرى.
لحسن الحظ، لأن الخروج أمام منتخب مثل جنوب أفريقيا كشف كل العورات، وإن جاءت أمام منتخب أقوى، لكانت نتيجة اللقاء ستصبح كارثية، وربما لاقي "الفراعنة" ذات فضيحة برازيل 2014، وفي الوقت ذاته أطاحت النتيجة بالجهاز الفني للمنتخب، وبكامل أعضاء الاتحاد المصري لكرة القدم.
أما سوء الحظ في مثل هذه الخسارة، فيتمثل في حسرة الجماهير، وهم الوحيدون في هذا الخروج الذين يستحقون التعزية، والشد من أزرهم، بعد توافدهم بكثافة خلال أربع مباريات على استاد القاهرة، ولعل مشهد بكاء العديد من الأطفال عقب الخروج من البطولة، كان كافيًا لأن يشعر اللاعبون بأن ما اقترفوه في حق الجميع كان كارثيًا.
عرض مسرحي
بالتأكيد هذه ليست نهاية المطاف، فمنتخب مصر سيعود، خاصة في ظل وجود عدد من العناصر الجيدة، التي يمكن البناء عليها لجيل جديد، بعد نسف كل ما يتعلق بالمرحلة من 2010 وحتى يوليو 2019، رغم إنجازهم التاريخي بالتأهل إلى كأس العالم بعد 28 عامًا من الغياب.
لكن تلك العودة لن تتحقق إلا بوجود دوري كروي منتظم محترف، يشهد حضورًا جماهيريًا، ومنافسة رياضية حقيقية، وليس العرض المسرحي الذي نقدمه للجميع على أنه دوري "ممتاز" لكرة القدم، وهو بعيد كل البعد عن الامتياز، بملاعبه المهترئة، وغياب جمهوره، وتنظيمه الرديء، والذي جعلنا جميعًا ننسى ما كان عليه حال الكرة المصرية قبل سنوات قليلة، حين كانت الأندية المصرية تفوز بالبطولات القارية، ولا أحد غير منتخب مصر يرفع كأس أمم أفريقيا.