طالما استندت آلة البروباجندا الأمريكية متمثلة في الصحف والبرامج التلفزيونية وأفلام السينما إلى تقديم الولايات المتحدة كجنة للحريات وملاذ لكل صاحب رأي، مقابل سلطة الدولة الغاشمة في الاتحاد السوفيتي وبقية دول الكتلة الشرقية الموالية له، والتي تحجر على كل ذي رأي وتؤمم المجال العام لصالح ما تود بثه من دعاية. ولكن هل كانت الأمور على هذا النحو حقًا؟
خلال سنوات الحرب الباردة، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تكن الوكالات الأمنية الأمريكية وعلى رأسها مكتب التحقيقات الفيدرالي، مثالًا يحتذى في طريقة تعاملها مع الكتاب وقتها، قد يكون ثمة اختلاف في درجة تقييد حريتهم في التعبير عمّا كان يجري في موسكو وبقية دول الكتلة الشرقية، إلا أن شكوك مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI في كُتّاب ومفكرين أمريكيين كانت قد بلغت ذروتها في ذلك الوقت، إلى درجة وضع قوائم بالكتاب الذين يشكلون "تهديدًا محتملًا" لـ "الأمن القومي" الأمريكي.
جيه. إدجار هوفر J Edgar Hoover ، الذي جسّده الفنان ليوناردو دي كابريو عام 2011 في الفيلم الذي حمل اسم J. Edgar، تولى عام 1924 إدارة "مكتب التحقيقات" قبل أن يتغير اسمه عام 1935 إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، وظل هوفر على رأسه حتى وفاته عام 1972، وقد وافق أسلوبه العدواني والمستبد في إدارة المكتب أهواء تسعة رؤساء أمريكين بداية من كالفين كوليدج (في المنصب من 1923 إلى 1929) وحتى ريتشارد نيكسون (في المنصب من 1969 إلى 1974)، على اختلاف إداراتهم وانتماءاتهم الحزبية، خلافًا لما تُروج به أمريكا لنفسها كـ "جنة للحريات المفقودة".
أنت شيوعي؟
بدأ هوفر العمل عام 1917 في وزارة العدل خلال فترة "الذعر الأحمر" (الخوف من تسلل الشيوعية) مساعدًا خاصًا للنائب العام ميتشل بالمر . وفي عام 1921 أصبح مشرفًا على إنشاء نظام يحتوي على أكثر من 450 ألف ملف تضم أسماء زعماء منظمات المافيا والعصابات والمنتمين للفكر الشيوعي. وعمل هوفر مع السيناتور جوزيف مكارثي، الذي كان يطارد الشيوعيين في خمسينيات القرن الماضي وبات اسمه اليوم وصمة عار ترتبط بقمع الحريات ومصادرة آراء المعارضين.
وفي عام 1956، حفز هوفر على إنشاء برنامج جديد لمكافحة الذكاء يسمى Cointellpro، كان الهدف منه استهداف المنظمات الشيوعية، ولكنها سرعان ما توسعت لتشمل أي مجموعات (خطيرة) بما في ذلك حركات الحقوق المدنية، والكتّاب والمفكرين، لتكون مكارثية شاملة، وليصبح سؤال "هل أنت شيوعي أو كنت شيوعيًا في يوم ما؟" واحدًا من مسببات الرعب.
ولكن في 1969 بدأت الانتقادات العلنية تطال هوفر بسبب سياساته، وأصدر الكونجرس قوانين تحد من مدة تعيين مديري مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى عشر سنوات ، وتتطلب موافقة مجلس الشيوخ على تعيين أي مدير جديد.
وخلصت جلسات الاستماع التي أجراها الكونجرس عقب فضيحة ووترجيت إلى تورط هوفر في استخدام سلطته بشكل غير قانوني لحماية الرئيس ريتشارد نيكسون، ولكن وفاته عام 1972 قبل استقالة نيكسون بسنتين أنقذته من العدالة.
تحت المراقبة
في كتاب كُتّاب تحت المراقبة: ملفات مكتب التحقيق الفيدرالي يرصد محرروه جي بات إليوت وبي سي دي ليبتون وميشيل موريسي، نقلًا عن المذكرات الرسمية والرسائل والتقارير المحفوظة في سجلات المكتب، تاريخًا طويلًا من التدخل في شؤون المثقفين في أمريكا، بعدما أصبحت راقبة الدولة للكتاب والناشطين السياسيين هاجسًا تحت قيادة هوفر، الذي كان مهووسًا بما يسميه "رصد الخطر" الذي كان يراه "زاحفًا بشكل واضح". وركز مساعيه خلف أي شخص ينتقد "نمط الحياة الأمريكي" كما يتصوره الرجال البيض اليمينيون.
الوثائق التي تناولها الكتاب، شملت معظمها كتابًا قد نعتبرهم اليوم من أهم كتاب القرن العشرين، ولكن بالنسبة لمكتب التحقيقات كان كين كيسي اسمه "الطريد"، بينما وصف ألدوس هكسلي بأنه "مشجع الهلوسة"، أما نورمان ميلر فجاء نصيبه من التهم أنه "داعم كوبا الشيوعية"، وجيمس بالدوين كان هو "المنحرف"، وسوزان سونتاج "المخربة".
كتاب آخرون مثل حنة أرندت وآلن جينسبرج وإرنست هيمنجواي وترومان كابوتي، وراي برادبري، تظهر أسمائهم في الوثائق، إلى جانب ما وقع بحقهم من أعمال مراقبة وتضييق على أنشطتهم وعلى ما ينشرون ومحاولة جرهم إلى محاكمات، وترصّدهم في التظاهرات.
ما اعتبره مكتب التحقيقات الفيدرالي "جرائم" ارتكبها هؤلاء المثقفون هي "عدم الرضا عن الأجواء السائدة في الولايات المتحدة، والتعاطف الشيوعي والتحريض على تقنين المخدرات، والسفر إلى كوبا"، أو "زيارة فيتنام"، إضافة إلى تهم الميول المثلية، وأخيرًا انتقاد هوفر أو الـ FBI.
ملف راي برادبري تناول جنون العظمة ضد السوفيت في عهد الرئيس الأسبق دوايت أيزنهاور (في المنصب من 1953 إلى 1961). فوفقًا لمذكرة في عام 1959 حول مقابلة مكتب التحقيقات مع مارتن بيركلي، وهو كاتب سيناريو وعضو سابق في الحزب الشيوعي، قال عن مؤلف كتاب فهرنهايت 451 إنه جزء من عصابة "صرّح بيركلي بأنه يشتبه في بعض الكتاب أنهم يتمتعون بخلفيات شيوعية قد كتبوا في مجال الخيال العلمي، ويبدو أن الخيال العلمي قد يكون مجالًا مربحًا لإدخال الإيديولوجيات الشيوعية". ولكن مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يتابع مزاعم بيركلي.
إرنست هيمنجواي
تلقى العالم برعب خبر انتحار إرنست هيمنجواي في عام 1961. المعجبون به وبموهبته وروحه المغامرة، كانوا ينظرون إليه باعتباره إنسانًا يتمتع بالحياة إلى أقصى درجة، وأن لا شيء قادر على هزيمته أو كسره.
وظهرت العديد من النظريات فيما يتعلق بالأسباب الحقيقية وراء قيامه بالانتحار. ادعى البعض أنه قام بذلك بسبب قضايا المال، والبعض الآخر ألقى باللوم على زواجه المضطرب، والبعض أشار إلى إصابته بالسرطان.
لكن الأكثر ثباتًا بحسب إدوارد هوتشنر، كاتب سيرته ورفيقه منذ الطفولة، أن هيمنجواي انتحر لسببين؛ أولهما قناعته أنه لن يكون قادرًا على كتابة أعمال أخرى بنفس مستوى ما كتب من قبل مثل لمن تقرع الأجراس وثم تشرق الشمس، وثانيهما خوفه من تتبع مكتب التحقيقات له وهو ما كشفته الوثائق.
أثناء الحرب العالمية الثانية كان هيمنجواي موجودًا في كوبا، وهناك ابتكر خطة مع السفير الأمريكي في هافانا، سبريل برادين، للمساعدة في أعمال المراقبة والتجسس على المواطنين الأسبان المتواجدين في كوبا وجمع معلومات عن القوارب الألمانية الموجودة. وأنشأ هيمنجواي وحدة استخبارات هواة أطلق عليها اسم "مصنع كروك"، حيث عملت شبكة من الجواسيس الموالين له في أنحاء كوبا، ومقابل خدمته، حصل على راتب شهري قدره 1000 دولار وكمية كبيرة من البنزين، والذي كان نادرًا في ذلك الوقت بسبب المجهود الحربي.
وفي حين أن السفير الأمريكي أيّد هيمنجواي بقوة في مساهماته، فإن بعض العناصر في مكتب التحقيقات الفيدرالي اعتبرته متعاطفًا شيوعيًا وكان هناك تردد في أخذ تقاريره على محمل الجد، وباتت هناك رقابة عليه. وبعد أن أبلغ عن رؤية غواصة في المياه الكوبية، وهو ما لم يتأكد من قبل القنوات الرسمية، صدر قرار بوقف عمليته الاستخباراتية وركز مكتب التحقيقات الفيدرالي بشكل أكبر عليه وعلى اتصالاته مع الجمهوريين الإسبان السابقين، لدرجة أن استدعاه هوفر وسأله عن موقفه من الحرب وأين يقف سياسيًا منها، ما ولد هاجسًا لدى هيمنجواي أنه سيخضع لمحاكمة. هاجس رافقه حتى دخوله مستشفى للأمراض النفسية في أواخر حياته، حيث أطلق النار على نفسه.
سوزان سونتاج
سجلت سوزان سونتاج حضورًا واسعًا في الكتاب، وعلى الرغم من أن ارتباطها بـ "اليسار الجديد" في الستينيات وضعها أولًا على رادار مكتب التحقيقات الفيدرالي، فإن كتابتها المعارضة لحرب فيتنام هي التي دفعت نحو تحقيق خاص واهتمام شخصي من هوفر نفسه.
يبدأ ملف سونتاج في أوائل عام 1968، عندما شاركت بالفعل في العديد من المظاهرات المناهضة للحرب في فيتنام إلى جانب العديد من مؤلفي نيويورك الآخرين، وبعد احتجاج دام ثلاثة أيام جرى توقيفها بسبب "السلوك غير المنضبط". ومن خلال المخبرين المندسين داخل الحركة المناهضة للحرب، تلقى مكتب التحقيقات الفيدرالي معلومات سرية أن سونتاج قد زارت هانوي بدعوة من الحكومة الفيتنامية الشمالية، انتهاكًا لتقييد جواز سفرها. ولكن لنقص الأدلة، أوصى الوكيل الخاص المسؤول عن مكتب نيويورك الميداني بعدم إجراء مزيد من التحقيقات ما لم ينصح بخلاف ذلك.
بعد بضعة أشهر نُصح بخلاف ذلك، وقيل للمكتب الميداني في نيويورك أن يكون لديه تقريرًا كاملًا عن سفر سونتاج في غضون أسبوعين، حيث طالب هوفر نفسه بالاهتمام الفوري بالقضية. ماذا حدث في هذه الأثناء لتبرير هذا الاهتمام المفاجئ بسونتاج؟
تلقى المكتب "أدلة موثوقة" فيما يتعلق برحلة سونتاج إلى هانوي. كانت هذه الأدلة مقال في إسكواير تنقل فيه أحاديث أجرتها مع شخصيات بارزة في حكومة فيتنام الشمالية، بما في ذلك رئيس الوزراء فام فان دونج، والتي سيتم تعديلها لاحقًا في كتابها رحلة إلى هانوي.
وعلى الرغم من أن مكتب نيويورك أصدر تقريرًا شاملًا عن أصل المقال وجميع أنشطة سونتاج السابقة المناهضة للحرب (نقلاً عن تسعة مخبرين، لا تزال أسماءهم منقوصة) خلال مهلة الأسبوعين، فإن التحقيق مع سونتاج امتد لآخر سنتين. وأكدت مذكرة صادرة عام 1971 من وزارة الخارجية أن سونتاج لم تطلب أو حصلت على إذن لسفرها إلى فيتنام الشمالية، ومُررت مذكرة أخرى من المخابرات الفرنسية على ما يبدو من وكالة المخابرات المركزية.
رُفع تقرير نهائي في مارس من عام 1972 يوصي بعدم إجراء تحقيق مع سونتاج، بسبب "وضعها ككاتب" والذي "قد يؤدي إلى إحراج"، كما يؤكد أن أنشطتها، رغم أنها "تخريبية" بالفعل، فإنها ليست كافية لإدراجها في ADEX (الفهرس الإداري لمكتب التحقيقات الفيدرالي)، والذي يضم الأشخاص "الذين يعتبرون تهديدًا لأمن البلد".
وعلى غرار ألين جينسبرج، كانت سونتاج تعتبر مصدر إزعاج أكثر من كونها تشكل خطورة، وللمرة الثانية منذ أربع سنوات أُغلق ملفها. كما ضمن موت هوفر بعد نحو شهر بقاءه مغلقًا.
جيمس بالدوين
في الجزء الخاص بجيمس بالدوين، تتضمن الوثائق التي جمعت بين عامي 1958 و1974 سجلات المحادثات الهاتفية التي تنصت عليها الـ FBI إضافة إلى الصور الفوتوغرافية والرسائل والخطب ومقتطفات الصحف والمجلات وسجلات جوازات السفر، إضافة إلى علاقته مع تنظيم أمة الإسلام* ومارتن لوثر كينج جونيور ولجنة التنسيق الطلابية وأنجيلا ديفيز والفهود السود، وشخصيات بارزة أخرى من عصر الحقوق المدنية.
ويكشف الملف تحدي بالدوين لمكتب التحقيقات وانتقاده له صراحةً، حيث كان قد وصف هوفر في كتابه الشيطان يحصل على عمل بأنه "المتلصص الأعلى أجرًا، والأكثر انعدامًا للجدوى في التاريخ".
ولم تكن أعين مكتب التحقيقات لتغفل عن بالدوين، خاصة بعد أرقام المبيعات المهولة لكتبه. كما أن ما نشرته الواشنطن بوست من أن بالدوين يعتزم نشر كتاب آخر اسمه عدادات الدم يتناول فيه مكتب التحقيقات الفيدرالي، أثار غضب هوفر بشدة.
كان هوفر قد بات حساسًا وحادًا لأقصى درجة تجاه ما يُنشر، وخصوصًا منذ 1950 عندما وصل كتاب ماكس لويثنال مكتب التحقيقات الفيدرالي، وهو أول كتاب عن المنظمة، إلى المطابع دون علم مكتب التحقيقات. ووقتها استجدى لويس نيكولز، رئيس قسم سجلات الجريمة، هوفر مُقسمًا له أنه لو كان يعلم بشأن ذلك الكتاب لوضع جسده بين المطابع ليمنعه من النشر.
وقد أُرسل مكتب التحقيقات مذكرة إلى الناشر كارثا ديلوش، يطلب فيه ألا يُنشر أي شيء لبالدوين قبل أن يُراجع من قبلهم. فإذا كان "الكاتب الأسود" سيكرس لسانه الحاد ضد مكتب التحقيقات، فإن هذا الأخير بدوره سيقوم بما يراه ويرد الصاع صاعين.
هوفر تساءل مشيرًا إلى بالدوين "أليس بالدوين شاذًا جنسيًا؟" حيث كان بالدوين قد أعلن تأييده لحقوق مثليي الميول الجنسية في عدة مناسبات، وعداءً واضحًا للغاية تجاه غضب الرأي العام الأمريكي حيال ذلك.
في النهاية، كتاب بالدوين عدادات الدم لم يكتمل، والبعض يشير إلى أن الـ FBI كان يقف وراء عدم اكتماله.
تفاهة المراقبة
في كثير من الأحيان، تخبرنا المستندات عن الموضوعات أقل مما تخبرنا عن العملاء والمخبرين. يحتوي ملف ترومان كابوتي، على مذكرة حول مكالمة هاتفية من محرر راندم هاوس إلى مكتب التحقيقات، أراد فيها المحرر، الذي تم تنقيح اسمه، مساعدة المكتب الفيدرالي وقال إن كابوتي بدأ بجدولة المقابلات مع الشرطة وغيرها من أجل روايته (بدم بارد).
وفي مقابلة أجريت عام 1996 مع أرشيف الأمن القومي، قال آلن جينسبرج إنه عندما استعرض ملف مكتب التحقيقات الفدرالي عنه (بموجب قانون حرية المعلومات)، فإن قصاصات الصحف التي تنقل أنباء طرده من براغ حيرته أكثر من أي شيء آخر، حيث أنه طُرد من براغ بسبب انتقاده الشيوعية، وهو ما لم يستطع مكتب التحقيقات فهمه، وفسروه أنه طُرد بسبب مثليته أو إفراطه في الشراب. وفي حين أن مكتب التحقيقات الفيدرالي خلص في تقريره عام 1965 إلى أن جينسبرج لا يمثل أي تهديد، فقد كان مُضحكًا تتبعهم له بسبب قصاصات جرائد و"مساهماته في الشعر الحديث" واعتقاله بسبب احتجاجه ضد حرب فيتنام.
تتضمن الوثائق أيضًا رسائل إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي توشي بالكُتاب المشاغبين والمحرضين. وفي كثير من الأحيان كانت هذه نتيجة أكثر من مجرد ضغينة شخصية ضد الأفراد. آين راند روائية مناهضة للشيوعية سعت لتطوير نظام فلسفي كانت تسميه الموضوعية، وتطوعت للعمل كمخبر "لقد شاهدت مقابلة مع هوفر وصف فيها نفسه بأنه موضوعي أي محايد سياسيًا". وهو ما فسرته بحماس أنه كان متمسكًا بفلسفتها السياسية الخاصة بالموضوعية. وكتب هوفر تعليقًا على أحد رسائلها "لم أقل أبداً أنني كنت موضوعيًا".
كما نجد في الكتاب نجد نسخة من رخصة قيادة هانتر طومسون(صحفي) وفحص التصريح الأمني لتعيين توم كلانسي (مؤلف روايات بوليسية) كمستشار للأمن القومي: "لم يكن لدى أي من جيرانه كلمة سيئة لقولها عنه". كما تلقى مكتب التحقيقات الفيدرالي خطابًا من طالب يريد معلومات عن كين كيسي - كان قد اعتقل وقتها- من أجل ورقة بحثية دراسية:" يرجى الإسراع في هذه المعلومات إن أمكن، فموعد تسليم الورقة البحثية في خلال أسبوعين".
رقابة متجددة
يمنحنا الكتاب نظرة على وضع الكتّاب وقتها وكيف أن الكل كانوا خاضعين للرقابة. لم يهتم الكتاب سوى بجمع الوثائق المتاحة، التي كانت أحيانًا كثيرة مبتورة ولا توضح كيف انتهت أعمال المراقبة، وأحيانًا تأتي على ذكر من تطوعوا للعمل كمخبرين وأرادوا الظهور كما آين راند، مع عدد من الوثائق التي تفضح عمليات مراقبة دون أي رد فعل من مكتب التحقيقات، غير أن بعض الوثائق تظهر أنه لم يُتخذ موقف نهائي بسبب وفاة هوفر.
محررو الكتاب الذين يصفون الوثائق بأنها" تاريخ مسروق"، اختاروا المستندات الأكثر اكتمالًا ووضوحًا، مع بعض التنقيحات، وذلك بالأساس لإخفاء هويات المخبرين ووكالات الاستخبارات الأخرى.
حصل براون وزملاؤه في Muck Rock وهي منظمة غير ربحية تساعد المواطنين والصحفيين على إمكانية الوصول إلى الوثائق الحكومية والملفات من خلال طلبات قانون حرية المعلومات. وتخطوا ما يصل إلى 20 أو 30 صفحة لكل كاتب، ونظموا الملفات بعناية وتدفق؛ يسبق كل منها مقدمة تضع كل المادة في سياقها.
وقال براون في مقابلة أجريت معه "هذه مادة تاريخية فعلية حول ما كان يقوم به الموظفون العموميون باسم الشعب، وأعتقد أن هذه المادة يجب أن تكون جزءًا من السجل العام. يجب أن يكون شيئًا نعلمه جميعًا ويمكننا التعلم منه واتخاذ القرارات بناءً عليها".
القصص في الكتاب حتى المضحك منها، تبين مدى هيمنة الحكومات في كل مكان على حياتنا وكيف يمكن أن تكون هناك وصاية تحاصر أفكارنا. في الواقع، كما كتب تريفور تيم المدير التنفيذي لمؤسسة حرية الصحافة، في كلمته عن الكتاب "أصبح لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي الآن أدوات تحت تصرفه لم يكن هوفر ليحلم بها في الخمسينيات والستينيات".
البيانات حول الأشخاص العاديين في قواعد بيانات جوجل وفيسبوك. بيانات حميمة وشاملة ودقيقة، وليس لدينا سوى فرصة ضئيلة أو معدومة للسيطرة على سجلاتنا أو صورنا الفوتوغرافية حتى. فهل يمكن أن تنتهي الرقابة وتكون هناك حرية شاملة؟