أقف مع مروان بابلو في مدخل بيت قديم في مدينة الإسكندرية نحتمي من مطر أول ديسمبر 2018، اقتربت الساعة من السادسة مساءً، ويفترض أن يحيي مروان أولى حفلاته الغنائية الآن على شاطئ قريب منا، لكن الخطط لم تسر كما توقع.
قبل ساعة من صعوده على مسرح نادي 6 أكتوبر المطل على شاطئ البحر بحي الأنفوشي أمطرت السماء، ولم تكن السماعات مجهزة ضد الأمطار، ألغيت الحفلة، وغادر مروان المكان. مشى دون اهتمام بوجهته أو بلل ملابسه. وحين ابتعد مسافة اختبأ داخل بيت من طابقين منتظرًا أن يلحق به حسين، مدير أعماله.
عندما لحقت به أسفل البيت أخبرني أنه غادر بعد أن بدأ المنظمون في إنزال المعدات وفك المسرح، لم يرد متابعة انهيار أول حفلاته في مدينته، ولم تخل يده من سيجارة طوال فترة انتظار حسين، تغير لون وجهه قليلًا وبدا حزينًا بعكس حماسه عندما التقيته للمرة الأولى قبل يومين من ذلك التاريخ، "God's plan ya man، كل شيء نصيب".
عائدون
بعد ساعة توقف المطر، وتوقع أبليكشن الطقس عودته بعد 3 ساعات أي في العاشرة مساءً. دفعه شيء ما لعدم الاستسلام لإلغاء حفلته الأولى، فربما يبتسم الحظ إن تمسك بالأمل. مد يده خارج باب البيت ليختبر توقف المطر، وسأل "هي وقفت عمومًا. مش عارف إذا كانوا هيكملوا ولا هيعملوا إيه؟".
تصادف وقوفنا قربيًا من مبنى قصر ثقافة الأنفوشي، انتصبت لافتة ضخمة على الرصيف عليها صورة النائب البلماني للدائرة، ترحب به وتتشرف بزيارته لمسرحية "الأيام" المقررة على طلاب الثانوية العامة.
مر حسين من أمام اللافتة قادمًا من النادي، أخبرنا أن منظمي الحفل غادروا لكن الجمهور لا يزال جالسًا في المكان، وبدا عليه عدم اهتمام بالعودة إلى الحفل، لكن مروان أصّر على الرجوع ولم ينجح حسين في إقناعه بأن الحفلة انتهت. مر تاكسي مسرعًا فاندفعت باتجاهنا موجات من المياه صعدت إلى الرصيف، تجاوزها مروان بقفزة مستندًا على حسين ومضى عائدًا إلى النادي.
بص في ساعتك هتلاقي إن ده الوقت بتاعي
قبل شهر من تلك الحفلة أرسلت لمروان رسالة على انستجرام عرفته فيها بنفسي، وسألته عن استعداده لإجراء مقابلة تمتد ليومين أو ثلاثة ضمن قصة عن الموجة الجديدة لموسيقى الراب في مصر. أرسل لي رقم حسين، مدير أعماله، وطلب مني الاتفاق معه.
وصلت إلى الإسكندرية قبل يومين من الحفل، وقد بدأ الشتاء مبكرًا مقارنة بالقاهرة، ما إن وضعت حقائبي في الفندق حتى أرسل لي حسين موقعهما وكان قريبًا من الفندق فاتجهت إليهما.
تصفير العدّاد
بدأ مروان الغناء قبل التحاقه بالجامعة، ينشر أغانٍ كثيرة على يوتيوب وساوندكلاود باسم داما، وحين بلغ عامه الـ21 مسح أرشيفه من على الإنترنت وتوقف عن الغناء، واختفى عامًا كاملًا.
لولا قيام أحد مستخدمي يوتيوب، الشافعي أحمد، بجمع أرشيفه؛ لم يكن أحد ليعرف من هو داما وما هو إنتاجه. يفسر مروان مسح إنتاجه دون احتفاظ بأي نسخة خاصة بـ "داما كانت مرحلة التجريب وانتهت".
تظهر هذه الفكرة واضحة في أغانيه التي تتحدث عن صراع يعيشه بين ما يريده الناس، وما يريده هو لنفسه.
يلخص مروان فترة داما بالقول "وأنا صغير عملت حلاقة عُرف الديك عشان بنلعبوا كورة في شارعنا. كان الناس لما تشوفني تقولي: إيه اللي إنت عامله في شعرك دا. كنت صغير فعندي عدم ثقة. هي الحلاقة عجباهم بس بيقولوا كده لإنها حاجة مختلفة عليهم. بعد سنة واحدة لقيت مصر كلها بتعمل حلاقة عرف الديك، وقتها عرفت إني بعمل الحاجة المختلفة وبعد كده ممكن تتقبل حتى لو كانت مرفوضة وقتها".
تعرف حسين على مروان في الفترة التي كان يغني فيها باسم داما، الذي يتحدث عنه مروان وكأنه شخص آخر.
لم يحب حسين مروان في البداية. بدا له شخصًا كئيبًا يقضي أغلب وقته في غرفته يؤلف كلمات أغان تعلن عن نهاية العالم، أو تتحدث عما يواجهه داما من عدم اعتراف من حوله بموهبته كمنتج لأغاني الراب، وخوفه من المستقبل. أغنية بعد أغنية كان داما يتطور، بحسب حسين، أصبحت تروق له موسيقى مروان، وعندما أطلق أغنية نسخة واحدة كانت بداية علاقة قوية بينهما.
ملناش في العوجان بس نزاهة وشيك
اتفق الاثنان بعد فترة أن يتولى حسين إدارة أعماله مقابل نسبة من العوائد القليلة التي تأتي من الحفلات أو المشاركة في الإعلانات أو يوتيوب. "لما بدأ يكون ليا مدير أعمال كان يقولك ده عوجان، إزاي يكون عندك مدير أعمال وأنت أندرجراوند. بالنسبة لي الموضوع كان بسيط؛ أنا مش شغلتي إني أبقى مدير أعمال أنا مابعرفش أتفق على الفلوس، فأنا أجيب حد بيفهم يتفق، أنا لو اتفقت مع حد هنتعاركوا".
نجح مروان بمعاونة حسين مؤخرًا في إيجاد مصادر للتمويل من الإعلانات، أنتج إعلانًا لشركة شيكولاتة عام 2018، وقبل 3 أيام غنّى إعلانًا لشركة بطاطس ضمن الدعاية لكأس الأمم الإفريقية التي تستضيفها مصر يونيو/ حزيران 2019.
في ديسمبر 2017 ظهر مروان من جديد تحت اسم بابلو بأغنية "الغلاف" على ساوندكلاود ويوتيوب، بدأ الأغنية بـ "عوزت في مرة ألاقي نفسي، كسرت السن طلع لي ناب، شفتوا مني الغلاف، صعب افتح لك الكتاب".
علق جندُل، ويعرّف نفسه بأنه مغني راب من محافظة الفيوم، على التراك "افتكرتك انتحرت". وبعدها توالت تعليقات الـ Welcome back. كان مجتمع الراب الشبابي يعرف داما جيدًا.
سقف بتوع الراب دول واطي على قد إيدينا
دخل الراب إلى مصر مع بداية الألفية لكنه لم يحقق نجاحًا كبيرًا. بقيت الإسكندرية وحدها هي عاصمة الراب في مصر وحافظت على إنتاج رابرز أكثر من أي محافظة أخرى، لكن لم يحقق أي منهم نجاحًا تجاريًا لافتًا.
وحده في القاهرة فريق إم. تي. إم، حقق نجاحًا تجاريًا كبيرًا في ألبومي أمي مسافرة (2003)، وتليفوني بيرنّ (2004)، لكن بعدها توقف الفريق فجأة بسبب "ارتباك النجاح".
يقول تاكي، أحد أعضاء إم. تي. إم. في برنامج تلفزيوني إنهم لم ينجحوا في التعامل مع الشهرة، وتعرض الفريق في بدايته لمشاكل إنتاجية بعد توقيعهم عقد احتكار مع شركة ما، وتوقفوا بسببها عن الغناء حتى عام 2011.
خلال فترة التوقف التي استمرت 7 سنوات سافر محمود العضو الثالث في الفرقة إلى الدنمارك، عمل تاكي ومايكي في الإعلانات، ثم أنتجوا بعض الأغاني التي لم تحقق نجاحات كبيرة قياسًا على بدايتهم الكبيرة.
أما في الإسكندرية؛ كافح إيجي راب سكول للحصول على مكان، لكن أغانيهم كانت لا تصلح لقواعد البث التلفزيوني بكل ما فيها من شتائم أغلبها ضد إسرائيل بعد الانتفاضة الثانية 2000.
انتصف العقد الأول للألفينات وانتشر الإنترنت، ومعه تغيرت قواعد النشر: فلا قنوات فيديو كليب وشركات إنتاج كبيرة أو متوسطة ذات قواعد رقابية محافظة. وقت أقصر مرّ حتى خلق يوتيوب مساحة إنتاج مفتوحة بعيدًا عن شركات الإنتاج التي أجبرت الرابرز على تقديم تنازلات في مقابل الاستمرار، بعكس الرابرز الحاليين.
عايز فين؟
لم تمر 3 أشهر على تراك الغلاف؛ حتى أنتج مروان تراك "عايز فين؟". كانت تطورًا لافتًا في بدايته الجديدة.
لم يعرف جمهور الراب تصنيف الأغنية وخلقت جدلًا واسعًا على جروبات الراب في مصر، كانت "عايز فين" أشبه بكلمات المهرجانات التي تعتمد على مصطلحات الشارع، واتهمه محبوه من "محبي الراب/ كارهي المهرجانات" بأنه أصبح مغني مهرجانات. "هي مش مهرجان طبعًا" يقول مروان.
أول حفلة في بلدي
حفل مروان الأول في الإسكندرية يوليه اهتمامًا خاصًا أسبابه معروفة "عاوز أغني هنا بس.. في إسكندرية" يقول. بدأ الدعاية للحفل قبل شهر مستخدمًا يومياته على انستجرام.
في البداية كان مكان الحفل في نادي المعلمين بالإسكندرية، وقبل أيام من إقامته اكتشف مدير النادي أن اللوائح لا تسمح بإقامة حفلات الراب، ونصح الشباب بغناء شيء آخر. لم يجد منظمو الحفل منطقًا للجدال معه. بحثوا لأيام عن مكان آخر، وعثروا في النهاية على نادٍ مملوك للقوات المسلحة بني على شاطئ الأنفوشي بالأسكندرية القديمة.
في الثانية عشرة، ظهر يوم الحفل، أرسل لي مروان رسالة بمكانها. عندما وصلت النادي وجدت المنظمين يُدخلون معدات المسرح والسماعات للشاطئ. توافد جمهور أغلبه من المراهقين، مروا من خلال بوابة حديدية ضخمة يقف على حراستها ثلاثة مجندين يرتدون الملابس العسكرية.
يتبع نادي 6 أكتوبر "هيئة نوادي وفنادق ضباط القوات المسلحة" التي تمتلك سلسلة نوادٍ بنفس الاسم في عدد من المحافظات. وفقًا لتعريف الهيئة على موقعها الإلكتروني فإنها تخصص خدماتها الترفيهية لأسر الضباط، وبعضها يقدم خدماته للمدنيين أيضًا.
بداخل النادي، يقع على اليسار مبنيان إداريان لكل منهما 3 طوابق، وعلى اليمين بني فندق من 10 طوابق تطل جميع غرفه على البحر، وفي مدخل الشاطئ تنتصب على الرمال ساقية ضخمة، كالموجودة في الملاهي، مثبّتة بالحديد والأسمنت في الرمال، أنزلت عرباتها التي تدور في الهواء ورصّت على الرمال بجانبها، وبدت غير مستخدمة.
صاحبي بنسخّن المناخ
نصب مسرح أمام الساقية وكانت خلفيته قلعة قايتباي القريبة من الشاطئ. وقف الجمهور أمام المسرح وجلس الرابرز في كافيتريا ملحقة بالطابق الأول للفندق خالية من الكراسي وبها طاولة بلياردو وأخرى لتنس الطاولة وقد غطاهما التراب حتى بهت لونهما تمامًا.
جلس مروان في الكافيتريا المهجورة التي سمحت له بمراقبة المسرح والجمهور المتوافد على الشاطئ، ومن حين لآخر، كان يقطع حديثنا بعض الشباب الراغب في التقاط الصور معه.
يسألني مروان "عايز تعرف إيه عن الراب في إسكندرية؟ الراب هنا مش موجود. هو أخره (سيركلاية)، دايرة، في الشارع. ناس تتجمع واحد يـ بيت بوكس وواحد يغني. أكتر من كده مافيش. يعني هتلاقي الإسكندرانية أغلب حفلاتهم اللي بجد عملوها في القاهرة".
في الرابعة عصرًا، انطلقت موسيقى تجريبية من السماعات وبدأ الشباب في الرقص والتصوير وتسجيل الأغاني، وبدأ الحفل بصعود مجموعة من الرابرز المبتدئين إلى المسرح، لم يزد عدد الجمهور وقتها عن 150 متفرجًا جاؤوا من الإسكندرية والقاهرة ومحافظات الدلتا، مع حضور لافت للفتيات، سافرت مجموعة منهن من القاهرة إلى الإسكندرية ووقفن في الصفوف الأولى لالتقاط سيلفي أثناء الرقص.
المركز والأطراف
عدد الحضور كان مخيبًا لآمال مروان. بشكل لا إرادي؛ قارن بينها وبين حفلاته في القاهرة.
منذ بدأ الغناء غنّى في حفلين بالقاهرة، الأول عام 2016 في "درب 17-18"، وقتها كان عمره 20 عامًا، والثانية ضمن حفلات "يا تراب يا تموت" التي ينظمها رابرز من جميع محافظات مصر. "كل خطوة باخدها من أول لما بدأت أغني بتقول لي روح القاهرة، فيه علامات دايمًا تظهر لي في طريقي وتقولي روح هناك لأنها العاصمة" يقول مروان.
يعود بالكرسي إلى الوراء ويضحك محاولًا تقديم مزيد من التوضيح "لكن أنا نفسي أغيّر القاعدة، وأكيد الشباب كلها هنا نفسها تغيّرها. أنا عاوز أنتج الموسيقى بتاعتي من هنا وبتوع القاهرة يجوا يسمعوها هنا. لكن الموضوع لازم ياخد شوية وقت".
متأني ومش بجرّيها
القاهرة ليست الجنة بالنسبة لمنتجي موسيقى الراب، لكنها تختلف في عدد الأماكن المتاحة لتنظيم حفلات، وكذلك أعداد الجمهور المستعد للحضور.
من وقت لآخر تفتح الأماكن الثقافية المجال لحفلات الموسيقى غير السائدة، مثل مسرح الجنينة في حديقة الأزهر في موسم الربيع، أو درب 17-18. وعقب الثورة بدأ استغلال جراجات المولات الكبرى في الحفلات عالية التكلفة التي تنظمها شركات مثل ريد بول، غير أنها تعطي المساحة الأكبر للفرق الموسيقية المشهورة، وقبل نحو 3 أشهر ظهر أبيوسيف في إحدى هذه الحفلات.
استمر التوسع واجتذاب جمهور الأنواع الموسيقية التي تلعب على هامش تايكونات الإنتاج الكبرى؛ حتى جاءت فرقة مشروع ليلى، ورفع عدد من الجمهور علم المثلية أثناء الحفل؛ فانتهى كل شيء.
بعد واقعة حفل مشروع ليلى؛ أصدرت الحكومة في يوليو/ تموز 2018 قرارًا يُلزم بالحصول على تصريح من لجنة برئاسة وزير الثقافة وممثلين عن 8 وزارات أخرى لإقامة الحفلات، وفوّض القرار للجنة سلطة منع الحفلات التي تتعارض مع ما يسمى بـ "الهوية الثقافية المصرية".
منحة السادات
لسنوات جرى فصل المهرجان عن موسيقي الراب ومستمعيه في مصر، يهاجم يوتيوبرز مصريون كل منتج أغاني راب يحاول الاقتراب بموسيقاه من المهرجانات. "الناس مؤخرًا بتقولي كلماتك ضعيفة، أنا كتبت الكلمات الجامدة وكسبت احترام أغلبية الرابرز، دلوقتي أنا مش بلعب على إبهارهم، أنا عاوز واحد بيسمع أغاني يكون في البلاي ليست بتاعته أغنية راب عربي، ومصري بالتحديد".
بعد أغنية عايز فين بأيام ظهر السادات في فيديو على انستجرام يخرج من سقف سيارة مسرعة في مدينة السلام وهو يسمع التراك، وكتب "مرحب بالتراب في مصر". وبعدها تلقى مروان مكالمة من السادات يدعوه لمقابلته في مدينة السلام، "قال لي في المكالمة: أنا باستضيفك عندي".
يسيطر السادات على مدينة السلام. إذا كنت موسيقيًا فإنه قد يسمح لك بإقامة فنية في منزله قد تمتد لأسابيع، يوفر لك البابا كل ما تحلم: ستوديو، أجهزة تسجيل، وأشياء أخرى، طالما أن لديك شيئًا قد يدفع مشاهدات على يوتيوب لأعلى.
أعاد فيجو والسادات إنتاج أغنية عايز فين ريمكس، ورفعها السادات على قناته على يوتيوب، كانت تلك بداية التعاون بين السادات ومروان. حقق الريمكس في قناة السادات أكثر من 10 أضعاف المشاهدات التي حققها بابلو على قناته الشخصية، لكن التجربة الأولى كان تبّشر بنهاية قريبة، إذ حذف فيجو والسادات جملة "خلاص قربت أكون إله" من الريمكس بدعوى أنها جملة غير لائقة.
البابا
بعد الإنتهاء من الريمكيس أقام بابلو عند السادات لفترة. "كنت قاعد أسجل تراك عزبة الجامع هناك لأني قعدت فترة كبيرة، ولما باقعد من غير شغل باكتئب. وأنا بسجل بقول 'خلاص بطلت الصحبة اللي بتتجمع ع الحشيش'. عجبت السادات وقال لي سجلّ لي. قولتله سجّل كورس. وأخدتها منه وقولتله هروح أكمّلها في إسكندرية" يقول مروان.
"أسلوب شغل المهرجانات عشوائي لأنها طالعة من مكان عشوائي، مقصدش حاجة وحشة. أنا كنت عاوز اسمي يظهر في المهرجانات كمغني راب. كنت قلقان؟ آه لأن الموضوع يقلق، وخلاني مبروِن، الناس افتكرتني إني هعمل زي MC Amin وأغني مهرجانات، لأن أمين لما عمل كده محدش قِبله. بس أنا عندي مبدأ إني عايش عشان أعمل مزيكا، مش عايش عشان حد، والمهرجانات الثقافة بتاعتنا وأنا بأغني بالثقافة بتاعتنا في الراب" يشرح بابلو وجهة نظره في المهرجانات.
صاحبي شوف اللعب ع المكشوف
بعد أسابيع صوّر بلاكس أغنية عزبة الجامع في شوارع الإسكندرية فجرًا، اختار ذلك التوقيت لأخذ راحتهم في التصوير دون أن يعترضهم أحد ويسألهم عن تصريح التصوير.
كان يفترض أن يظهر الكليب على قناة شوترز على يوتيوب التي أسسها بلاكس. لكن منحة أخرى للإقامة عند السادات جعلت بلاكس ينشر الكليب على قناة البابا وليس قناة شوترز أو مروان.
"الشوترز كلهم بيحبوني وهما أصلًا فانز ليا وأنا بحبهم"، يقول مروان ضاحكًا "بس بلاكس راح قعد أسبوع عند السادات". يقترب بوجهه ويفرد ذراعيه حول الطاولة "السادات بيعمل الآتي: أنت جيت الجنّة. كل حاجة موجودة هنا".
كان البابا مقنعًا للغاية، ماذا سيفعل كليب على قناة شوترز صاحبة الـ 600 ألف مشاهدة على يوتيوب، أمام قناة السادات الرسمية التي حققت 140 مليون إجمالي مشاهدات منذ إطلاقها، بخلاف ملايين المشاهدات المقرصنة على قنوات أخرى.
اسكوبار أم بيكاسو؟
قبل أيام من الحفل؛ نشر مروان فيديو لتراك فلكلور، طرح مروان فيه أسئلة تشغل باله: علاقته بالموسيقى، ومستقبله فيها. "مودّياك ولا موّديها، كل شوية تولع.. كل شوية تطفي.. متأني ومش بجرّيها. Bitch أنا إبليس كل البشر ديّة أنا جاي قبلها" يقول مروان في تراك فلكلور.
صاحبه في الفيديو لوحة "بكاء امرأة" لبابلو بيكاسو معلقة على الحائط، كان يريد التأكيد أن "بابلو" الملحق باسمه ليس "بابلو اسكوبار"، تاجر الكوكايين الكولومبي الشهير، وإنما "بابلو بيكاسو" الذي كان يقلد لوحاته أثناء دراسته في المدرسة الثانوية.
نشرت الفيديو قناة الدب البارد، التي أسسها سبيكو، وهو شاب من أصول مصرية تربّى في أبو ظبي ثم درس الإعلام في إحدى جامعات ماليزيا وقرر العودة إلى مصر للمساهمة في إنتاج موسيقى الراب.
"لا تحقق قناة الدب البارد أموالًا، أعمل مصورًا وأحيانًا محرر فيديوهات وأصرف من تلك العوائد على إنتاج تلك القناة، نجحت الدب البارد مؤخرًا في إنتاج فيديو كليب لسينابتك، وهو رابر أردني، في محاولة منها لتوسيع إنتاجها خارج مصر" يخبرني سبيكو في جلسة جمعتنا مع بابلو.
يضحك مروان "إحنا جيل ماشي بدماغه، مش هاممنا حد. الفكرة إننا زي ما عايشين في الحياة العادية عايشين في شغلنا، بنتكلم في الأغاني زي ما بنتكلم في الحياة العادية، عايشين حياتنا عشان ننبسط".
الحفلة مستمرة
دخلنا إلى النادي من بوابته، توجهنا إلى الكافيتريا المهجورة وكان جمهور الحفل لا يزال موجودًا وإن تغيرت الوجوه قليلًا، وقف الجميع في مجموعات صغيرة يتناقشون، وتجمع شباب آخرين حول الـ بيت بوكس.
لم يشارك مروان الجميع في الكافيتريا الغناء أو التفاعل، كان محبطًا من عدم تنظيم الحفل بالصورة التي رسمها في خياله.
لم ينقص الكافيتريا سوى سماعات لإقامة حفل فيها، ولم يغادر أحد منها حتى الثامنة مساءً، مر مروان بين الجميع معجبًا بالمكان "لو جبنا سماعات نعملوا الحفلة هنا".
صادف عامل الكافتيريا؛ فسأله عن إمكانية نقل السماعات من الشاطئ إلى الكافيتريا. أخبره أن إيجار المكان 300 جنيه. كان العامل يظن أنها حفلة عيد ميلاد أحد الشباب، وحين شك فاوضهم على مبلغ أعلى. طلب مروان من حسين الاتصال بمنظم الحفل وأخبره بإمكانية إقامة الحفل في الكافيتريا إذا أحضروا السماعات التي لا تزال في مكانها على الشاطئ، وصاح بعض الشباب المتحمسين "الحفلة هتبدأ".
هلل الجميع.
سكتنا سالكة لفوق بنطلع
أقنع مروان صاحب السماعات الذي كان يريد مغادرة النادي بحجة أن الوقت قد تأخر وعليه تسليم السماعات إلى الأستوديو، توسّل له بالجدعنة والوقوف بجانب الناس في الشدة وعرض عليه أن يرهن أي شيء، وقدم له الموبايل والبطاقة، نظر لهما الشاب وطلب من مروان أن يطمئن. قال له روح الكافيتيريا وستجد كل شيء جاهز للحفل.
نزل الشباب/ الجمهور لإحضار السماعات والميكسر والميكروفون وساعدهم مروان. كان يزعجه أن يأتي ناس من القاهرة من أجله ويعودون دون سماعه، صحيح إنهم كانوا يستمتعون بقضاء وقتهم كل واحد على طريقته داخل الكافيتريا، لكن بالنسبة له كان الاستسلام لإلغاء أول حفل له أمرًا غير مطروح. توقف جانبًا يدخن سيجارة وهو سعيد.
بدأ مروان بأغنية من مرحلة داما، كان الجميع يعرفها، ثم غنى عايز فين، وعزبة الجامع، وفلكلور، وطلب من ويجز الانضمام له لغناء دايرة على المصلحة، وبعدها قال للجمهور إن الختام سيكون بأغنية الغلاف. "كنت باحلم بنفسي وأنا بأغنيها الأيام اللي فاتت" يقول مروان.
"ربي قالي متتحَوَجش لعبد. وأوعى تروح لغيري في يوم وتلجأ.. مختلفين وعلينا العين.. سكتنا سالكة لفوق بنطلع.. أصل في الدنيا الناس نوعين.. ناس بتصدي وناس بتلمع.. دماغ شغالة مش بتنام.. سبب فشلنا في العلام".
وقبل أن يسلم الميكروفون شكر الجميع وتأسف لهم عن الأعطال التي واجهت الحفل، قبل أن نذهب للاحتفال في أحد بارات المنشية.