افتتحت، الجمعة الماضية، النسخة الرسمية الثامنة من بطولة كأس العالم للسيدات والمقامة في فرنسا، حيث يشارك فيها 24 منتخبًا.
يواكب افتتاح البطولة زخمًا كبيرًا على المستوى الدولي إلا أنها لا تلقى اهتمامًا عربيًا، فلم يتأهل أي منتخب عربي إلى البطولة طوال تاريخها؛ شاركت الجزائر والأردن في تصفيات النسخة الحالية لكنهما تذيلتا مجموعتيهما في إفريقيا وآسيا.
لكن هل كان طريق النساء للعب كرة القدم مُمهدًا؟
بداية ركل النساء للكرة
يدور الجدل حول أول مباراة كرة قدم نسائية موثقة؛ البعض يُرجعها لعام 1628 حينما لُعبت مباراة في كنيسة بمقاطعة لانكشاير، فيما يُرجح أن العام 1892 شهد أول مواجهة رسمية بين فريقين للسيدات وفقًا لسجلات الاتحاد الاسكتلندي لكرة القدم.
من الواضح أن اسكتلندا لها باع طويل في ركلات البداية، استضافت في عام 1872 أول مباراة كرة قدم رسمية دولية بين منتخبين للرجال حينما لعبت ضد إنجلترا؛ فوفقًا لموقع سبارتاكوس التعليمي، ومواقع بي بي سي فقد أقيمت مباراة بين فريقين من السيدات المتزوجات والعازبات في القرن الثامن عشر لكن الهدف لم يكن رياضيًا بحتًا؛ فالجمهور من الرجال جاؤوا لاختيار شريكة لهم من فريق العازبات. رواية لم تؤكد رغم تداولها بكثرة.
المؤكد أن ماري هيوتسن التي أشتهرت باسم نيتي هانيبول ساهمت عام 1894 بتأسيس فريق لكرة القدم باسم فريق السيدات البريطانيات لكرة القدم. الفريق نشر إعلانًا لجذب لاعبات للفريق وأقيمت أول مباراة رسمية 23 مارس 1895 بين فريقين يمثلان شمال وجنوب لندن وهو ما ذكره موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا.
ما لا يعرفه الكثير عن حياة ماري غير لعبها باسمها المستعار، نيتي هانيبول، أنها كانت من الحالمات بحصول المرأة على حقها في التصويت في إنجلترا، وفقًا لنفس التقرير لموقع فيفا.
حصلت النساء فوق 30 عامًا في إنجلترا على حق التصويت في 1918 بعد موت إيملي دافيزون في حلبة سباق للخيول؛ فيلم Suffragette الذي أنتج عام 2015 ويتناول تلك القصة.
ازدهار في الحرب
مع مرور الوقت ازدهرت كرة القدم النسائية في إنجلترا وتحديدًا وقت الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918. في الوقت الذي ذهب فيه الرجال لساحات الحرب نزلت النساء للعمل في المصانع وهو ما مهّد لهن الساحة في كرة القدم.
ذاع في تلك الفترة صيت فريق آنسات مصنع "ديك كيرر"، للكهرباء الذي تحول وقت الحرب لتصنيع الذخيرة، بدأت فتيات المصنع في تكوين فريق كرة قدم وقت راحة الغذاء؛ ولعبن كرة القدم مقابل قطعة شوكولاتة يمنحها الفريق الخاسر للفائزات، حتى أقنع ألفريد فرانكلاند، الذي يعمل بذات المصنع، زميلته جراس سبيريت، التي أسر الألمان زوجها، بتأسيس فريق للفتيات لجمع تبرعات لصالح ضحايا الحرب والعاملات المحتاجات للمال.
تأسس الفريق بالفعل في 1917 ويعتبره متحف كرة القدم الإنجليزية ألمع فريق كرة قدم نسائية في تاريخ المملكة؛ كانت جراس القائدة وألفريد استمر مدربًا لسنوات.
كرة القدم لا تناسب الفتيات
انطلقت بطولة تحمل اسم كأس "Munitionettes' Cup" شارك فيها معظم فتيات مصانع الذخيرة، وحققت الكرة النسائية انتشارًا واسعًا؛ فمباراة فريق ديك كيرر ضد فريق سيدات سانت هيلين على ملعب جويسون بارك، في 26 ديسمبر عام 1920، شاهدها 53 ألف متفرجًا فيما حاول 14 ألفًا آخرين خارج الملعب الدخول ولم يفلحوا بحسب لبي بي سي وصحيفة الجارديان.
لكن النجاحات لم تُقابل بالتصفيق بل بالسخرية في بعض الأحيان؛ الصحافة المحلية سخرت من اللاعبات فكتب صحفي ذات مرة عن لاعبة "كانت ترتدي سروال شقيقها"، فيما انتقد آخرون السروال القصير الذي كانت ترتديه الفتيات في مباراة لسيدات إنجلترا ضد سيدات فرنسا.
كانت حملات السخرية تمهيدًا لما سيحدث، ففي الخامس من ديسمبر من عام 1921، صدر قرارًا من الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، بمنع الفتيات من ممارسة كرة القدم عن طريق منع الفرق المسجلة لديها من إتاحة الملاعب للفتيات للعب كرة القدم عليها لأن "كرة القدم لا تناسب الفتيات" كونها تؤثر صحيًا عليهن، كذلك طال الحظر الحكام ومُنعوا من تحكيم أي مباراة لفرق السيدات.
لا يعرف سببًا للمنع غير السبب المُعلن، لكن في 2005 نشرت بي بي سي على لسان أليس بارلو، لاعبة فريق ديك كيرر، أن "الغيرة ربما كانت الدافع للقرار كون فريقها حظي بشهرة أكبر من فرق الرجال".
كأس عالمية للسيدات غير رسمية
لم تستسلم الفرق الإنجليزية وظل فريق ديك ومدربهم ألفريد يجوب أوروبا وإنجلترا بشكل غير رسمي لجمع التبرعات ولعب كرة القدم. وبعد نصف قرن تراجع الاتحاد الإنجليزي عن قراره، أصدر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، في العام1971، قرارًا يقضي بأن تكون مباريات كرة القدم النسائية تحت إشراف اتحادات بلادهن، وهو نفس العام الذي شهد إقامة أنجح كأس عالمية للسيدات غير رسمية التي استضافتها إيطاليا، وتوجت بها الدنمارك على حساب ستة منتخبات آخرى "إيطاليا، إنجلترا، ألمانيا، المكسيك، سويسرا، النمسا".
في نفس العام استضافت المكسيك كأس العالم للرجال وبعدها بعام استضافت كأس عالمية للنساء غير رسمية حافظت فيها الدنمارك على لقبها بمشاركة ستة منتخبات "المكسيك، الأرجنتين، إنجلترا، فرنسا، إيطاليا، الدنمارك".
الغريب أن البطولة حظيت بمتابعة جماهيرية كبيرة حد بيع التذاكر في السوق السوداء، وتضاعف سعرها لثلاثة أضعاف تقريبًا مع وجود رعاة للبطولة أبرزهم شركة المشروبات الإيطالية التي رعت البطولة الأولى.
بعد ذلك أقيمت 4 نسخ من البطولة وتقاسمتها إنجلترا وإيطاليا حتى وصلنا لأول نسخة رسمية في 1991 حيث استضافتها الصين وتوجت بها الولايات المتحدة الأمريكية.
الوصول لمظلة فيفا واللجنة الأولمبية
كانت أول كأس عالم نسائية تحت مظلة الاتحاد الدولي لكرة القدم، فيفا، مغايرة تمامًا لبطولة المكسيك؛ فالنسخة الرسمية الأولى خلت من الرعاة وكانت مدة مبارياتها 80 دقيقة ولم تُنقل المباريات عبر التلفاز في الولايات المتحدة الأمريكية التي هزمت النرويج في النهائي.
ساهم ظهور كأس عالم رسمية للسيدات في إدراج كرة القدم النسائية في أولمبياد أتالانتا 96 بمشاركة ستة منتخبات دون تحديد سن المشاركات كمنافسات كرة القدم للرجال بالبطولة، ورغم ذلك تطورت كرة القدم النسائية عامًا بعد عام، زاد عدد المنتخبات المشاركة من 12 إلى 16 منتخبًا في مونديال أمريكا 99، ثم 24 في المونديال الأخير بكندا، وفي 2007 مُنح المنتخب الفائز مكافأة مالية أسوة بالرجال.
في بطولة 2011 كان الانفجار الأكبر. فـ 62.8 مليون شخص عبر 181 دولة تابعوا منتخب اليابان للسيدات وهن تهزمن الولايات المتحدة بركلات الترجيح لتكون أول دولة آسيوية تحقق اللقب، وغُردت 7.196 تغريدة في الثانية على تويتر وهو ما يفوق ما كُتب وقت زفاف الأمير ويليام دوق كامبريدج بحسب تقرير لصحيفة الجارديان.
هذا العام يشهد إقامة البطولة في فرنسا وسط زخم وتشجيع لمارتا، قائدة منتخب البرازيل، وهدافة البطولة التاريخية، وحفاوة بأليكس مورجان، نجمة منتخب أمريكا، وانتظار لليكي مارتينز، نجمة هولندا، وهو ترحيب ربما يُخلد ذكرى لي لي بار، قائدة فريق ديك كير، ونساء أخريات لعبن كرة القدم وهن ممنوعات من ركلها بشكل رسمي.