قبل أن تبدأ القراءة، هذا المقال يحتوي على حرق كامل أو "دراكارِيس" لأحداث المسلسل.
منذ عرض موسمه الأول عام 2011 حصد مسلسل صراع العروش أعلى التقييمات على موقع imdb، حتى بلغ تقييم مجمل حلقاته قبل إطلاق الموسم الثامن والأخير في أبريل/ نيسان الماضي 9.5 من 10. ولكن بعد عرض هذا الموسم الذي استقبله كثيرون من جمهور المسلسل بالإحباط وخيبة الأمل، تراجع تقييمه إلى 9.4 ليتراجع خلف مسلسلات تنافسه مثل Band of brothers وBreaking bad.
فما الذي حدث في الموسم الثامن؟ ولماذا تراجع الشتاء فلم ينثر علينا صقيعه، بل نثر الرماد والنار بدلًا من ذلك؟
قبل كل شيء، لا بد أن نوضح نقطة مهمة، وهي أن كل الأدوات الفنية المستخدمة في العمل التلفزيوني بريئة تمامًا من هذا الإجحاف، الإخراج، والتصوير، والمؤثرات المرئية والصوتية، والموسيقى التصويرية، والتمثيل.. إلخ.. فقط شيء واحد هو المذنب ها هنا.. إنها الكتابة، التي جناها علينا الكاتبين ديفيد بينيوف ودان .ب. ويز، أو D&D كما اصطلح على تسميتهما بوصفهما صانعي المسلسل، من الألف، إلى الياء.
وعندما نتحدث عن الكتابة، فلا بد أن نستذكر المواسم الأولى من العمل الملحمي عندما كانت الكتابة واثقة الخطوة تمشي ملكًة تضاهي ملوك العرش الحديدي، وتستحق التربع عليه. في أزمنة المفارقات الدرامية، والرسم العبقري للشخصيات، والخلق الفريد لحوارات ذكية يحكمها منطق سلس يسير ببطء وتؤدة وثقة في نور العمل الروائي الأصلي والأصيل أغنية الجليد والنار للكاتب الأمريكي جورج ر.ر مارتن.
ولكن ما حدث في الموسم الثامن كان خيبات درامية كبرى، وسقوطًا مدويًا على مستوى الكتابة وتتابع الأحداث، بدأ ذلك في الظهور عندما أصبح الثنائي D&D وحدهما في الملعب، وقد اضطرا لاستكمال أحداث المسلسل بمنأى عن الرواية التي لم تكتمل أجزاؤها بعد.
المفاجآت في الأصل شيء جذاب، وصادم، ومرغوب فيه في العمل الفني. ولكن عندما تقتل ملك الليل في منتصف الموسم الأخير، بعد أن مهد المسلسل منذ أول مشاهد أولى حلقات موسمه الأول لأنه العقدة الرئيسية والتحدي الأكبر، فإن هذه المفاجأة محبطة كتابيًا.
لا تقتل زعيم العصابة قبل أفرادها
صراع المسلسل الرئيسي منذ بدايته هو مع ملك الليل والمشاة البيض وجيوش الموتى، هذا ما صدّره المسلسل للمتلقي، ولذلك لم يكن معقولًا أن ننتهي من ملك الليل قبل حسم صراع العروش. صحيح أن المسلسل يحمل ذلك الاسم، ولكن قضية ملك الليل كانت قضية كبرى، لا تضاهيها قضية في المسلسل.
في الموسم السابع مثلًا، تركزت جهود بطل المسلسل چون سنو (كيت هارنجتون) في جمع كل من استطاع من قادة وجيوش الممالك السبع، من أجل الليلة الطويلة. حتى إنه حاول مع دنيرس تارجيريان (إيميليا كلارك) أن يقنعا سرسي لانستر (لينا هيداي)، التي تمثل أيقونة الشر الإنساني الأكبر في المسلسل، بهدنة من أجل هزيمة ملك الليل، قبل أن تخونهما في النهاية.
محاولة التحالف مع أيقونة الشر الرئيسية ضد ملك الليل، تعظِّم من ملك الليل نفسه، وتعطي أولوية كتابية لوجوده إلى نهاية المسلسل، ولكن هذا لم يحدث، بل تم القضاء عليه هو وجيشه عن بكرة أبيهم بضربة واحدة، وتبقت لنا سرسي، وصراع صغير حول العرش، وانتقال للثأر من سرسي التي بدا أن لها أولوية على ملك الليل.
https://www.youtube.com/embed/SgWKyHYlA5s?controls=0هل يصح أن نقتل ملك الليل قبل كل هؤلاء؟ هل يصح كتابيًا أن نقتل الوحش الأكبر، قبل الوحش الأصغر؟ هل يمكن أن تصبح نهايات الأعمال الدرامية، نهايات خامدة؟ فقد فجرنا القنبلة قبل بضع حلقات؟ ولم يتبق لنا سوى بعض الأمور الثانوية؟ هل يمكننا أن نقتل والتر وايت قبل جيسي بينكمان(1)؟ أو أن نقتل دكستر مورجان في منتصف الموسم الأخير(2)؟ وهل يصح أن نقتل فرانك أندروود قبل زوجته(3)؟
وعن هذا المثال الأخير، فقد تم قتل البطل فعلًا مع فاتحة الموسم الأخير، وذلك لأسباب إدارية تتعلق بفضيحة كيفن سبيسي الجنسية، الذي أعلن مثليته واعترف بأنه متحرش، فلم يجد صناع المسلسل بدًا إلا أن يقتلوه، ولكن، هل كان ذلك مجديًا؟ بالقطع لا، فقد ظهر الموسم الأخير كمسخ كتابي، لم يكن ليصح أبدًا سوى بحل واحد، ألا يموت الشر الأساسي، الأفعى الكبيرة، وهو البطل "فرانك أندروود" إلا في آخر حلقة، أو لا يموت أبدًا. فهو الأصل الأول والوحيد الذي يتأسس عليه المسلسل بأكمله، وبموته، ينهار المسلسل كله، وبالفعل، لم يتجاوز تقييم أي حلقة من حلقات الموسم الأخير على imdb أربع درجات كحد أقصى، فيما حصلت الحلقة الأخيرة على تقييم 2.5 من 10. وهو سقوط مدوٍ للمسلسل.
لماذا حدث ما حدث؟
المشكلة الأخرى التي وقع فيها D&D، تتعلق بعدم تقديم إجابة عن سؤال "لماذا حدث ما حدث؟". فمع موت ملك الليل، الموجود خلف الجدار منذ 8000 سنة ولكنه قرر العودة في هذا الوقت تحديدًا، ماتت معه دوافعه وأهدافه، تاريخه وأصله وكينونته، وأسباب عودته في هذا الوقت بالذات.
تساؤلات أخرى كذلك لم يجب المسلسل عنها تتعلق بحدود قدرات ملك الليل، الذي يستطيع تحويل الأحياء إلى مشاة بيض، ويستطيع أيضًا التحكم في الموتى وتحريكهم وجعلهم يقاتلون من أجله، وفي ذلك تفصيلة مريبة هامشية، فإن كان يرى بأعين كل هؤلاء، فكيف تسللت آريا ستارك (مايسي ويليامز) وقتلته؟ هل تتجاوز قدراتها السحرية التي تعلمتها في براڤوس قدرة ملك الليل القابع خلف الجدار منذ آلاف السنين والذي يستطيع الرؤية والسمع بعيون وآذان الآلاف المؤلفة؟
ما الذي كنا ننتظره إذن من ملك الليل؟ دعنا نفكر في الأمر، فمنذ ظهوره في المواسم الأولى، وحتى موته، لم ينبس بحرف واحد، وهذه إشكالية كبيرة، إذ أن ملك الليل يظهر في جسد رجل، وله فم، وربما نستنبط أن له لسان، وليس هناك شيء يجعلنا نستدل أنه أبكم، أو أصيب بصدمة ما جعلته لا يحر نطقًا.. فلماذا لم يتكلم ملك الليل؟ تكلم حتى نراك أيها الملك!
ولكنا لم نر منه إلا أفعالًا وكلها تنصب في القتل، وكأن غايته الأساسية هي القتل، وأن هذا هو هدفه. ولكن بالنظر إلى طبيعة ذلك الهدف وتحليله، سنجد إشكالية كتابية أخرى، لأن ملك الليل كائن عاقل، وذلك واضح بمجرد النظر إلى ملامح وجهه ونظراته التي تدل على ذكاء مارق.
وبما أنه عاقل، فليس من باب التعقل القتل المستمر. بل السيطرة، والهدوء، ومن ثم الحكم. وإلا، فإن هو قتل من خلال جيوشه كل من على الأرض، فمن يحكم إذن؟ هل يحكم موتاه؟ إنه يحكمهم بالفعل؟ فأين الغاية؟ لا يمكن أن يكون القتل لمجرد القتل غاية، خاصة في مسلسل حرص منذ مواسمه الأولى على تجنب ثنائية صراع الخير - الشر بشكلها الساذج، وقدم دائمًا دوافع جدية وحقيقية يتعاطف المشاهدون معها، لمن يمارسون الشر ويختارون اللجوء إليه.
ولكن ملك الليل لم يتكلم، ولم يعبر عما يدور بعقله، وإنما فقط يقتل إما عن طريق جيوشه التي يتحكم بها، أو بنفسه في مرات نادرة.
لذلك جاء قتل ملك الليل دون تقديم إجابات عن كل هذه التساؤلات، ليجعل حماس المتلقي وهو يتابع بقية حلقات المسلسل راكدًا، وشغفه متلاشيًا، إذ لم يعد لصراع العروش معنى، لقد مات الـ Big Boss بضربة واحدة من أصغر محاربة في ويستروس.
التكتم لم يكن فقط من نصيب ملك الليل، بل ملك ويستروس أيضًا براندون ستارك (إيزاك رايت) أو "الغراب ثلاثي الأعين"، الذي يعلم كل شيء عن الماضي والحاضر إضافة إلى لمحات من المستقبل، ولكنه قليل الكلام، مثله مثل ملك الليل.
اقتل ولا تتحدث
انتهينا من ملك الليل، وتفرغنا لمواجهة سرسي، مع صراع خفي بين دنيرس وچون سنو على العرش، بحيث اكتشف بران ستارك أن چون سنو هو الوريث الشرعي للعرش الحديدي، ولكن الأخير لم يقل طوال بقية الحلقات الثلاث سوى جملتين "أنا أحبكِ، أنتِ ملكتي!" مخاطبًا دنيرس، أو "إنها ملكتي!" مخاطبًا أي شخص آخر، و"أنا لا أريد أن أكون ملكًا!" وهي جملة وجهها لدنيرس والجميع.
يبقى هذا الصراع في الخلفية، وبينما تعود دنيرس بجيوشها إلى دراجونستون من أجل التخطيط للهجوم على سرسي في كينجز لاندنج، نفاجأ برمح ضخم يقتل ريجال في مشهد خاطف فجائي، ذي إخراج ضعيف، لا يعبر بما يكفي عن هذه الطامة الكبرى التي أطاحت بدانيريس وتنينها، أو كما رأينا في الموسم السابع، عندما قتل ملك الليل ڤيسيريون.
هذه المعركة السريعة لم تقتل تنين دنيرس الثاني وتبقي لها تنينًا أخيرًا فقط، لكنها انتهت كذلك بأسر ميساندي (نتالي إيمانويل)، وفي نهاية الحلقة، تتوجه دنيرس، رفقة قوة ضئيلة للغاية تضم معها كذلك تيريون لانستر (بيتر دينكلاج) وجراي وورم (چيكوب آندرسون)، فيم ينزوي التنين الأخير دروجون أرضًا في مكان مكشوف في العراء، إلى أسوار كينج لاندنج لمفاوضة سرسي، التي ترد عليهم بقطع رأس ميساندي.
كانت هذه اللقطة نذير شؤم كتابي آخر. فإرسال القوة نفسها إلى أسوار كينجز لاندنج لا يبدو منطقيًا أن يوافق عليه تيريون مثلًا الذي يعرف قدرة شقيقته على الغدر. وعلى جاب آخر، فإن قوة ضئيلة تضم دنيرس وتيريون وجراي وورم، وتنين وحيد مكشوف كهدف سهل للغاية أمام عشرات "العقارب" التي صممت خصيصًا لقتل التنانين، جميعهم تحت يد سرسي التي لا تعترف بقوانين وأخلاقيات الحروب، على أبواب مدينتها، ثم تتركهم يمضون في سلام!
دراكاريس!
دراكاريس هي الكلمة الأخيرة التي نطقتها ميساندي قبل أن تموت، تدعو دنيرس للانتقام. كانت ميساندي على حق، أو كما قال الرجل القبيح في فيلم الطيب والشرس والقبيح: If you have to shoot, shoot! Don’t talk!
حققت دنيرس رغبة ميساندي الأخيرة، وبدافع من جنون العظمة، والانتقام لميساندي، والغضب والحزن على موت تنينها، وجدت طريقة للهرب من مئات "العقارب" التي امتلأت بها أطراف المدينة، والتي تنطلق منها الرماح الكبيرة، تبتغي اصطياد ذلك التنين الذي لا يريد أن يموت، ولكنه يحرقهم واحدًا تلو الآخر، إلى أن دمر كل وسائل الدفاع الممكنة، التي كانت أمل سيرسي الوحيد في التغلب على التنين. وهنا نضحك ضاربين كفًا بكف؛ فقد كان راقدًا أمامك في الساحة يوم أمس، فلمَ لم تقتليه؟!
وبالتالي، فكان قرع أجراس التسليم أمرًا بديهيًا، وبالفعل، صدحت الأجراس معلنة استسلام المدينة، وسرسي، وبالتالي تسليم العرش الحديدي أخيرًا إلى دنيرس، لأن چون سنو لا يريد أن يكون ملكًا. كل شيء سليم، وسينتهي المسلسل أخيرًا...
ولكن شيطانًا ماكرًا وسوس لدنيرس، وجعلها تكمل صب جام غضبها على بقية جنود سرسي، وعلى المدنيين، والأطفال، والنساء، والعجائز، والمباني، والمنشآت، والزرع، والنباتات، والأحجار، والأخضر، واليابس.. وكل شيء.. حتى إنها ربما قتلت بعضًا من جنودها دون أن تدرك ذلك..
هل فعلت دنيرس ذلك غضبًا على مقتل تنينها؟ أم ميساندي؟ هذا غير معقول، لأنها لم تفعل واحدًا على الألف مما فعلته عندما قتل ملك الليل تنينها الأول. وميساندي؟ هل يستحق الأمر أن تقتل دنيرس كل شيء يقع تحت حنجرة تنينها دروجون من أجل سواد عينيها؟ وهل يعني قرع الأجراس والتسليم - لا سمح الله - أن تكافئ بقية الجنود، وأن تترك لسيرسي السلطة مثلًا؟ ألم يكن من السهل إعدام سيرسي في ميدان عام أمام الجميع؟ بل إنه ألف باء دراما.
لحظة أخرى.. لقد أتى إلينا D&D بتحليل استثنائي في نهاية تلك الحلقة.. يقولون إنها انهارت عندما تخلى الجميع عنها، وفقدت كل شيء، وحكمت بالخوف والعنف، وأخذت الأمر كمحمل شخصي أعمى، فأصيبت بالجنون، بالضبط مثلما أصيب أبيها!
ولكن.. إن كانت هي ملكة مجنونة كأبيها، لماذا لم تحقق هدفها بهذا الشكل منذ البداية عندما كان معها ثلاثة تنانين، كان يمكنها بكل سهولة أن تدك كينجز لاندنج دكًا، وتحصل على العرش، بالقوة، وبالخوف، بالنار والدم، كما قالت مؤخرًا لچون سنو، فلماذا لم تفعل؟ ولماذا الآن بالذات؟ من أجل امرأة وتنين؟ هذا غير منطقي، وغير مبرر كتابيًا بالمرة، وبخاصة أنه تم تصدير دنيرس لنا باعتبارها المخلِّصة، ومحطمة الأغلال، والتي تعطف على الفقراء والمساكين، وتقدم يد العون للمحتاجين، وتنتصر للخير، وتدحر الشر، وإنها قالت بلسانها إنها "لا أريد أن أكون ملكة الرماد"!
الغراب يحكم العالم
بران ستارك، منذ ما أصبح الغراب ثلاثي الأعين، تشوبه القتامة والبلادة السمجة. أصبحت شخصيته نمطية جدًا، ومتوقعة بشكل مبالغ فيه، إذ لا يقول هو الآخر - إن تكلم أصلًا - سوى جملة واحدة "هذا قدرك، ولهذا أنت هنا الآن" فهو يعلم كل شيء، عن الماضي، وكل شيء، عن الحاضر، ويستطيع التحكم في الكائنات الحية، وأن يرى بأعينهم.. وبعيدًا عن أننا لن نناقش ها هنا، لماذا لم يتحكم في التنانين الثلاثة منذ البداية؟ أو لماذا لم يتحكم في سرسي؟ وهي أسئلة مشروعة جدًا.. ولكننا سنناقش أمرًا آخر أقل سطوة، وهو: لماذا لا يتكلم بحق الممالك السبع؟!
لماذا لم يستطع أي أحد أن يخرج منه بمعلومة خاصة بما سوف يحدث بمعركة الليلة الطويلة؟ أو بما سوف يحدث ليلة المحرقة الكبرى؟ لماذا لم ينبههم؟ الإجابة التي تقدم نفسها إلينا، أن بران ستارك، أو الغراب ثلاثي الأعين، يعلم كل شيء عن القدر، ولكنه لا يتحكم به، حسنًا هذا عادل تمامًا، ولكن لماذا لا يخبر الناس بما سوف يحدث، كي يحتاطوا؟ ربما لا يريد أن يخبرهم كي لا يبحثوا عن طرق يصدوا بها الأقدار، أو أنهم مهما حاولوا أن يصدوا الأقدار، فلن يفعلوا أكثر ما قدر لهم فعله. وبالتالي فليس من المفترض أن يخبرهم بما سيحدث في المستقبل. فما هي فائدته إذن بحق الآلهة السبعة؟
لن أتكلم عن النظرة القلقة التي كان ينظر بها إلى ملك الليل وهو على وشك قتله، وكأنه يسلم بأنه سيموت لا محالة، بينما هو يعلم مسبقًا أن آريا ستقتل ملك الليل، فلماذا كان قلقًا، لماذا لم يبتسم، ويرتدي نظارات thug life أمام ملك الليل؟ ولن أتكلم عن أنه لم يخبرنا بكل شيء عن ملك الليل، وهو العالم بأمره، لا فائدة لبران تُذكر في الموسم الأخير، سوى أنه أطلع چون سنو على أحقيته في العرش.. وبالطبع أطلعه، كي يقتل دنيرس.. وفي ذلك مفارقة غير منطقية، إذ أنه لو لم يكن قد أطلعه، لما قتل جون دنيرس.. وبالتالي، فهذا الغراب الملعون، يمكنه أن يتحكم في المستقبل بطريقة بها حيلة ماكرة، ولكنه يفعل ذلك متى يحلو له هو فقط!
ولكن، من بين كل الزعماء الذين يصلحون لأن يكونوا ملوكًا، اختاروا بران ستارك، العاجز، غير البشري أصلًا، باعترافه هو نفسه، أنه لم يعد بران ستارك، بل هو الغراب ثلاثي الأعين. يحكم الممالك السبع، وهو يعلم كل شيء عن كل شيء، ولكنه لا يتحكم في القدر، ولا يتكلم إلا قليلًا.. ووجوده في كرسي الحكم، بالضبط كعدمه، فهو لا يمثل أي شيء، وليس بيده أن يتخذ القرارات، فكل شيء معروف سلفًا.
وبالتالي، فحرق دروجون التنين للعرش الحديدي، ودلالته المباشرة الفجة، بأن الحكم والسلطة هما أصل كل الشرور، تم معالجتها بطريقة صحيحة في اختيار بران للحكم، كمرتبة شرفية يسدون بها خانة الحكم، وإنما الحكم إلا لبقية البشر الذين لا يعلمون شيئًا عن مستقبلهم، ويعملون لدنياهم كأنهم يعيشون أبدًا، وهذه اللفتة، ربما تكون هي الشيء المنطقي الدرامي الوحيد المحبوك في الموسم الأخير برمته.
(1) بطل مسلسل Breaking Bad
(2) بطل مسلسل Dexter
(3) بطل مسلسل House Of Cards