مُراهق يتصفح جرائد منتصف التسعينات، يمرّ سريعًا على اﻷخبار والتقارير سواء المحلية الخاصة بما يدور في عمّان عاصمة بلاده اﻷردن أو حتى الإقليمية والدولية، فهي لا تستهويه وليست بمبتغاه، يقلّب الصفحات واحدة تلو اﻷخرى حتى يصل لما يريده، الكاريكاتير.
لا يكتفي المُراهق بالمطالعة، يقوده الانبهار بالخطوط إلى تأملها والتدقيق في تفاصيلها؛ يشبّ ويتحول اهتمامه إلى مجال عمله الرسمي، فيصبح لؤي حازم مصمم جرافيك ورسامًا للكاريكاتير في واحدة من أكثر المنصّات الإعلامية ملائمة لهذا الفن، شبكة الحدود الساخرة، حيث يخط لؤي الكاريكاتير بجانب عمله كمدير لمحتوى الموقع، الذي صار يتمتع بجماهيرية وانتشار واسع في مختلف البلاد العربية.
من قلب معاناة وتناقضات العالم العربي انطلقت الحدود تنتقد وتسخر بلا هوادة دون رسم خطوط حمراء تُقيّد عملها، متكئة في إنتاجها على عقول شباب عايشوا أحلامًا وإحباطات بحكم انتمائهم بالميلاد والحياة لهذا الجزء من العالم، ومنهم لؤي الذي خص المنصّة بهذا الحوار؛ فوقفنا معه على الحدود وما ورائها من تفاصيل وخطوات كان أحدثها انطلاق نسختها الورقية في أبريل/ نيسان 2019.
من الزحام
من شارع في اﻷردن خرجت الحدود، حيث كان شاب أردني آخر هو عصام عريقات عالقًا في الزحام، عبثًا يصارع ملل الانتظار ويحاول قتل الوقت.
فجأة واتته الفكرة الغريبة، لمعت في رأسه وتضخّمت حد طرد ما عداها من أفكار. وسرعان ما تمردت الفكرة على عقل عريقات وغادرته إلى رحابة العالم الافتراضي؛ فعرف القرّاء العرب موقعًا جديدًا اسمه الحدود، انطلق في يوليو/ تمّوز 2013، ليُقدّم عالمًا موازيًا من الكوميديا السوداء، خلقه بخلطة سحرية من الأحداث المتلاحقة في بقعة من العالم لا تعدّم المآسي ولا تفتقر للتناقضات ولا تُبارح الصفيح الساخن:
"الفكرة لمعت براس عصام فجأة، ولاحقًا اجتمع مع الزميلين كمال خوري وعامر الدويك، وصار فيه نقاش لتفاصيل كيفية عمل هالمشروع، واستثمار مَلَكة الكتابة والكوميديا؛ وبناءً عليه اتبلورت الخطة وتأسس الموقع، لأنه المنطقة فعليًا فيها الكثير من التناقضات والإشكاليات يللي ممكن تكون بيئة خصبة للسخرية" يقول لؤي عن الحدود التي انضم لها عام 2015، في المرحلة التي انتقلت خلالها من المحلية للانتشار الإقليمي.
من التأسيس العفوي انطلق الساخرون إلى الانتشار بين أكثر من أربعمائة ألف متابع على فيسبوك، يتفاعلون مع شبكة ساخرة ذات اسم جاد، له أيضًا مغزى وحكاية يرويها لؤي:
"هو كان جزء من مجموعة أسامي اقترحت في البداية، وتم اختياره لكونه حمّال أوجه، فهو بيعني الحدود كمساحات يُسمَح للشخص بالتعبير فيها، والحدود الإقليمية، والحدود كفاصل بين المزح والجد، والحدود كنظام عقوبات. فضلاً عن أن جدية الاسم كانت سببًا للاختيار، ﻷننا عم نعمل محاكاة للصحافة التقليدية الجادة".
وجاءت المحاكاة في وقت كانت مساحات التعبير رحبة نسبيًا، حيث الثورات العربية ما زال لها تأثير، على اﻷقل في الوعي الجمعي للشباب:
"الموقع كان طريقتنا للتعبير عن الإحباط يللي حسينا فيه، ويللي رافق الناس مع انكسار الربيع العربي" يقول لؤي.
من زحام شارع أردني خرجت الحدود، وكانت بدايتها التعليق الساخر "بتركيز على الأحداث المتعلقة بالشأن اﻷردني في المقام الأول، يليه الفلسطيني واللبناني"، وبالمحافظة على خطّ فاصل بين العمل الإخباري الصريح وبين السخرية في صورة خبر:
"هو مش موقع إخباري، وإنما يستخدم الصيغة الإخبارية، ﻷنها بصورة أو بأخرى، شكل من أشكال النميمة".
تُحاكي الحدود الصحافة التقليدية في كل عناصرها، ولكن بطريقتها الخاصة جدًا، كما بدا حتى في شعارها الشهير "نحو مُستقبل ما"، الذي فسّر لؤي دلالته:
شعار الحدود هو سخرية من الشعارات الكبيرة الفضفاضة يللي بتطلقها الصحافة التقليدية، هو تعبير عن حالة العبث والعدمية يللي عم نعيشها، وبيعكس عدم اليقين بالطريقة يللي عم نتحرك فيها نحو المستقبل، أو إذا فيه مستقبل أصلاً! ﻷنه نحنا يا إما ثابتين بمحلنا أو عم نرجع لورا؛ فوصلنا لمحل إنو ما عِنّا مشكلة شو ما كان هالمستقبل، بس ييجي".
لم تكن المهمة بسيطة، لكن أمام الموهبة والإمكانيات الإبداعية تتضاءل التحديات:
بصفتنا مجموعة أشخاص عنّا خبرة بمجال الإعلام والكتابة والكوميديا، كانت هاي طريقتنا لنوصّل أفكارنا، وتباعًا اتوسعت المناطق ياللي منغطي أخبارها لتشمل المنطقة العربية ولاحقًا أحداث عالمية".
.. واهتمامات المٌراهق
من فكرة عابرة في الزحام إلى موقع كان مسار الحدود، ومن دراسة "التصميم الجرافيكي" إلى إنتاج محتوى ساخر كان طريق لؤي، الشاب الثلاثيني الذي يرى دراسته "ما إلها أي دخل بالكتابة الساخرة"، لكنه تمكّن من تخطي هذا الحاجز وصار "كاتبًا رئيسيًا" بالموقع بفضل خبراته السابقة:
"قبل الحدود، كان عندي كثير أعمال مع مواقع إلكترونية وصحف وبعض الكتب. أما الكتابة، شي إلو علاقة باطلاعي على عدد كبير جدًا من الكتب، وفيه عندي حب للكتابة، وطورت هادا الشي لمّا بديت مع الحدود".. يقول لؤي عما لديه من مؤهلات.
بجانب موهبته، ساعد لؤي ما كان له من اهتمامات في سنوات المراهقة، يقول عن ذلك:
"بدءًا من عام الـ 95 اتبلور عندي اهتمام كبير جدًا بالكاريكاتير، بفترة كنت مراهق عمري 14 أو 15 سنة. كان عندي هوس بالاطلاع على الكاريكاتير، وهادا الشي هو يللي قادني لاحقًا للعمل بهالمجال".
انضم لؤي لفريق الحدود بعد سنتين من انطلاق الموقع الإلكتروني، وبعد فترة قضاها في أعمال تتقارب مع جزء من طبيعة عمله في الحدود:
"خلال الفترة ياللي سبقت انضمامي للحدود، كان عملي بين التصميم الجرافيكي والكاريكاتير والرسومات المخصصة ﻷدب الطفل. وبشكل عام، أنا ما كنت سعيد بطبيعة عملي ﻷسباب تتعلق بسقف الحرية، هذا بخصوص الكاريكاتير، أو طبيعية النصوص يللي كنت عم بتعامل معها بأدب الطفل".
عدم السعادة قاد لؤي لقرار كان له تبعات تحمّلها الشاب حتى وصل لما يهوى، الحدود:
"في تلك الفترة، أخدت قرار إنو ما راح اشتغل شي أنا ما بحبه، وهادا القرار أسفر عن تدهور شديد بالحالة المادية، وفي يوم من اﻷيام، بشهر 8 بـ2015، كنت عم بعمل سكرول داون ع الفيسبوك وشوفت إعلان للحدود كانوا عم بيطلبوا كُتّاب".
وبمجرد رؤيته اﻹعلان؛ لم يتردد الشاب في التقدّم للحدود، حسبما يتذكر الآن:
"خلال الفترة السابقة كنت عم بتابع النَفَس الحلو والصادق والنظيف يللي فيه (شغل الحدود)، وكان فيه جزئية حلوه باﻹعلان، إنو ما بدنا الـC.V. تبعك، ابعتلنا نصّين ساخرين بطريقتك لنقيم الأداء تبعك، فبعتت مقالين، وبعدين اتواصل معي الزملاء الحاليين لمقابلة عمل، وبدأت العمل ككاتب رئيسي، وبعدها فوتت الخبرة السابقة يللي عندي بالرسم والتصميم، وحاليا مدير المحتوى".
مَن هم "الحدود"؟
مع لؤي، يقف على الحدود فريق عمل من مختلف دول العالم، وذلك على اختلاف ما يُسند إليهم من أدوار:
"فيه خمسة كُتّاب أساسيين، وعدد كبير بيشتغلوا معنا فريلانس ومتطوعين".
والفضل في جمع هؤلاء يردّه الشاب للحدود:
"نحنا ما في أي علاقات صداقة سابقة جمعتنا قبل ما نبلش بالحدود. يللي صار هو إنو ناس عرفتنا عن طريق إعلان للانضمام بالكتابة، وفيه ناس قدمت مجموعة مقالات، وبعدها بفترة عرضنا عليهم إنو ينضموا".
على كل اختلافاتهم الفردية، يظل تحقيق التجانس بين الكُتّاب والمساهمين هو كلمة السر في خروج مادة الحدود وكأنها من قلم واحد، ما يدفع للاعتقاد بوجود شروط أو قواعد معينة للانضمام للفريق، وهو ما ينفيه لؤي:
"ما فيه أيديولوجيا معينة بنفرضها للي بيشتغلوا معنا، ممكن أي واحد ينضم، بس بشرط يكون عنده القدرة على تقبّل الاختلاف وتقديم النقد بشكل كوميدي".
والنقد الكوميدي قد يأتي بقلم أم جعفر السيدة المستغرقة في الذكورية، أو ناجي بن عمّو المؤيد للنظام وقائده، أو غيرهما من الشخصيات الخيالية التي يعكس تكوينها و"أقلامها" أوضاع الوطن العربي، وقد خرجوا للمتابعين من عقل صُنّاع الحدود كنتيجة لتناغم وانسجام بينهم، وبفضل تقبّل الاختلاف الذي يمتد لما هو أبعد من وجهات النظر أو القناعات واﻷهواء الشخصية.
بوصف تشريحي لتركيبتها ودلالتها، قدّم لنا لؤي عن هذه الشخصيات الخيالية:
"كتاب الحدود يمثلون أنماطًا إعلامية أو اتجاهات فكرية مشوهة نحنا عايشين معاها بشكل يومي ومتكرر، لدرجة تبدو أنها جزء طبيعي من حياتنا. ومهمتهم (كُتّاب الحدود) هي توضيح موضع الخلل بكل نمط أو فكر يعبّر عنه الكاتب، ومخاطر تبنيه، يعني مثلاً ناجي بن عمو هو كاتب متملق وكان لازم عليه إنه يتملق بنفس الطريقة ياللي عم يتملقوا فيها كثير من كُتّاب الأعمدة، ويبالغ بالتملق حد التطرف ليصير واضح موقع الخلل بهاي الممارسة .. وطبعا يبين المقال على أي نمط من الكتاب التعليق".
ومع بن عمّو كُتّاب آخرين، قررت الحدود من خلالهم انتقاد نماذج إعلامية أخرى، بحسب حديث لؤي:
"بديع الحدود مثلاً، هو شخصية تاريخية عنده لغة فخمة مليئة بالمحسّنات البديعية وأيضًا تأليه لشخص الحاكم، هو إشارة ﻷنو التاريخ اللي عم نقرأه فيه كثير من المبالغة والكذب حول القيادات التاريخية يللي تقدم لنا صورتهم كأبطال بلا أي عيوب، إضافة إلى أنه تطرق لموضوع التملق أيضًا. وفي أم جعفر، هي شخصية نسائية معادية لحقوق المرأة بسبب قناعاتها اللي مستمدة من وجودها بمحيط ديني متطرف. أما نبيل الجعمق فهو الكاتب المسؤول عن نظرية المؤامرة، بالنسبة له أي خلل نحنا عايشينه سببه هو وجود مؤامرة من الآخر علينا، ﻷنه نحنا مثل ما هو معروف ناس مثاليين".
كل كتاب اﻷعمدة هؤلاء "شخصيات خيالية مُختَرَعة من فريق الحدود أو الكُتّاب المشاركين"، وعلى الرغم مما يبدو من مجهودات في خلقهم وتقديم موادهم، إلاّ أن اﻷمر لم يدفع الحدود لوضع اشتراطات لمن سيشاركهم في الكتابة:
"نحنا ما بنتطلب دراسة محددة، ﻷن فعليًا ما فيه دراسة عربية بتعلم الواحد كيف يصير كاتب كوميديا؛ ولهاالسبب كان علينا تشريح طريقة عملنا على شكل كُتيب فصلّنا فيه بالظبط شو بنعمل وطريقة الكوميديا تبعنا، وبنقدمه لكل يللي بيحبو ومهتمين يشتغلوا معنا".
لا يتوقف فتح الحدود أمام متابعيها على الإطلاع أو توفير الكُتيّب لهم فحسب، فحين يقترب مساهم جديد من الحدود، يصبح أمام الفريق الرئيسي مهمة أخرى:
"عادة المساهمات بتكون على شكل مقترح عنوان أو مادة شايفينها غريبة حابين يناقشوها، وبيتم نقاشها مع فريق العمل ثم مع الشخص ياللي قدمها؛ لنحوّلها لموضوع".
.. ومعضلة جندرية
على الرغم من الانتشار السريع، اكتشف صُنّاع الحدود مشكلة فيما يتعلق بالمساهمات:
"لحد السنة الماضية كل يللي اشتغل بالحدود ذكور بسبب المحتوى السياسي، ومنهم يللي أهاليهم ما كانوا بيعرفوا بالبداية إنهم عم يشتغلوا بالحدود، ومن هون نحنا بنفهم إنو هادا النوع من الضغط بتواجهه الفتاة بشكل مضاعف بالمنطقة عنّا؛ ولهالسبب نحنا مؤخرًا لمّا قررنا نتوسع خلينا عنوان رابط (دعوة الكتابة) بالموقع إلى الحدود لتشجيع الفتيات ليشتغلوا معنا".
دعم دولي
في حال استجابت النساء للدعوى؛ فسيعاملن بالطريقة نفسها المُتّبعة مع أقرانهن الذكور دون تمييز:
"الكل بياخد أجر لقاء عمله، فيه البعض بيتطوعوا إنهم يقدموا فكرة، ياللي هي بمعظم الأحيان بتكون بحاجة لتطوير، وبهالحال بنحكيلهم إنه العمل بحاجة للتطوير قبل النشر، وبهاي الحالة ما بيكون فيه أجر".
وتمنح الحدود مساهميها مقابلاً ماديًا، استنادًا على دعم تتلقاه من جهات مختلفة عرّفها لؤي:
"الجهات الداعمة للحدود هي مؤسسات أوروبية، وفيه مؤسسة Open Society Foundation اﻷمريكية، وهاي المؤسسات موجودة برابط على الحدود كجهات داعمة".
.. وهواجس التصنيف
مع تلقيها دعمًا خارجيًا وتقديمها مادة تنتقد أنظمة عربية، قد تصبح النافذة الإعلامية الساخرة هدفًا سهلاً لاتهامات صارت معتادة في بعض دول المنطقة، كالعمالة وتلقي تمويل أجنبي، وهو ما لا يشغل بال صُناع الحدود كثيرًا:
"هذا النوع من التهم الجاهزة متوفر بكثرة والحمد لله، المهم بالنسبة إلنا هو عدم تدخل أي من الجهات يللي عم نتعامل معها بسياستنا التحريرية" يقول لؤي.
أما التصنيف وحسّابهم على جهة ما، فهذا أمر لا يأبه له لؤي ورفاقه مطلقًا:
"نحنا فعليًا انتقدنا معظم الأنظمة السياسية؛ وبالتالي اتهامنا بالتحيز لجهة أو بالعمالة لجهة معينة وارد؛ إذا كان ممكن نكون عملاء للكل ضد الكل".
يشير لؤي إلى جهات عدّة تم حساب موقعهم عليها بالفعل:
"نحنا اتصنفنا كمؤيدين للنظام السوري والسعودي وصهاينة وإيرانيين. وفعليًا، ما بنتجنب الوقوع بهالموضوع، ﻷن فيه كتير استسهال للتصنيف عِنّا بالمنطقة. بيبقى موقفنا واضح بطبيعة المواد يللي بنقدمها، لأنه إذا بننقد نظام معين ما بيعني إننا نمنع نفسنا من انتقاد نظام آخر يُعاديه. نحنا كتير متمسكين بإنو يكون عِنّا الحرّية لنقد كل شيء".
بمرور الوقت، ومع تمسك الحدود بهذه السياسة؛ صارت معدلات الاتهام أقل:
"بالنسبة للي كان عندهم شكوك باتجاهاتنا، صار عندهم مع الوقت صورة أوضح للي عم نسويه، وكيفية تعاطينا مع الحدث مش بناءً على انحيازنا لجهة ضد أخرى، بل حقنا بالنقد".
لكن، قد لا تتوقّف المضايقات على التصنيف أو الاتهامات، فقد يصبح وجود الحدود على المحكّ بالحجب أو الإغلاق الذي لم يغب أمره عن مؤسسيه؛ فسعوا لتقنين وضع الموقع:
"كنا بنصطدم بحاجز الرقابة وقوانين المطبوعات والنشر بالبلاد العربية، لأنه تبين لنا إنو تسجيله ضمانة لإنه يتسكّر (يغلق) تاني يوم بينفتح فيه؛ لها السبب نحنا مُسجلين كمؤسسة ببريطانيا".
بريد المعجبين
توجّه "الحدود" مادتها للجمهور العربي بلغته اﻷم، لكن وحدة اللسان لا يُشترط أن تستتبع بالضرورة وحدة في ردود الفعل على ما يقدمه الموقع؛ فلابد من وجود إشادات وانتقادات يتلقاها لؤي ورفاقه:
"هلّا الإشادة اﻷهم بالنسبة إلنا هو كسرنا لكتير من الخطوط الحمراء والحواجز على صعيد النقد فيما يخص السياسة والفقه الديني والمجتمع، وهادا هو نفس السبب ياللي بنواجه عليه كتير نقد.. يعني فيه متابعين عِنّا كتير بيزعلوا وبيعصّبوا لمعتقدهم أو اتجاههم السياسي أو الشخصية السياسية يللي بيحبوها، وفيه كتير منهم بيسبّونا وبيتركوا الموقع. ونحنا بنتمنى فعليًا إنو نفتح النقاش معهم".
وعلى الرغم من الاستعداد للنقاش، إلاّ أن الانتقادات ليست باﻷمر الذي يشغل بال صُنّاع الموقع كثيرًا:
"ما بنخاف من توجيه انتقادات للموقع، ﻷنو إذا بدنا ناخد بعين الاعتبار احتمالية إثارة غضب أو حساسية مجموعة تجاه التعرّض لموضوع معين تؤمن به؛ باﻷخير نحنا ما راح نكتب شي وما راح نحكي عن شي، فبيصفي الخيار الأفضل إنو نحكي ونواجه المجتمع. وبنرحب بالاختلاف والحوار".
يتقبل صنّاع الحدود النقد والاختلاف، أمام الهجوم فلهم طريقتهم الخاصة الكوميدية في التعامل معه:
"فيه نوع من النقد يللي بيكون عبارة عن شتائم، ومنها البذيئة كمان، هاي بنعمل لها سكرين شوتس، وبننشرها في زاوية بالموقع اسمها بريد المعجبين".
.. وتحديات الانتشار
ما يواجه الحدود ليس الانتقادات أو المخاوف الأمنية فقط، فالعراقيل موجودة بأوجه أخرى، أحدها يتعلّق بالعملية الإنتاجية:
"فيه كتير صعوبات واجهتنا وبعدها بتواجهنا، متل فهم البعض للأخبار تبعنا كأخبار حقيقية. هاي المشكلة واجهناها ببدايات الحدود، ولاحقًا الطريقة ياللي بنشتغل فيها وثقافة السخرية صارت أقرب للناس".
لكن الصعوبات ليست مع المتلقي فحسب، بل أحيانًا ما تكون مع المشارك في تقديم الخدمة:
"فيه أيضًا الاصطدام مع اﻷنا لدى بعض المشاركين؛ وهو السبب ياللي كتير منهم بيرفض يتعامل مع العملية الإبداعية كعمل جماعي".
وعلى الرغم من تلك المشكلة، لا ينكر لؤي ما بين أعضاء الفريق من انسجام:
"هلّأ على الصعيد الداخلي بالحدود، فيه تفاهم عالي بين أعضاء الفريق، وهذا الشي تطلب نطور قدرتنا على النقاش والحوار لنوصل لعمل مثمر".
كوميديا حذرة
قد يرى البعض إنتاج الكوميديا في ظل اﻷحداث المأساوية بالأمر الصعب، لكن ليس بالنسبة للؤي ورفاقه:
"تردي اﻷوضاع هو المادة الأساسية ياللي بتقوم عليها السخرية بالحدود، ونحنا الحمد لله بالمنطقة عِنّا اكتفاء ذاتي من تردّي اﻷوضاع، وعم نصدر لبرّه صرنا".
ولسخرية الحدود هدف واضح ومحدد:
"هلّأ بالسخرية لازم يكون فيه نقد، وكل حالة سيئة بالمنطقة فيه شخص أو مجموعة وراها، هادول بيكونوا محور السخرية".
لكن، قد يكون الأمر محفوفًا بالمخاطر:
"العملية مش سهلة، خصوصًا لما يكون الموضوع متعلّق بقضايا مأساوية جدًا، هادا الشي بينعكس على قدر السوادوية بالكوميديا تبعنا، بس دائمًا بيكون فيه حذر عالي إن السخرية تكون نقد واضح مش استهانة بآلام الآخرين.. فنحنا عِنّا محاذير طبعًا، إنو ما نكون مهينين ونحنا بنواجه المجتمع بأخطائه".
وعلى الرغم من عدم وجود خطوط حمراء صريحة، إلاّ أن الفريق آثر السلامة في مرات عدّة على نشر قصص بعينها، وفقًا لما كشفه لؤي:
"هلأ فيه مرّات تم نقاش فكرة دينية أو سياسية، واتفقنا باﻷخير إنو قد تتسبب بمشكلة أمنية للكاتب أو أعضاء الفريق. ونحنا أصلاً السقف يللي عم نتعامل فيه عالي، وبنعرف إنو عم نقدم نقد عالي؛ فاﻷفضل بيكون إنو نأجلها للوصول إلى طريقة أنسب لتقديمها".
على رأس الموضوعات التي تُمثّل تحديًا للفريق، تأتي السياسية، لأسباب يدركونها جيدًا كأبناء للمنطقة العربية:
"الموضوعات اﻷصعب هي السياسية والدينية.. والسياسية أصعب، ﻷنو الرقيب السياسي أكثر قسوة بكثير من المجتمع، وإذا اختلف معك بيحطك بالسجن. وباﻷخير، نحنا فيه عِنّا أعضاء من فريق العمل موجودين ببلاد عربية ممكن يتعرّضوا فيها لمضايقات، السجن ممكن يكون أخفّها".
.. وتحدّيات ثقافية
بعيدًا عن المخاوف اﻷمنية، كان الوصول لمجتمعات عربية بعينها أحد التحدّيات التي واجهتها الحدود، كما كشف لؤي:
"فعليًا. وبمصر كان في عِنّا صعوبة، لأنو مصر أهل الكوميديا، وأخدنا وقت لوصلنا للمتابع بمصر".
وقد تأتي المصاعب في صورة بعيدة عن هوى وتذوق المتابعين "هلّأ ببقية البلدان، الصعوبات اللي بتواجهنا هي إنو فيه بلدان فعليًا النت فيها سيئ، والمشكلة التانية هي إنو بكتير محلات (يقصد بلادًا كثيرة) بيكون فيه تخوّف بشكل عام من الإنخراط بالمتابعة، يعني فيه كتير ناس بتتابع الحدود بدون ما تتفاعل معها بشكل مباشر، وهذا فيه جزء منه خوف من الرقيب".
لكن، لم تمنع تخوفات بعض المتابعين أن يكون للحدود تواجدًا بارزًا في المجتمعات العربية، كما رصد لؤي:
"نحنا فيه محلاّت اتفاجئنا بحجم المتابعة (الكبير) فيها مثل سوريا والجزائر".
السر في الانتشار المتزايد للحدود يكمن في التعاطي مع الخصوصية المجتمعية لكل بلد، وبصورة تتيح إنتاج مادة تروق للقراء على تنوع خلفياتهم المجتمعية والثقافية، والتي تمكّن صناع الحدود من تحقيقها بخطوات محددة:
"الخصوصية المجتمعية فيه منها مبني على معرفة مُسبقة، لكن جزء منها هو هموم مشتركة بين جميع البلدان، يعني ابن اﻷردن الفقير بيقدر يلامس هموم الفقير في تونس أو مصر أو ليبيا، والجزء الأهم هو القراءة الجيدة عن الموضوع قبل الخوض بتفاصيله".
لا تتوقف مجهودات صُنّاع الحدود عند دراسة أوضاع الوطن العربي وإخراج محتوى مكتوب عنه، فالقوالب لدى الشباب متعددة، مثل الفيديو، والذي قرر الفريق- بصورة استثنائية- وقف إنتاجه، إلى حين توافر إمكانية إنتاجه بصورة مُرضية.
في النهاية، تبقى خطط وأحلام الفريق واضحة وطموحة، فهي وإن دفعتهم لوقف مؤقت في إنتاج الفيديو، ما زالت تدفعهم لاستمرار الضخ عبر الموقع الإلكتروني، بل وتقديم جديد للجمهور كشف عنه لؤي في ختام حواره مع المنصّة:
"يللي موجود على اﻷرض وعم نشتغل عليه هو جريدة مطبوعة فيها محتوى خاص، وبنتمنى إنو تعمل نجاح متل يللي على النت".