"هذه المرة كان الأمر أكثر صعوبة وقسوة، لم أجد ما يشغلني، والوقت يمر ببطء وملل.. فطلبت من أهلي في الزيارة التالية أن يحضروا لي أقلام ألوان فلوماستر وورق أبيض".. هكذا تحدث محمود محمد عن تجربة سجنه الثالثة.
لا يعرف الكثيرون اسم محمود، 24 سنة، يعرف الناس أكثر ياسين.. ياسين محمد، هكذا يعرفه الأصدقاء في الخارج، وأيضا داخل السجن.
يتذكر ياسين.." كنت أرسم وقت الطفولة، منذ عمر السادسة، رسمت كثيرا، مع المراهقة، تراجع الأمر حتي نسيته، لكن في السجن رأيت أشياء غريبة، بعض المساجين يقومون باختراع أدوات معيشة من اللاشيء، الأوضاع أحيانا صعبة، وأحيانا شديدة القسوة، مثل الازدحام، أو تردي أوضاع الزنزانة.
أيضا، يتابع ياسين، كانت هناك أشياء عادية، دخول أشعة الشمس عند الشروق، الأوضاع التي تتخذها أجساد المسجونين عند نومهم، حتى شكل الزنزانة العادية، وأيضا زنزانة السجن الانفرادي أحيانا يكون مثيرا للرسم،
كل هذه التفاصيل قام ياسين بتوثيقها برسوماته خلال تجربة السجن الأخيرة التي استمرت عامين. بدأ في استرجاع هواية الطفولة حالما وصلت إليه الأوراق والألوان مهربة من الخارج.
مرة، صودرت إحدى رسوماته، فحرص على إخفاء ما يرسم، وخرج بخمسين لوحة رسمها خلال فترة حبسه الأخيرة.
لكن لماذا سُجن ياسين؟
منذ 2013 حتى الأن قضي ياسين ما يقرب من ثلاث سنوات ونصف داخل السجون على فترات متقطعة، السجن الأول كان في نوفمبر 2013 على خلفية القضية المعروفة إعلاميا بقضية أحداث مجلس الشورى، عندما تم القبض على 25 شخص بعد فض وقفة إحتجاجية أمام مجلس الشورى لرفض مادة إحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية في دستور 2014.
في فبراير 2015 تم الحكم على ياسين بالسجن لمدة 3 سنوات، لكن أفرج عنه بعفو رئاسي رفقة أغلب المتهمين في القضية بعد قضاء حوالي سنة وثلاثة أشهر من مدة العقوبة.
تجربة السجن الثانية كانت قصيرة، شهر واحد، وكان ذلك على خلفية تظاهرات رافضة لإتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، والتي عرفت باسم قضية تيران وصنافير، في البداية تم الحكم على ياسين وأخرون بالسجن لمدة خمس سنوات، قبل أن يتم تخفيف العقوبة بعد ذلك إلي غرامة 100 ألف جنيه وتم الإفراج عنهم بعد سداد الغرامة.
"السجن الثالث كان الأطول والأكثر قسوة".. يقول ياسين.. "في المرتين السابقتين كنت برفقة بعض الأصدقاء، وهو ما كان يخفف بعض الشيء مرارة السجن".
في يوليو 2016، تم الحكم على ياسين بالسجن لمدة عامين مع النفاذ، بتهمة المشاركة في وقفة بميدان طلعت حرب في يناير 2014 لرفض قانون التظاهر، أمضى تلك الفترة متنقلا بين سجون وادي النطرون وسجن طرة.
"في مرة سجني الثالثة كنت وحيدا، برفقة أشخاص لا أعرفهم، كنا غرباء عن بعضنا ولا توجد فرصة للمعرفة حيث كنت انتقل من سجن لآخر" يخبرنا ياسين، ويكمل.."وهنا اكتشفت الرسم مرة أخرى".
الآن يعمل ياسين حاليا في جاليري فني، ويطمح في العمل أكثر على تطوير موهبته وإمكاناته في الرسم، أيضا يحلم بنتظيم معرض لعرض لوحاته. فقد اكتشف نفسه في الرسم، كوسيلة يمكنه من خلالها أن يعبر عن ما يدور بداخله وما يشاهده في الخارج.
أيضا يحلم ياسين بمستقبل أفضل، مستقبل لا يعود فيه إلى السجن.