يقع شارع دو بوييه في منطقة سانت أوين وهي ضاحية سكنية صغيرة في شمال باريس، شارع غير عادي يتألف من مبانٍ أعلاها ارتفاعه خمس طوابق ويمتلئ بمحال مفتوحة بشكل متقطع، ويوجد فيه ستاد باريس أو ملعب بوييه. بالتأكيد محيطه البعيد عن قلب عاصمة النور جعل الأضواء تنحسر عنه، تلك الأضواء التي تسلّط دائمًا على حديقة الأمراء، بارك دو برينس.
سانت أوين بالتأكيد ليس أكثر أحياء باريس رخاءً، بل على العكس فهو أحد أفقر المناطق الحضرية، النقيض الصارخ للمنطقة المحيطة ببارك دو برينس موطن الأحلام المميزة للنادي الثري الحديث في فرنسا ما بعد الحداثة؛ باريس سان جيرمان، مع طرقها الواسعة المليئة بالأشجار، والشقق الفخمة، ولافتات العلامات التجارية للشركات.
لكن على كل حال لدينا في الجانب المظلم من باريس نادي ريد ستار، النادي الذي تأسس في أحد مقاهي باريس منذ أكثر من 120 سنة على يد المحامي الشاب جول ريميه وكان عمره حينها 24 عامًا. هذا الشاب سيقترح لاحقًا إقامة بطولة لكرة القدم، اسمها كأس العالم.
12 كيلومترا تفصل بين ملعب باريس وبارك دو برينس، على طول شارع بريفيريك الشهير، ولكن في عالم كرة القدم والمصطلحات المالية الحاكمة له، يمكن قياس تلك المسافة بالسنوات الضوئية التي تفصل بين الناديين.
منذ تأسيسه في عام 1970، ولدى نادي باريس سان جيرمان على الدوام ادعاءات العظمة. من حين إلى آخر خلال هذا التاريخ القصير نسبيًا الذي لم يتجاوز الخمسين عاما، عرفت أموال شركة قطر للاستثمارات الرياضية طريقها على طول نهر السين في عام 2012 في محاولة لتأسيس إمبراطورية كروية في القرن الحادي والعشرين. كانت جماهير الفريق الباريسي تشعر بالرضا حين جلبت المؤسسة القطرية لاعبين من طراز فريد من أندية مثل ريال مدريد ومانشستر يونايتد. وكيف وصلوا في النهاية. لقد أدى انتقال نيمار من برشلونة إلى باريس سان جيرمان إلى تغيير جذري في المشهد المالي للعبة إلى الأبد، كما ضمنت مكانًا لنادٍ من مدينة باريس في قائمة الأندية العالمية الأكثر شهرة وقوة.
لذلك، وبينما واصل البي اس جي العمل على خطته للسيطرة على العالم، كان هدف نادي ريد ستار مختلفًا تمامًا. تصور ريميه وشركاؤه المؤسسون، أن يكون هناك نادٍ لكرة قدم يدور حول السياسة الفرنسية. ولكن بعد ما يزيد على قرن من الزمان، فإن الفلسفة الاجتماعية والطائفية لريد ستار ما زالت تهدف إلى كسب قاعدة جماهيرية من العمال والكادحين فقط.
لفهم المزيد عن ريد ستار اليوم، يجب على المرء أن يتخطى ماضيه ويحيط علما ببعض أكثر اللحظات المحورية في تاريخ هذا النادي. كان الانتقال للمقر الدائم لهم في حي سانت أوين عام 1910 يعني أن على النادي أن يحتضن دومًا التنوع الثقافي والجماهيري الذي يتفشى حوله، حيث سان دينيه تلك المقاطعة الفرنسية التي لديها تاريخ طويل من الهجرة من المستعمرات الفرنسية السابقة في المنطقة المغاربية وجنوب الصحراء الكبرى وكذلك منطقة البحر الكاريبي، واليوم هي المقاطعة التي توجد بها أعلى نسبة من المهاجرين في البلاد.
وجاءت الفترة الأكثر نجاحًا في النادي خلال سنوات ما قبل الحرب، عندما فاز بكأس فرنسا في أربع مناسبات وجاء لقبه الخامس في عام 1942 خلال الاحتلال الألماني، وازدهر النادي في عصر ما قبل الاحتراف. من خلال اسم وشعار ريد ستار -المستوحى من مربية ريميه في طفولته الآنسة جيني- ربما كان من المحتم أن يصبح النادي المكان الذي تجري خلاله اتصالات تجمع الطبقات العاملة اليسارية في الحي. سوف تصبح هذه الاجتماعات أقوى بعد إعدام لاعب الفريق رينو ديلا نيجرا من قبل النازيين خلال الحرب العالمية الثانية.
رينو ديلا نيجرا ابن مهاجر إيطالي لم يظهر أبداً في مباراة رسمية مع ريد ستار، نظرًا لتصعيده وقتها من مرحلة الناشئين، جُرح وأُسِرَ من قبل الألمان في عام 1944 خلال هجوم للمقاومة الفرنسية. عضو في مجموعة مانوشان، تلك المجموعة التي سميت تيمنًا بالشاعر والناشط الشيوعي ماسيك مانوشان، وهو الذي وجدوا في أوراقه بعد وفاته رسالة لأخيه تحتوي على كلمات "مرحباً لا وداعاً لريد ستار"، حيث قصته وولاءه لريد ستار وكذلك أشعاره عن النضال والتضحية القصوى لأجل الوطن أصبحت رمزية بشكل كبير لقاعدة جماهير النادي اليسارية.
منذ تلك الأيام المضطربة في النصف الأول من القرن العشرين، ففي النصف الثاني تراوح ريد ستار دوما بين الصعود لفترة قصيرة في رحلة القمة، ثم الانهيارات المالية. وحتى الاندماج المحير مع نادي تولوز في عام 1967 من بلدة مقابلة لا من باريس لم ينجح أيضا. لأن ريد ستار ببساطة نادٍ لن يموت، الناس لن يسمحوا له بذلك مهما كانت خسائره.
منذ وصول باتريس حداد عام 2008 إلى سدة رئاسة نادي ريد ستار، بعد خمس سنوات فقط من وصول النادي إلى قاع المنافسات المحلية وبعد سنتين من قضائه أصعب الأوقات في دوري الدرجة السادسة، تعارضت بعض طموحاته أحيانًا مع رغبات المشجعين الذين رفضوا خطته لبناء استاد جديد وتطويره بمبلغ يصل إلى 200 مليون يورو، لأنهم يعتبرون ملعب دي بوييه هو روح النادي.
وعلى الرغم من أن الملعب في حاجة ماسة للتنشيط، وعلى الرغم من كونه مكانًا مناسبًا لنادٍ ينافس في الدرجة الثالثة حيث يقبع حاليًا، فإن مرافقه المتداعية لم تكن مناسبة عندما كان النادي ينافس في دوري الدرجة الثانية، حيث أجبروا على لعب المباريات في ملعب جيان بوين - على بعد 75 كيلومترًا شمالي باريس.
الكثير من مبادرات الرئيس حداد تلاشت مع رغبة الجمهور، واستطاع تاريخ النادي الطويل أن يوضح للناس قيمة هذا النادي وأصالته وسط المجتمع الباريسي، فالتاريخ والعشاق المتعصبين فقط من سيقف خلف ريد ستار في العقود القادمة في مواجهة التوسع الدائم لباريس سان جرمان.
صحيح أن نادي ريد ستار هو نادٍ ينافس في مستويات متدنية، ولكنه لا يزال يذكر بماضٍ رومانسي مشهور، الناس يحبون ذلك لأنه لا يزال يتمتع بملعب كرة القدم على طريقة المدرسة القديمة للتشجيع. لم يتم بناء النادي لتحقيق النصر والفوز حسب. إنه رمز قوي جدا للحرية والإبداع، كان النادي هو رمز مقاومة باريس ضد الاحتلال الألماني.
والآن، لا يمتلك ريد ستار فقط ماضٍ عريق لمجرد أنه كان مكانًا لتجمع الأدباء والشيوعيين ومقاتلي المقاومة، بل إنه في الآونة الأخيرة، أنتج لاعبين ظهروا لبعض الأندية الكبرى والبطولات في العالم. مثل أليكسندر سونج نجم أرسنال ثم برشلونة، موسى سيسوكو نجم توتنهام حاليا وكذلك أبو ديابي لاعب أرسنال، على سبيل المثال لا الحصر، جميعهم مروا عبر استاد بوييه في بداية حياتهم المهنية قبل أن يجدوا الشهرة في مكان آخر.
لايزال لدى كل من ريد ستار والرئيس باتريس حداد طموحات كبيرة في ترك الدرجات الدنيا خلفهم والعودة سريعا إلى دوري الدرجة الأولى، حيث لم يسبق لهم ذلك منذ عام 1975. وإذا نجحوا في ذلك، سيكون من الصعب القول بأنها ليست قصة نجاح حقيقية لكرة القدم الباريسية القديمة في مواجهة حداثة باريس سان جيرمان.