تسجيل مُسرّب لمكالمة جنسية أو فيديو لعلاقة حميمة، ينتشر من موقع إلى آخر ويتحول إلى مادة متداولة عبر الهواتف وأجهزة الكمبيوتر؛ فيصبح أصحاب ذلك التسجيل- خاصّة النساء- في مرمى المحاكمات والبلاغات باتهامات مثل "التحريض على الفسق والفجور"، ولكن هذا ليس كل شيء.
فبالتوازي مع المسار القانوني، تبدأ وقائع الوصم المجتمعي، بأحكامه على المنسوب لهن هذا التسجيل أو ذلك الفيديو، حتى قبل إدانتهن قضائيًا، كما وقع مؤخرًا بعد تسريب فيديو يحتوي مشاهد علاقة جنسية بين المخرج خالد يوسف وفنانتين؛ ما دفع أحد المحامين للتقدم أمس الثلاثاء ببلاغ للنائب العام، يُطالب بحظر النشر في القضية، باعتبار ذلك "انتهاكًا لحرمة الحياة الخاصة".
أتى البلاغ بعد انتشار مواد إعلامية عديدة تداولت القضية، وتفاصيل التحقيقات الجارية فيها، بل إن اﻷمر بلغ حد أن صورت واحدة من وسائل الإعلام مع الفتاتين، فيما رأته مصادر تنوعت بين قانونيين وناشطات نسويات "أمرًا يتنافى مع مبادئ حقوقية ودستورية، تكفل السرية لتحقيقات النيابة، والخصوصية للمتهمين"، خاصة أن أول المتورطين في القضية، وفي الوقت نفسه المتضررين منها- يكون "الطرف اﻷضعف مجتمعيًا".. النساء.
"أدوات" في صراع
نددت إلهام عيداروس، وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية، بتحميل مسؤولية ما يُنشر من فيديوهات للنساء، قائلة إنهن "مَن يدفع الفاتورة"، مُشيرة إلى أنه "غالبًا ما يتم استغلالهن كأدوات في أي صراع، حتى السياسي، كما كان في واقعة نشر صور لابنة السياسي محمد البرادعي بالمايوه، باعتباره أمرًا فاضحًا أو مُشينًا".
وتطرقت عيداروس إلى ما يدور حاليًا من جدل حول فيديو المخرج والفنانتين، بقولها "الحالة هنا أسوأ، ﻷن الفتاتين يتعرضن لتدمير حياتهن، وللأسف هما لا يعنيان أحدًا، سواء مَن سرّب الفيديو أو مَن ساهم في نشره وبدأ في محاكمتهن أخلاقيًا، بل إن حتى بعض مَن تضامن رفضًا للتسريبات، كان تضامنه مع الرجل فقط".
واعتبرت عيداروس أنه "من المزعج" الاستناد إلى فيديو مُسرّب كدليل إدانة، وقالت إن السنوات الأخيرة "شهدت تسريبات في وسائل الإعلام لمحادثات سياسية وتطورت مؤخرًا إلى جنسية، يتم مهاجمة أصحابها دون محاسبة للإعلاميين لانتهاكهم حرمة الحياة الخاصة، أو حتى سؤالهم عن كيفية حصولهم على تلك التسريبات".
وأصدر النائب العام، اليوم الأربعاء، قرارًا بحظر النشر في القضيتين رقمي 6427 لسنة 2019 جنح أول مدينة نصر، و8242 لسنة 2019 جنح أول مدينة نصر، والمعروفة إعلاميًا بـ"الفيديوهات الإباحية" المتعلقة بالمخرج خالد يوسف، بحسب ما نقلته قناة سي بي سي إكسترا نيوز.
وعلى مدار الأيام الماضية، ظهرت أصوات معترضة على التسجيل الإعلامي مع الفنانتين أو تناول تفاصيل التحقيقات في القضية، إذ قالت وكيل مؤسسي "العيش والحرية"، إن السيطرة على هذا الأمر ممكن، بتطبيق "قرارات حظر النشر طالما تعلّق اﻷمر باﻷعراض والحياة الخاصة، وذلك لحين انتهاء المحاكمات"، متساءلة "لماذا نرى قرارات حظر النشر في قضايا سياسية أو قضايا فساد، بينما تغيب في هذه الحالات؟".
وتعدّ سريّة التحقيقات حقًا مصونًا، بقوة قانون الإجراءات الجنائية الذي نصّ في مادته رقم 75 على أنه " تعتبر إجراءات التحقيق ذاتها والنتائج التى تسفر عنها من الأسرار ويجب على قضاة التحقيق وأعضاء النيابة العامة ومساعديهم من كتّاب وخبراء وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق أو يحضرونه بسبب وظيفتهم أو مهنتهم عدم إفشائها، ومن يخالف ذلك منهم يعاقب طبقا للمادة 310 من قانون العقوبات".
مدانة مُسبقًا
من الناحية القانونية، شددت المحامية عزيزة الطويل على ضرورة توفير الحماية اللازمة للسيدات ضحايا مثل هذه التسريبات، بل ومنع اللقاءات الإعلامية معهن، معللة ذلك بأنه "لا يمكن الجزم بأن التسجيل الإعلامي معهن يتم برضائهن ورغبتهن الحُرّة، خاصة وأنه يتم في مكان احتجاز أو جهة تحقيق".
وشددت الطويل على أن الدستور "يحمي حُرمة الحياة الخاصة بسياج من النصوص التي تحتوي على ضوابط تُصعّب من المساس بها، في نهج سار عليه قانون العقوبات".
وأشارت إلى تحصين حُرمة الحياة الخاصة وتجريم النشر عنها بعدم رضاء أصحاب التسجيل- مصور أو صوتي- بقوة المادتين 309 مكرر و309 مكرر (أ) من قانون العقوبات، وكذلك المادة 25 من قانون مكافحة جرائم الإنترنت، فضلاً عن حظر قانون تنظيم الصحافة والإعلام وميثاق الشرف الصحفي لنشر ما يرد في التحقيقات.
وعن القضية الدائرة حاليًا، وصفت الطويل الفتاتين بأنهما "مجني عليهما، ويحقّ لهما التوجه للجهات المختصة ببلاغات تصون حقيهما"، وذلك ﻷنه "تم انتهاك خصوصيتهما سواء بالتصوير أو النشر، ومن الواجب مساءلة مقدمي البلاغات ضدهما، ومعرفة كيفية تحصّلهما على تسجيلات خاصة"، واستدركت بقولها "لكننا في وضع استثنائي تحوّل فيه المجني عليه إلى مجرم والجاني إلى بطل، خاصة وأنه لا يجوز مساءلة من يقيم علاقة بالتراضي".
وحول اتهام الفنانتين بـ"التحريض على الفسق والفجور"، أكدت المحامية أن أركانها لابد وأن تتضمن "دعوة منشورة لارتكاب أفعال يعاقب عليها القانون"، وأضافت "بينما في غالبية القضايا تكون الضحية على غير علم بالتسجيل، لكنها تتحول متهمة تقيد حريتها، وتصبح مطالبة بالدفاع عن نفسها وإثبات عدم علمها بإجراء التسجيلات التى تمت من اﻷساس في أماكن خاصة".
.. وطرف أضعف
تقول نيفين عبيد، عضو مؤسسة المرأة الجديدة، إن التعامل والعلاقات في المجتمع المصري لا تسوسها القوانين؛ مما يُسهل من وقوع حوادث انتهاك الخصوصية والمساحات الشخصية، بالمخالفة للدستور والقانون، كما ظهر في حالة "استتابة" الفنانتين عبر فيديو في وسائل الإعلام، أو تسريب ما وقع من اﻷساس.
وتنص المادة 57 من الدستور المصري على أن "للحياة الخاصة حرمة, وهى مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون. كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين فى استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفى، وينظم القانون ذلك".
وشكت عبيد مما وصفته بـ"حالة من عدم النضج والخروج عن اﻷطر القانونية" تحكم المجتمع؛ وقالت إن لهذه الحالة ثمن "تدفعه الفئة الأضعف، والتي دائمًا ما تكون المرأة في حالة القضايا المتعلقة بالحريات الجنسية، سواء كانت العلاقة رضائية أم لا، خاصة لو كانت القضية قضية رأي عام".
واختتمت عبيد بتأكيد أن الحلول لابد وأن تكون "جذرية"، وضربت على ذلك أمثلة بضرورة "أداء المؤسسات التشريعية لدورها، بسن قوانين تحمي خصوصية الجنسين وتعمل على الاشتباك مع قضايا الحُريّات- بما فيها الجنسية- باعتبارها حق أصيل، مع سن عقوبات رادعة للمنتهكي الخصوصية سواء بالتسريب أو بالتعامل الإعلامي الخاطئ مع اﻷمر".