إحدى صور الاستثمار غير المباشر. هكذا دافع أعضاء بمجلس النواب عن تعديلات قانون الجنسية المصرية والتي أصبح بموجبها يمكن لأي أجنبي أن يودع سبعة ملايين جنيه ويقيم في مصر لخمس سنوات، ليتمكن بعدها من التقدّم بطلب الحصول على الجنسية المصرية.
ووافق مجلس النواب، في جلسة الأحد الماضي، على مشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القرار بقانون رقم 89 لسنة 1960 بدخول وإقامة الأجانب في مصر والخروج منها، والقانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، لينتقل إلى رئاسة الجمهورية منتظرًا إقراره النهائي من الرئيس.
وعلى الرغم من اعتراض نواب تكتل 25/30 ومعهم النائب مصطفى بكري على التعديلات، إذ رأى بعضهم أن اﻷمر بمثابة "بيع للجنسية المصرية"، بينما رفض آخرون لدواعي "اﻷمن القومي"، مرر المجلس التعديلات، بمباركة من رئيسه علي عبد العال ونواب آخرين ركزوا في حديثهم عنها باعتبارها "تحسن مناخ الاستثمار"، وأن الوديعة "استثمار غير مباشر"، لكن متخصصين الاقتصاد كان لهم رأي آخر.
لا تشكّل فرقًا
مصدر حكومي في واحدة من أبرز الجهات المعنية بالاستثمار، أكد للمنصّة أن الوديعة وإن كانت في المجمل سيتم ضخها في الاقتصاد المصري وستسهم في نموه "إلا أنه لا يمكن تسميتها استثمارًا"، لا سيما وأنها بالأساس ستكون موجهة من الأجنبي للبنوك وليس لجهة استثمارية حكومية كوزارة أو هيئة الاستثمار، أو لحساب مشروع ما.
تتفق مع المصدر الحكومي، الباحثة الاقتصادية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية سلمى حسين، التي أوضحت أن الوديعة وإن كانت ستتيح للبنوك توظيفها في استثمارات أو إقراض، إلاّ أنها في حد ذاتها ليست صورة من صور الاستثمار، سواء المباشر أو غير المباشر.
حاولت المنصّة التواصل مع رئيس هيئة الاستثمار منى زوبع، للتعرّف على موقف الهيئة من القانون أو ما إذا كان هُناك خطة حيال هذه التعديلات ومدى ما قد تحققه من جدوى استثمارية، إلاّ أنها لم تستجب.
لكن المصدر الحكومي- الذي طلب عدم ذكر اسمه- قال إن "كل الحوافز والضمانات وغيرها من التفاصيل المتعلقة بالمستثمرين المصريين واﻷجانب موضحة بعيدًا عن هذه التعديلات الأخيرة، وذلك من خلال قانون الاستثمار".
ينص قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 على عدد من مُحفّزات الاستثمارات الأجنبية، من بينها أن تتمتع جميع الاستثمارات المقامة في جمهورية مصر العربية بالمعاملة العادلة والمنصفة، وأن تكفل الدولة للمستثمر الأجنبي معاملة مماثلة لتلك التي تمنحها للمستثمر الوطني، بل وأنه يجوز استثناءً بقرار من مجلس الوزراء تقرير معاملة تفضيلية للمستثمرين الأجانب، وذلك تطبيقاً لمبدأ المعاملة بالمثل.
"قوانين الاستثمار الحالية كافية جدًا، ولم يكن هناك داعٍ لتشريع آخر، ولا داعي لإقحام الاستثمار بمفهومه الحقيقي في هذا اﻷمر"، يقول المستشار السابق بالهيئة العامة للاستثمار نبيل الجدّاوي، تعقيبًا على تعديلات قانوني إقامة الأجانب والجنسية.
وأكد الجداوي للمنصّة أن ما يتردد حول الوديعة باعتبارها تسهيلًا وتحفيزًا للمستثمر الأجنبي "قول غير دقيق على الإطلاق، ﻷن أي مستثمر يحصل على الإقامة طالما كانت استثماراته قائمة، ودونما حاجة إلى إيداع أموال في البنوك، وهذا هو المعمول به منذ أن صدر أول قوانين الاستثمار في السبعينات وحتى اليوم".
ينص قانون الاستثمار 72 لسنة 2017 على أن تمنح الدولة المستثمرين غير المصريين إقامة فى جمهورية مصر العربية طوال مدة المشروع، وذلك دون الإخلال بأحكام القوانين المنظمة لذلك، وعلى النحو الذي تبينه اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
ونظمت اللائحة التنفيذية لهذا القانون إقامة المستثمرين الأجانب في مصر، حيث اشترطت أن يكون المستثمر الأجنبي مؤسسًا أو مساهمًا أو شريكًا في شركة أو صاحب منشأة، وألا تقل مدة الإقامة عن عام ولا تزيد عن مدة المشروع.
ورفض الجداوي وصف وديعة الإقامة بأنها استثمار غير مباشر، موضحًا أن لهذا الأمر صورًا مثل التعامل في البورصة وشراء الأسهم فيها، وصور أخرى ليس من بينها الودائع.
عامل إضافي
يقول النائب البرلماني كمال عامر عن وديعة الإقامة وما يتبعها من جواز منح الجنسية "فيه 20 دولة في العالم بتعمل ده، لأنه شكل من أشكال الاستثمار غير المباشر، لأن هذا القانون يُعد مكملاً لقوانين الاستثمار".
تردّ الباحثة الاقتصادية بالمبادرة المصرية سلمى حسين، عبر تصريحات هاتفية للمنصّة، "وهناك دول أخرى لا تفعل"، موضحة "في الاقتصاد هناك ما يعرف بالعامل المؤثر الأساسي والعامل الضروري والعامل الإضافي. وهذا التعديل التشريعي عامل إضافي، ليس بالأساسي ولا بالضروري.. فلا الدولة مضطرة له، ولا هو يشكل فارقًا حقيقيًا. ولا أعرف ما اﻷهمية القصوى لهذا القانون؟".
بالمثل يرى المستشار السابق بهيئة الاستثمار نبيل الجداوي أن مصر "لم تكن في حاجة لمثل هذه التعديلات التي تثير كثير من الأقاويل"، مُعقّبًا "لا أنا محتاج بشر ولا محتاج شخص يودع أموال ليحصل على فوائدها. وحتى لو منح الجنسية جوازيًا وليس وجوبيًا، فما الداعي لذلك؟".
وتشير سلمى إلى أمور أخرى تتعلق بالاستثمار وجذب رؤوس الأموال الأجنبية "معروفة" ومنها ما لم تجد مصر حلولاً لتقييماتها السيئة فيه مثل "التقارير الخاصة بمؤشرات التنافسية".
احتلت مصر المركز 100 بين 137 دولة في تقرير التنافسية العالمية لعام 2017، الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، بينما حلّت دولاً عربية أخرى في مراكز متقدمة وفقًا للتقرير نفسه، كان منها الإمارات في المركز 17، وقطر 25، والسعودية 30.
وبحسب ذلك التقرير، كان من أبرز المشكلات التي تعانيها مصر عدم استقرار السياسات، والتضخم والفساد والبيروقراطية.
وبالإضافة لتلك النقاط التي ذكرها التقرير الدولي، أشارت الباحثة الاقتصادية إلى عوامل أخرى مهمة للمستثمر اﻷجنبي، تمثلت في "القدرة على إنفاذ القانون عبر تمكين (المستثمرين) من اللجوء للقضاء في حالة النزاعات مع تنفيذ ما يصدر عنها من أحكام، والشفافية في منح تصاريح البناء وقرارات تخصيص اﻷراضي، بالإضافة للصورة الذهنية العامة عن البلد مقارنة بدول أخرى تنافسه في جذب الاستثمارات".
إقامة بوديعة
حتى مطلع اﻷسبوع الجاري، كانت المادة 17 من القانون 89 لسنة 1960، تُقسّم الأجانب من حيث الإقامة إلى ثلاث فئات هي ذوي إقامة خاصة وذوي إقامة عادية وذوي إقامة مؤقتة، حتى أضيفت يوم اﻷحد الفئة الرابعة ذوي إقامة بوديعة.
ووفقًا للتعديلات أضيفت مادة جديدة برقم 20 مكرر من القانون نفسه أفادت بأن "يصدر بتحديد المرخص لهم بالإقامة ومدتها وقيمة الوديعة ونوع عملتها وتنظيم إيداعها واستردادها والبنوك التى يتم الإيداع بها، قرار من وزير الداخلية بعد موافقة مجلس الوزراء، على ألا تقل عن 7 ملايين جنيه مصرى على الأقل أو ما يعادلها من العملة الأجنبية".
وكان آخر التعديلات هو إضافة مادة جديدة برقم 4 مكرر لقانون الجنسية المصرية 26 لسنة 1975، تنص على أن "يجوز بقرار من وزير الداخلية، منح الجنسية المصرية لكل أجنبى أقام فى مصر إقامة بوديعة مدة خمس سنوات متتالية على الأقل، سابقة على تقديم طلب التجنس ووفقا للضوابط المنصوص عليها فى المادة 20 مكرر من القانون رقم 89 لسنة 1960، بشأن دخول وإقامة الأجانب فى مصر والخروج منها، متى كان بالغا سن الرشد، وتوافرت فيه الشروط المبينة فى البند رابعًا من المادة 4 من هذا القانون".
وأضاف تعديل المادة "ويصدر بشروط وقواعد تقديم طلب التجنس، قرار من وزير الداخلية، بعد موافقة مجلس الوزراء، وفى حالة قبول طلب التجنس، تؤول قيمة الوديعة للخزانة العامة للدولة، ويسرى على من يمنح الجنسية وفقا لحكم هذه المادة ذات القواعد الواردة بالمادة 9 من هذا القانون".
يذكر أن مسودة للتعديلات الحالية ظهرت في ديسمبر 2016، بعد خمس شهور من الكشف عن فحواها وتناوله إعلاميًا باعتباره "لتشجيع الاستثمار، والتيسير على الأجانب ذوى الارتباط بمصر، وخلق روح الثقة والاستقرار".
ووفقًا لما ذكره موقع العربية، مطلع مايو/ أيار 2017، فإن قسم التشريع في مجلس الدولة اعترض رسميًا على مشروع القانون، في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، لأسباب كان منها أنه "يمنح وزير الداخلية سلطة مطلقة في تحديد المبلغ المالي المطلوب إيداعه، وتحديد شروط وقواعد تقديم طلب التجنس بقرار منه، بما يمثل مخالفة للدستور".
وفي تقرير نشرته صحيفة اﻷهرام المسائي، منتصف 2017، تحت عنوان "ليست بدعة مصرية.. الجنسية مقابل الدولار"، رفض وكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب عمرو الجوهري هذه التعديلات ﻷنها "لن تساعد في حل أزمة الاقتصاد المصري, باعتبار أن منح الجنسية ليست ميزة للمستثمر الأجنبي، الذي يرغب في الاحتفاظ بجنسيته حتي يستطيع اللجوء للتحكم الدولي، وﻷنها تتعارض مع بعض نصوص قانون الاستثمار"، دافع رئيس لجنة الدفاع واﻷمن القومي بالمجلس عن التعديلات التي وافقت عليها اللجنة آنذاك.
في ديسمبر/ كانون الأول 2017، وافق قسم التشريع في مجلس الدولة على مشروع التعديلات.
استثمار غير مباشر
أفادت المذكرة الإيضاحية لمشروع التعديلات بأنها "تهدف إلى تشجيع الاستثمار للأموال العربية والأجنبية في المشروعات الاقتصادية، وتيسيرًا على الأجانب ذوي الارتباط الطويل والقوى بمصر، من خلال منحهم إقامة بموجب وديعة نقدية، على أن يصدر بتنظيم إقامتهم، وبتحديد قيمة تلك الوديعة قرار من وزير الداخلية بعد موافقة مجلس الوزراء".
أما قائمة تأييد التعديلات وفكرة الوديعة، فضمت العديد من المسؤولين والنواب، منهم وزير المالية محمد معيط ، الذي قال في تصريحات تليفزيونية إن العديد من الدول "تُشجّع رؤوس الأموال والمستثمرين" بتسهيل إجراءات الإقامة وطلب الحصول على الجنسية.
قبل وزير المالية، تصدى نواب لمهمة الدفاع عن التعديلات، ومنهم المتحدث باسم المجلس صلاح حسب الله، ووكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب يحيى كدواني، ورئيس ائتلاف دعم مصر النائب محمد السويدي، الذي كان من أبرز المدافعين عن التعديلات إذ قال عنها، وفقًا لصحيفة الأخبار، إنها "نوع من أنواع الاستثمار".
حاولت المنصّة التواصل مع السويدي لتبيان الجدوى الاقتصادية والاستثمارية من التعديلات- من وجهة نظره- إلاّ أنه لم يستجب للاتصالات أو الرسالة النصيّة.
صوت آخر أخذ على عاتقه الدفاع عن التعديلات وتزكيتها، سواء تحت القبّة أو في وسائل الإعلام، هو رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي اللواء كمال عامر، الذي قال للمنصّة إن الأمر "ليس بيعًا للجنسية المصرية".
وأوضح عامر أن وديعة الإقامة تُمكّن الأجنبي من أن يستفيد من استثماره في مصر "بدل ما ييجي زيارات مكوكية لمتابعة أعماله هو ممكن إنه يطلب اﻹقامة"، مؤكدًا "وبعدين مصر مش هتجبر أي حد، هو برغبته إذا لقى ذلك في صالحه مصر بتستجيب ليه، وبعدين بتقيم وضعه، إذا كان التقييم إيجابي ويستحق منح الجنسية؛ ستمنحها له بضوابطها".