مرت أكثر من اثنتا عشرة ساعة منذ القبض على الصحفي والمدون وائل عباس فجر اليوم الثلاثاء، دون أن توضح أي جهة أمنية أو قضائية أسباب القبض عليه أو التهم الموجهة إليه أو مكان احتجازه، بينما على الجانب الآخر، تناقلت الصحف الحكومية وتلك الخاصة المقربّة من النظام الخبر وذيلته بفقرة تتحدث عن "مناهضته الدائمة للدولة المصرية" و"انضمامه لجماعة محظورة"، مثله مثل الكثير من الناشطين والباحثين والصحفيين بل وحتى مشاهير السوشيال ميديا الذين لا يقربون السياسة.
كانت من تلك الصحف "اليوم السابع"، التي نشرت أن "مصادر قانونية"، قالت لها إن السبب فى القبض عليه هو "اتهامه بمناهضة الدولة المصرية والتحريض عليها"، أما صحيفة "البوابة" فقد اختتمت خبر القبض على وائل عباس بعبارة "دائما ما يقوم وائل عباس بنشر كتابات مناهضة للدولة المصرية على مواقع التواصل الاجتماعي".
لكن صحيفة "الأهرام"، كانت أكثر مُباشرة في الاتهام الذي وجهته لوائل عباس، إذ قالت إنه "يتبنى أجندة وتوجهات ومخططات ودعوات تنظيم الإخوان من خلال حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي"، وذلك على الرغم من عدم صدور أي بيانات عن الجهات الرسمية، حتى لحظة نشر التقرير، تتعلق بأسباب القبض على المدون أو الاتهامات الموجهة إليه.
ما وجهته الصحف من اتهامات لوائل عباس، استبقت بها الجهات الرسمية، هي أمور أصبحت معتادة في عدد من القضايا التي اتهم فيها مؤخرًا منتمون للتيار المدني، من قبيل "الانضمام لجماعة محظورة او إرهابية، والتحريض ضد الدولة"، وهو ما أدى إلى أن تواجه مصر انتقادات حقوقية محلية ودولية، تعددت بعد منتصف عام 2013، إثر تصاعد وتيرة توقيف أو حبس المنخرطين في المجال العام، السياسي والحقوقي، بل وحتى المدونين الساخرين.
جماعة "محظورة"
تعد تُهمة "الانضمام لجماعة إرهابية أو محظورة" هي الأبرز في قوائم الاتهامات التي تواجه المقبوض عليهم، منذ يونيو/ حزيران 2013. فبموجب هذه التُهمة ومعها "إفشاء أسرار تتعلق باﻷمن القومي لشبه جزيرة سيناء"، صدر حُكم عسكري مساء أمس الثُلاثاء بسجن الباحث إسماعيل الاسكندراني 10 سنوات.
ويقول المحامي الحقوقي جمال عيد، عن هذه التُهمة، إنها "مُشكلة رئيسية عند النيابة العامة ونيابة أمن الدولة، التي توجهها للمقبوض عليه، وتتركه محبوسًا احتياطيًا بموجبها لفترات تتعدى السنتين، وكأنها عقاب دون تهمة، لينتهي الأمر- بعد أمد- إما بالإحالة للقضاء حيث فُرص الدفاع عنهم أكبر، أو بالإفراج عنه".
صدر حُكم السجن على الاسكندراني، بعد قضائه حوالي سنتين ونصف قيد الحبس الاحتياطي، والذي امتد مع المصور الصحفي محمود أبوزيد شوكان، ﻷكثر من 1500 يوم، قضاها قيد اتهامه بالتهمة نفسها؛ "الانضمام لجماعة إرهابية".
وطالت هذه التُهمة، خلال الشهرين الماضيين فقط، أشخاصًا محسوبين على التيار المدني، منهم على سبيل المثال وفي قضية واحدة، الصحفي حسن حسين والصيدلي جمال عبد الفتاح، ذي التوجه اليساري، مثل المحامي الذي ألقي القبض عليه الأسبوع الماضي هيثم محمدين. الثلاثة ألقي القبض عليهم من منازلهم، ويواجهون هذه التُهمة التي يُعلّق عليها عيد، مع تصاعد وتيرة استخدامها، بقوله "مابيتقالش إيه الجماعة المحظورة ولاّ إيه الإرهابية".
أصدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، في 3 مايو/ أيار الجاري، ورقة بحثية بعنوان "سُجناء الولا حاجة"، انتقدت فيها "الحبس الاحتياطي على ذمة قضايا بتُهم فضفاضة"، كان على رأسها تُهمتي "الانضمام لجماعة محظورة/ إرهابية، ونشر أخبار كاذبة". أما مُدير الشبكة العربية، فيصف هذه التهمة للمنصّة، بقوله إنها "ذريعة واهية يحاولوا (النيابة) تغليفها بغلاف قانوني كاتهام، كي يتمكنوا من حبس الناس احتياطيًا".
ينصّ قانون العقوبات في المواد 86 مُكرر على عقوبات تأسيس أو الانضمام لجماعات "إرهابية/ محظورة"، لتتراوح بين السجن 5 سنوات، وصولاً لعقوبات مُشددة كالأشغال الشاقة أو الإعدام.
متهمون ساخرون
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أثيرت ضجة على فيسبوك وتويتر، بسبب القبض على المدون إسلام رفاعي، صاحب مدونة "خُرم"، ثم اتهامه بتلك التهمة نفسها "الانضمام لجماعة محظورة".
مبعث الضجة، في ذلك الوقت، كان أن رفاعي الذي اشتهر بين أصدقائه بلقب "خُرم"، هو في الحقيقة مدون ساخر، رفع المتضامنون معه شعار "خُرم جاي يهرج" للتعبير عن مدى ابتعاده عن السياسة.
لكن "خُرم" واجه تُهمة "الجماعة المحظورة"، مثل ساخر آخر هو الإعلامي والمدون شادي أبو زيد، الذي ألقي القبض عليه من منزله، في 8 مايو/ أيّار الجاري، بملابسات تشابهت مع واقعة القبض على وائل عباس تمامًا، إذ ألقي القبض عليه فجرًا ودون تقديم أي تفسيرات ﻷسرته التي شهدت الواقعة.
شادي عمل في السابق مُراسلاً في واحد من أكثر البرامج الترفيهية انتشارًا، وكان يُقدّم، قبل القبض عليه، فيديوهات ساخرة عبر صفحة على فيسبوك تحمل اسم "المُحتوى الغني".
ويقول عيد عن "الحملة الأمنية" التي طالت أبناء التيار المدني "في الفترة الأخيرة، هيثم محمدين وشادي الغزالي حرب وشادي أبوزيد وآخرين، منضمين لقضايا باتهامات وهمية، لإبعادهم عن المجال العام ونشر الخوف وتحويل طاقة المطالبين بالديمقراطية إلى البحث عن المحبوسين"، معتبرًا أن "العدو الحقيقي للنظام البوليسي، هو التيار المدني الديمقراطي الرافض للحكمين العسكري والديني، خاصة وانه القطاع الأوسع في مصر".