أطلق المؤدي رامي عصام مطلع هذا الأسبوع أغنية جديدة بعنوان "بلحة" في إشارة لاسم متداول بين مستخدمين لشبكات التواصل الاجتماعي، للإشارة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي. وتعمّد رامي طرح أغنيته قبل أسابيع قليلة من موعد عقد الانتخابات الرئاسية، المنتظر فوز الرئيس السيسي بها أمام منافسه موسى مصطفى موسى رئيس حزب الغد.
تأتي أغنية رامي كدعاية سلبية مضادة في مواجهة الدعاية الضخمة التي ينالها الرئيس المصري الحالي عبر الصحف والمحطات الفضائية والراديو، بالإضافة لإعلانات الشوارع.
وبعد ساعات من صدورها صارت الأغنية من أعلى الفيديوهات مشاهدة، واحتلت الترتيب الثاني في قائمة الأعلى تداولا على يوتيوب.
التريند لا يعني النجاح
خلال العامين الأخيرين أصبح يوتيوب وسيطًا رئيسًا للمشاهدة لدى شرائح واسعة من الشباب. وصار فيسبوك هو قناتهم الرئيسة للتعرف على كل جديد من خلال ما يجدونه على الصفحات الرئيسة لحساباتهم home page. ومؤخرًا بدأ المطربون في الاهتمام بيوتيوب أكثر من قنوات التلفزيون، كما صارت الشركات تطرح إعلاناتها على يوتيوب وتهتم بتسويقها عليه، ربما أكثر من اهتمامها بالإعلان في وسائل الإعلام التقليدية.
كل هذه العوامل تجعل من طرح رامي عصام وغيره من منتجي الموسيقى والفنون السمعية والبصرية لأعمالهم على يوتيوب، وتحقيق ما يطرحونه لنسب عالية من المشاهدة، أمرًا منطقيًا. وسبق رامي عصام إلى الاكتفاء بيوتيوب فقط وسيطًا لطرح الأعمال، فريق كايروكي، الذي طرح ألبومه الأخير نقطة بيضا على يوتيوب فقط، بعد رفض الرقابة على المصنفات الفنية طرح الألبوم في الأسواق دون حذف.
لكن رغم الأعداد الكبيرة للمشاهدات التي تسجلها روبوتات يوتيوب، فإن اعتبار الأرقام معيارًا وحيدًا للنجاح يعد مؤشرًا مضللاً. فكثيرٌ من تلك الأغاني تتهاوى شعبيتها بعد ساعات أو أيام من طرحها، عندما ينتهي التريند وينقضي معه فضول المشاهدين والمستمعين. وقليل من تلك الأغاني يعود الناس لسماعها مرارًا بعد نهاية التريند، وهذا هو المؤشر الحقيقي على النجاح، فهذا يعني أن العناصر الفنية لذلك العمل كانت من الجودة بحيث يتجاوز زمن الاستماع إليها واستعادتها زمن التريند. فماذا كان نصيب رامي عصام؟
حققت الأغنية حتى لحظة كتابة هذه المراجعة في الأول من مارس/ أذار أكثر من 790 ألف مشاهدة، تحقق معظمها في اليومين الأولين لطرحها - طُرحت في 26 فبراير/ شباط الماضي. ولا تزال تتصدر قائمة الأكثر بحثًا بالنسبة للفيديو على جوجل ترندز . لكن القائمة نفسها تُظهر أن معدلات البحث تنخفض بدءًا من اليوم الرابع الموافق أول مارس، بينما لا يزال هناك نقاش حول الأغنية على فيسبوك.
بدايات شاب ثورى
يُعرف رامي عصام بأنه "شاب ثورى"، صاحب الجيتار الذي لازم التحرير يُلحن هتافات الثورة ويحولها إلى أغنيات ترددها حناجر المحتشدين، ومنها أغنيات اضحكوا يا ثورة وطاطي طاطي.
في تلك الفترة التي كان يسمعه فيها ثوار التحرير ويرددون معه أغنياته باعتبارها هتافات، كان ما يفعله رامي مناسبًا ويليق بالحدث. ولكن طرح منتج فني وإن كانت له أغراض سياسية للتداول العام؛ يفرض على العمل معايير أخرى بخلاف الهتاف على إيقاع بسيط، تتلخص مهمته في تنظيم الهتاف، لا تنغيمه وتحويله إلى منتج فني. وهو ما فات رامي عصام في أغنيته الجديدة "بلحة".
في هذه الأغنية يواصل رامي محاولاته لتقديم موسيقى يمكن تسويقها تجاريًا، حتى وإن كانت ذات محتوى سياسي. وهو ما تبدّى في إصداره أربعة ألبومات موسيقية خلال السنوات الماضية، لم تحقق انتشارًا جماهيريًا أو فنيًا. أولها كان ألبوم "منشورات الثورة" وتلته عدة ألبومات أخرى آخرها رسالة إلى مجلس الأمن.
في ألبوماته كلها ظل رامي محافظًا على خطه الموسيقي بإنتاج أغان معارضة لنظام الحكم في مصر. ولم يخرج عن هذا الخط في أي من أغنيات الألبومات. لكنه حاول الاستعانة بأعمال كتاب وشعراء لهم قصائد "سياسية" كأحمد فؤاد نجم وعلي سلامة وأمجد قهوجي، في سعي لتطوير كلمات الأغاني وجعلها أكثر عمقًا. لكنه استمر في وضع ألحان وتوزيعات صاخبة لتلك الكلمات بنفس الطريقة التي كان يلحن بها الهتافات في الميدان، وهو ما لا يتناسب مع الإيقاعات الشعرية لتلك القصائد. وإن كانت له أغان قليلة استطاع أن يضع لها ألحانا جيدة ومناسبة كأغنية فول كافيار
ما أصاب الـ"بلحة"
لم تخرج أغنية بلحة عن إيقاعات رامي الصاخبة. كتب الأغنية جلال البحيري الذي تعاون معه رامي من قبل أكثر من مرة. والأغنية مأخوذة من ديوان جلال الأخير "خير نسوان الأرض" الصادر عن دار ضاد للنشر، وظهر في معرض الكتاب الماضي. وتنبهت وسائل الإعلام خلال الأسابيع الماضية للديوان وهاجمه إعلاميون محسوبون على السلطات منهم أحمد موسى، الذي اعتبر الديوان "مسيئًا للقوات المسلحة" وللنبي. وربما تتسبب أغنية رامي الأحدث في مزيد من الهجوم على الديوان.
يستهل رامي أغنيته بمقطع مقتبس عن أغنية تراثية شهيرة، ويغيرها لتتضمن الحديث عن "السنين الأربعة" التي حكم فيها السيسي. تبدأ الأغنية بالسخرية من الملامح الشكلية للرئيس، ثم تستعرض القرارات والتحركات التي اتخذها الرئيس خلال الأعوام الماضية كالتنازل عن جريرتي تيران وصنافير، وبناء العاصمة الإدارية الجديدة ومشروع ازدواج المجرى الملاحي لقناة السويس الذي أُطلق عليه "قناة السويس الجديدة"، بالإضافة لاستمرار "الإرهاب" كما تقول كلمات الأغنية.
يُلقي رامي الكلمات بسرعة شديدة، كأنه يتمنى الانتهاء منها والهرب، لا يعطي المتلقي فرصة لاستيعاب ما يقول، فتحولت الأغنية لجمل متراصة صارخة من الهتاف الغاضب. تفتقر الأغنية كذلك إلى أية جماليات موسيقية، يلعب الجيتار -كعادة رامي- دور "البيركشن أو البيز" مجرد مُولِّد للإيقاع لتنظيم الهتاف أو الصراخ الغاضب؛ لا آلة موسيقية لها دور في توليد جماليات موسيقية، أو لعب صولوهات لافتة.
ضربات الجيتار العنيفة التي اعتمد عليها اللحن لم تكن مناسبة للكلمات ذات الطبيعة السردية، في الوقت الذي جاءت فيه الموسيقى ثورية وعشوائية، تتخذ اتجاها بعيدًا عن الكلمات التي تخاطب بالأساس ذاكرة المستمع وقدرته على الاستدعاء، وهي المطالب التي لن تلبيها تلك الموسيقى. تصمت الجيتارات عندما يظهر صوت رامي وتلعب دور الكورس. واختتم رامي الأغنية الاغنية بكورال نسائي "هو اللي ملبسنا هو اللي مسوحنا"، يخالف اتجاه الموسيقى التي وضعها رامي بنفسه. فانتهت الأغنية إلى ضوضاء عشوائية لم تُلَبِ مسعى صاحبها في توليد الحماسة والغضب.
فانتهت الأغنية إلى ضوضاء عشوائية لم تُلَبِ مسعى صاحبها في توليد الحماسة والغضب.
ما تمناه رامي وما يطلبه المستمعون
ربما أراد رامي أن يمنح المستمع الذي يتبنى ذات التوجه السياسي الرافض لسياسات الرئيس عبد الفتاح السيسي أغنية يرددها، في مقابل كل تلك الأغاني الحماسية المؤيدة الجديد منها وما يعاد استدعاؤه. لكن من ردود الأفعال الغاضبة من هذا الجمهور المعارض للسيسي نفسه على تويتر وفيسبوك، بدا أن رامي فشل في مسعاه، فقد كان هذا الجمهور عينه أول من انتقد قطاع منه الأغنية ورفضها، ووجدها فقيرة فنيًا.
جمهور السوشيال ميديا هو الجمهور الذي سعى إليه رامي، فهذا الجمهور هو من صك كلمة "بلحة" للإشارة للرئيس. لكن رامي لم يقدم لهم في أغنيته قيمة جديدة، هو لم يقدم فكرة لافتة، فالأغنية قائمة على مجرد سرد لمشروعات ومشكلات يتحدث عنها هذا الجمهور ليل نهار، لم تحمل الكلمات قيمة شعرية أو سياسية بخلاف الإيقاع الداخلي للشعر. أما الموسيقى، فلم تقدم إضافة فنية يمكن النظر إليها بعين الاعتبار.
لم يستفد رامي عصام من تجارب شبيهة سبقته مثل تجربة اسكندريلا التي تعتمد أيضًا على الأغاني الحماسية، لكنها تختار كلمات ذات طبيعة سردية، وتحمل قيمة شعرية لافتة كما ظهر في أغنيتهم شد يا سيدي، وهي أغنية تعدد مساوئ حكم الإخوان، نفس فكرة رامي في تعديد ما يراه مساوئ في حكم الرئيس السيسي. كما لم ينجح فيما نجحت فيه فرقة كايروكي في غنائها عن حكم الرئيس الحالي والإشارات والاسقاطات المتعلقة به، التي حملتها أغنيتهم الديناصور.
من ناحية الجمهور، جاءت ردود الأفعال متفقة في الحكم على الأغنية بالسوء والتواضع الفني. وكان الانقسام فقط بين مهاجمة شخص رامي أو التماس الأعذار له بسبب ما تعرض له من تعذيب خلال أشهر وسُنى الثورة الأولى، وتحيته لنضاله وتحمله للاعتقال والمطاردة بسبب آرائه السياسية. لكن أيًا من الجمهور الذي استهدفه رامي لم يجد في أغنيته ما يستحق معه أن يصف الأغنية بالجودة.
أما الجمهور على الجانب المُعاكس، جمهور مؤيدى الرئيس، فلن يرى في إنتاج رامي الأخير سوى فرصة أخرى للهجوم على الثورة والمؤمنين بها. ستكون الأغنية بالنسبة إليهم مجرد "قلة أدب" مزعجة، وسيطلقون هجماتهم على التعبيرات التي تضمنتها الاغنية كـ"بلحة" و"معرص"، وستبدو أغنيات مثل "تسلم الأيادي" منجزًا فنيًا بجانب ما يُطلق عليه البعض "فن الثورة".