صفحة محكمة العدل الدولية على إكس
جلسة محكمة العدل الدولية لنظر دعوى منع جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة المرفوعة من دولة جنوب إفريقيا، 26 يناير 2024

إسرائيل وفتوى "العدل الدولية".. أين "أخلاق" المحتل؟!

منشور الأربعاء 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2025

بينما يحاول الفلسطينيون في غزة التأقلم في ظل وقف إطلاق نار هش تنتهكه إسرائيل يوميًّا، أصدرت محكمة العدل الدولية في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي فتواها الاستشارية بشأن التزامات إسرائيل فيما يتعلق بوجود وأنشطة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى والمجتمع الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وما يتعلق بها.

أكدت المحكمة أنَّ على إسرائيل، بصفتها قوةَ احتلال، التزاماتٍ بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان في آن واحد، بالتالي خلصت المحكمة إلى أن دولة الاحتلال ملزمة بضمان حصول سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة على الإمدادات الأساسية للحياة اليومية، بما في ذلك الغذاء والماء والملابس والفراش والمأوى والوقود والإمدادات والخدمات الطبية، وتسهيل خطط الإغاثة.

معاناة مستمرة

يأتي هذا الرأي فيما تواصل إسرائيل عرقلة وتأخير اتفاق وقف إطلاق النار الموقع مؤخرًا في 13 أكتوبر لتوفير المساعدات الإنسانية لسكان غزة. 

دخول عشرات الشاحنات المحملة بالمساعدات الإغاثية إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم، 16 أكتوبر 2025

وفقًا لآخر تقرير عن الوضع الإنساني في غزة، منذ بدء وقف إطلاق النار وحتى 26 أكتوبر، فُرّغت 1456 شاحنة منسقة من قبل الأمم المتحدة عند معابر غزة، ما يمثل زيادة مقارنة بالفترة السابقة على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، ووفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، اعترضت إسرائيل 9% من الإمدادات مقارنة بنحو 80 في المائة في السابق. 

لكن ذلك يبقى أقلَّ من الكميات المطلوبة لسكانٍ يعانون من آثار عامين من الهجمات العسكرية والمجاعة.

حاليًا، يتطلب العبور إلى غزة من معبري كرم أبو سالم وكسوفيم إذنًا من إسرائيل، مع استمرار إغلاق معبر رفح. وقد أشارت خطة ترامب المكونة من 20 نقطة إلى أنه "على الأقل، ستكون كميات المساعدات متوافقة مع ما تم تضمينه في اتفاق 19 يناير 2025 بشأن المساعدات الإنسانية".

وفقًا لاتفاق يناير/كانون الأول كان مقررًا دخول 600 شاحنة تحمل مساعدات إنسانية يوميًا، نصفها يمر لشمال قطاع غزة والباقي يظل في الجنوب، إلا أن معدل دخول الشاحنات الحالي لا يزال أقل من هذا الهدف، وهو ما دفع وكالات الأمم المتحدة إلى دعوة إسرائيل لفتح جميع المعابر إلى غزة، خصوصًا وأن الأونروا لديها ما يكفي من الطرود الغذائية لـ1.1 مليون شخص، ودقيقًا لـ 2.1 مليون شخص، ومستلزمات إيواء لـ 1.3 مليون شخص، لكنها في انتظار السماح لها بدخول القطاع.

التزامات دولة الاحتلال

تضع فتوى محكمة العدل الدولية التزامًا على إسرائيل، بوصفها قوة احتلال، بإدارة الأراضي لصالح السكان المحليين، وعليها الموافقة على تسهيل خطط الإغاثة التي تقدمها الأمم المتحدة وكياناتها، بما في ذلك الأونروا، لضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان المحليين، وألا تعرقل توفير الإمدادات.

تشير الفتوى إلى ما يوجبه القانون الإنساني الدولي من ضرورة احترام وحماية العاملين في مجال الإغاثة والمرافق الطبية، ويحظر عليها تقييد وجود وأنشطة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة وما يتعلق بها. كما أن إسرائيل ملزمةٌ بالسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة الأشخاص المحميين من الأراضي الفلسطينية المحتلة المحتجزين لدى السلطات الإسرائيلية.

الوفد القانوني الجنوب إفريقي خلال جلسة نظر دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية - 11 يناير 2024

وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يجب أن تلتزم إسرائيل باحترام وحماية حقوق الإنسان للفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

بناءً على ذلك فإن تقويض إسرائيل لقدرة الأونروا والجهات الفاعلة الأخرى على أداء مهامها من المفترض أن يزيد من التزامها بتلبية احتياجات الفلسطينيين.

لكن إسرائيل لا تملك آليةً بديلةً لتوفير مستوى كافٍ من خدمات الإغاثة للفلسطينيين، بالتالي تكون ملزمةً بتيسير أنشطة كيانات الأمم المتحدة المسؤولة عن إدارة برامج الإغاثة، بما في ذلك الأونروا.

التزامات إسرائيل كقوة احتلال تضاف إليها التزاماتها، كعضو بالأمم المتحدة، وفق الفتوى، فهي مطالبة بمواصلة تعاونها الشامل مع الأمم المتحدة فيما يتعلق بقضية فلسطين بسبب "المسؤولية الدائمة" التي تقع على عاتق المنظمة تجاه هذه القضية.

أشارت المحكمة كذلك إلى أن إسرائيل لا يمكنها أن تقرر من جانب واحد وقف هذا التعاون من خلال اتخاذ قرار بشأن استمرار وجود كيانات الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وما يتعلق بها أو استمرار أنشطتها. وعلى هذا النحو تؤكد "العدل الدولية" على أن إسرائيل ملزمة باحترام الامتيازات والحصانات الممنوحة للأمم المتحدة ومبانيها وممتلكاتها وأصولها وموظفيها.

أي دولة، بما في ذلك إسرائيل، ملزمة باتباع الآليات القانونية الداخلية المنصوص عليها لحل النزاعات في حالة حدوث انتهاكات مزعومة من قبل موظفي الأمم المتحدة، مما يعني أن إسرائيل لا يمكنها التصرف بناءً على هذه الادعاءات من جانب واحد، وفي هذا الصدد، أكدت المحكمة أنه لا توجد أدلة تدعم ادعاء إسرائيل بأن الأونروا قد تسللت إليها حركة حماس أو أنها تفتقر إلى الحياد والنزاهة.

سوابق بلا جدوى

هذا الرأي الاستشاري هو الثالث من نوعه الذي تصدره "العدل الدولية" فيما يتعلق بإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، بعد الرأي الاستشاري الصادر عن المحكمة في 9 يوليو/تموز 2004 بشأن الآثار القانونية لبناء جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والرأي الاستشاري الصادر عن المحكمة في 19 يوليو 2024 بشأن الآثار القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.

إسرائيل واصلت عدم تنفيذ آراء المحكمة أو الالتزام بها

وأكدت المحكمة في هذه الأحكام السابقة أن على الدولة القائمة بالاحتلال أن تدير الأراضي المحتلة لمصلحة سكانها وحدهم، وقررت أن إسرائيل لا يمكنها المطالبة بالسيادة على أي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة أو ممارسة هذه السيادة، لأن احتلالها غير قانوني. وعلى الرغم من السلطة القانونية العليا للمحكمة، فإن إسرائيل تواصل عدم تنفيذ آرائها أو الالتزام بها. 

ولهذا السبب، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم A/RES/ES-10/2 دعمًا للفتوى الاستشارية الصادرة عن محكمة العدل الدولية في عام 2024، وترجمتها إلى مطالب محددة من إسرائيل، بما في ذلك فرض موعد لإنهاء وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية في غضون 12 شهرًا انتهت في 18 سبتمبر/أيلول من هذا العام، وقد انقضى الموعد النهائي دون أن تمتثل إسرائيل له.

ماذا يحمل المستقبل؟

بالنسبة للوضع الإنساني في القطاع، وضعت وكالات الأمم المتحدة خطة مشتركة فيما بينها مدتها 60 يومًا للاستجابة للحاجات الإنسانية، وتشمل عمليات الأونروا بما في ذلك الخدمات الصحية وخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية.

مع ذلك، فإن قدرة الأونروا على استئناف خدماتها التشغيلية العادية محدودة بسبب القيود التي تفرضها إسرائيل على إدخال الإمدادات المهمة، بما في ذلك المعدات اللازمة لإصلاح المرافق التابعة للأونروا المتضررة من العمليات العسكرية الإسرائيلية. كما لا تزال تواجه حظرًا على إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة منذ 2 مارس/آذار الماضي، وذلك في أعقاب حظر الكنيست عمليات الجهة الأممية في ما تعرفه إسرائيل بـ"الأراضي الإسرائيلية".

مدرسة تابعة للأونروا في قطاع غزة تحولت إلى مخيم نزوح بسبب العدوان الإسرائيلي، 6 نوفمبر 2024

وشددت المحكمة على أن "الأونروا مزود لا غنى عنه للإغاثة في قطاع غزة" بالنظر إلى تاريخها وعلاقتها الوطيدة الراسخة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، مما دفع المحكمة إلى استنتاج أنه "في الظروف الحالية، لا يمكن استبدال الأونروا في وقت قصير وبدون خطة انتقالية مناسبة".

ورحب المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني بـ الحكم الواضح الصادر عن محكمة العدل الدولية، وأعاد التأكيد على أن "إسرائيل ملزمة بالموافقة على خطط الإغاثة التي تقدمها الأمم المتحدة وكياناتها، لا سيما الأونروا، وتسهيل تنفيذها"، لكن إسرائيل لم تسمح حتى الآن بدخول المساعدات أو طاقم العمل التابع للأونروا داخل قطاع غزة. 

بالنظر إلى تلك الحقائق وتداعيات فتوى محكمة العدل الدولية، فإن اعتراضات إسرائيل والولايات المتحدة على مشاركة الأونروا في تنسيق وتقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة (وفقًا لولايتها) هي اعتراضات باطلة، ويجب احترام الرأي الاستشاري للمحكمة من جميع أطراف المجتمع الدولي، وذلك من أجل تخفيف الضغط عن آلاف الأفراد الذين يواجهون مستويات غير مسبوقة من الجوع والمرض عقب عدوان غاشم من حيث نطاق الدمار الذي استمر أكثر من سنتين.

بالتالي فإن التفاصيل الدقيقة ومجريات اتفاق وقف إطلاق النار، بما في ذلك اللوجستيات المتعلقة بتسليم جثث المحتجزين، لا يجب أن تعرقل أو تشكل شرطًا أو قيدًا على تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. 

على الرغم من عدم امتثال إسرائيل لآراء محكمة العدل الدولية المتتالية، فإن هذه الآراء تحمل أهميةً قانونيةً وأخلاقيةً لها تأثير دائم ومستمر على التحقيقات القضائية الجارية والمستقبلية المتعلقة بسلوك إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

لم يحدد رأي محكمة العدل الدولية في أكتوبر الماضي سوى التزامات إسرائيل تجاه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى والمجتمع الدولي. ولم يتناول ما إذا كانت قد انتهكت هذه الالتزامات. وسيتم تحديد هذه الانتهاكات، إلى جانب نقاط أخرى تتعلق بجرائم الحرب الإسرائيلية في غزة، من خلال إجراءات قانونية لاحقة سواء من خلال محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية أو آليات عدالة أخرى متفق عليها.

وسوف تستخدم هذه الآليات بلا شك ما توصلت إليه المحكمة من استنتاجات قانونية بشأن التزامات إسرائيل، بما في ذلك التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي؛ وتقرير المصير ومسؤولية الأمم المتحدة فيما يتعلق بقضية فلسطين وحصانات الأمم المتحدة.

كما أن الأمم المتحدة وأجهزتها المختلفة ملزمة بضمان احترام وتعزيز الفتوى الاستشارية لمحكمة العدل الدولية من قبل المنظمة نفسها ودولها الأعضاء. وسيتم ذلك من خلال قرارات أخرى للجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، فضلًا عن ضمان قيام جميع كياناتها بدمج قرارات الفتوى والالتزام بها فيما يتعلق بسلوك إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.